تتمثل عظمة هذا الدين في أنه دين عملي وواقعي وحركي ، ينطلق بالمسلم من حيث هو، يأخذ بيده ويرتقي به، ويهذب من سلوكه ويغير من عاداته ، وفق ما يلقاه المسلم في يومه من مواقف دينية أو دنيوية ، وأنه دين لا يغفل أي موقف يحياه المسلم إلا ويجعله منطلقا للارتقاء به ، وأنه دين يجعل من عباداته رافداً أساسياً في تربية النفس وتزكيتها وتهذيبها وإصلاحها ، وأنه دين يجعل الأخلاق مقترنة بالعبادات في تلازم وتجانس بديع ، لتكون أثرا من آثار العبادة المقبولة ، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وتعود على الانضباط والإتقان ، والزكاة مدرسة للبذل والعطاء وطهرة للنفوس وتكافل اجتماعي بناء ، والصيام ينمي الصبر بأنواعه ويوحد مشاعر المجتمع في حالة يعز نظيرها .
أما عبادة الحج فتتجسد فيها قمة العمل التربوي ، لتصبح ميدان تربية متكاملة ، وتهذيبا قويما للنفس ، وإصلاحا وتغييرا للسلوك ، بصورة أكبر مما هي عليه في العبادات الأخرى ، وذلك لما للحج من مكانة في النفوس وشوق في القلوب ، ولهفة وولع يعتصر أفئدة المؤمنين ، وإن من روعة هذا الدين أنه جعل من فريضة الحج مدرسة تربوية متكاملة ، اجتمعت فيها غالبية العناصر التربوية المطلوبة في العمل التربوي الفعال ، فنجد في الحج تلك العناصر :
v استعداد المتربي : ففي رحلة الحج تتحقق الرغبة واللهفة في نفس المسلم ، حيث يحمله الشوق واللهفة إلى القيام برحلة الحج ، شوق إلى لقاء الله ورؤية بيته الحرام ، وشوق للسلام على الحبيب صلى الله عليه وسلم ، وشوق لتجديد العهد والبيعة مع الله ، وهي مظاهر تدل على مدى حرص المسلم وإقباله طواعية على هذه العبادة مما ييسر تحقق أهدافها التربوية في النفس .
v بيئة صالحة للتربية ، فلا أروع من بيئة تضم بيت الله الحرام ومسجد الحبيب المصطفى والبقاع الطاهرة التي وقف عليها رسول الله ، وموضع آثار أقدام الشهداء والمجاهدين من الصحابة الكرام ، فتجتمع بذلك أطهر بيئة صالحة للتربية والتأثير والتغيير في نفس المسلم .
v صحبة صالحة معينة : فإن المسلم يكون وسط جموع صالحة جاءت تلبي نداء الرحمن ، كل هدفها السعي لمرضاة الله ، والفوز برضاه ، تقدم العمل تلو العمل ، لا تملك إلا أن تكون في معية الله وفي رحابه ، فتكون تلك الصحبة خير معين على تزكية النفس وتربيتها التربية الإيمانية .
v منهج تربوي متكامل ، من خلال مناسك تتدرج بالمسلم خطوة خطوة ، وتسمو بنفسه ، وتعلي من إيمانياته ، تأخذ بيده الى الله ، فنجد المسلم الحاج ، يقرأ فقه الحج والعمرة كاملا بكل أحكامه ، ويقرأ في الجوانب الروحية المنبثقة من الحج ، وينظر في محظورات الإحرام لتجنبها ، وأحكام الفدية والهدي وغير ذلك من قراءات تتعلق بالحج ، ويظهر الأثر الحقيقي للمنهج هنا في حرص المسلم على الإلمام به كله إلماما تاما ، متمثلا جوانب المنهج الثلاثة( المعرفية والوجدانية والسلوكية) .
