الاثنين، ٣١ ديسمبر ٢٠٠٧

نم قرير العين ياشيخ اليمن


نم قرير العين ياشيخ اليمن

نقولها بقلب مكلوم ونفس راضية بقضاء الله وقدره " إن القلب ليحزن ، وإن العين لتدمع ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنا بفراقك يا شيخ عبد الله يا أبا حسين لمحزونون " .

لا أحد زار اليمن أو قرأ عنها خلال العقود الخمس الماضية ما بعد ثورة سبتمبر 62 م ، إلا ووجد شخصية الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر قد فرضت نفسها ، صانعة للأحداث وفاعلة لها ، ومؤثرة فيها ، فقد صدق فيها حس أبو الأحرار الشهيد الزبيري حينما كتب إلى الشيخ الشاب قائلا "انك الآن تحمل أثقال جبال اليمن وسهولها ووديانها وان هيكلك النحيل امتحنه القدر فحمله الأمانة الكبرى نحو الشعب والبلاد "

ومع تناقل خبر وفاته رحمه الله ، تذكرت مقولة " إن حياة الإنسان لا تساوي شيئاً إذا عاش لنفسه فقط لكنها تساوي الكثير إذا عاش لغيره" ، لقد عايشت فترة من حياة الرجل وعايشت الأحداث التي شارك في صناعتها ، وقابلته في مرات قليلة محدودة ما بين 90 و97 م ، ولكنها كانت كافية لتكشف لك عما في هذه النفس من معان وملامح عظيمة قلما اجتمعت في رجل واحد ، أقل ما يقال فيه وعنه أنه رجل بأُمَّة ، فهو رجل المواقف والبطولة والمجد والتاريخ الحافل بنصرة الدين والوطن ، لقد قيل عنه أنه رجل أكبر من الأحزاب ، وأنه من ثوابت الحياة السياسية في اليمن ، وأنه الثائر الذي ساهم في إخراج اليمن من ظلمة عهد الإمامة إلى عهد الجمهورية ، وأنه النجم اللامع في سماء السياسة والاعلام والعمل البرلماني و العمل العام ، وأنه العمود الأبرز والأقوى في أعمدة الحياة السياسية والاجتماعية والتربوية والقبلية في اليمن ، وأنه الركن الركيز لأركان بناء دولة اليمن الحديثة ، وأنه الجبل الشامخ والمناضل الوطني الجسور ، ذلكم هو الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر رائد وقائد حركة الإصلاح الحديثة في اليمن .

نم قرير العين ياشيخ اليمن أقولها بكل ثقة في موعود الله للشيخ الفقيد ، نم قرير العين يا شيخ ، فلن تنس الساحة السياسية الحراك الذي أوجدته بها حينما قمت مع إخوانك الصالحين بتأسيس التجمع اليمني للإصلاح لمواجهة زحف الشيوعيين باليمن ، فقد كنت قمة من القمم الشامخة التي ارتطمت فيها قوى الظلام وكل قوى الشر التي كانت تريد النيل من الإسلام والثورة والجمهورية والوحدة فقد كنت منافحا عن العقيدة والثورة والجمهورية ، ولن تنس اليمن قرارك الحاسم بخوض غمار الحرب ضد الشيوعيين في 94 ، بعد تدهور الوضع العسكري وميله لكفة الشيوعيين ، فكانت وقفتك الجسورة ومعك ( الإصلاح ) ، والتي قضت على فلول الانفصاليين ، ولن ينس (الاصلاح )أنك كنت بمثابة الغطاء والمظلة له ولجماعة الاخوان المسلمين الذين ارتبطت بهم منذ بداياتهم المبكرة في اليمن، وأنك أعطيت للحركة وللحزب الكثير من الجهد والوقت والمال ، فكنت الشخص الذي كانت له اللمسات الكبيرة في مراحل نمو الإصلاح .

نم قرير العين ياشيخ اليمن فلن ننس دفاعك عن قضايا الأمة ، فكم كنت على الدوام مدافعاً صلباً عن المثل العليا ، ولن تنس الأمة العربية والإسلامية إيمانك العميق والصادق بوحدة هذه الأمة ، واهتمامك البالغ بالقضايا الإسلامية عامة ، وبالقضية الفلسطينية خاصة ؛ ودعمك اللامتناهي لإخوانك بفلسطين ، ووقوفك الشامخ أمام المحاولات التطبيعية للعدو الصهيوني مع اليمن .

نم قرير العين ياشيخ اليمن فلن تنس الأمة أنك كنت مهندس اتفاقية الحدود التي وقعت بين اليمن والمملكة في عام 2000م لتنهي خلافا حدوديا بين البلدين امتد لاكثر من سبعين عاما .


