الثلاثاء، ٣٠ ديسمبر ٢٠٠٨

السبت، ٢٧ ديسمبر ٢٠٠٨

دورنا تجاه غزة








أكثر من مائة وسيلة لفك الحصار عن غزة وأهلها :

أولا : واجبات الفرد :

1- استحضار النية الصادقة واستدامتها لفك الحصار عن غزة بالنفس والمال .
2- تحري أوقات الإجابة والدعاء يوميا لإخوانك في فلسطين بالنصرة والدعاء
3- المقاطعة الصارمة لمنتجات اليهود وأعوانهم ، فهذا خير دليل علي نصرة أهل غزة .
4- نشر أخبار غزة وما يحدث لهم .
5- عمل حصالة منزلية باسم حصار غزة.
6- ولتتذكر قول الحبيب صلي الله عليه وسلم ( مانقص مال من صدقة ).
7- التحدث بين الأصدقاء والأقارب وأصدقاء العمل معهم يوميا ولو لمدة دقائق معدودات واكتب أسماء أصدقاءك وتابع التحدث معهم .
8- استخدام الرسائل التليفونية ( المحمول ) لتذكرهم بالموضوع ( أغيثوا غزة )

ثانيا : واجبات الأسرة المسلمة :

وضع جدول اجتماع الأسرة لمدة 10 دقائق لمدارسة قضية فلسطين وحصار غزة مع قراءة سورتي الإسراء والحشر ويقرأ الأب تاريخ اليهود والمتعاونين معهم .
من أفضل الأعمال الصالحة المقاطعة ، وعدم شراء الأم اى سلعة للدولة الداعمة لليهود.
للأم واجبات خاصة مثل توفير ثمن وجبة غذاء وذلك يوميا ووضعها في حصار غزة _ ولو يوميا 3 جنيهات
تذكير الأبناء من البنين والبنات بأهمية فك الحصار عن غزة وكيف يكون حالنا إذا حدث لنا المكروه
للأمهات وربات البيوت القدرة علي الإقناع بين النساء وكذلك الأم عن طريق التجمعات النسائية وقراءة السير والغزوات والشرائط المسجلة والاستماع إلي قناة الأقصى
عمل معرض مصغر باسم ( أغيثوا غزة )
تكليف من الأمهات والأبناء للأبناء بعمل لوحات إعلانية وجداريه لنصرة غزة وفك الحصار عنها وتعليقها في أسفل العمارات والأبواب والجدران المنزلية وكذلك المعلقات بالنسبة للسيارات ووسائل النقل كتذكير لهم .

ثالثا : واجبات الأغنياء والتجار :

1- واجب التاجر لامتناع عن تسويق وبيع منتجات العدو الصهيوني ومن يعاونهم حتى لا تكون تلك الرصاصات موجهة في صدور أبناءنا في قطاع غزة .
2- التبرع بسخاء وذلك للأغنياء والتجار والقادرين
3- طرح منتج مصغر لأي سلعة باسم غزة أو أغيثوا لتنمية الفكرة مثل ( شيبي – بسكويت – شيكولاته – لبان – سناكس ) الخ
4- المساهمة في الحملة باستقطاع جانب من إيرادك اليومي لتاجر وكذلك الأغنياء .

رابعاً: واجبات الشباب والأطفال :

إن لم تستطيع أن ترمى حجرا في وجه يهودي لتدافع عن إخوانك في غزة فإن جنيها واحدا في حصالتك كفيل بأن يحول الحجر إلي قذيفة في صدر المحتل الغاشم ، خصص جزء من مصروفك اليومي لفك الحصار عن غزة .
إن لم تشارك الآن وأنت في ريعان شبابك فمتى ستشارك ؟
ركعتين يوميا في جوف الليل والقنوات والدعاء لهم أن يزول همهم
أرسل رسائل علي كل من تعرفه ومن لا تعرفه توضح القضية ) تليفون – محمول رسائل إنترنت

أفكار أخرى للتبرع لفلسطين دون جهد أو عناء.

الفكرة الأولي : مصروف يومي لابن الشهيد :
ماذا تعطي ابنك مصروفا يوميا وهو ذاهب للمدرسة ؟
خمسة وعشرون قرشا ، نصف جنية ، جنيه ؟
ها تري أن هذا لميزانيتك ان تصنع في صندوق خاص في بيتك نفس المصروف الذي تعطيه لابنك يوميا ثم تجمعه وتقدمه تبرعا لابن شهيد قدم نفسه في سبيل الله ...

الفكرة الثانية : مشروع الخردة :
كلنا لدينا من الخردة الكثير مثل الزجاجات والبلاستيك والعلب الصفيح الفارغة مثل علب السمنة أو غيرها ، ماذا عليك لو جمعت هذه الخردة وبعتها لعربات جمع الخردة وتبرعت بقيمتها ؟

الفكرة الثالثة : أجر يوم من العمل :
كثير من إخواننا المهنيين قد وسع الله له رزقه _ بارك الله لهم جميعا –
ماذا عليك أيها الأخ الكريم لو احتسبت يوما في الشهر ( أو الأسبوع والله يضاعف لمن يشاء ) أجر يوم في العيادة ننفقه في سبيل الله لإخواننا في فلسطين .

الفكرة الرابعة : نسبة مئوية من ربح الصيدلية :
الفكرة لإخواننا الصيادلة : نسبة مئوية من ربح الشهر في الصيدلية ولو واحد في المائة .....

الفكرة الخامسة : قيمة حصة لطالب في الأسبوع :
والأخ المدرس هل يجهده أن ينفق أجر حصة واحدة لصالب واحد في الأسبوع ؟

الفكرة السادسة : لماذا المأتم ؟
هل تريد أن تكرم متوفاك وترفع ذكره وتعلي شأنه ، ليس بالمآتم ولا بالسرادقات ، ندلك علي صدقة جارية بدل قيمة السرادقات والفراشة والقارئ وخلافه نعطي قيمة ما ننفقه لفلسطين صدقة جارية عن متوفانا ......

الفكرة السابعة : مصروفات الفرح :
كثير منا لابد من الحفلة للفرح وحجز القاعة والفرقة والعشاء والمعازيم ويكرر ذلك عند العقد وعند الزفاف فماذا لو تحففنا من بعض ذلك ووفرنا بعض من المصاريف لإخواننا
في فلسطين ؟ فكل ما يقدر التحقق بقدره ( وما تخفف منه تعطيه لإخوانك .)


منقول للفائدة

الجمعة، ٥ ديسمبر ٢٠٠٨

يوم عرفه .. وا شوقاه

نذكر بالموضوع من جديد

واشوقاه

"اطلبوا الخير دهركم كله وتعرَّضوا لنفحات رحمة ربكم؛ فإن لله نفحاتٍ من رحمته، يصيب بها من يشاء من عباده".. إنه التوجيه النبوي والتربية المحمدية للأمة، على كيفية استغلال المناسبات والأيام المباركات والتعرُّض لنفحات الله ورضوانه، والاستفادة منها في تحقيق التزكية والتربية الراشدة للفرد والبيت والمجتمع.

وها هي نفحات الله في موسم الخير تطلُّ علينا من جديد، في خير يوم طلعت عليه الشمس، في يوم موعود ومشهود ومجيد، إنه يوم عرفة، ذلكم اليومُ العظيمُ، الذي يُعدُّ من مفاخر الإسلام؛ فإنه أفضل أيام الدنيا على الإطلاق، بساعاته ودقائقه وثوانيه، وهو أحب الأيام إلى الله تعالى، إنه اليوم المعروف بالفضل وكثرة الأجر، إنه يوم مغفرة الذنوب والتجاوز عنها، ويوم العتق من النار، ويوم المُباهاة، واليوم الذي تجاب فيه الدعوات، وتقال العثرات، وهو يومُ عيدٍ للمؤمنين، ويومُ إكمال الدين، وإتمام النعمة على هذه الأمة.

إنه اليومُ الأغرُّ الذي مع أول شعاعٍ له إلى غروب ليلته تتقلَّب أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- على موائد كَرَمِ ربها، تستمتع بنهاره في طاعة الله عز وجل، فيُطلِعُهم الله فيه على بعض مظاهر عفوِه وسعةِ رحمتِه، فواشوقاه واشوقاه!! واشوقاه!!.