v وسائل تربوية متعددة ، تشمل الرحلة الطويلة والقصيرة الداخلية والخارجية ، المبيتات الروحية والمعسكرات و المخيمات والندوات التي تقام طوال الرحلة ، ووسائل تزكية النفس المتعددة من خلال الصلوات في الحرم ، والاعتكاف فيه ، والطواف والسعي ، فنرى في الإحرام تربية ، وفي التلبية تربية ، وفي الطواف تربية ، وفي السعي تربية ، وفي رمي الجمرات تربية ، وفي الحلق أو التقصير تربية ، وفي الصلاة في الحرم تربية ، وفي الاعتكاف فيه تربية ، ومن هنا فإن الحج مدرسة تربوية متكاملة ، تربي المسلم تربية عقائدية وإيمانية وأخلاقية .... الخ ،
وهذه هي مقومات النجاح لأي منهج تربوي ، أن يتوفر لدى المتلقي له الرغبة في الإلمام به واستيعابه وأن يتأثر به في أفعاله وتصرفاته ، مع وجود منهج تربوي مناسب وبيئة تربوية معينة وصحبة صالحة تأخذ بيده ، وهذا ما يقع للمسلم في رحلة الحج ، و من صور مدرسة الحج التربوية أنها :
1- مدرسة للتربية الإيمانية :
فمن خلال الحج تتحقق التربية الإيمانية وتتكامل وتبدو معالمها من خلال ما يلي :
التربية على تعظيم شعائر الله : وهي من أعظم غايات الحج حيث يتربى العبد على تعظيمها وإجلالها ومحبتها وإكرام أهلها والتحرج من المساس بها أو هتك حرمتها ، ويزداد التعظيم والخضوع في قلب المسلم انطلاقا من قوله جل شانه في ثنايا آيات الحج : " ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب " ( الحج : 32 ) ، وتلك هي البداية أن يعظم شعائر الله في رحلة الحج ، ثم يتواصل في تعظيم شعائر الله بعد عودته ، لتكون حياته كلها وفق منهج الله وشرعه ، و يتربى أيضا على تعظيم حرمات الله من خلال امتثال قوله تعالى " ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه " .
التربية بالتذكير باليوم الآخر : في مواقف تحصل للحاج منها ( خروجه من بلده ومفارقته أهله ، يذكر بالفراق حال الخروج من الدنيا - التجرد من المخيط وترك الزينة ، يذكر بالكفن وخروج العباد من قبورهم حفاة عراة غرلا - والترحال والتعب والازدحام مع العطش والعرق ، يذكر بمواقف عرصات القيامة وحشر العباد ) ، ويعجب المرء حينما يجد الكثير من المسلمين وبخاصة من غير العرب ، من يأتون من ديارهم ومعهم أكفانهم ، يغسلونها بماء زمزم تبركا به واستعدادا للقاء الله ، ومن ثم يعود المسلم بعد رحلة الحج ، ولديه إقبال على الله ورغبة في لقائه .
التربية على الإكثار من ذكر الله تعالى : الحج شعيرة يملئها الذكر ويمنحها مزيداً من الجلال والبهاء ؛ قال سبحانه : " فاذكروا الله عند المشعر الحرام " ، وفي الحديث " إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله في الأرض " ، فالإكثار من ذكر الله من شيم وصفات المؤمنين ، وما أروع حداء المؤمنين وهم يجهرون بالتلبية مع كل صعود وهبوط في نواحي مكة ، وما أروع تكبيرهم وتهليلهم لله عز وجل في منى وعرفات والمزدلفة وعند المشعر الحرام ، إنه ذكر الله الذي به تطمئن القلوب " الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب " .
التربية على اجتناب الذنوب : يقول تعالى " الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث لا فسوق ولا جدال في الحج " ، فهي دعوة وتربية على أن يتجاوز المسلم المعاصي ويتجنبها ولا يقع فيها أثناء أدائه لمناسك الحج ، ومن ثم فهي تربية له لمواصلة ذلك بعد العودة .