نم قرير العين ياشيخ اليمن فلن ننس أنك جعلت من ممارستك للسياسة ، بوابة لتوثيق عرى الألفة والأخوة والمودة والوئام ، ونبذ الشقاق والفرقة ، والبعد عن الخداع والغش السائدين في العمل السياسي ، ولن ننس إثراءك العمل السياسي والحزبي بمفاهيم الوسطية والاعتدال والقائمة على التوازن المنحاز إلى المصلحة الوطنية ، وولن ننس صفة الاعتدال في تعاطيك مع كافة الأحداث والمواقف ، وجمعك بين مهام تنوء بحملها الجبال فأنجزت كل مهمة دون ميل أو تحيز ما بين رئاسة مجلس النواب ورئاسة الاصلاح وشياخة قبائل اليمن

نم قرير العين ياشيخ اليمن فلن تنس اليمن سعيك إلى إصلاح ذات البين، بين جميع قبائلها الذين يكنون لك وداً واحتراما وتقديراً فاق كل التصورات ، فقد كنت بعيدا عن التعصب لهذا أو ذاك ، ولم تدخل في قضية إلا وحللتها وأوجدت لها مخرجا، وكان دورك السياسي أكثر وضوحا ، فقد كنت بحق الشخصية اليمنية الحقيقية في الوفاء والصدق والشفافية والتواضع وحب الوطن ، مع تمتعك بذكاء خارق وبصيرة نافذة و رؤية ثاقبة ، فاستطعت أن تبقى على الدوام صاحب علاقة متميزة مع الجميع، ولك مرجعية ترجيحية في سائر الأحوال والمواقف طوال نصف قرن ، فلن ننس حياتك المفعمة بالنضال والتضحية والايثار والحيوية والنشاط ، فقد كنت ممن نالوا احترام الجميع وتقديرهم على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم الفكرية ،

نم قرير العين ياشيخ اليمن يا صاحب القلب اليمني الكبير ، ويا صاحب الوعي البصير البعيد عن التهور واستعجال الأمور قبل أوانها ، الشخصية الجامعة التي حملت من الصفات العظيمة نادرا أن توجد في غيره لأحد حكماء التاريخ السياسي اليمني الذين مثلوا في فترة تاريخية صمام أمان وعامل من عوامل الاستقرار، فقد علمتنا أسلوبا فريدا في التعامل مع الخصوم، الأ وهو الغضب الصامت ورد الفعل المختصر ، والانحناء بحكمة كبيرة للعاصفة العاتية التي سرعان ما تنقشع ، فكنت بحق ضابط إيقاع الحركة السياسية في اليمن عبر تاريخها الحديث .

نم قرير العين ياشيخ اليمن فلن ينس أيتام اليمن دموعك المنهمرة التي تنساب منك وأنت تراهم في حفلاتهم السنوية وحينما تستمع إلى شكواهم ، فكنت تسارع إلى كفالتهم ، ولن ينسوك وأنت ترعاهم وتحتوي همومهم وآلامهم ، ولن ننساك وأنت تشجع حملة القرآن الكريم وتحفيظه والعلوم الشرعية وتشجع الجمعيات الخيرية في رعاية الأيتام والأرامل والمساكين, ولن ننس دورك البارز ومساهمتك المادية والمعنوية في جميع هذه المجالات ، ومناصرتك قضايا النقابات والاتحادات الجماهيرية ، ودعمك هذا العمل بنفسك وبجهدك ومالك ماديا ومعنويا.

نم قرير العين ياشيخ اليمن فلن تنساك سهول اليمن ولا جبالها ولا هضابها ، ولن تنساك صنعاء وميادينها وأحياؤها ، والتي شهدت صولاتك وجولاتك ، ولن ينس ميدان السبعين مسيرتك المليونية الحاشدة ، ولا ميدان التحرير ، ولا باب اليمن ، ولن تنس شوارع صنعاء ( الزبيري وعلي عبد المغني والقصر وجمال وغيرها ) مواكبك الحاشدة نصرة للحق ، ولن تنساك ساحة وجنبات ورواد مسجد الدعوة ، المجاور لبيتك في حي "الحصَبة" والذي كنت ملازما له في صلواتك ، كل هذه الأماكن وغيرها لن تنساك ، فستظل بصمات سيرتك وما تركته من آثار على مسيرة اليمن ستظل منارات يستلهم منها اليمنيون ما يستكملون المسيرة ، وهم مزودون بالمثل العالية العظيمة التي تجسدت في مسيرتكم .

اللهم ان عبدك ( عبدالله بن حسين الأحمر ) في ذمتك رحل إلى جوارك ، اللهم هوّن عليه سكرات الموت وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين وارحمه وعافه واعف عنه، وأكرم نزله ووسع مدخله وافسح له في قبره ونوّر له فيه ، ويسر حسابه ويمن كتابه ، وشفع فيه نبيك ومصطفاك .


