الأربعاء، ٢٥ نوفمبر ٢٠٠٩

يوم عرفة .. هيا نجدد العهد




تهيئة

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بنعمان - يعني عرفة - وأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها ، فنثرهم بين يديه كالذر ، ثم كلمهم قبلا ، قال : " ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ، أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من يعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون " هكذا هو يوم عرفة جعله الله يوم أخذ الميثاق من بني آدم جميعا، وهو اليوم الذي يجب أن نقف فيه مع أنفسنا، كي نجدد العهد مع الله ونعقد البيعة معه من جديد، نجددها كل عام في خير أيام العمر، فما أعظمه من عهد وميثاق، وما أعظمها من بيعة نعقدها مع الله .


لماذا عرفة

لقد اختار الله يوم عرفة دون غيره من الأيام ليأخذ فيه العهد والميثاق من بني آدم، لما في هذا اليوم من فضائل لا تجتمع في غيره، فهو اليوم الذي أقسم الله به " والشفع والوتر" قال ابن عباس الوتر يوم عرفة ، وأقسم به ثانية " وشاهد ومشهود" فالمشهود يوم عرفة كما روى الإمام أحمد، وهو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة قال تعالى " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً"، وهو يوم التجاوز عن الذنوب والعتق من النار، قال الحبيب صلى الله عليه وسلم" ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء "، وهو يوم مباهاة الله ملائكته بعباده قال صلى الله عليه وسلم" إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء ، فيقول لهم : انظروا إلى عبادي هؤلاء جاءوني شُعثاً غُبراً "، وهو اليوم الذي يتصاغر فيه الشيطان قال عليه الصلاة والسلام"ما رئي الشيطان يوماً هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه يوم عرفة ، مما يرى من نزول الرحمة ، وتجاوز الله تعالى عن الأمور العظام "، وهو اليوم الذي يهب الله فيه المسيء للمحسن، ويعطي المحسن ما سأل قال رسول الله "إن الله تطاول عليكم في جمعكم هذا، فوهب مُسيئكم لمحسِنِكم، وأعطى محسِنكم ما سأل"، وهو يوم الفضل الأكبر "عن أنس بن مالك أنه قال : كان يقال : يوم عرفة بعشرة آلاف يوم" ، فهو يوم التجلي الأكبر ويوم الذكر الأكثر ويوم الدعاء الأكبر ويوم العتق الأكبر ويوم المباهاة ويوم القرب والذكر والمناجاة ، فاطلبوا ذلك اليوم الزاهي البهي


علام نعاهد

لقد جعل الله يوم عرفة يوم تجديد العهد معه سبحانه وتعالى ، وإحياء هذا الميثاق الأبدي مع الله، وحتى نكون من الذين بايعوا وعاهدوا وجددوا عهدهم مع ربهم ، فهذه علامات تجديد العهد في ذلك اليوم

· أول تجديد للعهد أن نشكر الله على نعمة الإسلام والهداية للقرآن ، وأن أبقانا هذا العام لنشهد الخير، وأن أحيانا مسلمين، وأن نعقد العزم والنية على أن نكون عباداً له سبحانه كما يحب ويرضى .

· أن نسارع بالتوبة الصادقة وتكرارها كل لحظة، وأن نكثر من الاستغفار لنا ولأهلنا ولمن معنا " من استغفر للمؤمنين وللمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة"

· بأن نصوم ذلك اليوم لما فيه من أجر عظيم "صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده" وأن نفطر فيه صائماً لعل الله أن يرزقنا صيامه مضاعفاً

· أن نستيقظ الثلث الأخير من ليلة عرفة نقومها لله ونصلي بجزئين تبارك وعم فنكتب من المقنطرين الذين صلوا بألف آية في ليلة، " من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين"مستشعرين قوله تعالى" والذين يبيتون لربهم سجدا وقياماً" وقد قال لنا الحبيب " أفضل الصلاة بعد المكتوبة الصلاة في جوف الليل "

· أن نجلس قبيل الفجر مستغفرين ربنا " والمستغفرين بالأسحار" وأن تفيض أعيننا من خشية الله وذكره خاليا حتى نكون ممن ذكرهم الحبيب " ورجلٌ ذكر الله ففاضتْ عيناه"

