الخميس، ٢٨ أغسطس ٢٠٠٨

برنامج أول ليلة في رمضان



موضوع
كتبته قديماً ونشرته من قبل ، وأعيد نشره من جديد لأهميته وحاجتنا إليه خلال هذه الأيام المباركة

اللهم بلغنا رمضان .. وتمضي بنا الأيام وتتعاقب الأسابيع وتتوالى الشهور.. ويقترب منا قدوم شهر الخير والبركة والرحمات، ويعلو حداء المؤمنين ودعاؤهم الخالد: "اللهم بلغنا رمضان".

"اللهم بلغنا رمضان" إنه الحداء الخالد الذي ردَّده الحبيب- صلى الله عليه وسلم- عندما كان يقترب موعد قدوم الشهر الكريم، فقد ورد أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان إذا دخل رجب قال "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان" (الحديث رواه البزار، والطبراني في الأوسط، والبيهقي في فضائل الأوقات).

"اللهم بلغنا رمضان" تربى الصحابة الكرام على هذا الشعار، وعاشوا بهذا الدعاء الخالد، فكانوا يسعون إلى رمضان شوقًا، ويطلبون الشهر قبله بستة أشهر، ثم يبكونه بعد فراقه ستة أشهر أخرى.

"اللهم بلغنا رمضان" إنه حداء التشويق والإعداد لذلك الشهر العظيم، وتلك الغنيمة الكبرى التي لا تعوَّض.

"اللهم بلغنا رمضان" دعاء ورجاء.. يلهج به المسلم قبل قدوم الشهر الكريم؛ طمعًا فيما أعده الله فيه لعباده الصالحين (رحمةً ومغفرةً وعتقًا من النار)، وحرصًا على عدم إضاعته أو تفلته دون استفادة منه.

"اللهم بلغنا رمضان" نداء وحداء.. يدرك المسلم دلالاته، فيثير في نفسه الأشجان والحنين إلى خير الشهور وأفضل الأزمنة، فيعد المسلم نفسه للشهر الكريم ويخطط له خير تخطيط.. "اللهم بلغنا رمضان" نداء استغاثة يمثل الخطوة الأولى على طريق إعداد المسلم لنفسه، وتهيئتها لاستقبال الشهر الكريم.


بين يدي المشروع:
أخي الحبيب.. ها هي بشائر الخير في شهر الخير تطل علينا وتتنزل من رب جليل معطاء، تبحث عن باغ الخير في الأمة، وها هي اللحظة المباركة التي يتجلى الله فيها على عباده المؤمنين مع إطلالة شهر رمضان المبارك، بالنظر اليهم، والمن عليهم بعتق رقابهم من النار، والفوز بنعيم الله الذي لا ينفد، يقول الحسن البصري: "إن الله عز وجل جعل رمضان مضمارًا لخلقه يتسابقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ففازوا, وتخلَّف آخرون فخابوا، فالعجب من الضاحك اللاهي في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخسر المبطلون" فها هو السباق قد بدأ أخي الحبيب، فانظر أين تجد نفسك ومع أي فريقٍ أنت؟ ولا تفوتك وصية بن سيرين حينما قال: "إذا أراد الله عز وجل بعبدٍ خيرًا جعل له واعظًا من قلبه يأمره وينهاه".

شعار المشروع: (لن أبرح بابك حتى تنظر إليَّ وتغفر لي)

لماذا المشروع؟
• دعاء ورجاء طمعًا فيما أعده الله في الشهر الكريم لعباده الصالحين (رحمة ومغفرة وعتق من النار).
• نداء وحداء حرصًا على الفوز بالشهر الكريم وعدم إضاعته أو تفلته دون استفادة منه.
• نداء استغاثة وتضرع بما يمثل الخطوة الأولى على طريق إعداد المسلم لنفسه وتهيئتها لاستقبال الشهر الكريم.
• استجابة لما أخبرنا به الحبيب- صلى الله عليه وسلم-: "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب وينادي مناد: "يا باغي الخير اقبل ويا باغي الشر اقصر ولله عتقاء من النار في كل ليلة".