الأحد، ٣٠ ديسمبر ٢٠٠٧

رحم الله الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر



اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير.
يا الله يا حي يا قيوم يا من لا تأخذه سنة ولا نوم , يا بديع السموات والأرض , يا فالق الحب والنوى , يا ذا الجلال والإكرام يا عظيم العفو , يا واسع المغفرة يا قريب الرحمة , نسألك بعزك الذي لا يرام وملكك الذي لا يضام , يا هادي المضلين ويا راحم المذنبين , يا من عنت له الوجوه وخضعت له الرقاب , وخشعت له الأصوات وفاضت له العبرات , ورغمت له الأنوف , انقطع الرجاء إلا منك , وخابت الظنون إلا فيك , وضعف الاعتماد إلا عليك .
اللهم اغفر للشيخ (عبدالله بن حسين الأحمر ) و هوّن عليه سكرات الموت وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين و اغفر لنا وله يا رب العالمين وافسح له في قبره ونوّر له فيه.
اللهم اغفر للشيخ ( عبدالله الأحمر ) وارحمه وعافه واعف عنه، وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الابيض من الدنس.وأبدله دار خيرًا من داره واهلا خيرًا من أهله وزوجًا خيرًا من زوجه، وأدخله الجنة وأجره من عذاب القبر ومن عذاب النار.
اللهم ان ( عبدالله الأحمر ) في ذمتك رحل الى جوارك فقه فتنه القبر وعذاب النار فأنت أهل الوفاء والحق فاغفر له وأرحمه إنك أنت الغفور الرحيم اللهم عبدك وابن عبدك احتاج إلى رحمتك إن كان محسنا فزد في حسناته، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه يارب العالمين.
اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان.اللهم لاتحرمنا أجره ولا تفتنا بعده و اغفر لنا و له .
اللهم نسألك أن تكفينا ما أهمنا وما أغمنا وأن تجبر كسرنا , وأن تعظم أجرنا وأن تعيذنا من شرور أنفسنا , وأن ترحم موتانا وأن تلطف بمبتلانا , وأن ترحم غربتنا في الدنيا ومصرعنا عند الموت , ووقوفنا بين يديك وأن تقينا من ميتة السوء ومن يوم السوء وساعة السوء , وليلة السوء وجار السوء وصاحب السوء , وأن تعيذنا من النفاق وسوء الأخلاق.اللهم اكشف كروبنا ونفّس همومنا واقضِ حاجاتنا , اللهم هبنا عطاءك ولا تكشف عنا غطاءك , ورضنا بقضائك .
اللهم اغفر لجميع موتى المسلمين , اللهم اجعل قبورهم من الجنة رياضاً.اللهم إنهم عبيدك بنو عبيدك بنو إمائك , احتاجوا لرحمتك وأنت غني عن عذابهم , اللهم زد في حسناتهم وتجاوز عن سيئاتهم , فأنت أرحم بهم من أمهاتهم , لا إله غيرك , ولا معبود سواك , لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا.
وصلِّ اللهم وسلم على محمد وآله وصحبه وسلموآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

الخميس، ٢٧ ديسمبر ٢٠٠٧

مفهوم الحرية والضغط الأخلاقي

مقال رائع للدكتور محمد بديع أحببت أن ينور مدونتي :
هل الحرية مطلقة؟! وهل تعني أن يفعل كل إنسان ما يشاء وأن يقول ما يريد وبلا حدود؟!

أعتقد أن الجميع سيقولون بالطبع "لا"؛ فللحرية حدود، ولكن الجميع أيضًا سيختلفون على مَن يضع هذه الحدود ومن له هذا الحق!!.

هل تضع الدولة الحدود للحرية؟ أم هل يضع أفرادُ الناس الحدودَ لحرياتهم بأهوائهم أو إن شئت فقل هل يضع الأفراد الحدود لحريات الآخرين عند نهايات حرياتهم هم؟! وما هي ضوابط الحدود التي تُترَك للدولة لتضعها لحريات مواطنيها، وقد رأينا كيف تضيِّع طبيعة قيادة أي دولة قراراتها وتشريعاتها فيما يخصُّ حريات المواطنين والتوازن بين أمن الوطن وأمن المواطن؛ فمثلاً إذا كانت القيادة عسكريةَ الطبع والتربية والنشأة، فإنها تضع حدودًا صارمةً ديكتاتوريةً تصبغ كل شئون حياة الناس وما عليهم إلا السمع والطاعة وإلا!!!..

وعندما تكون القيادة بوليسيةً تكون ضوابط الحريات بوليسيةً أمنيةً، وعندما تكون القيادة رأسماليةً تضع الضوابط التي تحقِّق أقصى مكاسب وأرباحًا ماليةً.

وعندما تكون شيوعيةً ذات مبدأ عقائدي، بمنع حريات الأديان التي تهدد مبدأ الشيوعية "لا إله والحياة مادة"، وتمنع كل حرية لنشر أي دين، وعندما تكون القيادة علمانيةً وحكوماتها المتعاقبة كذلك تكون أشبه بحرية الفوضى؛ كي تكون هناك فرجةٌ في أي اتجاه ومن أي فكر يفصل بين الدين والدولة، ويقلل من ارتباط الناس بعقيدتهم بحثًا عن أي حياة وبأي شكل وتصبح الضوابط أقرب إلى "لا ضوابط".

وفي النهاية.. من يضع حدود الحرية إذا اتفقنا أنه لا بد أن تكون للحرية حدود؟! يظن كثيرون أننا عندما ننادي بسيادة القيم والمبادئ الإسلامية أننا نجبر الناس على الدخول في الإسلام، وهذا خلط بين الدين والتدين.

الدين منهاج رب العالمين الذي وضعه للبشرية جمعاء؛ كي يكون رحمةً لهم.. نعم تتم الرحمة إذا دخل الإنسان هذا الدين بنص قول الله عز وجل: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا﴾ (المائدة: من الآية 3) ولكن هناك زاوية أخرى، كيف يكون رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رحمةً للعالمين، أي لكل العوالم البشرية والحيوانية والنباتية والكونية وسائر المخلوقات ممن نعلم وممن لا نعلم.. كيف؟!