اليوم الأغر

- أفضل أيام العمر وأفضل أيام السنة على الإطلاق؛ فعن أنس بن مالك- رضي الله عنه-: "كان يقال في أيام العشر: بكل يوم ألف يوم، ويوم عرفة بعشرة آلاف يوم".

- أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة؛ لقوله- صلى الله عليه وسلم-: "خيرُ الدعاءِ دعاءُ يومِ عرفة"، وفيه قال ابنُ عبد البر: "في الحديث من الفقه أن دعاء يوم عرفة أفضل من غيره، وفي ذلك دليلٌ على فضل يوم عرفة على غيره، وفي الحديث أيضًا دليلٌ على أن دعاء يوم عرفة مجاب في الأغلب".

- أفضل الذكر ذكر يوم عرفة "وخيرُ ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير".

- أفضل الصوم صوم يوم عرفة، سُئلَ الحبيب عن صومه فقال: "يكفِّر السنة الماضية والسنة القابلة".

- أفضل أيام الحج يوم عرفة؛ فهو يوم الحج الأعظم، قال- صلى الله عليه وسلم-: "الحج عرفة".

- أفضل العتق عتق يوم عرفة "مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ"، وقد ذكر ابنُ رجب في (اللطائف): "أن العتقَ من النار في هذا اليوم عام لجميع المسلمين".

مدرسة تربوية

يمثل يوم عرفة أروعَ مدرسة للتربية الإيمانية والروحية، التي يمكن أن يستفيد منها المسلم، ويستغلّها الاستغلال الأمثل للارتقاء بنفسه إيمانيًّا وتربويًّا ودعويًّا وحركيًّا، وهو مدرسة تربوية متكاملة، تضم:

1- تربية اغتنام الفرص.. فهو يوم لا يأتي إلا مرةً واحدةً في العمر، والمسلم مطالب باغتنامه في الطاعات والقربات؛ لما فيه من فرص التقرب إلى الله تعالى، وتزكية النفس، وتنميتها بما يرفع من معنوياته، ويعينه على مواجهة الحياة، ووصية ابن رجب الحنبلي واضحة "الغنيمة الغنيمة بانتهاز الفرصة في هذه الأيام العظيمة، فما منها عوض ولا لها قيمة، والمبادرة المبادرة بالعمل، والعجل العجل قبل هجوم الأجل".

2- تربية التفاعل.. فهو يوم للتفاعل الإيجابي، الذي يمكِّن المسلم من تغيير نمط حياته، وكسر الروتين الذي اعتاد عليه، يوم يتفاعل فيه المسلم مع وقفة الحجيج بعرفات، فيستلهم منهم الخضوع والاستكانة والذلّ بين يدي مولاه، وشدة الإقبال والإلحاح عليه في الدعاء.

3- تربية التواصل.. فهو يوم تتحقَّق فيه استمرارية المسلم في العبادة وتواصله طيلة حياته مع خالقه سبحانه وتعالى، من خلال أنواع العبادات والطاعات المختلفة؛ فإن تعاقب الأيام المباركات تحقِّق تربيةً تواصليةً في النفس، وتؤكد أن حياة الإنسان المسلم كلها طاعةٌ لله؛ ليظل الفرد على صلةٍ دائمةٍ بخالقه.

4- تربية الشمول.. فهو يوم تتجلَّى فيه شموليةُ العمل الصالح المتقرَّب به إلى الله عز وجل، وفي هذا تربيةٌ على الإكثار من الأعمال الصالحة ما بين (ذكر ودعاء واستغفار وصلاة وصيام وصدقة وحج وعمرة تامة)، كما أن تعدُّدَ العبادات وتنوُّعَها يغذِّي جميعَ جوانب النموِّ داخل النفس البشرية (الروح والعقل والجسد).

5- تربية التنافس.. ففيه يُفتح باب التنافس في الطاعات، ويتسابق الناس على فعل الخير، من العبادات المفروضة، والطاعات المطلوبة، من حجٍ وعمرةٍ، وصلاةٍ وصيامٍ، وصدقةٍ وذكرٍ ودعاءٍ.. إلخ، وفي ذلك توجيهٌ تربويٌّ لإطلاق استعدادات الفرد وطاقاته لبلوغ غاية ما يصبو إليه من الفوائد والمنافع والغايات الأُخروية المُتمثِّلة في الفوز بالجنة، والنجاة من النار.

6- تربية المجاهدة.. ففي يوم عرفة تتحقَّق المجاهدة بأروع صورها، حين يغالبُ المسلم نفسه ويحمِلُها على صنوف الطاعات كلها في آنٍ واحدٍ؛ فتتحقَّق له مجاهدةٌ رائعةٌ، وكسرٌ لشهواتِ النفسِ على أهمية إحياء مختلف السُنن والشعائر الدينية المختلفة طيلة حياته، لا سيما أن باب العمل الصالح مفتوحٌ لا يُغلَق، منذ أن يولد الإنسان وحتى يموت؛ انطلاقًا من توجيهات النبوَّة التي حثَّت على ذلك ودعت إليه، ليس هذا فحسب فيوم عرفة زاخرٌ بكثيرٍ من الدروس والمعاني والمفاهيم التربوية، التي لا تُحصَى ولا تُعَدّ.

إذا تبين لك كلُّ هذا، فحريٌّ بك أن تَخُصَّ يومَ عرفة بمزيد عناية واهتمامٍ، وأن تحرص على مجاهدة نفسك بالطاعة، وأن تُكثِرَ من أوجه الخير وأنواع الطاعات، بما يؤهِّلُك لرضا الله ورحمته؛ لذلك.. إليك أخي الحبيب برنامجًا نحسبه أهلاً لنَيل مغفرة الله عز وجل ورضوانه في هذا اليوم الأغر:

أعمال يوم عرفة

من (3- 5 ص): استيقاظ ووضوء وتنسُّم عبير السحر، قراءة في الرقائق، صلاة التهجُّد؛ امتثالاً لقوله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ﴾ (الإسراء: من الآية 79) أربع ركعات على الأقل، ورد ذكر (تسبيح/ تحميد/ تهليل/ تكبير/ حوقلة/ صلاة على النبي/....)، تناول وجبة السحور؛ فإن في السحور بركة، وصلاة الوتر مع الدعاء لك ولأهل بيتك وللإسلام والمسلمين ولدعوة الله والقائمين عليها، وللمعتقلين، ولمن سألك الدعاء وأصحاب الحاجة من إخوانك.

من (5- 7 ص) الذهاب إلى المسجد، والاستغفار في هذا الوقت أفضل من الصلاة لقوله تعالى ﴿وَالْمُسْتَغْفِرِيْنَ بِالأسْحَارِ﴾ (آل عمران: من الآية 17) حتى يؤذَّن لصلاة الفجر، فتؤدي الصلاة، والبقاء بالمسجد حتى الشروق، أذكار الصباح، ثم تلاوة الورد القرآني حتى تشرق الشمس، ثم صلاة ركعتين؛ لعل الله أن يرزقك أجْرَ حجةٍ وعمرة تامة تامة.
من (7- 10 ص) راحة تعينك على طاعة الله بقية اليوم.

من (10- 11.45 ظهرًا) الاستيقاظ وصلاة أربع ركعات ضحى، ومشاهدة وقفة الحجيج في رحاب عرفات من التليفزيون، وسماع خطبة عرفة من المشاعر المقدَّسة، مع الإكثار من الذكر والتلبية مع الملبِّين.

من (11.45- 2.30 ظهرًا) صلاة الظهر، مع الاستزادة من السنة القبلية والبعدية، واجعل شعار هذه الفترة "وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه"، فتقرب إلى الله بصلاة أربع ركعات، ثم تلاوة جزء من القرآن، وقضاء حوائج المسلمين، والمشاركة في العمل الدعوي المنوط بك.