التربية على الاجتهاد في الطاعات واستغلال الوقت : وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالي " وما تفعلوا من خير يعلمه الله ، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " فالمسلم في الحج يحسن استغلال وقته في طاعة الله ما بين طواف وسعي وصلاة وذكر .. الخ ، ويتربى على حسن الاستفادة من وقته فيما يعود عليه بالخير والقبول عند الله .
التربية على الدعاء ولذة مناجاة الله : فقد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم " خير الدعاء دعاء عرفة " وفي الحج مواضع مقرونة بإجابة الدعاء فضلاً من الله ومنة منها : الطواف ، الصفا والمروة ، يوم عرفة ، عند المشعر الحرام ، بعد رمي الجمرات ؛ علماً أن الحج كله سوق رائجة رابحة للدعاء والابتهال والاستغفار ، وهو تعويد للمسلم على اللجوء الى الله دائما وفي كل وقت وحين ، والأنس بمناجاته سبحانه وتعالى .
التربية على الاستقامة بعد الحج : فالمسلم العائد من الحج يجد نفسه ملزما بالمحافظة على بقاء صفحته بيضاء بعد أن غفر الله له في الحج ، وفي ذلك قال الحسن البصري رحمه الله : " الحج المبرور أن يرجع زاهداً في الدنيا ، راغباً في الآخرة ، ويشهد لذلك قوله تعالى : " والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم " " .
2- مدرسة للتربية الأخلاقية :
فالحج مدرسة تربوية تقوم على تقويم الأخلاق وتهذيبها ، وقد شرع الحج لتقويم الكثير من الأخلاق ومنها :
التربية على العفة وكظم الغيظ وترك الجدال كما في قوله عز وجل : " الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج " ، فالرفث هو الجماع ودواعيه من قول أو فعل ، والجدال أن تجادل صاحبك حتى تغضبه ويغضبك ، فهي صورة من صور غرس القيم في نفس المسلم ، وترك المنهي عنه .
التربية على اللين والرفق والسكينة: كما قال عليه الصلاة والسلام حين سمع جلبة وصخباً في الدفع لمزدلفة : " أيها الناس عليكم بالسكينة ، فإن البر ليس بالإيضاع " والإيضاع هو الإسراع ، فالحاج يتربى في نسكه على أن يكون صاحب رفق وسكينة ، وخشوع وطمأنينة ، ليعتاد ذلك كله في حياته كما هي في عباداته .
التربية على إنكار الذات والاندماج في الجماعة في اللباس والهتاف وفي التنقل والعمل ، فإن النفس تذوب في هذا الكيان البشري الواحد ، ويصبح الكل يتكلم بلغة واحدة وخطاب واحد وهتاف واحد وشعار واحد " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك " ، فيتولد في النفس المسلمة شعور بأنه جزء من هذا الكيان ، ويتضاءل حظ النفس وحب الانانية في ذاته ، فيكون مسلما اجتماعيا يعيش لأمته ويحمل همومها ويتكلم بلسانها ويهب نفسه لها .
التربية على التواضع : يستشعر المسلم ذلك ، حين لا يمتاز أحد عن أحد ، ولا تكون لحاج خاصية أو ميزة عن غيره من الحجاج في الأمور الدينية ، فالأركان والواجبات والمسنونات متماثلة في حق الجميع ، فيتربى المسلم على روح التواضع الجم ، ويحقق قوله تعالى " أذلة على المؤمنين " ، ويعيش سعيدا بانتمائه لهذه الحشود المؤمنة ، ويغلب روح التواضع على الكبر والعجب بالذات.
التربية على الصبر بأنواعه: صبر على مشقة الطاعة وما أحلاها من طاعة يصبر المسلم عليها رغم مشقتها ويسعد بأدائها ، وصبر عن المعصية خاصة مع التزاحم وكثرة الناس ، فيجنب نفسه الوقوع في المعاصي وما أكثرها وقت الحج ، بدءا من تدافع وايذاء للمسلمين ، ونظرة هنا أو هناك ؛ وصبر على قضاء الله الذي يعرض للحاج ، من ابتلاء أو تمحيص أثناء رحلة الحاج ، وفي ذلك تعويد له على الصبر على قضاء الله وقدره في حياته بشكل عام .