سأستدلُّ فقط بقول كفار مكة عن طبيعة هذا الدين، وهم لم يؤمنوا به، وحتى لم يعترفوا بنبوَّة الرسول- صلى الله عليه وسلم- قالوا: "والله إن لم يكن هذا دينًا فهو خلقٌ في الناس كريم".

وبنظرة سريعة إلى الوصايا العشرة، نجدها أصولاً للقيم والأخلاق في رسالة سيدنا موسى وسيدنا عيسى وسيدنا محمد عليهم الصلاة والسلام أجمعين، أي أن القيم والمبادئ التي يحملها هذا الدين لا يختلف عليها اثنان، سواءٌ من دَخَل فيه وصار من أتباعه، أو حتى من لم يعترف به وناصَب أهلَه العَدَاء بغيًا أو حسدًا أو صراعًا، كيف اختار لنفسه سبب العداوة، بدليل أنهم- رغم عداوتهم للرسول الكريم وتآمرهم على قتله صلى الله عليه وسلم- فهم منتفعون بقيم هذا الدين ومبادئه، التي تحكم أصحابه، وتضبط حركتهم، وتمنعهم من الغدر والخيانة حتى لمن خانهم ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58)﴾ (الأنفال).

لذا وجدنا كفار مكة يضعون أماناتهم عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهم الذين يتآمرون على قتله مكرًا وحقدًا وحسدًا وبغيًا، بل كان العار الذي لحق بهم عندما وجدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخلف ابن عمه علي رضي الله عنه ليردَّ الأمانات لأصحابها الذين غدروا به وتآمروا إما على قتله أو سجنه أو طرده ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)﴾ (الأنفال).

فلحق بهم العار عندما وجدوا عليًّا ووجدوا أماناتهم، ونجا محمد صلى الله عليه وسلم بحفظ الله، فهذه طبيعة الدين وأخلاق أهله، وهذه طبيعة الكفر وخسَّة أهله، وكل إناء بما فيه ينضح، وهذا من جهة أخرى حفظُ الله لدينه، وكيده ومكره، وهو خير الماكرين.

نعود إلى قضيتنا الأصلية من يضع حدود الحرية؟! وقد عانينا كثيرًا من نُظُم قنَّنت الظلم، وجعلت حدود الحرية هي ما تحقّق لها البقاء في السلطة، ومنعت كل ما يُخشَى منه أن يزول سلطانها به، حتى ولو كانت قواعد الديمقراطية والحرية في إبداء الرأي والانتخاب والاختيار.

فتغوَّلت السلطة التنفيذية الحامية للسلطان والملك على السلطة التشريعية؛ حتى لا تشرع أي قانون يخالف رغبتها الجامحة في الاستبداد والاستئثار، وتحالفت مع رأس المال ورجال الأعمال لتبادل المصالح وتكامل المنافع، فتجمعهم السلطة، وتعطيهم مظلة السلب والنهب بحرية وبالقانون، مستفيدين من التغلغل في التشريع والسيطرة على التنفيذ.

وحتى على المستوى المطلق هل يمكن أن يضع ضوابطَ الحرية بشرٌ أو مجموعةٌ من البشر، لهم ميولٌ، ولهم هوى، ولهم ارتباطات، ولهم مصالح؟! هل يمكن أن يضعوا ضوابط للحرية تحدُّ من سلطاتهم ورغباتهم وأهوائهم، وتعطِّل مصالحهم، أو تقلل منها، ويعلم الجميع أن النفس لا تشبع مهما أوتيت "لو أن لابن آدم واديًا من ذهب، لتمنَّى أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب ويتوب الله على من تاب".

وبالتالي، هل يرفض عاقل أن يضع ضوابط الحرية خالق البشر المنزَّه عن الشبيه والنظير، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، والذي لو كان معه غيره لفسدت السماوات والأرض، ويقبلها من البشر الناقصين أصحاب الهوى؟!

وسيقول قائل: نحن لا نرفض مبادئ الدين، ولكن نرفض تفسيركم أنتم للدين ولضوابطه، والتي ستضعونها، فتصبحون بذلك مثل غيركم، تضعون حدودًا للحرية، تخدم رؤيتكم أنتم وليس حقيقة الدين؟!

ونقول- وبالله التوفيق-: إن القيم والمبادئ وأصول الأخلاق الحاكمة على الاجتماعيات والسياسات والاقتصاديات وسائر المعاملات، أي أصول وقواعد التشريع الإسلامي، لا خلافَ عليها، ليس فقط بين أصحاب الديانات السماوية، بل بين كل الشرفاء والوطنيين والصادقين في رغبتهم أن يعيشوا مواطنين صالحين مصلحين لا فاسدين ولا مفسدين.