المستهدف من المشروع:
• الفرد المسلم
• البيت المسلم
• المجتمع المحيط بأكمله

أهداف المشروع:
• أن نُحيي الليلة الأولى من شهر رمضان المبارك
• أن نُوجب لأنفسنا نظر الله إلينا.
• أن نرزق العتق من النار في أول ليلة من رمضان

ثمار المشروع:
إليك أخي الحبيب بعضًا من أحاديث المصطفى- صلى الله عليه وسلم- والتي ترشدنا إلى ثمار هذا المشروع الرباني:

• "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان ينظر الله عز وجل إليه ومن نظر الله إليه لم يعذبه أبدًا".
• "من قـام رمضـان إيمانـًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم من ذنبه".
• "إن الرجـل إذا صلى مـع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة".
• "ولله عتقاء من النار في كل ليلة".
• "تسحَّروا فإن في السَّحور بركة".

ضمانات نجاح المشرع:
• أشرك أهل بيتك في هذا الخير واتفق معهم مسبقًا على هذا البرنامج قبل التنفيذ.
• أشرك المجتمع معك، ووزع هذا البرنامج على (10) وتعاهد معهم على تنفيذه وتذكير بعضكم البعض، فقد يكون هناك مَن هو أنشط منك، فرب مبلغ أوعى من سامع.
• الدعاء والتوسل إلى الله بأن يعيننا على استغلال رمضان كما ينبغي، وسدد وقارب ولا تيأس، واستشعر أن نيةَ المرء أبلغ من عمله.
• جدد النية والعزم دائمًا وأحدث عملاً صالحًا (خبيئة بينك وبين ربك) في رمضان هذا العام.

كيف ننفذ المشروع؟؟


يراعى عند التنفيذ :

  • مراعاة اختلاف التوقيت بين قطر وقطر وبين مدينة ومدينة.
  • تنفيذ البرنامج وفقا للظروف ، وبحسب الإمكان .
فهلا قدمنا بين يدي ربنا ما يؤهلنا لنظر الله ورحمته!!
(اللهم سلمني إلى رمضان وسلم لي رمضان وتسلمه مني متقبلاً)

السبت، ٢٣ أغسطس ٢٠٠٨

حريق الشورى وحرقة القلب




" ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس " تذكرت هذه الآية بعدما شاهدت حريق مجلس الشورى ، ذلك الحريق الذي ألقى بظلاله وبثقله علينا، وأصابنا بذهول وأسف وحنق وضيق وكل مفردات أمراض ضغط الدم والقلب ، وطرح أمامنا سؤالاً دائماً ما كان يتردد بيننا حول مقدرة حكومة الطوارئ على إدارة شئون البلاد وقيادتها إلى بر الأمان؟ ولقد أصابتنا الحسرة جميعا من سؤال مذيعة إحدى القنوات الفضائية وهل تسأل ضيفها المصري : هل في مصر إمكانيات للسيطرة على الحريق أم تحتاج إلى معدات اطفاء ومساعدات من دول أخرى؟ وهل تتوفر في مصر مستشفيات وأطباء يعالجون الإصابات الناتجة عنه؟ أهذا سؤال يوجه إلى مصر القيادة والريادة والزعامة العربية ؟ أوصل بنا الحال إلى هذا الحد من السخرية والاستهزاء بقدراتنا وامكانياتنا؟ هل هذا السؤال يعبر عن مكانة مصر ؟ حسبنا الله في حكومة الطوارئ التي أوصلتنا إلى هذا الضعف والهوان والإهمال والتدني إلى أدنى المستويات بين الأمم والشعوب .

كارثة الكوارث
لقد كان حريق الشورى بمثابة كارثة الكوارث بكل المقاييس، فحينما نعجز عن مواجهة حريق التهم مبنى مجلس الشورى فهي كارثة ، وحينما لا نسيطر على الحريق إلا بعد أكثر من 15 ساعة انتهى خلالها كل شئ فهي كارثة أخرى، وحينما يلتهم الحريق أعرق وأهم مبنى في مصر ذلك المبنى التاريخي صاحب ال200عاما والذي شهد محاكمة الزعيم أحمد عرابي ، والذي دون به أول دستور لمصر سنة 1923 فهي كارثة ، وحينما يلتهم الحريق تاريخ مصر عبر وثائقها القديمة وتراثها التاريخي تلك الوثائق التي لا تقدر بثمن والمحفوظة منذ عقود، بها تاريخ مصر و تحوي تسجيلا للحياة السياسية المصرية وأوراق تتعلق بكل الشأن المصري، داخليا وخارجيا فهي كارثة ، وحينما يكون مبنى بهذه القيمة وهذا الحجم ولا توجد به أجهزة وقائية فهي كارثة ، حينما يكشف الحريق عن إهمال جسيم في عمليات الأمن المدني أو الصناعي؛ مما يجعل تعرُّض المباني المهمة لأية أعمال تخريبية أمرًا واردًا فهي كارثة ، وحينما ترفض الأجهزة الأمنية استخدام ثاني أكسيد الكربون في مكافحة النيران، تجنباً لردم المباني المجاورة - مجلس الوزراء ووزارة الصحة والجامعة الأمريكية والسفارة الأمريكية - بالمسحوق الأبيض فهي كارثة .