· أن ننوي أداء الحج والعمرة " من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة"

· أن نكثر فيه من الدعاء " خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" وقوله " أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة"، فهو أكثر الذكر بركة وأعظمه ثواباً وأقربه إجابة، وأن نستغل أوقات إجابة الدعاء

· أن نملك سمعنا وبصرنا ولساننا عما يغضب ربنا "يوم عرفة من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له "، وأن نسأله سبحانه وتعالى العتق من النيران "ما من يوم أكثر من أن يعتق فيه عبداً من النار, من يوم عرفة, وانه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة, فيقول ما أراد هؤلاء "، وأن نقبل على الله في ذل كما كان سلفنا " قال ابن مبارك :جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة، وهو جاث على ركبتيه، وعيناه تهملان"

· أن نكثر من التكبير ونحيي تلك السنة المهجورة ، انطلاقاً من قوله تعالى " ولتكبروا الله على ما هداكم " ولما ذكره البخاري رحمه الله تعالى عن ابن عمر وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنهم , أنهم كانوا يقولون: الله أكبر الله أكبر الله أكبر , لا إله إلا الله , والله أكبر الله أكبر , ولله الحمد" وهذا هو الذكر المطلق ويكون عقب الصلوات وفي الأسواق والدور والطرق والمساجد .

· بأن نجتمع على الخير مع الصالحين في ذلك اليوم ، فقد فعل ذلك ابن عباس وأجازه بعض أئمة السلف ، ومنهم الإمام أحمد فقال : " أرجو أن لا يكون به بأس "، وأن نتعاون على فعل الخير دائماً .

· أن نحافظ على بيوتنا التي في الجنة من خلال أداء السنن الراتبة " ما من عبد مسلم توضأ فأسبغ الوضوء ثم صلى لله في كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعا غير فريضة إلا بنى الله له بيتا في الجنة"

· أن نكثر من ذكر الله المطلق ، إضافة إلى أذكار الصباح والمساء ، وأذكار احوال اليوم والليلة" ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ذكر الله"

· أن نجتهد في العبادة والإقبال على الله ، من صلاة وصيام وصدقة وصلة رحم وعيادة مريض وأعمال بر ودعوة إلى الله ، أن ننوي الإعتكاف في ذلك اليوم كلما دخلنا المسجد ولو ساعة أو لحظات ، وأن نعيش مع القرآن في الورد اليومي، تلاوة وتدبرا وحفظا وفهما وعملا ،

· وأن ننصر دينه ودعوته ، بالعمل لدينه ودعوته صباح مساء، ووقف النفس لهذا الدين كي نحقق الغاية المنشودة بعودة الخلافة الإسلامية وتحقيق أستاذية العالم

· أن نحمل أهلنا وأولادنا على ذلك كله، وأن نحثهم على الاستزادة من الخير والطاعات ، حتى تكون بيوتنا كما أراد الله " واجعلوا بيوتكم قبلة"


ختاماً

هذا هو برنامجنا العملي في يوم عرفة، وهذا هو تجديد عهدنا مع الله كي ننافس على صحبة الحبيب ومرافقته في الجنة، و نتسابق مع الصحب الكرام وشعارنا ما قاله أبو مسلم الخولاني " أيظن أصحاب محمد أن يستأثروا به دوننا، والله لنزاحمنهم عليه حتى يعلموا أنهم خلفوا وراءهم رجالا " فهيا إلى التنافس فيها في الخير والعمل الصالح ، وليكن شعارنا في هذا اليوم ( والله لنزاحمنهم ) مزاحمة الصحب الكرم على مرافقة الحبيب ، ومزاحمة الحجيج على نيل المغفرة في يوم العتق الأكبر ، كي نجعل من هذا اليوم نقطة انطلاق إلى الجنة ، والله أكبر ولله الحمد