وإليكم نموذجًا من التعايش والتضامن، يجسِّده حلف الفضول في الجاهلية، ويؤكده الإسلام في دولته بقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- "لو دُعِيْتُ به في الإسلام لأجبت" أي أن رفع الظلم والوقوف في وجه الفساد يرغب فيه كل صالح مصلح ويدعو إليه الإسلام لتتكافل جهود أبنائه مع كل جهود المخلصين، وفارق واحد رئيسي أن أتباع هذا الدين يقفون هذه المواقف ابتغاءَ مرضاة الله، لا يخافون في الله لومة لائم، ولا ينتظرون ممن يقفون معه جزاءً ولا شكورًا، ولهذا يدوم هذا الموقف ولا ينقطع، ويتصل مع غيره من أصحاب مثل هذه المواقف ولا ينفصل، أما غيرهم فعلى قدر طاقة كل واحد منهم وحدود صبره وحدود تحمُّله يكون الموقف ويتحقق الثبات.

وبالله عليكم، مَن يَكره أن يقف أحدٌ في وجه الظلم؟ حتى من لا يستطيع أن يفعل ذلك يحبه!! وكذلك من يكره أن يدافع أحد عن حرية الآخرين ولو لم يقدر هو أن يفعل ذلك؟!

ولذلك سُمِّي المعروف معروفًا بين الناس وسُمِّي المنكر منكرًا بين الناس؛ فهي منحة من الله عز وجل "وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا".

أما الحرية أو ضوابطها فقد يقول قائل- عندما نناقش الضوابط الأخلاقية الشخصية- إن هذا قيد على الحرية الشخصية، وهذه الحجة من تلبيس إبليس على النفس البشرية، أليس هذا القيد عليك يحميك أيضًا بوضع نفس القيد على الآخرين؛ لحماية عِرضك ومالك وشرفك وكرامتك؟! أما إذا قبلت التفريط في حقك فللمجتمع عليك حقوق لا بد من مراعاتها.

وقد قرأت قديمًا في مجلة (الإخوان المسلمين) أن الضغط الأخلاقي يشبه الضغط الجوي، هو ضغط فعلاً (76 سنتيمتر زئبق) ولكن الرئة وتركيب الهواء الجوي المحيط بنا متوائم تمامًا مع بعضها البعض، بل وبغيره يختل النظام ويضيق الصدر؛ لذا إذا رفعنا الضغط الجوي عن الجسم انفجر وإذا رفعنا الضغط الأخلاقي عن المجتمع فجر.

وعلى هذا يجب وضعُ حرية المرأة بل وأيضًا حرية الرجل وحرية المجتمع وحرية الحاكم وحرية الجيش وحرية الشرطة وحرية الصحافة وحرية الفن.. في داخل هذه الدائرة الكبيرة، التي تحيط بالبشرية جميعًا.. نظام عام عالمي للقيم والأخلاق، وضَعَه مَن وضَع نظام العالم كله، من ليل ونهار، وأرض وسماء، وماء وهواء، ومخلوقات متوازنة في حقوقها وواجباتها سبحانه وتعالى ﴿لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ﴾ (سبأ: من الآية 3)، سبحانه وتعالى ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)﴾ (الملك).

وختامًا.. يجمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كل القضية في كلمات من جوامع الكلم "اعمل ما شئت فإنك مجزي به.. اعمل ما شئت كما تدين تدان"، فلك كل الحرية المسئولة التي يقابل فيها كل حق واجب، وسوف تُسأَل عن عمرك وعن شبابك وعن عملك وعن مالك فأعد لكل سؤال جوابًا.

وقد قال الأستاذ البنا- رحمه الله- عن ضرورة توحيد جهود المسلمين وجمع كلمتهم على أصول القواعد ونبذ الخلافات: "يكفينا أن نجتمع على ما يصير المسلم به مسلمًا"، وهذا ضابطٌ أصوليٌّ في ترتيب الأولويات (انظر فقه الأولويات) للدكتور يوسف القرضاوي، وقاعدة أخرى تجمع المسلمين مع غير المسلمين: "لهم ما لنا وعليهم ما علينا"، هيا لنتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه
منقول من اخوان اون لاين :