التربية على البذل والعطاء فالحج عبادة بدنية مالية ؛ وفي المشاعر تتسامى المشاعر فيبذل المسلم من ماله لسقيا الحجاج أو تفريج كربهم وسد حاجتهم ، ونجد في الحج تسابقا عجيبا لهذا البذل والجود والكرم ، وفي التاريخ نماذج رائعة ، فهذا عبد الله بن المبارك الذي كان يحمل معه في رحلة الحج أكثر من ثلاثمائة يخرجون من بلدته "مرو" وعلى نفقته الخاصة ، وغيره الكثير ، وما نراه اليوم في الحج ليؤكد على تلك المعاني ، من التسابق في البذل لإطعام الحجيج وإكرام وفادتهم .
التربية على تحقيق معاني الأخوة والمحبة والتآلف ، خاصة حين يكون الحج مع رفقة وصحبة ، وتتلقى الأنفس وتتعارف ، وتأتلف القلوب والأرواح ، وتتحقق زمرة القلب الواحد في أمة الإسلام في رحلة الحج وتتجسد بأروع صورة ، فالحج مؤتمر إسلامي عالمي كبير ، تتحقق فيه الوحدة الاسلامية بأروع صورها .
3- مدرسة للتربية الجهادية :
وتعد فريضة الحج من أقوى الوسائل المعينة على مجاهدة النفس مما يسهل معه قيادتها وتوجيهها ، ومن الصور التي تبرز لنا من خلال الحج في هذا المجال :
التربية على الاستسلام والخضوع لأمر الله والمجاهدة فيه : ويكون هذا بإيثار محبة الله ومرضاته على رغبات النفوس وشهواتها ؛ مما يقود إلى مرتبة أعلى ومنزلة أسمى حين لا يكون للعبد إيناس ولا استئناس إلا بما يرضي الرب سبحانه ؛ وحينها يبلغ إيمان المسلم درجة عالية عزيزة بفضل الله وتوفيقه ، وينتصر على نفسه ، ويخضع لشرع الله .
التربية على صدق العزيمة وقوة الإرادة : فمن حج البيت فقد أرغم هواه وغالب لذة الراحة والدعة ومضى لأمر يعلم مشقته ولا يستمع لقول القائل من المثبطين ، وهكذا يجب أن يكون المسلم في أموره وحياته ، يجاهد نفسه ويحملها على أن تكون صاحبة إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف .
التربية على تحمل تبعات الطريق ومواجهة الصعاب ، من خلال تحمل مشاق رحلة الحج وما فيها من غربة عن الأهل والأرض ،
التربية على تحمل تبعات الخطأ : فالمسلم مطالب بأن يكون شجاعا في الاعتراف بالخطأ اذا وقع منه ، وهي أعظم درجات الشجاعة ، ويظهر ذلك جلياً في وجوب الفدية على من ارتكب محظوراً من محظورات الإحرام أو ترك واجباً . ولاشك أن الشعور بالمسؤولية وتحملها علامة نضج وكمال الإنسان وهي غاية من غايات التربية الناجحة ، فالحج تربية على ذلك الأمر .
التربية على هجر العاديات وتغيير المألوف : فالعاديات ما اعتاده الواحد من سكون ورخاء ، ويكون هجرها بقوة التعلق برضا الله سبحانه وسلعته الغالية ، وهي منزلة عالية لا يصلها المسلم الا بمجاهدة قوية لنفسه وشهواتها ، والحج يكون فرصة لتحقق هذه المجاهدة ، ومن ثم الاستمرار عليها بعد ذلك .