من (2.30- 6 مساءً) أداء أربع ركعات قبل صلاة العصر، ثم صلاة العصر، ثم ورد ذكر، لحظات الوداع لهذا اليوم، فأسكب العبرات وأنت تشاهد نفرة الحجيج من عرفات، وليكن همُّك الإلحاح في الدعاء أن يعتقَكَ الله في هذا اليوم من النار، ثم اختم بأذكار المساء وصلاة المغرب والإفطار، ودعاء أن يتقبل الله منك، يقول الإمام النووي: "فهذا اليوم أفضل أيام السنة للدعاء، فينبغي أن يستفرغ الإنسان وُسْعَهُ في الذكر والدعاء وقراءة القرآن، وأن يدعوَ بأنواع الأدعية ويأتي بأنواع الأذكار، ويدعو لنفسه ويذكر في كل مكان، ويدعو منفردًا، ومع جماعة، ويدعو لنفسه ووالديه وأقاربه ومشايخه وأصحابه وأصدقائه وأحبابه وسائر من أحسن إليه وجميع المسلمين، وليحذر كلَّ الحذَر من التقصير في ذلك كله، فإن هذا اليوم لا يمكن تداركه بخلاف غيره".


أخي الحبيب..

في هذا اليوم المشهود ، المستجاب فيه الدعاء ، أذكرك ونفسي بالدعاء لأمتك ونخص بالدعاء :


أخي الحبيب..

أخي الحبيب..

هي لحظات قصيرة، وسويعات قليلة، وثوانٍ معدودة، وترتحل من بين أيدينا، فاجعل من هذا اليوم ميلادَ فجرٍ جديدٍ في حياتك، وسيرك إلى الله تعالى، فلنتعرَّض لها، فأقبل على هذا الخير الكبير، واعمل فيه وبه، واغتنم ساعةً بساعة، وتذوَّق معنا حلاوة الإيمان، وجدِّد عبيرَها في نفسك تكن من الغانمين، وليكن مع بزوغ فجر يوم عرفة بزوغٌ آخر للنور في قلبك وللاستقامة على الدرب، وللالتزام بمنهج الله، ولإحياء الربانية في نفسك ومن معك، وحرِّك معاني الشوق في مكامن روحك، واغرس شجرةَ شحْذِ الهمم والشوق للمعالي لعلك تفتح بابه، فتنال سعادةً لا شقاء بعدها، ومغفرةً لا يؤرِّقُها ذنب؛ فالغنيمة الغنيمة بانتهاز الفرصة في هذا اليوم العظيم، فما منها عوض ولا لها قيمة، وقدِّم دموع الندم واستغفار السحر، والحق بالقافلة، واطرق أبواب الجنة، وبادر وسارع وسابق.. فما زال في قلبك أمل، وربك الرحيم يغفر الزلل، والجنة تدعوك بلا ملل، فهل آن أن تتعرض لنفحات رحمة الله؟!



الخميس، ٢٧ نوفمبر ٢٠٠٨

همسات تربوية للزوجة الداعية


تهئية

إن من أعظم نعم الله تبارك وتعالى على المرأة المسلمة أن يمنَّ عليها بزوج داعٍ إلى الله يجعل منها عونًا له على طاعة الله ورضاه ورفيقة دربه حتى تشاركه الأجر، فهنيئًا لتلك الزوجة الحسنات التي تحصل عليها بكل كلمة ينطق بها زوجها، وبكل خطوة يخطوها في سبيل الدعوة إلى الله تعالى، وبكل موعظة أو نصيحة يقوم بها، وبكل لحظة يقضيها من ليل أو نهار في دعوة فهي شريكة له في أجره كله صغيرا كان أو كبيرا، ومن تمام النعمة أن تعمل هي أيضاً في حقل الدعوة إلى الله فتكون داعية إلى الله بجوار زوجها ،ولكن كيف تنال الزوجة الداعية ذلك الأجر ؟ وكيف تحقق المرأة المسلمة الملاءمة والمواءمة بين الوظيفة الدعوية وما تتطلبه من بذل وصدق وهمة وهجرة وقيام وشهود بالقسط،، وبين وظيفة البيت وما تقتضيه من صلاح ورعاية ومسؤولية؟ كيف توازن المرأة المسلمة بين واجبات دعوة مدعوة هي إلى حمل رسالتها إلى الناس، وبين متطلبات بيت مسؤولة هي عن أهله تربية ورعاية ومعاشرة وحسن خلق؟ كيف لها أن تجمع بين صناعة الأجيال في المجتمع و بناء النفوس في البيت ؟ وهل يمكن أن توفق الزوجة الداعية بين تلك الأمور ؟ إجابة تلك الأسئلة ومعالجة الخلل الواقع فيها ، يأتي في هذه الهمسات التربوية .


نظرة تاريخية

منذ نشأة قسم الأخوات المسلمات في الجماعة ، والأخوات يقُمْن بدورٍ كبيرٍ ألا وهو الإسهام مع الزوج في إقامة بيتٍ مسلمٍ بكل ما تحويه الكلمة من معانٍ، من حيث هيمنة الإسلام على كل ما يدور في البيت، في علاقة الأخت بزوجها ورعايتها له، وحُسن معاملتها لأهله، وحفاظها على ماله، ثم القيام برعاية الأبناء الرعاية السليمة التي تكفل إخراج نماذج سوية ومتفوِّقة للمجتمع، تتميز بتمسُّكها بدين الله عز وجل، وسَيرها على درب الأبَوَين، ثم تقوم الأخت بعد ذلك بدورها الدعويِّ مع الأهل والجيران بما لا يؤثِّر على بيتها ومسئولياتها المتعددة، وكتب الإمام الشهيد رسالة المرأة المسلمة والتي تعد من أوائل رسائله، لتوضح لها مهمتها ورسالتها ، فكان لها دور كبير داخل الجماعة بما يتناسب ما تكلف به من أعمال وطبيعة تكوينها وواقع مسئولياتها الاجتماعية، ولقد كان للأخوات دور كبير في الحفاظ على دعوة الإخوان، خاصةً في فترات الأزمات التي مرت بالجماعة وعلى رأسها الفترة من أواخر الأربعينيات إلى بداية السبعينيات.


تحول جذري

كان هذا هو النهج الذي سارت عليه الأخوات المسلمات، حتى ظهرت مواقف وسلوكيات نحسب أنها صدرت عن أخوات لا ينقصهن صدق التوجه وإخلاص النية ونقاء الطوية وسلامة الدافع، إنما قد ينقصهن القدرة على التفرقة بين "الضرورات التي تبيح المحظورات" أو قد ينقصهن مظاهر المحاذير الشرعية لتفاديها ، أو قد ينقصهن المعرفة التامة بفقه الأولويات، هي ظواهر متعددة ومتنوعة طَرَأت على فهْم الأخوات المسلمات لدورهنَّ في الحياة وعلى سلوكهنَّ نحو الأزواج والأبناء والمسئوليات المنزلية؛ مما لا يُعدُّ من النهج الإسلامي في شيء، ومن ذلك ما أصبح شائعًا بين قطاعٍ من الأخَوَات من الحِرصِ الشديد على العمل الدعوي خارج المنزل، وتفضيله على البيت والزوج والأولاد ، فهنَّ يضعْن لذلك العمل أولويةً ويرددن مقولة (العمل الدعوي هو كياني وشخصيتي) مما يكشف عن خَلَل خطير في الأولويات لدى هؤلاء الأخوات، فبعضهن يجعلن دورهن كزوجة وأم في نهاية الأولويات ، كما أنهن قد يحتقرن هذه الأدواربجانب الدور الدعوي، وفي هذا من الخطورة ما فيه؛ حيث لن يمكننا أن ننتظر من أمثال هؤلاء أن يُحسنَّ العِشرة مع أزواجهنَّ، أو أن يعطِينَ الوقت الكافي لتربية أبنائهنَّ.