السبت، ١٥ ديسمبر ٢٠٠٧

يوم عرفه واشوقاه

يوم عرفه واشوقاه

واشوقاه
"اطلبوا الخير دهركم كله وتعرضوا لنفحات رحمة ربكم ، فإن لله نفحات من رحمته ، يصيب بها من يشاء من عباده" إنه التوجيه النبوي والتربية المحمدية للأمة ، على كيفية استغلال المناسبات والأيام المباركات والتعرض لنفحات الله ورضوانه ، والاستفادة منها في تحقيق التزكية والتربية الراشدة للفرد والبيت والمجتمع ، وها هي نفحات الله في موسم الخير تطل علينا من جديد في خير يوم طلعت عليه الشمس ، في يوم موعود ومشهود ومجيد ، إنه يوم عرفه ، ذلكم اليومٌ العظيم الذي يُعد من مفاخر الإسلام ، فإنه أفضل أيام الدنيا على الإطلاق، بساعاته ودقائقه وثوانيه ، وهو أحب الأيام إلى الله تعالى ، إنه اليوم المعروف بالفضل وكثرة الأجر ، إنه يوم مغفرة الذنوب والتجاوزعنها ، ويوم العتق من النار ، ويوم المُباهاة ، واليوم الذي تجاب فيها الدعوات ، وتقال العثرات ، وهو يوم عيد للمؤمنين ، ويوم إكمال الدين وإتمام النعمة على هذه الأمة ، إنه اليوم الأغر الذي مع أول شعاع له إلى غروب ليلته ، تتقلب أمة محمد – صلى الله عليه وسلم - علي موائد كرم ربها تستمتع بنهاره في طاعة الله عز وجل ، فيطلعهم الله فيه علي بعض مظاهر عفوه وسعة رحمته ، فواشوقاه واشوقاه واشوقاه .
اليوم الأغر
· أفضل أيام العمر وأفضل أيام السنة على الاطلاق ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه : " كان يقال في أيام العشر: بكل يوم ألف يوم، ويوم عرفة بعشرة آلاف يوم " .
· أفضل الدعاء دعاء يوم عرفه ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " خيرُ الدعاءِ دعاءُ يومِ عرفة " ، وفيه قال ابنُ عبد البر :" في الحديث من الفقه أن دعاء يوم عرفة أفضل من غيره ، وفي ذلك دليل على فضل يوم عرفة على غيره ، وفي الحديث أيضاً دليل على أن دعاء يوم عرفة مجاب في الأغلب "
· أفضل الذكر ذكر يوم عرفه ، " وخيرُ ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير "
· أفضل الصوم صوم يوم عرفه ، سُئلَ الحبيب عن صومه فقال : " يكفر السنة الماضية والسنة القابلة " .
· أفضل أيام الحج يوم عرفه ، فهو يوم الحج الأعظم ، قال صلى الله عليه وسلم: " الحج عرفة "
· أفضل العتق عتق يوم عرفه " مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ " ، وقد ذكر ابنُ رجب في اللطائف : " أن العتقَ من النار في هذا اليوم عام لجميع المسلمين " .

مدرسة تربوية :
يمثل يوم عرفه أروع مدرسة للتربية الإيمانية والروحية ، التي يمكن أن يستفيد منها المسلم ، ويستغلها الاستغلال الأمثل للارتقاء بنفسه ايمانيا وتربويا ودعويا وحركيا ، وهو مدرسة تربوية متكاملة ، تضم :
(1) تربية اغتنام الفرص : فهو يوم لا يأتي إلا مرة واحدة في العمر ، والمسلم مطالب باغتنامه في الطاعات والقربات ، لما فيه من فرص التقرب إلى الله تعالى ، وتزكية النفس وتنميتها بما يرفع من معنوياته ، ويعينه على مواجهة الحياة ، ووصية ابن رجب الحنبلي واضحة " الغنيمة الغنيمة بانتهاز الفرصة في هذه الأيام العظيمة . فما منها عوض ولا لها قيمة ، والمبادرة المبادرة بالعمل ، والعجل العجل قبل هجوم الأجل" .
(2) تربية التفاعل : فهو يوم للتفاعل الإيجابي ، الذي يمكن المسلم من تغيير نمط حياته ، وكسر الروتين الذي اعتاد عليه ، يوم يتفاعل فيه المسلم مع وقفة الحجيج بعرفات ، فيستلهم منهم الخضوع والاستكانة والذل بين يدي مولاه ، وشدة الإقبال والالحاح عليه في الدعاء .
(3) تربية التواصل : فهو يوم تتحقق فيه استمرارية المسلم في العبادة وتواصله طيلة حياته مع خالقه سبحانه وتعالى من خلال أنواع العبادات والطاعات المختلفة ، فإن تعاقب الأيام المباركات تحقق تربية تواصلية في النفس ، وتؤكد على أن حياة الإنسان المسلم كلها طاعةٌ لله ، ليظل الفرد على صلةٍ دائمةٍ بخالقه .
(4) تربية الشمول : فهو يوم تتجلى فيه شمولية العمل الصالح المتقرب به إلى الله عز وجل ، وفي هذا تربيةٌ على الإكثار من الأعمال الصالحة ما بين ( ذكر ودعاء واستغفار وصلاة وصيام وصدقة وحج وعمرة تامة) ، كما أن تعدد العبادات وتنوعها يغذي جميع جوانب النمو داخل النفس البشرية ( الروح والعقل والجسد ) .
(5) تربية التنافس : ففيه يُفتح باب التنافس في الطاعات ، ويتسابق الناس على فعل الخير ، من العبادات المفروضة ، والطاعات المطلوبة من حجٍ وعمرةٍ ، وصلاةٍ وصيامٍ ، وصدقةٍ وذكرٍ ودعاءٍ ...الخ ، وفي ذلك توجيهٌ تربويُ لإطلاق استعدادات الفرد وطاقاته لبلوغ غاية ما يصبو إليه من الفوائد والمنافع والغايات الأُخروية المُتمثلة في الفوز بالجنة ، والنجاة من النار .
(6) تربية المجاهدة : ففي يوم عرفه تتحقق المجاهدة بأروع صورها ، حين يغالب المسلم نفسه ويحملها على صنوف الطاعات كلها في آن واحد ، فتتحقق له مجاهدة رائعة وكسر لشهوات النفس على أهمية إحياء مختلف السُنن والشعائر الدينية المختلفة طيلة حياته ؛ لاسيما وأن باب العمل الصالح مفتوحٌ لا يُغلق منذ أن يولد الإنسان وحتى يموت انطلاقاً من توجيهات النبوة التي حثت على ذلك ودعت إليه ، وليس هذا فحسب ؛ فيوم عرفه زاخر بكثيرٍ من الدروس والمعاني والمفاهيم التربوية ، التي لا تحصى ولا تعد .
إذا تبين لك كلُّ هذا، فحريٌّ بك أن تَخُص يوم عرفة بمزيد عناية واهتمامٍ ، وأن تحرص على مجاهدة نفسك بالطاعة ، وأن تكثر من أوجه الخير وأنواع الطاعات، بما يؤهلك لرضا الله ورحمته ، لذلك .. إليك أخي الحبيب برنامجا نحسبه أهلا لنيل مغفرة الله عز وجل ورضوانه في هذا اليوم الأغر :