4- مدرسة للتربية الحركية :
التربية على النظام والانضباط: فللمناسك ترتيب ونظام لا يقبل الإخلال بهما؛ وكم في الناس من مزاجية لا تنضبط إلا بالحج ، فالحج يعود الأخ المسلم على أن يكون منضبطا في أموره حريصا على الدقة والنظام ، مراعيا التسلسل الطبيعي للمناسك ، والانضباط التام بكل ما تحويه تلك المناسك من أعمال ، فلا يزيد ولا ينقص ، ولا يقدم ولا يؤخر ، بل انقياد وانضباط تام .
التربية على استشعار وتحمل المسئولية : فالحاج هو المسئول عن إتمام المناسك لا غيره فيتربى على استشعار المسئولية الفردية، وتتولد لديه الذاتية والايجابية للقيام بكل ما تتطلبه منه أعماله الحياتية والدعوية بشكل عام .
التربية على الجماعية في الأداء: فقد يكون في صحبة أو رفقة فيتولى بعض أمرهم ، فيتاح له من التطبيق العملي والتدريب المكثف ما لم يكن متاحاً له بغير الحج ، فيتربى على حسن القيادة وحسن الخدمة لإخوانه الحجاج معه ، فيشعر بالسعادة والسرور اذا قدم خدمة لغيره من الناس ، فيساعد المحتاج ويحمل الضعيف ويواسي المنكوب ولو بالكلمة الطيبة ويبادر دائما الى فعل الخيرات .
التربية على وجوب الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فاجتماع الناس بهذا العدد في الحج فرصة سانحة لدعوتهم وتصحيح مفاهيمهم وتقويم سلوكهم وعرض الدعوة عليهم ، وقديما روي عن أحد الصالحين: " كنت أحج مع سفيان الثوري ؛ فما يكاد لسانه يفتر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذاهباً وراجعاً " وقد كان الإمام البنا ينتهز فريضة الحج ليبلغ دعوته للحجيج من كل مكان ، فكان يعرض دعوته وينشر رسالته ، حتى يفتح الله على يديه ، ويجد من يبايعه على هذه الدعوة المباركة ، حتى يوصلها إلى العالمين ، وقد كان بفضل الله .
تلك بعض الصور البسيطة التي تظهر لنا من آثار مدرسة الحج التربوية ، و إلا فالدروس والعبر كثيرة ، ولا تقف عند شكل ما ، بل تمتد لتشمل حياة المسلم كلها ، وحياة المجتمع من حوله ، فتكون التربية من خلال فريضة الحج تربية ذات أثر ايجابي في الفرد والمجتمع ، ولذلك كانت رحلة الحج هي رحلة العمر ، والتي بها يبدأ عمر الإنسان من جديد ، ويتجدد لديه الإيمان والإسلام ، ويقوى فيه العزم والإرادة ، وينشط فيه الحرص على الطاعة والعمل الصالح ، فما أروعها من فرصة للمسلم كي يغير من نفسه ويرتقي بها ، وما أحوج المربين إلى الاستفادة من تلك الفريضة لتحقيق أهداف العمل التربوي من خلال رحلات حج جماعية ، قد توفر الكثير من الوقت والجهد للوصول إلى الهدف المنشود في إصلاح النفوس وتربيتها وتزكيتها ، لأن المسلم من خلال تلك الرحلة المباركة يكون قد عايش عناصر العملية التربوية كاملة ( من استعداد نفسي وبيئة صالحة وصحبة صالحة ومنهج تربوي ووسائل تربوية ) وأنه تفاعل معها وتأثر بها ، وبالتالي كان ولابد وأن يظهر الأثر بعد إتمام رحلة الحج المباركة في شخصية المسلم ، فيعينه الله في إحداث هذا التغيير الشامل في النفس " والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم " ، ويعينه بأن يجعل صفحته السابقة بما حملت من آثام ومعاصي وذنوب ، كأنها لم تكن ، فيبدأ المسلم في صفحة جديدة مع الله ومع النفس ومع الناس والمجتمع من حوله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق