"أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب "
سبب النزول :
قال قتادة والسدي : نزلت هذه الآية في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد وشدة الخوف والبرد وضيق العيش وأنواع الأذى ، وقيل نزلت في حرب أحد .
وقال عطاء : لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة اشتد عليهم الضر ، لأنهم خرجوا بلا مال ، وتركوا ديارهم وأموالهم بأيدي المشركين ، وآثروا رضا الله ورسوله ، وأظهرت اليهود العداوة لرسول الله وأسر قوم النفاق ، فنزلت الآية الكريمة تطييبا لقلوب المسلمين .
وأيا ما كان سبب النزول فإن الآية الكريمة تقرر سنة من سنن الله في حياة الأمم .
الأمم بين طور القوة وطور الضعف :
ذلك أن كل أمة بين طورين لا ثالث لهما يخلف كل منهما الآخر ن متى توفرت دواعيه وأسبابه ، هذان الطوران هما طور القوة وطور الضعف .
فالأمة تقوى إذا حددت غايتها ، وعرفت مثلها الأعلى ورسمت منهاجها ، وصممت على الوصول إلى الغاية وتنفيذ المنهاج ومحاكاة المثل مهما كلفها ذلك من تضحيات .
إذا صدقت عزيمة الأمة وقويت إرادتها في ذلك فقد قويت قوة مطردة لا تزال تزداد حتى تتنسم غوارب المجد ، ولا يمكن لأية قوة في الأرض أن تضعف هذه القوة أو تنال من تلك الأمة وهي على هذا الحال .
ولا تزال الأمة كذلك بخير حتى تنسى الغاية ، وتجهل المثل ، وتضل المنهاج ، وتؤثر المنفعة والمتعة على الجهاد والتضحية ، وتهن العزائم وتضعف الارادات ، وتنحل الأخلاق ، ويكون مظهر ذلك الإغراق في الترف والقعود عن الواجب ، وحينئذ تأخذ الأمة في الضعف ويدب دبيب السقم الاجتماعي ، ولا تزال تضعف حتى تتجدد أو تبيد .
سبيل التجديد وسبل الإبادة :
وسبيل التجدد : أن يتيح الله لها الطبيب الماهر فيهتدي إلى الدواء الناجع ، وتتبعه الأمة في تناول هذا الدواء فتموت جراثيم المرض وتعود إليها القوة ، وتلك مهمة المصلحين ، والقادة مصابيح الهدى وشموس النهضات بهم تنجلي كللا فتنة عمياء .
وسبيل الإبادة أن تسدر الأمة في غيها ، وتظل هائمة على وجهها لا تنصت لناصح ، ولا تسمع لمرشد حتى تحين ساعة الفناء .
هذه السنة الربانية في بناء الأمم تقررها هذه الآية الكريمة ، فلا بد للمصلحين المجاهدين في سبيل إحياء الأمم وإعادة قوتها ومجدها أن يصمدوا لكل خطب ، ويحتملوا آلام الجهاد حتى تتحقق غايتهم ، فيكون جزاؤهم النصر ، ألا إن نصر الله قريب ، ولم تتخلف هذه السنة أبدا في قديم ولا حديث حتى مع أفضل الرسل وخير الأنبياء وصفوة الخليقة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الغر الميامين ، والله تبارك وتعالى يقول " ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين " .
وفي الصحيح أن هرقل حين سأل أبا سفيان عن رسول الله قال : هل قاتلتموه ؟ قال : نعم ، قال : فكيف كانت الحرب بينكم ؟ قال : سجالا يدال علينا و ندال عليه ، قال : كذلك الرسل تبتلى ثم تكون لها العاقبة . " وفي الصحيح عن خباب بن الأرت قال : قلبنا : يا رسول الله ، ألا تستنصر لنا ، ألا تدعو اله لنا ، فقال : إن من كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشار على مفرق رأسه فيخلص إلى قدميه لا يصرفه ذلك عن دينه ، ويمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه لا يصرفه ذلك عن دينه ، ثم قال : والله ليتم الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذب على غنمه ن ولكنكم قوم تستعجلون " .
ولقد تمت نبوءة رسول الله فتم الأمر ، وظهر الدين ن وقويت الأمة ، وأدال الله للمسلمين من أعدائهم .
وفي حديث عتبة بن غزوان : " لقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله ما لنا من طعام إلا الدقل وحسك السعدان حتى تقرحت أشداقنا ، ولقد شققت نمرة – عباءة – بيني وبين سعد ، وهاأنذا أنظر فلا أرى منا إلا أمير قطر أو مصر " .
إن في ذلك لعبرة لأمم الإسلام في نهضتها الحالية لو أرادت أن تعتبر ، ولا مجال لليأس ، وهذه سبيل القوة ، حددوا الغاية ،و اعرفوا المثل ، وارسموا المنهاج ، واصبروا على الجهاد ، وأعدوا له عدته ، والنصر من وراء ذلك إن شاء الله " عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون " .
====-
خواطر من وحي القرآن .. من سلسلة من تراث الإمام البنا –للأستاذ جمعه أمين
سبب النزول :
قال قتادة والسدي : نزلت هذه الآية في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد وشدة الخوف والبرد وضيق العيش وأنواع الأذى ، وقيل نزلت في حرب أحد .
وقال عطاء : لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة اشتد عليهم الضر ، لأنهم خرجوا بلا مال ، وتركوا ديارهم وأموالهم بأيدي المشركين ، وآثروا رضا الله ورسوله ، وأظهرت اليهود العداوة لرسول الله وأسر قوم النفاق ، فنزلت الآية الكريمة تطييبا لقلوب المسلمين .
وأيا ما كان سبب النزول فإن الآية الكريمة تقرر سنة من سنن الله في حياة الأمم .
الأمم بين طور القوة وطور الضعف :
ذلك أن كل أمة بين طورين لا ثالث لهما يخلف كل منهما الآخر ن متى توفرت دواعيه وأسبابه ، هذان الطوران هما طور القوة وطور الضعف .
فالأمة تقوى إذا حددت غايتها ، وعرفت مثلها الأعلى ورسمت منهاجها ، وصممت على الوصول إلى الغاية وتنفيذ المنهاج ومحاكاة المثل مهما كلفها ذلك من تضحيات .
إذا صدقت عزيمة الأمة وقويت إرادتها في ذلك فقد قويت قوة مطردة لا تزال تزداد حتى تتنسم غوارب المجد ، ولا يمكن لأية قوة في الأرض أن تضعف هذه القوة أو تنال من تلك الأمة وهي على هذا الحال .
ولا تزال الأمة كذلك بخير حتى تنسى الغاية ، وتجهل المثل ، وتضل المنهاج ، وتؤثر المنفعة والمتعة على الجهاد والتضحية ، وتهن العزائم وتضعف الارادات ، وتنحل الأخلاق ، ويكون مظهر ذلك الإغراق في الترف والقعود عن الواجب ، وحينئذ تأخذ الأمة في الضعف ويدب دبيب السقم الاجتماعي ، ولا تزال تضعف حتى تتجدد أو تبيد .
سبيل التجديد وسبل الإبادة :
وسبيل التجدد : أن يتيح الله لها الطبيب الماهر فيهتدي إلى الدواء الناجع ، وتتبعه الأمة في تناول هذا الدواء فتموت جراثيم المرض وتعود إليها القوة ، وتلك مهمة المصلحين ، والقادة مصابيح الهدى وشموس النهضات بهم تنجلي كللا فتنة عمياء .
وسبيل الإبادة أن تسدر الأمة في غيها ، وتظل هائمة على وجهها لا تنصت لناصح ، ولا تسمع لمرشد حتى تحين ساعة الفناء .
هذه السنة الربانية في بناء الأمم تقررها هذه الآية الكريمة ، فلا بد للمصلحين المجاهدين في سبيل إحياء الأمم وإعادة قوتها ومجدها أن يصمدوا لكل خطب ، ويحتملوا آلام الجهاد حتى تتحقق غايتهم ، فيكون جزاؤهم النصر ، ألا إن نصر الله قريب ، ولم تتخلف هذه السنة أبدا في قديم ولا حديث حتى مع أفضل الرسل وخير الأنبياء وصفوة الخليقة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الغر الميامين ، والله تبارك وتعالى يقول " ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين " .
وفي الصحيح أن هرقل حين سأل أبا سفيان عن رسول الله قال : هل قاتلتموه ؟ قال : نعم ، قال : فكيف كانت الحرب بينكم ؟ قال : سجالا يدال علينا و ندال عليه ، قال : كذلك الرسل تبتلى ثم تكون لها العاقبة . " وفي الصحيح عن خباب بن الأرت قال : قلبنا : يا رسول الله ، ألا تستنصر لنا ، ألا تدعو اله لنا ، فقال : إن من كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشار على مفرق رأسه فيخلص إلى قدميه لا يصرفه ذلك عن دينه ، ويمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه لا يصرفه ذلك عن دينه ، ثم قال : والله ليتم الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذب على غنمه ن ولكنكم قوم تستعجلون " .
ولقد تمت نبوءة رسول الله فتم الأمر ، وظهر الدين ن وقويت الأمة ، وأدال الله للمسلمين من أعدائهم .
وفي حديث عتبة بن غزوان : " لقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله ما لنا من طعام إلا الدقل وحسك السعدان حتى تقرحت أشداقنا ، ولقد شققت نمرة – عباءة – بيني وبين سعد ، وهاأنذا أنظر فلا أرى منا إلا أمير قطر أو مصر " .
إن في ذلك لعبرة لأمم الإسلام في نهضتها الحالية لو أرادت أن تعتبر ، ولا مجال لليأس ، وهذه سبيل القوة ، حددوا الغاية ،و اعرفوا المثل ، وارسموا المنهاج ، واصبروا على الجهاد ، وأعدوا له عدته ، والنصر من وراء ذلك إن شاء الله " عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون " .
====-
خواطر من وحي القرآن .. من سلسلة من تراث الإمام البنا –للأستاذ جمعه أمين