أعمال يوم عرفه:
من ( 3– 5 ص) : استيقاظ ووضوء وتنسم عبير السحر ، قراءة في الرقائق ، صلاة التهجد امتثالا لقوله تعالى " ومن الليل فتهجد به نافلة لك " أربع ركعات على الأقل ، ورد ذكر ( تسبيح/ تحميد/ تهليل/ تكبير/ حوقلة/ صلاة على النبي/....) ، تناول وجبة السحور ، فإن في السحور بركة ، وصلاة الوتر مع الدعاء لك ولأهل بيتك و للاسلام والمسلمين ولدعوة الله والقائمين عليها وللمعتقلين ولمن سألك الدعاء وأصحاب الحاجة من إخوانك.

من ( 5 – 7) الذهاب إلى المسجد ، والاستغفار في هذا الوقت أفضل من الصلاة لقوله تعالى " والمستغفرين بالاسحار " حتى يؤذن لصلاة الفجر ، فتؤدي الصلاة ، والبقاء بالمسجد حتى الشروق ، أذكار الصباح ، ثم تلاوة الورد القرآني حتى تشرق الشمس ، ثم صلاة ركعتين ، لعل الله أن يرزقك أجر حجة وعمرة تامة تامة .

من ( 7 – 10) راحة تعينك على طاعة الله بقية اليوم .

من ( 10 – 11.45) الاستيقاظ وصلاة أربع ركعات ضحى ، ومشاهدة وقفة الحجيج في رحاب عرفات من التليفزيون وسماع خطبة عرفة من المشاعر المقدسة ، مع الإكثار من الذكر والتلبية مع الملبين .

من ( 11.45- 2.30) صلاة الظهر مع الاستزادة من السنة القبلية والبعدية ، اجعل شعار هذه الفترة "وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه" ، فتقرب إلى الله بصلاة أربع ركعات ، ثم تلاوة جزء من القرآن ، وقضاء حوائج المسلمين ، والمشاركة في العمل الدعوي المنوط بك .

من ( 2.30 – 6 ) أداء أربع ركعات قبل صلاة العصر ، ثم صلاة العصر ، ثم ورد ذكر ، لحظات الوداع لهذا اليوم ، فاسكب العبرات وأنت تشاهد نفرة الحجيج من عرفات ، وليكن همك الإلحاح في الدعاء أن يعتقك الله في هذا اليوم من النار، ثم اختم بأذكار المساء وصلاة المغرب والافطار ودعاء أن يتقبل الله منك ، يقول الإمام النووي : (فهذا اليوم أفضل أيام السنة للدعاء ، فينبغي أن يستفرغ الإنسان وسعه في الذكر والدعاء وقراءة القرآن ، وأن يدعو بأنواع الأدعية ويأتي بأنوع الأذكار ، ويدعو لنفسه ويذكر في كل مكان ، ويدعو منفردا ، ومع جماعة ، ويدعو لنفسه ووالديه وأقاربه ومشايخه وأصحابه وأصدقائه وأحبابه وسائر من أحسن إليه وجميع المسلمين ،وليحذر كل الحذر من التقصير في ذلك كله ، فإن هذا اليوم لا يمكن تداركه بخلاف غيره )

أخي الحبيب :
· إذا كنت ممن أنعم الله عليهم بالزوجة والذرية فلا تنسَ أن تشركهم معك في هذا البرنامج الرباني .
· إذا كنت ممن أنعم الله عليهم بصحبة صالحة فتعاهد معهم على تنفيذ هذا البرنامج وذكروا به بعضكم بعضا ، وإن سنحت لكم الفرصة لتنفيذه معاً في مسجد فهو الخير كله .
· اعمل على نشر هذا الخير في المحيط الذي تحياه من أهلك واخوانك وجيرانك وأحبابك .
· اجتهد في هذا اليوم أن تكون من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات ، ولاتنس اغتنام ساعات الدعاء المجابة طوال اليوم .
· أفرغ نفسك هذا اليوم من كل شواغلك ، ما لم تكن ملتزماً بعمل دعوى ، فهو يوم سعدك .
· كن على وضوء دائماً طوال يومك ، وأحدث لكل وضوء صلاة ركعتين .
· لا تنسَ مع كل عمل ( استحضار النية– الإخلاص – استشعار معية الله – تجديد التوبة – خشوع القلب) .
· لا تنسَ التكبير من مغرب يوم عرفة وحتى عصر ثالث أيام التشريق .
· اعقد العزم على أن تحدث عملا صالحا ( خبيئة بينك وبين ربك ) في هذا اليوم .
· احرص على تهنئة الأهل والجيران بالعيد ، ولا تنسَ القيام بواجب الدعوة والنصح لهم .