شيخوخة نظام
وحينما يصرح أحد المسئولين "بأن الأمر بسيط يمكن السيطرة عليه، والحريق تحت السيطرة " وبعدها يكتشف الجميع أن الحكومة هي التي تحت سيطرة الحريق وليس العكس فهي كارثة، وحينما يتحدث مسئول رفيع المستوى قائلا " سنسعى لعمل خطة تأمين من أكبر ما تكون حتى لا تحدث مثل هذه الحرائق مرة أخرى" فهي كارثة ، حينما يدعو وكيل مجلس الشورى الشعب للتبرع لإعادة بناء المجلس المحروق فهي كارثة ، وحينما يعلن رئيس اتحاد الكرة التفكير في مباراة دولية ودية يخصص ريعها لبناء المجلس المحترق فهي كارثة ، وحينما يكون تعليق رئيس الدولة على الحريق أن المبنى سيعاد بناؤه على نفقة الدولة والتي هي أصلاً من أموال الغلابة فهي كارثة ، وحينما تكون حالة الترهل والشيخوخة التي أصابت الدولة "نظامًا وشعبًا" في التعامل مع الأزمات ومنع الكوارث هي السائد فهي كارثة، فهل لنا بعد ذلك أن نتحدث عن بنية أساسية ومشروعات عملاقة ودولة يحترمها العالم ؟ لا نملك حينئذ إلا أن نقول: كذب ونفاق يا حكومة الطوارئ .

وحينما تكون تعليقات العامة من الناس بالدعوات باستمرار الحريق وامتداده إلى مجلس الشعب ومجلس الوزراء فهي كارثة ، وحينما يراني أحد المواطنين مهموماً وأنا أشاهد الحريق فيقول لي "وأنت زعلان عليهم ليه" فهي كارثة، وحينما تكون تعليقات الناس تشير إلى موت معانى الانتماء للوطن في نفوس المواطنين بفضل الحكومة الرشيدة فهي كارثة، وحينما لا نستطيع محاسبة المسئول عن تدني مستوى اجهزة انذار واطفاء مباني سيادية تاريخية كمجلس الشورى بسبب الفساد فهي كارثة، ولذلك فنحن نقر بأن حريق الشورى بمثابة كارثة بكل المقاييس، فهو النقطة السوداء في تاريخ حكومة الطوارئ وهو حريق نظام كامل بعد تفشِّي فساده وافترائه على كل الشعب وعجزه عن أداء أقل الواجبات المفروضة عليه، بل وفشله في حماية التراث الوطني والملكيات العامة والآثار المصرية .

حرائق عدة
لم يكن حريق مجلس الشورى كارثة وفقط،، ولم يكن حريقاً واحداً فحسب ، فقد احترق مع المبنى كل شيء جميل في حياتنا، احترق المبنى الرمز والتراث ، احترق المبنى واحترقت معه مصر الحضارة والتقدُّم، واحترقت معه مصر الريادة والقيادة ، واحترق معه تاريخ مصر القديم والحديث، واحترقت معه كل القيم النبيلة ، بل واحترق معه الوطن ، واحترقت معه قدرتنا على إدارة الكوارث والأزمات ، احترق المبنى واحترقت معه كل ملفات الإدانة في قضايا الفساد المستشري في البلاد ، بدءاً من ملفات أكياس الدم الفاسد، وملف العبارة الغارقة، وملفات حرائق القطارات، وملفات تهريب الأموال للخارج، وملفات اخرى كثيرة للفساد والمفسدين لقيت حتفها ، وعلي الفساد ألا يخاف وألا يحزن، وأن يبدأ صفحة جديدة لفساد جديد مع عصر جديد ومجلس شورى جديد ، ولا أعتقد أن الحريق سيغير من طبيعة الفساد والمفسدين ، أو أن تقف معه الحكومة وقفة جادة وحازمة محللة أسبابه ومتخذة خطوات راشدة ، بل ستكون وقفتها معه مثل مرور الكرام ، وستمضي بنا قدماً نحو الخراب والدمار ، وسننتظر منها الكارثة القادمة – براً أو بحراً أو جواً - بكل ثقة وطمأنينة ، فالحقيقة شاهدة عليهم "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" ، فإلى المزيد من الأصفار والكوارث والأزمات يا حكومتنا الرشيدة ، ولك الله يا مصر وحسبنا الله ونعم الوكيل .