فقه الأولويات

إن أولوياتك الزوجة المسلمة الداعية هي:(1- الزوج 2- البيت والأولاد 3- الدعوة 4- العمل) فالترتيب يأتي هكذا، وليس هذا إجحافًا أو إنقاصًا من حقِّ الدعوة، بل دعوتُكِ مع زوجِكِ وأولادكِ مهمة جدًّا، فهذا كفيلٌ بأن يُنشئ أسرةً قويةً مترابطةً ويُخرجها إلى المجتمع قويةً ضد أية أعاصير تواجهها، كذلك فبيتك لا يقل أهميةً، والأصل أن تكون الأخت المسلمة قادرةً على تحقيقِ التوازن طوال حياتها عندما تقوم بجميعِ الأدوارِ المطلوبة منها كأم وزوجة وداعية ، وجدير بنا الآن أن نذكر بعض العوامل التي تساعد على تحقيق التوازن، ومنها : أن تتعود على السرعةِ والإتقان أثناء أداء عملك ،واغتنمي كل دقيقة وأحسني الاستفادة منها، أن تعود الأبناء على تحمُّل المسئولية والمساعدة في البيتِ وفرض بعض الأعمال لهم مع تحديدها ومتابعتهم فيها ليعتادوا عليها، الاهتمام باحتياجاتِ الزوج جيدًا ومعرفة ما يسعده وما يغضبه فتؤدي حقوقه وواجباته بشكلٍ جيدٍ يدفعك إلى إتقانِ باقي الأدوار، حسن ترتيب أولويات الواجبات والتي هي: التكاليف التعبدية, واجبات الزوج، البيت والأولاد، التكاليف الدعوية والعلاقات العامة، ثم ترتيب أولوياتِ الأعمال التي داخل كل أولوية .


حقوق مشروعة

حق الزوج : لكل من الزوجين حقوق على الآخر، ولكن تبقى حقوق الزوج على زوجته أعظم من حقوقها عليه لقوله تعالى" وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ "(البقرة: الآية228) ولقوامته "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ "(النساء: الآية34)، فمن حقوق الزوج على زوجته، أن تطيعه في غير معصية الله وأن تحفظه في سره وماله، لقوله صلى الله عليه وسلم " لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها " ومنها : أن لا تعمل عملا تطوعيا كان أم دعوياً إلا بإذنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم :" لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن لأحد في بيته إلا بإذنه " ولقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الزوج عن زوجته من أسباب دخولها الجنة " أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة " ، وعن أنس- رضي الله عنه- أن رجلاً سافر وأمر زوجه ألا تخرج من بيتها، فمرض أبوها فاستأذنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن تعوده، فقال لها: "اتقي الله وأطيعي أمر زوجك"، ثم مات أبوها فاستأذنت رسول الله- صلي الله عليه وسلم- أن تشهد جنازته، فقال لها: "اتقي الله وأطيعي أمر زوجك"، فأوحى الله إلى رسوله أنَّ الله قد غفر لها بطاعة زوجها"، ولهذا كانت ولاية الزوج على زوجته تجب أي ولاية أخرى ولو كانت من الجماعة، ما لم يأمر بمعصية .


فعلى الزوجة الداعية مسئولياتٍ عظيمةً تجاه زوجها ومن ذلك : التعاون معه على البر والتقوى، والصبر على دعوته كما صبر الأنبياء على أذى قومهم ، أن تتحمل منه بعض الزلات التي قد تقع ، فهو بشر وليس بمعصوم ، أن تتحمل كثرة غيابه عن منزله وكثرة أسفاره ما دام ذلك كله في طاعة الله تعالى ، أن تكرم ضيوفه وتعمل على راحته معهم مادموا في طاعة الله ، أن تتألم لألمه وأن تفرح لفرحه ، وألا تكون في وادٍ وزوجها في وادٍ ، أن تقف معه وتحفزه على تطوير دعوته وأداء رسالته، وتقوي عزيمته وهمته ، أن تجعل بيتها هانئًا لزوجها، يأوي إليه من عنت المشقة وهموم العمل الدعوي ، أن تهتم بنفسها فتكون لزوجها كالريحانة طيبة الريح حسنة المنظر دائمًا أبدًا، أن تهتم بأولادها وتساعدهم في وظائفهم؛ لأن زوجك قد لا يكون لديه من الوقت ليقوم على تدريسهم وعنايتهم ورعايتهم، أن تساعده في بعض أعمال الدعوة في البيت من إعداد وتحضير وبحث ومراجعة .


حق البيت: ولتعلم الزوجة الداعية أن ميدان دعوتها الأول هو بيتها، ومنه تنطلق إلى ميادين الدعوة الأخرى، فالمرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسئولة عن رعيتها "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"، ونجاحها هو تحقيق التوازن بين متطلبات بيتها ودعوتها، والتنسيق الكامل بينهما دون إفراطٍ أو تفريط،، إن المهمات الدعوية والمسئوليات التربوية التي وكلت بالمرأة المسلمة في بيتها أكثر من أن تحصى، ولعل المرأة المسلمة تُدرك أن المهمة الأساسية لها هي القيام على بيتها وأداؤها لمسئولياتها وواجباتها فيه، تجاه أبنائها في دعوتهم وحسن تربيتهم ، وأن البيت نموذج مصغر للمجتمع يتدرب فيه الإنسان على إعطاء كل ذي حق حقه ومن تنجح في بيتها تنجح في دعوتها ، والأخت تعتبر دعوتها بيتها كما تعتبر بيتها دعوتها فالتوازن مطلوب إلا في الطارئ غير المتكرر، وبالتنسيق مع الزوج.


حق الدعوة : والدعوة إلى الله واجبة على المرأة كما هي واجبة على الرجل لقوله تعالى "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ" وقوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّما النساء شقائق الرجال"؛ لأن تحقيق الخير ونشر الفضيلة ومحاربة الفساد تستدعي تضافر جهد المرأة مع جهد الرجل؛ فهي تكاتفه وتعاضده لغاية واحدة، وقد دعانا الله تعالى إلى إيجاد أمة الخيرية فقال"وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ" 104آل عمران، والدعوة تأبى أن نُعطيها فضول أوقاتنا، وهي شرف ونعمة يتفضل الله بها على مَن أحب من عباده، ويحببها إليهم حتى يستعذبوا أشواكها، ويتلذذوا بالتضحية بالنفس والنفيس من أجلها؛ فهي من أحسن الأعمال كما قال تعالى"وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ " (33﴾ فصلت، وفيها بشارة الحبيب- صلى الله عليه وسلم-: "لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من الدنيا وما فيها".


ورغم أن العمل الدعوي واجب على المرأة، إلا أنه عمل منظم مضبوط بتوجيهات الشريعة ونظرتها إلى القضايا المختلفة ووحدة الفهم والتلقي، وتترتب عليه آداب لا يجب أن تغفل عنها الزوجة الداعية منها : إن سماح الزوج لزوجته وإذنه العام بالحركة الدعوية الواسعة دون الرجوع إليه وتقديم الأمور الدعوية على الأمور البيتية لفترة طويلة لا يعني سقوط حق الزوج بعد ذلك في طلب التعديل في أي وقت من هذه الحركة فهذا حق شرعي له ، والعلاقة الزوجية قائمة على الإحسان المتبادل فلا يجب على الزوجة المقارنة بين سلبيات الزوج وإيجابيات غيره من الرجال ( مدير مشرف مسؤول محاضر) ، وألا تقبل رأي الغير في أمور تمس البيت لا يعتد به إذا كان مخالفا لرأي الزوج، وأن تستأذن زوجها لحضور اللقاءات الدعوية التي مع الرجال سواء كانت في بيتها أو في غير بيتها ولابد من رضاه عن ذلك، ومتى حصل الشك في الرضى لا يحل لها الإذن بدخول رجل إلى البيت ولا خروجها إلى لقاء به رجل، وأن تنسق في مواعيدها الدعوية مع زوجها بعد عودتها إلى بيتها، وعند مجرد الإحساس بعدم ارتياح الزوج لنزولها إلى أي لقاء دعوي فعلى الزوجة ألا تصطدم بهذا الإحساس بل عليها أن ترسل بالاعتذار إلى مشرفتها دون حرج ، وألا تقدم على ما يكرهه الزوج أو يتضرر منه أو ما تجد حرجاً في التصريح به إذا سألها عنه ، سرعة إبلاغ الزوج بأي أمر طرأ على غير المعتاد وشرح ملابساته والاعتذار عن أي تصرف يراه غير مناسب ولا يجوز الكتمان خوف الملامة ،لايقبل بحال من الأحوال أن يكون بينها وبين المشرف الدعوي سرًا على الزوج ، ولا أن تدنو من المشرف الدعوي لتسر له بكلام بحيث لايسمعها أحد ظنا منها أن علو مرتبة الرجل الدعوية تلغي المحاذير الشرعية ، ولا أن تحضر حفلات أوأنشطة اجتماعية وترفيهية أو لقاءات مشتركة يختلط فيها الحابل بالنابل ويغلب عليها الخوض في محاذير شرعية وشبهات باسم مصلحة الدعوة ، ولا يجب ان يكون تصرفها حينما يرفض الزوج نزولها إلى عمل دعوي، أن تقول سأنزل تبعًا لولاية الدعوة علينا رجالاً ونساءً، أو أن تقول إن المسئول أدرى بالأصوب ، أو أن تصر على النزول ولو سرًّا .