الاثنين، ٢٣ نوفمبر ٢٠٠٩

وعاد الأطهار إلى الديار


انطلاقة

بالأمس اتصل بي حبيبي وأستاذي صاحب الإبراهيميات، كعادته في تفقد أحبابه وتلامذته وأبنائه في هذه الدعوة وذلك بعد خروجه من الاعتقال الظالم، فذكرني بما حدث له ولإخوانه قبل ستة أشهر، حينما قامت أجهزة الأمن بحملة اعتقالات ضد 13 من الأطهار من قيادات ورموز الإخوان المسلمين والذين سموا بمجموعة التنظيم الدولي، واعتقلتهم طوال هذه الأشهر الستة، رغم قرارات الإفراج التي أصدرتها المحاكم والتي برأتهم فيها من كل تهمة نسبت إليهم، ولقد كان خروجهم قبل إسبوع من أعظم الأخبار التي نقلت إلي والتي كان الأحباب يهنئونني بها نظراً لانتسابي إلى تلك الزمرة المباركة في عريضة الاتهام وإن لم أنل شرف صحبتهم في تلك الرحلة، وجاء هذا الإفراج بعدما قضت محكمة جنايات جنوب القاهرة حكمها بتبرئتهم في خامس حكم لهم بذلك، ويأتي هذا الإفراج ليمثل نقطة انطلاق جديدة في حياة تلك الكوكبة المباركة بعد هذه الدورة التدريبية التربوية الربانية التي هي منحة من الله لعباده وخطوة على طريق التمكين لنصرة دينه، ولقد سُئل الإمام الشافعي رضي الله عنه : أيُمَكَّن للمرء أولاً أم يُبتلى؟" فقال: "لا يُمكَّن للمرء حتى يُبتلى"، وبذلك تصبح هذه المحن سنة من سنن الله في التمكين والاستخلاف في الأرض، قال تعالى"وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ" .


عود حميد

لقد عاد الأحباب ( أ العزباوي ود أسامة ود ابراهيم ود عصام ود محمد سعد وأ الحسيني وم علي وإخوانهم جميعا ) عادوا إلى الديار بعد غياب قهري استمر 6 أشهر، وبعد رحلة طويلة، عانوا فيها الكثير من الظلم والقهر والحبس والاعتقال والتشريد عن الأهل والأحباب والديار، وعن المهام الدعوية و الأعمال الحياتية، ولكنه العود الحميد بإذن الله، عود لاستكمال مسيرة العمل الدعوي والتربوي والإداري، عود للنهوض بدعوتهم والارتقاء بإخوانهم، عود لحمل الدعوة والقيام بأعبائها، عود لخدمة مجتمعهم الذي افتقدهم خلال تلك الفترة، عود حميد وشعارهم " عائد أنا من حيث أتيت .. عائد أنا لمسجدي .. عائد إلى الصلاة والركوع والسجود .. عائد إلى الطريق خلف أحمد الرسول .. أرسل الخطى حزينة في إثره .. عرفت قصة الطريق كلها .. وعائد أنا برغمها .. كالفجر كالصباح مغدق وباسم .. والخطو كالرياح عاصف وعارم "


بل هو خير لكم

لقد قالها الله تبارك وتعالى في سياق محنة تعرض لها المسلمون في حادثة الإفك " لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم " نعم إن كل المحن التي يتعرض لها الإخوان تحمل في طياتها الخير الكثير والعطاء الوافر من الله عزو جل، ومهما كثرت المحن على الإخوان خرجوا ثابتين محتسبين وما لانت لهم قناة، وصبروا على هذا الإيذاء والاعتقال حتى خرجوا من هذه المحن وهم أشدُّ عودًا وأكثر عطاءً وتضحيةً وبذلاً لدعوتهم وتفانيًا لدينهم، رافعين راية الحق وعاملين لتحقيق آمال وطموحات أمتهم ودعوتهم ودينهم، ولقد أدرك الإخوان أن مع كل بلاء خيراً وثمرة، ومع كل محنة منحاً من الله وعطايا كثيرة، فهم يستشعرون أن الاعتقال تحقق فيه قوله تعالى " بل هو خير لكم" ومن ذلك :

بل هو خير لكم : حيث عقدت دورة لتحسين الصلة بالله والتزود إيمانيا وروحياً ، وحيث الإكثار من العبادات وتحقق صفة العبد الرباني" ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه" فكان التزود من تلاوة القرآن وتدبره وحفظه وتمثل معانيه، وكانت نوافل الطاعات من صيام وقيام وذكر واستغفار،