الخميس، ٧ أغسطس ٢٠٠٨

ماذا يعني شهر شعبان للمسلم ؟


تهيئة
شهور السنة كلها لله في الطاعة والعبادة " إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا " ولكن شهر شعبان له مذاق خاص ما أحلاه، وما أغلاه، وما أطيبه، إنه شهر الحبيب صلى الله عليه وسلم ، شهر أحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفضله على غيره من الشهور، فهو الشهر الذي يتشعب فيه خير كثير ، من أجل ذلك اختصه الحبيب صلى الله عليه وسلم بعبادة تفضل غيره من الشهور، فقد روى الامام احمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله يصوم ولا يفطر حتى نقول: ما في نفس رسول الله أن يفطر العام، ثم يفطر فلا يصوم حتى نقول: ما في نفسه أن يصوم العام، وكان أحب الصوم إليه في شعبان"


منحة ربانية
شهر شعبان هو شهر المنحة الربانية ، التي يهبها الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن لله في أيام دهرنا أياماً وأشهراً يتفضل بها على عباده بالطاعات والقربات ويتكرم بها على عباده بما يعده لهم من أثر تلك العبادات ومن تلك الأشهر شهر شعبان ، وهو هدية من هدايا رب العالمين إلى عباده الصالحين من قبلها غنم ومن ردها ندم ، ففي هذا الشهر ليلة عظيمة هي ليلة النصف من شعبان عظَّم النبي صلى الله عليه وسلم شأنها في قوله : "يطّلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلاَّ لمشرك أو مشاحن" ، وهو الشهر الذي فيه ترفع الأعمال اليه سبحانه وتعالى فقد روى الترمذي والنسائي عن أُسَامَة بْن زَيْدٍ قَال: قُلتُ: يَا رَسُول اللهِ، لمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَال: "ذَلكَ شَهْرٌ يَغْفُل النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَال إِلى رَبِّ العَالمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عملي وَأَنَا صَائِمٌ" ففي هذا الشهر يتكرم الله على عباده بمنحتين عظيمتين؛ الأولى عرض الأعمال عليه سبحانه وتعالى و بالتالي قبوله ما شاء منها، والثانية مغفرة الذنوب للعباد من عنده تكرما و تفضلا.

سنة نبوية
شهر شعبان هو شهر الهدي النبوي والسنة النبوية في حب الطاعة والعبادة والصيام والقيام ، فقد روى البخاري ومسلم عن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان " وفي رواية عن النسائي والترمذي قالت: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في شهر أكثر صياما منه في شعبان، كان يصومه إلا قليلا، بل كان يصومه كله، وفي رواية لأبى داود قالت: كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان، ثم يصله برمضان ، وهذه أم سلمة رضي الله عنها تقول: " ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان" ، ومن حديث انس بن مالك رضي الله عنه : وكان أحب الصوم إليه في شعبان، ولشدة معاهدته صلى الله عليه وسلم للصيام في شعبان، ولذلك قال ابن رجب " إن صيام شعبان أفضل من سائر الشهور"، قال ابن حجر: "في الحديث دليل على فضل الصوم في شعبان ، وقال الامام الصنعاني "وفيه دليل على انه يخص شهر شعبان بالصوم اكثر من غيره" وذكر العلماء في تفضيل التطوع بالصيام في شعبان على غيره من الشهور: أن أفضل التطوع ما كان قريبا من رمضان قبله وبعده، وذلك يلتحق بصيام رمضان، لقربه منه، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها، فيلتحق بالفرائض في الفضل، وهي تكملة لنقص الفرائض .


غفلة بشرية
شهر شعبان هو الشهر الذي يغفل الناس عن العبادة فيه؛ نظرا لوقوعه بين شهرين عظيمين هما رجب الحرام ورمضان المعظم ، وقد انقسم الناس بسبب ذلك إلى صنفين ، صنف انصرف إلى شهر رجب بالعبادة والطاعة والصيام والصدقات وغالي البعض وبالغ في تعبده في رجب حتى أحدثوا فيه من البدع والخرافات ما جعلهم يعظمونه أكثر من شعبان، والصنف الآخر لا يعرفون العبادة إلا في رمضان ، ولا يقبلون على الطاعة إلا في رمضان ، فأصبح شعبان مغفولا عنه من الناس ، واشتغل الناس بشهري رجب ورمضان عن شهر شعبان ، فصار مغفولا عنه، وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيام شعبان لأن رجب شهر محرم، وهذا ليس بصحيح، فإن صيام شعبان أفضل من صيام رجب ، ولذلك كان اهتمام الحبيب صلى الله عليه وسلم به كما في حديث أسامة : يا أسامة ذاك شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان ، وفي ذلك إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الأزمنة أو الأماكن أو حتى الأشخاص قد يكون غيره أفضل منه إما مطلقا أو الخصوصية فيه، لا يتفطن لها أكثر الناس، فيشتغلون بالمشهور عندهم عنه، ويفوتون تحصيل فضيلة ما ليس بمشهور عندهم، ولما كان الناس يشتغلون بغير شعبان عن شعبان فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعمره بالطاعة وبالصيام،وهذا فيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله عز وجل، ولذا كان طائفة من السلف يستحبون إحياء ما يغفل عنه الناس فإن أجر العبادة يزداد إذا عظمت غفلة الناس عنها .

دورة تأهيلية لرمضان
شهر شعبان هو شهر التدريب والتأهيل التربوي والرباني ، يقبل عليه المسلم ليكون مؤهلا للطاعة في رمضان ، فيقرأ في شهر شعبان كل ما يخص شهر رمضان ووسائل اغتنامه ، ويجهز برنامجه في رمضان ويجدول مهامه الخيرية ، فيجعل من شهر شعبان دورة تأهيلية لرمضان فيحرص فيها على الإكثار من قراءة القرآن والصوم و.... وسائر العبادات ، ويجعل هذا الشهر الذي يغفل عنه كثير من الناس بمثابة دفعة قوية وحركة تأهلية لمزيد من الطاعة والخير في رمضان ، فهو دورة تأهيلية على صيام رمضان حتى لا يدخل في صوم رمضان على مشقة و كلفة ، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط ، وحتى يتحقق هذا الأمر فهذا برنامج تأهيلي تربوي يقوم به المسلم في شهر شعبان استعدادا لشهر رمضان المبارك :


التهيئة الإيمانية التعبدية
- التوبة الصادقة أولاً، والإقلاع عن الذنوب والمعاصي وترك المنكرات، والإقبال على الله، وفتح صفحة جديدة بيضاء نقية.
- الإكثار من الدعاء "اللهم بلغنا رمضان"؛ فهو من أقوى صور الإعانة على التهيئة الإيمانية والروحية.
- الإكثار من الصوم في شعبان؛ تربيةً للنفس واستعدادًا للقدوم المبارك، ويفضل أن يكون الصوم على إحدى صورتين (إما صوم النصف الأول من شعبان كاملاً، وإما صوم الإثنين والخميس من كل أسبوع مع صوم الأيام البيض).
- العيش في رحاب القرآن الكريم، والتهيئة لتحقيق المعايشة الكاملة في رمضان، وذلك من خلال تجاوز حد التلاوة في شعبان لأكثر من جزء في اليوم والليلة، مع وجود جلسات تدبر ومعايشة للقرآن.
- تذوَّق حلاوة قيام الليل من الآن بقيام ركعتين كل ليلة بعد صلاة العشاء، وتذوَّق حلاوة التهجد والمناجاة في وقت السحَر بصلاة ركعتين قبل الفجر مرةً واحدةً في الأسبوع على الأقل.- تذوق حلاوة الذكر، وارتع في "رياض الجنة" على الأرض، ولا تنسَ المأثورات صباحًا ومساءً، وأذكار اليوم والليلة، وذكر الله على كل حال.