توازن محمود

إن قضية التنازع بين مهام وواجبات كلا من البيت والدعوه وعدم التقصير في أحدهما أوتعدي أحدهما علي حقوق الأخر، ظاهرة تنتاب العاملات في الحقل الدعوي ، وهي إشكالية يشكو منها الازواج في بعض الاحيان ، كما تشكو منها الزوجات ، وهي تحتاج في المقام الاول إلي إدراك وحسن فهم حتي نتجاوزها دون أن نقع في تقصير، وهذه بعض القواعد العامة التي يجب أن تحكم الأخت المسلمة حتي لاتقع في هذه الإشكالية :1"الوسطيه " بلاإفراط ولاتفريط. 2ـ"التوازن"إعطاء كل ذي حق حقه 3 "ترتيب الأولويات " فالكل وقت عباده 4ــ " الموازنة بين المصالح بعضها وبعض" ، فالمرأة الداعية الواعية تقدم مصلحة الجماعة علي مصلحة الفرد ، ومصلحة الكثرة علي القلة ، ومصلحة الجوهر علي الشكل .. وهكذا، وهناك أربعة أشياء إذا اعتمدت الزوجة الداعية عليها حققت هدا التوازن: (التوكل على الله- الصحبة الصالحة- الارادة والهمة والقوة الايمانية- الصبروالمصابرة)


ختاماً

إلى الزوجة الداعية ، التي جعلت الدعوة لب اهتمامها بدلا من سفاسف الأمور التي شُغلت بها نساء اليوم من مكياج وموضة ، إليك أيتها الدرة المكنونة في هذه الدعوة ، إليك يا شقيقة الرجل في حمل هم الدعوة ، وإليك يا رفيقة الدرب كانت هذه الوصايا التي تجعلك بارةً صالحةً، راجحة العقل و سامية الغاية، نقية القلب و الروح، حسنة المظهر و التصرف والسلوك، إنها معادلاتك الصعبة، وائمي بين عباداتك وحق الزوج ومتطلبات البيت والأولاد وواجب الدعوة ، ووزعي في عدالة وقصد وسداد هذه الحقوق والواجبات، واستعيذي بالله من العجز والكسل والهم والحزن، وبالهمة والعزيمة سوف تجدين قرة عينك في القيام بالأعباء الجسام، بلا شكوى ولا ضجر ولا سأم ولا ملل ، وسيكون لنا وقفة تربوية أخرى معك أختاه بإذن الله ، في موضوع آخر عن "القوامة على المرأة في العمل الدعوي" .

الأحد، ٢٣ نوفمبر ٢٠٠٨

عشر ذي الحجة محطة سفر إلى الجنة

نذكر بالموضوع من جديد

مقدمة :

" واهاً يا أيام البدء " صيحة ضمير ونبضات قلب حي ، نطق بها الإمام الجنيد رحمه الله ، في شوق وحنين إلى بدايات الالتزام على الطريق ، إنها اللحظات التي تكون الروحانيات فيها عالية ونفسية المرء في أعلى قممها من الاقبال على الله ، والبكاء بين يديه والخشية منه ، وحسن التوجيه إليه ، " واهاً يا أيام البدء " أجد نفسي بين الحين والآخر ترددها مع الجنيد رحمه الله ، شوقاً إلى الأيام الخوالي الصائمة معي لله ، وحيث الليالي النوارنية القائمة معي لله ، وحيث التلاوة الخاشعة والدموع المنهمرة خوفاً وجزعاً وخشوعاً للمولى الكريم ، " واهاً يا أيام البدء " يجذبنا شوقاً إليها إطلالة العشر الأوائل من ذي الحجة ، و بشائر الخير التي تطل علينا ، فنحن علي موعد نلتقي فيه بأيام مباركة طيبة، وتقبل علينا أيام طيبات تحمل معها نفحاتٍ كريمةً من ربٍ كريمٍ ، تبعث في نفوس المسلمين المحبة والشوق ، فتهز مشاعرهم وتستجيش عواطفهم ، فتسوقهم إلى رحاب الطاعة ومحراب العبادة ، امتثالا لقول الحبيب صلى الله عليه وسلم (( ما من أيام أعظم عند الله سبحانه و لا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل و التكبير و التحميد )).


نعم المشروع هو
" واها يا أيام العشر " فهي أفضل الأزمنة وأشرف الأوقات ، التي يدنو الله عز وجل فيها من عباده، ويفتح لهم أبواب المغفرة، ويجزل لهم العطاء، ويكون العمل فيها أرجى للقبول، والدعاء فيها أقرب للإجابة ، وهي الفرصة الأعظم للمسلم لتجديد حياته ، وزيادة الإيمان في قلبه ،فهي الأيام التي تقترب فيها الأرض من السماء، وتتفتح السماوات بأنوارها وفيضها وخيراتها فتعم أرجاء الأرض ، الأيام التي ينافس فيها البشر الأطهار الملائكة الأبرار ، إنها الأيام العظيمة التي يتجلى فيها الرب الجليل الكريم علي عباده ويفيض عليهم من خيره ويفيض عليهم من رحماته وبركاته , ويسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة فيغفر لعباده ويتوب عليهم ويعتق رقابهم من النار " ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيدًا من النار من يوم عرفة "
أخواني الأحباب .. إنها أيام أغلى من الذهب ، فمن استطاع منكم أن يتفرغ لها فليتفرغ, و من استطاع منكم أن يعيش من أجلها فليعش ، وأذكركم ونفسي بقول أبي مسلم الخولاني : ( أيظن أصحاب محمد أن يستأثروا به دوننا ، والله لنزاحمنهم عليه حتى يعلموا أنهم خلفوا وراءهم رجالا ) فهيا إلى التنافس فيها في الخير والعمل الصالح ، وليكن شعارنا في هذه الأيام ( والله لنزاحمنهم ) مزاحمة الصحب الكرم على مرافقة الحبيب ، ومزاحمة الحجيج على نيل المغفرة في يوم العتق الأكبر ، فتكون الأيام العشر بحقٍ محطة سفر إلى الجنة .

لماذا المشروع ؟
· دعاء ورجاء أن نحسن استغلال العشر كما يحب ربنا ويرضى ، والتعرض لنفحات الله ، وإحياء الربانية وروح التنافس في الخير ، طمعا أن يشملنا الله برحمته ، و أن يدخلنا في عداد ( أشهدكم أني قد غفرت لهم ) .
· نداء وحداء حرصا على تقوية ربانيتنا والتي هي زادنا ووقود حركتنا الدعوية والتربوية .
· سعياً للانفتاح على المجتمع ، بنشر الخير في المجتمع ، ودعوة الناس جميعا لاستثمار العشر فيما يحب ربنا ويرضى .

فكرة المشروع :
استغلال عشر ذي الحجة المباركات في تحقيق الارتقاء الايمانى والروحي والرباني في النفس ، وفق محاور العمل الفردية والأسرية والجماعية والمجتمعية بما يحقق الاستفادة القصوى والاستغلال الأمثل لنفحات الله ، ووضع خطة لذلك ، مع إعداد كل ما يلزم للتنفيذ من ( المصحف وحامله المعدني – الأوراد – المسبحة – السواك – كتيبات ومطويات – خواطر وكلمات – ملصقات .... الخ )

آلية تنفيذ المشروع :
1- أعمال فردية :
· المسارعة بالتوبة الصادقة ، وتكرارها كل يوم وليلة
· تجديد النية لله في كل قول وعمل ، واستحضار أكثر من نية في العمل الواحد .
· الانتظار في المسجد عقب الفجر في ذكر وتلاوة حتى الشروق مرة واحدة ( أجر حجة وعمرة )
· أحدث عملا صالحا ( خبيئة بينك وبين ربك ) .
· الالتزام الكامل بالأوراد والأذكار والاجتهاد في ضبط النوافل وإحسانها .
· عمل ورد محاسبة يومي والالتزام به ، وعمل تقدير وتقييم للأداء ، للوقوف على ثغرات النفس .
· قيام يومي فردي في البيت ( أقله ركعتان ) قبل النوم ، ويومان قبيل الفجر.
· التصدق 4 مرات في العشر ، وذبح الأضحية لمن قدر على ذلك .
· الاجتهاد لختم القرآن مرةً خلال العشر ، وإلا فتلاوة جزء يومياً .