بل هو خير لكم : حيث كان الاعتقال فرصة للوقوف مع النفس وتصحيح مسارها وترتيب أولوياتها، وتزكيتها وتقويمها ومعالجة النقص فيها ، وتجديد العهد معها بالثبات على طريق الدعوة ، وحملها على أخذ الأمر بقوة مستشعرين قوله تعالى " خذوا ما آتيناكم بقوة"

بل هو خير لكم : حيث التقى الإخوان في دورة تعارف وتآلف عن قرب، فاجتمعت القلوب والأرواح ، وتقاربت الأفكار والآراء، وامتزجت النفوس في إخاء فريد ومحبة ونقاء، وتعمقت بينكم أركاننا الأساسية( التعارف – التفاهم – التكافل)، وظهرت معادن الرجال بينكم، وحدث التكامل والتبادل في الخبرات والملكات والقدرات، وزاد الترابط الإخواني بينكم" لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم"

بل هو خير لكم : حيث كان الاعتقال منحة لأفراد أسركم وأهليكم في تقربهم إلى الله وحسن صلتهم به، واستشعارهم معية الله ، ومشاركتكم في ثواب المحنة وابتغاء الأجر معكم من الله، مما هون عليهم المصيبة وفراقكم وأنزل السكينة والطمأنينة على قلوبهم وأنفسهم ، وأن عودهم الله على تحمل المسئولية في غيابكم، فكانوا رجالاً من خلفكم وسارت أمورهم إلى أحسن بفضل رعاية الله وتوفيقه لهم في محنتكم، وظهر لهم بوضوح حقيقة المعركة القائمة بين الحق والباطل، فتمسكوا بطريق الدعوة وازدادوا تمسكاً بالفكرة، وعاشوا قضايا أمتهم .

بل هو خير لكم : حيث زادكم الاعتقال قوة وصلابة واستمساكاً بالحق الذين تدعون إليه، وثباتاً على المنهج القويم والصراط المستقيم، وأنتم تستشعرون كلمات المؤسس رحمه الله "وقد يطول بكم أمد هذا الامتحان، ولكن الله وعدكم من بعد ذلك كله نصرة المجاهدين ومثوبة العاملين المحسنين" فكانت كلماتكم وتصريحاتكم بعد الخروج دلالة على علو هممكم وسمو عزائمكم في مواصلة الطريق مهما كانت الصعاب "الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبلوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو الفضل العظيم "


اكتمال الفرحة

لقد عاد الرجال الأطهار إلى ديارهم (مجموعة د أسامة ومجموعة د عبد المنعم) ولكن فرحتنا لم تكتمل بعد، فإن اكتمال فرحتنا لن يكون إلا حينما يعود إلينا الأسد الجسور خيرت الشاطر ومجموعته المباركة ممن صدرت ضدهم أحكام عسكرية جائرة، ولن تكتمل فرحتنا إلا حينما يخرج من سجون الظالمين كل أخ حبيب اعتقل ظلما وعدواناً في سجون مصر أو تونس أو سوريا أو أي بقعة أرض فيها معتقل ، ولن تكتمل فرحتنا إلا بعودة أسرانا المعتقلين في سجون الصهاينة المجرمين أو سجون سلطة فتح الظالمة في فلسطين، ولن تكتمل فرحتنا إلا بتحرير أراضينا المغتصبة والمحتلة من قبل اليهود المجرمين أو الأمريكان الظالمين أو الهندوس والبوذيين المجرمين، ولن تكتمل فرحتنا إلا حينما نرى أنوار الخلافة الإسلامية العالمية تعمنا بضيائها وتشملنا برحماتها وتحفنا بعدالتها، وقد بدأت في الأفق إرهاصات ذلك النور وما ذلك على الله بعزيز.