التهيئة العلمية
- قراءة أحكام وفقه الصيام كاملاً (الحد الأدني من كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق)، ومعرفة تفاصيل كل ما يتعلق بالصوم، ومعرفة وظائف شهر رمضان، وأسرار الصيام (من كتاب إحياء علوم الدين)، وقراءة تفسير آيات الصيام (من الظلال وابن كثير).
- قراءة بعض كتب الرقائق التي تعين على تهيئة النفس (زاد على الطريق، المطويات الجديدة التي تَصدر قُبيل رمضان من كل عام).
- الاستماع إلى أشرطة محاضرات العلماء حول استقبال رمضان، والاستعداد له، ومنها شرائط أ. عمرو خالد، وشريط روحانية صائم للشيخ الدويش وغيرهم من العلماء.
- مراجعة ما تم حفظه من القرآن الكريم؛ استعدادًا للصلاة في رمضان، سواءٌ إمامًا أو منفردًا، والاستماع إلى شرائط قراءات صلاة التراويح، مع دعاء ختم القرآن.

التهيئة الدعوية
- إعداد وتجهيز بعض الخواطر والدروس والمحاضرات والخطب الرمضانية والمواعظ والرقائق الإيمانية والتربوية للقيام بواجب الدعوة إلى الله خلال الشهر الكريم.
- حضور مجالس العلم والدروس المسجدية المقامة حاليًا؛ استعدادًا لرمضان والمشاركة فيها، حضورًا وإلقاءً.
- العمل على تهيئة الآخرين من خلال مكان التواجد- سواءٌ في العمل أو في الدراسة- بكلمات قصيرة ترغِّبهم فيها لطاعة الله.
- إعداد هدية رمضان من الآن لتقديمها للناس دعوةً وتأليفًا للقلوب وتحبيبًا لطاعة الله والإقبال عليه؛ بحيث تشمل بعضًا مما يلي (شريط كاسيت- مطوية- كتيب- ملصق- .. إلخ).
- إعداد مجلة رمضان بالعمارة السكنية التي تسكن بها؛ بحيث تتناول كيفية استقبال رمضان.
- الإعداد والتجهيز لعمل مسابقة حفظ القرآن في مكان التواجد.

التهيئة الأسرية
- تهيئة مَن في البيت- من زوجة وأولاد- لهذا الشهر الكريم وكيفية الاستعداد لهذا الضيف الكريم، ووضع برنامج لذلك.
- الاستفادة من كتاب (بيوتنا في رمضان) للدكتور أكرم رضا، وكتيب (الأسرة المسلمة في شهر القرآن) لدار المدائن.
- ممارسة بعض من التهيئة الإيمانية السابقة مع الأسرة.
- عقد لقاء إيماني مع الأسرة يكون يوميًّا بقدر المستطاع.

تهيئة العزيمة
بالعزم على:
- فتح صفحة جديدة مع الله.
- جعل أيام رمضان غير أيامنا العادية.
- عمارة بيوت الله وشهود الصلوات كلها في جماعة، وإحياء ما مات من سنن العبادات، مثل (المكث في المسجد بعد الفجر حتى شروق الشمس- المبادرة إلى الصفوف الأولى وقبل الأذان بنية الاعتكاف.. إلخ).
- نظافة الصوم مما يمكن أن يلحق به من اللغو والرفث.
- سلامة الصدر.
- العمل الصالح في رمضان، واستحضار أكثر من نية من الآن، ومن تلك النيات (نية التوبة إلى الله- نية فتح صفحة جديدة مع الله- نية تصحيح السلوك وتقويم الأخلاق- نية الصوم الخالص لله- نية ختم القرآن أكثر من مرة- نية قيام الليل والتهجد- نية الإكثار من النوافل- نية طلب العلم- نية نشر الدعوة بين الناس- نية السعي لقضاء حوائج الناس- نية العمل لدين الله ونصرته- نية العمرة- نية الجهاد بالمال... إلخ).

التهيئة الجهادية
وهي تحقيق معني "مجاهدًا لنفسه" وذلك من خلال:
- منع النفس من بعض ما ترغب فيه من ترف العيش، والزهد في الدنيا وما عند الناس، وعدم التورط في الكماليات من مأكل ومشرب وملبس كما يفعل العامة عند قدوم رمضان.
- التدريب على جهاد اللسان فلا يرفث، وجهاد البطن فلا يستذل، وجهاد الشهوة فلا تتحكم، وجهاد النفس فلا تطغى، وجهاد الشيطان فلا يمرح، ويُرجع في ذلك إلى كتيب (رمضان جهاد حتى النصر) لـ"خالد أبو شادي".
- حمل النفس على أن تعيش حياة المجاهدين، وتدريبها على قوة التحمل والصبر على المشاقِّ، من خلال التربية الجهادية المعهودة.
- ورد محاسبة يومي على بنود التهيئة الرمضانية المذكورة هنا.