2- أعمال مع البيت :
· صلاة ركعتين مع الزوجة والأولاد ( 3 أيام ) مع الالحاح في الدعاء والذكر.
· حل أي مشكلة عالقة بينك وبين زوجتك وأولادك أنت تعرفها خلال هذه العشر .
· إنتظام لقاء البيت المسلم الاسبوعي ، مع بيان فضل العشر قبل دخولها
· التقاء الأسرة مجتمعة على وجبة يوميا ( الافطار أو السحور) والافطار معهم 3 مرات على الأقل .
· حجة وعمرة تامة تامة مرة واحدة للزوجة والاولاد ( من الفجر إلى الضحى )
· إعداد زينة العيد في البيت والعمارة والمجتمع المحيط .

3- أعمال مع الصالحين :
· تغليب الجانب الإيماني والروحي في الأعمال المجمعة خلال العشر ، وقراءة شئ عن فضل العشر .
· الدعاء للإخوان المغيبين ولإخوانك المجاهدين في فلسطين وفي كل مكان مع كل دعاء .
· زيارة أستاذ والاستفادة من صحبته ومرافقته وتلمس الزاد عنده .
· الإفطار سويا مرة ، سواء كان بالمسجد أو بالبيت .
· إشاعة روح التكافل والتراحم بين الإخوان .
· الالتقاء قبيل الفجر في المسجد وأداء صلاة التهجد معا ( مرتان على الأقل ) .
· الاعتكاف ليلة واحدة من المغرب وإلى الفجر ، أو المبيت .
· القيام بدورك الدعوي والحركي ، وما تكلف به على أكمل وجه .

4- أعمال مع المجتمع العام :
· نشر فضائل العشر ، وحث المجتمع على حسن الاستفادة منها .
· عمل إفطار مجمع مع سكان العمارة ويعقبه لقاء إيماني وتواصل أسري بينهم .
· المشاركة في عمل صالون مجمع ثابت إسبوعيا .
· التصدق علي أسرة فقيرة .
· تعميم التبرع بافطار يوم لفلسطين على كل من تعرف وتخالط ، وابدأ بنفسك .

5- أعمال ليلة ويوم العيد
· إحياء هذه الليلة المباركة بصلاة قيام .
· المشاركة في تجهيز صلاة العيد ، وأداء الصلاة مع الصالحين .
· ذبح الأضحية لم وفقه الله لذلك ، ولاتنس حق الفقراء
· المشاركة في مشروع جمع جلود الأضاحي .
· بر الوالدين والتزاور بين الأهل والأحباب وتقديم التهاني .
· إدخال السرور على أهل بيتك وأولادك .

ضمانات نجاح المشروع :
· التعاون مع إخوانك في تنفيذ المشروع بشكل جماعي
· مشاركة المجتمع معنا ، فرب مبلغ أوعى من سامع .
· الدعاء والتوسل إلى الله بأن يعيننا على تنفيذ المشروع كما ينبغي
· جدد النية والعزم دائما ، واستشعر أن نية المرء أبلغ من عمله.
· اجتهد أن تنفذ المشروع بكل عناصره ، وإلا فابدأ بما تقدر عليه ، وسدد وقارب ولا تيأس ،

توصيات خاصة بالبرنامج :
1. التركيز علي البعد الفردي لكل أخ علي حدة، وتعدد النوايا و إحسان الأعمال ، وتبني كل أخ وبشكل فردي لقضية يعيش معها في العشر " القرآن – التراحم - القيام " كمشروع مطلوب إنجازه .
2. الانفتاح التام على المجتمع وتفعيل الآخرين .
3. إذا كنت ممن أنعم الله عليهم بالزوجة والذرية فلا تنسَ أن تُشركَهم معكَ في هذا البرنامج الرباني
4. إذا كنت ممن أنعم الله عليهم بصحبة صالحة فتعاهد معهم على تنفيذ هذا البرنامج، وذكِّروا به بعضَكم بعضًا، وإن سنحت لكم الفرصة لتنفيذه معًا فهو خيرٌ
5. اعمل على نشر هذا الخير في المحيط الذي تحياه بين أهلك وإخوانك وجيرانك وأحبابك.
6. اعقد العزمَ على أن تستغل عشر ذي الحجة هذا العام الاستغلالَ الأمثل في طاعة الله، ولا تنسَ أن تحدث عملاً صالحًا (خبيئة بينك وبين ربك) .

وليكن شعارنا " والله لنزاحمنهم " !!

الجمعة، ١٤ نوفمبر ٢٠٠٨

مدرسة الحج التربوية



تتمثل عظمة هذا الدين في أنه دين عملي وواقعي وحركي ، ينطلق بالمسلم من حيث هو، يأخذ بيده ويرتقي به، ويهذب من سلوكه ويغير من عاداته ، وفق ما يلقاه المسلم في يومه من مواقف دينية أو دنيوية ، وأنه دين لا يغفل أي موقف يحياه المسلم إلا ويجعله منطلقا للارتقاء به ، وأنه دين يجعل من عباداته رافداً أساسياً في تربية النفس وتزكيتها وتهذيبها وإصلاحها ، وأنه دين يجعل الأخلاق مقترنة بالعبادات في تلازم وتجانس بديع ، لتكون أثرا من آثار العبادة المقبولة ، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وتعود على الانضباط والإتقان ، والزكاة مدرسة للبذل والعطاء وطهرة للنفوس وتكافل اجتماعي بناء ، والصيام ينمي الصبر بأنواعه ويوحد مشاعر المجتمع في حالة يعز نظيرها .

أما عبادة الحج فتتجسد فيها قمة العمل التربوي ، لتصبح ميدان تربية متكاملة ، وتهذيبا قويما للنفس ، وإصلاحا وتغييرا للسلوك ، بصورة أكبر مما هي عليه في العبادات الأخرى ، وذلك لما للحج من مكانة في النفوس وشوق في القلوب ، ولهفة وولع يعتصر أفئدة المؤمنين ، وإن من روعة هذا الدين أنه جعل من فريضة الحج مدرسة تربوية متكاملة ، اجتمعت فيها غالبية العناصر التربوية المطلوبة في العمل التربوي الفعال ، فنجد في الحج تلك العناصر :

v استعداد المتربي : ففي رحلة الحج تتحقق الرغبة واللهفة في نفس المسلم ، حيث يحمله الشوق واللهفة إلى القيام برحلة الحج ، شوق إلى لقاء الله ورؤية بيته الحرام ، وشوق للسلام على الحبيب صلى الله عليه وسلم ، وشوق لتجديد العهد والبيعة مع الله ، وهي مظاهر تدل على مدى حرص المسلم وإقباله طواعية على هذه العبادة مما ييسر تحقق أهدافها التربوية في النفس .

v بيئة صالحة للتربية ، فلا أروع من بيئة تضم بيت الله الحرام ومسجد الحبيب المصطفى والبقاع الطاهرة التي وقف عليها رسول الله ، وموضع آثار أقدام الشهداء والمجاهدين من الصحابة الكرام ، فتجتمع بذلك أطهر بيئة صالحة للتربية والتأثير والتغيير في نفس المسلم .

v صحبة صالحة معينة : فإن المسلم يكون وسط جموع صالحة جاءت تلبي نداء الرحمن ، كل هدفها السعي لمرضاة الله ، والفوز برضاه ، تقدم العمل تلو العمل ، لا تملك إلا أن تكون في معية الله وفي رحابه ، فتكون تلك الصحبة خير معين على تزكية النفس وتربيتها التربية الإيمانية .

v منهج تربوي متكامل ، من خلال مناسك تتدرج بالمسلم خطوة خطوة ، وتسمو بنفسه ، وتعلي من إيمانياته ، تأخذ بيده الى الله ، فنجد المسلم الحاج ، يقرأ فقه الحج والعمرة كاملا بكل أحكامه ، ويقرأ في الجوانب الروحية المنبثقة من الحج ، وينظر في محظورات الإحرام لتجنبها ، وأحكام الفدية والهدي وغير ذلك من قراءات تتعلق بالحج ، ويظهر الأثر الحقيقي للمنهج هنا في حرص المسلم على الإلمام به كله إلماما تاما ، متمثلا جوانب المنهج الثلاثة( المعرفية والوجدانية والسلوكية) .

v وسائل تربوية متعددة ، تشمل الرحلة الطويلة والقصيرة الداخلية والخارجية ، المبيتات الروحية والمعسكرات و المخيمات والندوات التي تقام طوال الرحلة ، ووسائل تزكية النفس المتعددة من خلال الصلوات في الحرم ، والاعتكاف فيه ، والطواف والسعي ، فنرى في الإحرام تربية ، وفي التلبية تربية ، وفي الطواف تربية ، وفي السعي تربية ، وفي رمي الجمرات تربية ، وفي الحلق أو التقصير تربية ، وفي الصلاة في الحرم تربية ، وفي الاعتكاف فيه تربية ، ومن هنا فإن الحج مدرسة تربوية متكاملة ، تربي المسلم تربية عقائدية وإيمانية وأخلاقية .... الخ ،

وهذه هي مقومات النجاح لأي منهج تربوي ، أن يتوفر لدى المتلقي له الرغبة في الإلمام به واستيعابه وأن يتأثر به في أفعاله وتصرفاته ، مع وجود منهج تربوي مناسب وبيئة تربوية معينة وصحبة صالحة تأخذ بيده ، وهذا ما يقع للمسلم في رحلة الحج ، و من صور مدرسة الحج التربوية أنها :

1- مدرسة للتربية الإيمانية :

فمن خلال الحج تتحقق التربية الإيمانية وتتكامل وتبدو معالمها من خلال ما يلي :

* التربية على تعظيم شعائر الله : وهي من أعظم غايات الحج حيث يتربى العبد على تعظيمها وإجلالها ومحبتها وإكرام أهلها والتحرج من المساس بها أو هتك حرمتها ، ويزداد التعظيم والخضوع في قلب المسلم انطلاقا من قوله جل شانه في ثنايا آيات الحج : " ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب " ( الحج : 32 ) ، وتلك هي البداية أن يعظم شعائر الله في رحلة الحج ، ثم يتواصل في تعظيم شعائر الله بعد عودته ، لتكون حياته كلها وفق منهج الله وشرعه ، و يتربى أيضا على تعظيم حرمات الله من خلال امتثال قوله تعالى " ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه " .

* التربية بالتذكير باليوم الآخر : في مواقف تحصل للحاج منها ( خروجه من بلده ومفارقته أهله ، يذكر بالفراق حال الخروج من الدنيا - التجرد من المخيط وترك الزينة ، يذكر بالكفن وخروج العباد من قبورهم حفاة عراة غرلا - والترحال والتعب والازدحام مع العطش والعرق ، يذكر بمواقف عرصات القيامة وحشر العباد ) ، ويعجب المرء حينما يجد الكثير من المسلمين وبخاصة من غير العرب ، من يأتون من ديارهم ومعهم أكفانهم ، يغسلونها بماء زمزم تبركا به واستعدادا للقاء الله ، ومن ثم يعود المسلم بعد رحلة الحج ، ولديه إقبال على الله ورغبة في لقائه .

* التربية على الإكثار من ذكر الله تعالى : الحج شعيرة يملئها الذكر ويمنحها مزيداً من الجلال والبهاء ؛ قال سبحانه : " فاذكروا الله عند المشعر الحرام " ، وفي الحديث " إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله في الأرض " ، فالإكثار من ذكر الله من شيم وصفات المؤمنين ، وما أروع حداء المؤمنين وهم يجهرون بالتلبية مع كل صعود وهبوط في نواحي مكة ، وما أروع تكبيرهم وتهليلهم لله عز وجل في منى وعرفات والمزدلفة وعند المشعر الحرام ، إنه ذكر الله الذي به تطمئن القلوب " الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب " .

* التربية على اجتناب الذنوب : يقول تعالى " الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث لا فسوق ولا جدال في الحج " ، فهي دعوة وتربية على أن يتجاوز المسلم المعاصي ويتجنبها ولا يقع فيها أثناء أدائه لمناسك الحج ، ومن ثم فهي تربية له لمواصلة ذلك بعد العودة .

* التربية على الاجتهاد في الطاعات واستغلال الوقت : وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالي " وما تفعلوا من خير يعلمه الله ، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " فالمسلم في الحج يحسن استغلال وقته في طاعة الله ما بين طواف وسعي وصلاة وذكر .. الخ ، ويتربى على حسن الاستفادة من وقته فيما يعود عليه بالخير والقبول عند الله .

* التربية على الدعاء ولذة مناجاة الله : فقد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم " خير الدعاء دعاء عرفة " وفي الحج مواضع مقرونة بإجابة الدعاء فضلاً من الله ومنة منها : الطواف ، الصفا والمروة ، يوم عرفة ، عند المشعر الحرام ، بعد رمي الجمرات ؛ علماً أن الحج كله سوق رائجة رابحة للدعاء والابتهال والاستغفار ، وهو تعويد للمسلم على اللجوء الى الله دائما وفي كل وقت وحين ، والأنس بمناجاته سبحانه وتعالى .

* التربية على الاستقامة بعد الحج : فالمسلم العائد من الحج يجد نفسه ملزما بالمحافظة على بقاء صفحته بيضاء بعد أن غفر الله له في الحج ، وفي ذلك قال الحسن البصري رحمه الله : " الحج المبرور أن يرجع زاهداً في الدنيا ، راغباً في الآخرة ، ويشهد لذلك قوله تعالى : " والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم " " .

2- مدرسة للتربية الأخلاقية :

فالحج مدرسة تربوية تقوم على تقويم الأخلاق وتهذيبها ، وقد شرع الحج لتقويم الكثير من الأخلاق ومنها :

* التربية على العفة وكظم الغيظ وترك الجدال كما في قوله عز وجل : " الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج " ، فالرفث هو الجماع ودواعيه من قول أو فعل ، والجدال أن تجادل صاحبك حتى تغضبه ويغضبك ، فهي صورة من صور غرس القيم في نفس المسلم ، وترك المنهي عنه .

* التربية على اللين والرفق والسكينة: كما قال عليه الصلاة والسلام حين سمع جلبة وصخباً في الدفع لمزدلفة : " أيها الناس عليكم بالسكينة ، فإن البر ليس بالإيضاع " والإيضاع هو الإسراع ، فالحاج يتربى في نسكه على أن يكون صاحب رفق وسكينة ، وخشوع وطمأنينة ، ليعتاد ذلك كله في حياته كما هي في عباداته .

* التربية على إنكار الذات والاندماج في الجماعة في اللباس والهتاف وفي التنقل والعمل ، فإن النفس تذوب في هذا الكيان البشري الواحد ، ويصبح الكل يتكلم بلغة واحدة وخطاب واحد وهتاف واحد وشعار واحد " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك " ، فيتولد في النفس المسلمة شعور بأنه جزء من هذا الكيان ، ويتضاءل حظ النفس وحب الانانية في ذاته ، فيكون مسلما اجتماعيا يعيش لأمته ويحمل همومها ويتكلم بلسانها ويهب نفسه لها .

* التربية على التواضع : يستشعر المسلم ذلك ، حين لا يمتاز أحد عن أحد ، ولا تكون لحاج خاصية أو ميزة عن غيره من الحجاج في الأمور الدينية ، فالأركان والواجبات والمسنونات متماثلة في حق الجميع ، فيتربى المسلم على روح التواضع الجم ، ويحقق قوله تعالى " أذلة على المؤمنين " ، ويعيش سعيدا بانتمائه لهذه الحشود المؤمنة ، ويغلب روح التواضع على الكبر والعجب بالذات.

* التربية على الصبر بأنواعه: صبر على مشقة الطاعة وما أحلاها من طاعة يصبر المسلم عليها رغم مشقتها ويسعد بأدائها ، وصبر عن المعصية خاصة مع التزاحم وكثرة الناس ، فيجنب نفسه الوقوع في المعاصي وما أكثرها وقت الحج ، بدءا من تدافع وايذاء للمسلمين ، ونظرة هنا أو هناك ؛ وصبر على قضاء الله الذي يعرض للحاج ، من ابتلاء أو تمحيص أثناء رحلة الحاج ، وفي ذلك تعويد له على الصبر على قضاء الله وقدره في حياته بشكل عام .

* التربية على البذل والعطاء فالحج عبادة بدنية مالية ؛ وفي المشاعر تتسامى المشاعر فيبذل المسلم من ماله لسقيا الحجاج أو تفريج كربهم وسد حاجتهم ، ونجد في الحج تسابقا عجيبا لهذا البذل والجود والكرم ، وفي التاريخ نماذج رائعة ، فهذا عبد الله بن المبارك الذي كان يحمل معه في رحلة الحج أكثر من ثلاثمائة يخرجون من بلدته "مرو" وعلى نفقته الخاصة ، وغيره الكثير ، وما نراه اليوم في الحج ليؤكد على تلك المعاني ، من التسابق في البذل لإطعام الحجيج وإكرام وفادتهم .

* التربية على تحقيق معاني الأخوة والمحبة والتآلف ، خاصة حين يكون الحج مع رفقة وصحبة ، وتتلقى الأنفس وتتعارف ، وتأتلف القلوب والأرواح ، وتتحقق زمرة القلب الواحد في أمة الإسلام في رحلة الحج وتتجسد بأروع صورة ، فالحج مؤتمر إسلامي عالمي كبير ، تتحقق فيه الوحدة الاسلامية بأروع صورها .

3- مدرسة للتربية الجهادية :

وتعد فريضة الحج من أقوى الوسائل المعينة على مجاهدة النفس مما يسهل معه قيادتها وتوجيهها ، ومن الصور التي تبرز لنا من خلال الحج في هذا المجال :

* التربية على الاستسلام والخضوع لأمر الله والمجاهدة فيه : ويكون هذا بإيثار محبة الله ومرضاته على رغبات النفوس وشهواتها ؛ مما يقود إلى مرتبة أعلى ومنزلة أسمى حين لا يكون للعبد إيناس ولا استئناس إلا بما يرضي الرب سبحانه ؛ وحينها يبلغ إيمان المسلم درجة عالية عزيزة بفضل الله وتوفيقه ، وينتصر على نفسه ، ويخضع لشرع الله .

* التربية على صدق العزيمة وقوة الإرادة : فمن حج البيت فقد أرغم هواه وغالب لذة الراحة والدعة ومضى لأمر يعلم مشقته ولا يستمع لقول القائل من المثبطين ، وهكذا يجب أن يكون المسلم في أموره وحياته ، يجاهد نفسه ويحملها على أن تكون صاحبة إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف .

* التربية على تحمل تبعات الطريق ومواجهة الصعاب ، من خلال تحمل مشاق رحلة الحج وما فيها من غربة عن الأهل والأرض ،

* التربية على تحمل تبعات الخطأ : فالمسلم مطالب بأن يكون شجاعا في الاعتراف بالخطأ اذا وقع منه ، وهي أعظم درجات الشجاعة ، ويظهر ذلك جلياً في وجوب الفدية على من ارتكب محظوراً من محظورات الإحرام أو ترك واجباً . ولاشك أن الشعور بالمسؤولية وتحملها علامة نضج وكمال الإنسان وهي غاية من غايات التربية الناجحة ، فالحج تربية على ذلك الأمر .

* التربية على هجر العاديات وتغيير المألوف : فالعاديات ما اعتاده الواحد من سكون ورخاء ، ويكون هجرها بقوة التعلق برضا الله سبحانه وسلعته الغالية ، وهي منزلة عالية لا يصلها المسلم الا بمجاهدة قوية لنفسه وشهواتها ، والحج يكون فرصة لتحقق هذه المجاهدة ، ومن ثم الاستمرار عليها بعد ذلك .

4- مدرسة للتربية الحركية :

* التربية على النظام والانضباط: فللمناسك ترتيب ونظام لا يقبل الإخلال بهما؛ وكم في الناس من مزاجية لا تنضبط إلا بالحج ، فالحج يعود الأخ المسلم على أن يكون منضبطا في أموره حريصا على الدقة والنظام ، مراعيا التسلسل الطبيعي للمناسك ، والانضباط التام بكل ما تحويه تلك المناسك من أعمال ، فلا يزيد ولا ينقص ، ولا يقدم ولا يؤخر ، بل انقياد وانضباط تام .

* التربية على استشعار وتحمل المسئولية : فالحاج هو المسئول عن إتمام المناسك لا غيره فيتربى على استشعار المسئولية الفردية، وتتولد لديه الذاتية والايجابية للقيام بكل ما تتطلبه منه أعماله الحياتية والدعوية بشكل عام .

* التربية على الجماعية في الأداء: فقد يكون في صحبة أو رفقة فيتولى بعض أمرهم ، فيتاح له من التطبيق العملي والتدريب المكثف ما لم يكن متاحاً له بغير الحج ، فيتربى على حسن القيادة وحسن الخدمة لإخوانه الحجاج معه ، فيشعر بالسعادة والسرور اذا قدم خدمة لغيره من الناس ، فيساعد المحتاج ويحمل الضعيف ويواسي المنكوب ولو بالكلمة الطيبة ويبادر دائما الى فعل الخيرات .

* التربية على وجوب الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فاجتماع الناس بهذا العدد في الحج فرصة سانحة لدعوتهم وتصحيح مفاهيمهم وتقويم سلوكهم وعرض الدعوة عليهم ، وقديما روي عن أحد الصالحين: " كنت أحج مع سفيان الثوري ؛ فما يكاد لسانه يفتر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذاهباً وراجعاً " وقد كان الإمام البنا ينتهز فريضة الحج ليبلغ دعوته للحجيج من كل مكان ، فكان يعرض دعوته وينشر رسالته ، حتى يفتح الله على يديه ، ويجد من يبايعه على هذه الدعوة المباركة ، حتى يوصلها إلى العالمين ، وقد كان بفضل الله .

تلك بعض الصور البسيطة التي تظهر لنا من آثار مدرسة الحج التربوية ، و إلا فالدروس والعبر كثيرة ، ولا تقف عند شكل ما ، بل تمتد لتشمل حياة المسلم كلها ، وحياة المجتمع من حوله ، فتكون التربية من خلال فريضة الحج تربية ذات أثر ايجابي في الفرد والمجتمع ، ولذلك كانت رحلة الحج هي رحلة العمر ، والتي بها يبدأ عمر الإنسان من جديد ، ويتجدد لديه الإيمان والإسلام ، ويقوى فيه العزم والإرادة ، وينشط فيه الحرص على الطاعة والعمل الصالح ، فما أروعها من فرصة للمسلم كي يغير من نفسه ويرتقي بها ، وما أحوج المربين إلى الاستفادة من تلك الفريضة لتحقيق أهداف العمل التربوي من خلال رحلات حج جماعية ، قد توفر الكثير من الوقت والجهد للوصول إلى الهدف المنشود في إصلاح النفوس وتربيتها وتزكيتها ، لأن المسلم من خلال تلك الرحلة المباركة يكون قد عايش عناصر العملية التربوية كاملة ( من استعداد نفسي وبيئة صالحة وصحبة صالحة ومنهج تربوي ووسائل تربوية ) وأنه تفاعل معها وتأثر بها ، وبالتالي كان ولابد وأن يظهر الأثر بعد إتمام رحلة الحج المباركة في شخصية المسلم ، فيعينه الله في إحداث هذا التغيير الشامل في النفس " والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم " ، ويعينه بأن يجعل صفحته السابقة بما حملت من آثام ومعاصي وذنوب ، كأنها لم تكن ، فيبدأ المسلم في صفحة جديدة مع الله ومع النفس ومع الناس والمجتمع من حوله .