ختاماً

إن دعوة الله ماضية رغم تكالب الأعداء عليها سواء من الداخل أو الخارج، وهذا يستوجب منا جميعا أبناء هذه الدعوة وحملتها وأنصارها، أن نستشعر عظم المسئولية والأمانة المنوطة بنا، وأن نحفز أنفسنا على الاستمرارية في العمل لدين الله دون توقف أو انقطاع من أجل الوصول إلى أستاذية العالم التي ننشدها، وبأن نستمسك بالحق الذي اجتمعنا عليه وأن نثبت عليه مهما كان الإيذاء والتنكيل والتشريد، وبأن نصبر على طول الطريق وكثرة مشاقه وتخطي عقباته حتى يأتينا نصر الله، وأن نقدم في سبيل دعوتنا ونبذل لها كل ما نملك من نفس ومال ووقت وكل شئ في سبيل الغاية المنشودة، ووالله ما هي إلا إحدي الحسنيين (النصر أو الشهادة) والله أكبر ولله الحمد

الأحد، ٢٢ نوفمبر ٢٠٠٩

واشوقاه يا الله

واشوقاه إلى البيت العتيق
واشوقاه إلى الطواف
واشوقاه إلى ماء زمزم
واشوقاه إلى الحجر الأسود
واشوقاه إلى السعي بين الصفا والمروة
واشوقاه إلى منى وعرفات
واشوقاه إلى المزدلفة والمشعر الحرام
واشوقاه إلى زيارة الحبيب
واشوقاه إلى زيارة الحبيب
واشوقاه إلى زيارة الحبيب
يااااااااااااااااااااااااااااااااااارب





السبت، ١٤ نوفمبر ٢٠٠٩

وأقبلت العشر الأحب إلى الله


تهيئة

تمر الأيام والليالى، وتتعاقب السنون ، ويبقى المؤمن بين رجاء رحمة الله وخشية عذابه ، ويبقى إيمانه بين الزيادة والنقصان، وتبقى همته بين الشدة والفتور، وبينما هو كذلك إذ تأتيه نفحات الله وتتعرض له، لتقوية إيمانه ورفع همته ، وتقبل عليه مواسم الخيرات ليغفر الله له الذنوب ، ويرفع له الدرجات، فالسعيد من اغتنم الفرصة في مواسم الطاعات، وتقّرب إلى الله بالعمل الصالح، عسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات، ومن أعظم هذه النفحات ما قاله الحبيب صلى الله عليه وسلم " ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ، يعني الأيام العشر. قالوا : يا رسول الله ! ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله ، ثم لم يرجع من ذلك بشيء " وها نحن علي موعد نلتقي فيه بأيام مباركة طيبة، وتقبل علينا أيام طيبات تحمل معها نفحاتٍ كريمةً من ربٍ كريمٍ ، تبعث في نفوس المسلمين المحبة والشوق ، فتهز مشاعرهم وتستجيش عواطفهم ، فتسوقهم إلى رحاب الطاعة ومحراب العبادة.

الأحب إلى الله

لقد جاءت الأحاديث تؤكد على أفضلية هذه الأيام العشر على غيرها من أيام السنة كلها ، وعلى أنها الأعظم والأحب إلى الله تبارك وتعالى لقوله صلى الله عليه وسلم "ما من أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر"، فهي الأحب إلى الله زماناً لأنها تأتي في خير الأزمنة التي أقسم الله بها "والفجر وليال عشر "، وهي الأحب إلى الله زماناً لأن بها خير يوم طلعت عليه الشمس يوم عرفه ، وهي الأحب إلى الله مكاناً، لأن فيها يكون اجتماع المسلمين العالمي السنوي في موسم الحج ، فكانت تلك الأيام مكان اجتماع أمهات العبادة ، قال ابن حجر رحمه الله: "والذي يظهَر أنّ السببَ في امتياز عشر ذي الحجة بهذه الامتيازاتِ لِمَكان اجتماع أمّهات العبادة فيها، وهي الصّلاة والصّيام والصّدقة والحجّ وغيرها، ولا يتأتّى ذلك في غيرها"، وهي الأحب إلى الله لأنها أيام تجديد الحياة في ظل طاعة الله، ولأنها أيام التعرض لنفحات رحمة الله، ولأنها أيام المسارعة إلى المغفرة، ولأنها أيام المسابقة في الخيرات، ولأنها أيام موسم التجارة الرابحة، وهي الأحب إلى الله لأنها الأيام الوحيدة التي جمعت بين نفحات المكان ونفحات الزمان، ولأنها الأيام التي جمعت بين العبادات القلبية والبدنية والفردية والجماعية، وهي الأحب إلى الله لأنها أيام الرحمة والمغفرة والعتق من النار, وهي الأيام التي تتشبه فيها ملائكة الأرض بملائكة السماء , فينافس فيها البشر الأطهار الملائكة الأبرار، ويباهي الله بهم ملائكته كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"ما من يوم أكثر من أن يعتق فيه عبداً من النار, من يوم عرفة, وانه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة , فيقول ما أراد هؤلاء " وهي الأحب إلى الله لما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه "كان يقال في أيام العشر: بكل يوم ألف يوم، ويوم عرفة عشرة آلاف يوم قال - يعني في الفضل ، ولما روي عن الأوزاعي قال: "بلغني أن العمل في اليوم من أيام العشر كقدر غزوة في سبيل الله يصام نهارها، ويحرس ليلها إلا أن يختص امرؤ بشهادة" ولما روى عن كعب " اختار الله الزمان و أحب الزمان إلى الله الأشهر الحرم ، و أحب الأشهر الحرم إلى الله ذو الحجة ، و أحب ذي الحجة إلى الله العشر الأول".

الأعمال الأحب

أخي الحبيب أخاطب فيك همم العارفين وعزائم الناسكين وأشواق المحبين ومشاعر الطائعين وعزمات المشمرين، ها هي أيام العشر المباركات من ذي الحجة قد أقبلت بخيراتها، و بنفحاتها، و بنسماتها المباركة، هاهي قد أقبلت بالعطايا والهبات والفيض من النفحات، وهي أيام كان النبي الكريم وصحابته الكرام يخصونها بمزيد من الإقبال علي الله والوقوف علي طاعته والإكثار من ذكره والإقبال عليه ، ولقد أدرك سلف هذه الأمة فضل تلك الأيام المباركات، فكان منهم السابق بالخيرات والمبادر للطاعات، فقد كان سعيد بن جبير إذا دخلت العشر اجتهد اجتهادا لا يكاد يقدر عليه، وكان السلف الصالح رضوان الله عليهم "يعظمون ثلاث عشرات: العشر الأول من المحرم، والعشر الأول من ذي الحجة، والعشر الأخير من رمضان"، فهل تكون ممن أصاب خيرها، واغتنم بضاعتها، فإليك أخي هذه الوقفات التي نخرج منها بتكليفات تربوية عملية:

1- هل نويت الحج والعمرة في هذه العشر؟, فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة " وقال ابن عمر رضي الله عنهما " عمرة في العشر الأول من ذي الحجة أحب إلي من أن أعتمر في العشر البواقي" (( العمل : رحلة حج لمن قدر عليها))

2- هل نويت الحج والعمرة وأنت مقيم؟ فإن لم تقدر على الحج فقد فتح لك الحبيب صلى الله عليه وسلم بابا يعدل الحج والعمرة"من صلي الغداة في جماعة , ثم قعد يذكر الله , حتى تطلع الشمس , ثم صلي ركعتين , كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة"، (( العمل : المكث في المسجد عقب الفجر في ذكر وتلاوة حتى الشروق كل يوم ففي ذلك أجر حجة وعمرة))

3- هل نويت الصيام في هذه العشر؟ فقد سئل النوويّ رحمه الله عن صومِ تسع ذي الحجّة ، فقال "هي مستحبّة استحبابًا شديدًا" فقد روى الإمام أحمد "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة" وكان عمر بن الخطاب يقول" لا بأس بقضاء رمضان في العشر" وقال الحسن البصري " صيام يوم من العشر يعدل شهرين" وكان محمد بن سيرين يصوم عشر ذي الحجة كله ، وكان مجاهد يصوم العشر، قال" وكان عطاء يتكلفها" (( العمل : صيام هذه التسع))

4- وهل نويت الاعتكاف في هذه العشر ؟ فقد ورد عن الحافظ ابن عساكر أنه كان يعتكف في شهر رمضان وعشر ذي الحجة، (( العمل : اعتكاف ساعة كل يوم، أو اعتكاف يوم ، أو ما تشاء))

5- هل نويت صنع المعروف في هذه العشر؟ فقد قال الحبيب"صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب وصلة الرحم تزيد من العمر"، (( العمل: قضاء حاجة من حوائج الناس يومياً))

6- وهل نويت التكبير والتهليل في هذه العشر ؟ فقد أخبرنا الحبيب صلى الله عليه وسلم " ما من أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل و التكبير والتحميد " وذكر البخاري رحمه الله تعالى عن ابن عمر وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنهم , أنهم كانوا يقولون في أيام العشر : الله أكبر الله أكبر الله أكبر , لا إله إلا الله , والله أكبر الله أكبر , ولله الحمد، قال مجاهد: "كان أبو هريرة، وابن عمر رضي الله عنهما يَخرُجَان أيام العشر إلى السوق فَيُكبِّران؛ فيكبرُ الناس معهما لا يأتيان السوق إلا لذلك"، (( العمل : التكبير عقب الصلوات وفي الأوقات البينية))

7- هل نويت الذكر المطلق في هذه العشر فقد أمر الله المؤمنين "واذكروا اسم الله في أيام معلومات " قال ابن عباس "إنها العشر الأوائل من ذي الحجة" ، (( العمل : المحافظة على أذكار الصباح والمساء والذكر البيني والذكر المطلق 3000 مرة يوميا على الأقل))

8- هل نويت تنويع العبادات في هذه العشر؟ فقد كان السلف رضي الله عنهم ينوعون من العبادات في عشر ذي الحجة من أجل أن تستوعب أيام العشر أنواعاً من العبادات، وإليك أخي جملة من الأعمال التي علينا القيام بها في هذه العشرإضافة إلى ما سبق، عسى الله أن يباهي بنا ملائكته :

المسارعة بالتوبة الصادقة ، وتكرارها كل يوم وليلة.

تجديد النية لله في كل قول وعمل، واستحضار أكثر من نية في العمل الواحد، واجعل خبيئة بينك وبين ربك.

استغلال أفضل الساعات في الطاعات( ساعة قبل الفجر – ساعة بعد صلاة الصبح – ساعة الغروب )

قيام يومي فردي في البيت ، أقله ركعتان قبل النوم أو قبيل الفجر.

التصدق 4 مرات في العشر، وذبح الأضحية لمن قدر على ذلك ، ولاتنس حق الفقراء.

الاجتهاد لختم القرآن مرةً خلال العشر، وإلا فتلاوة جزء يومياً .

ممارسة الطاعات اليومية ( السنن الراتبة – الضحى – الوتر ... الخ )

إنتظام لقاء البيت المسلم الاسبوعي مع الزوجة والأولاد، مع بيان فضل العشر قبل دخولها

التقاء الأسرة مجتمعة على وجبة يوميا ( الافطار أو السحور) والافطار معهم 3 مرات على الأقل .

الدعاء للإخوان المغيبين ولإخوانك المجاهدين في فلسطين وفي كل مكان مع كل دعاء .

زيارة أستاذ والاستفادة من صحبته ومرافقته وتلمس الزاد عنده .

القيام بدورك الدعوي والحركي، وما تكلف به على أكمل وجه .

ابدأ يومك بصدقة لعلك تحظى بدعاء الملكين .

تعميم التبرع بافطار يوم لفلسطين والمحاصرين في غزة على كل من تعرف وتخالط ، وابدأ بنفسك .

وختاما أخي الحبيب اجعل من هذه الأيام العشر فرصة للتربية الشاملة للنفس والروح في مواجهة صعوبات الحياة والمحن والابتلاءات, وفرصة للتواصل الدائم مع الله تعالى, وتربية للنفس على إحياء السنن, وميدانا للتنافس التربوي في إطلاق الطاقات وتنوع العبادات، ولنجعل من الأيام العشر دورة تربوية لتغيير النفس وإصلاحها وتهذيبها وتقويمها ومعالجة أخطائها ، واجعلها أعظم فرصة لتنال حب الله حينما تؤدي أعظم ما يحبه من أعمال في أعظم ما يحبه من أزمان وليكن شعارك في العشر " وعجلت إليك رب لترضى " .