أخي الحبيب
هي لحظات قصيرة ، وسويعات قليلة ، وثوان معدودة ، وترتحل من بين أيدينا ، فاجعل من هذا اليوم ميلاد فجر جديد في حياتك ، وسيرك إلى الله تعالى ، فلنتعرض لها ، فأقبل على هذا الخير الكبير واعمل فيه وبه ، واغتنم ساعة بساعة ، وتذوق معنا حلاوة الايمان وجدِّد عبيرها في نفسك تكن من الغانمين ، وليكن مع بزوغ فجر يوم عرفه ، بزوغاً آخر للنور في قلبك وللاستقامة على الدرب ، وللالتزام بمنهج الله ولإحياء الربانية في نفسك ومن معك ، وحرك معاني الشوق في مكامن روحك ، واغرس شجرة شحذ الهمم والشوق للمعالي لعلك تفتح بابه ، فتنال سعادة لا شقاء بعدها ، ومغفرة لا يؤرقها ذنب ، فالغنيمة الغنيمة بانتهاز الفرصة في هذا اليوم العظيم . فما منها عوض ولا لها قيمة ، وقدم دموع الندم واستغفار السحر ، والحق بالقافلة ، واطرق أبواب الجنة ، بادر وسارع وسابق .. فما زال في قلبك أمل ، وربك الرحيم يغفر الزلل ، والجنة تدعوك بلا ملل ، فهل آن أن تتعرض لنفحات رحمة الله ؟؟

الأربعاء، ٥ ديسمبر ٢٠٠٧

عشر ذي الحجة محطة سفر إلى الجنة

عشر ذي الحجة محطة سفر إلى الجنة

مقدمة :

" واهاً يا أيام البدء " صيحة ضمير ونبضات قلب حي ، نطق بها الإمام الجنيد رحمه الله ، في شوق وحنين إلى بدايات الالتزام على الطريق ، إنها اللحظات التي تكون الروحانيات فيها عالية ونفسية المرء في أعلى قممها من الاقبال على الله ، والبكاء بين يديه والخشية منه ، وحسن التوجيه إليه ، " واهاً يا أيام البدء " أجد نفسي بين الحين والآخر ترددها مع الجنيد رحمه الله ، شوقاً إلى الأيام الخوالي الصائمة معي لله ، وحيث الليالي النوارنية القائمة معي لله ، وحيث التلاوة الخاشعة والدموع المنهمرة خوفاً وجزعاً وخشوعاً للمولى الكريم ، " واهاً يا أيام البدء " يجذبنا شوقاً إليها إطلالة العشر الأوائل من ذي الحجة ، و بشائر الخير التي تطل علينا ، فنحن علي موعد نلتقي فيه بأيام مباركة طيبة، وتقبل علينا أيام طيبات تحمل معها نفحاتٍ كريمةً من ربٍ كريمٍ ، تبعث في نفوس المسلمين المحبة والشوق ، فتهز مشاعرهم وتستجيش عواطفهم ، فتسوقهم إلى رحاب الطاعة ومحراب العبادة ، امتثالا لقول الحبيب صلى الله عليه وسلم (( ما من أيام أعظم عند الله سبحانه و لا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل و التكبير و التحميد )).


نعم المشروع هو
" واها يا أيام العشر " فهي أفضل الأزمنة وأشرف الأوقات ، التي يدنو الله عز وجل فيها من عباده، ويفتح لهم أبواب المغفرة، ويجزل لهم العطاء، ويكون العمل فيها أرجى للقبول، والدعاء فيها أقرب للإجابة ، وهي الفرصة الأعظم للمسلم لتجديد حياته ، وزيادة الإيمان في قلبه ،فهي الأيام التي تقترب فيها الأرض من السماء، وتتفتح السماوات بأنوارها وفيضها وخيراتها فتعم أرجاء الأرض ، الأيام التي ينافس فيها البشر الأطهار الملائكة الأبرار ، إنها الأيام العظيمة التي يتجلى فيها الرب الجليل الكريم علي عباده ويفيض عليهم من خيره ويفيض عليهم من رحماته وبركاته , ويسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة فيغفر لعباده ويتوب عليهم ويعتق رقابهم من النار " ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيدًا من النار من يوم عرفة "
أخواني الأحباب .. إنها أيام أغلى من الذهب ، فمن استطاع منكم أن يتفرغ لها فليتفرغ, و من استطاع منكم أن يعيش من أجلها فليعش ، وأذكركم ونفسي بقول أبي مسلم الخولاني : ( أيظن أصحاب محمد أن يستأثروا به دوننا ، والله لنزاحمنهم عليه حتى يعلموا أنهم خلفوا وراءهم رجالا ) فهيا إلى التنافس فيها في الخير والعمل الصالح ، وليكن شعارنا في هذه الأيام ( والله لنزاحمنهم ) مزاحمة الصحب الكرم على مرافقة الحبيب ، ومزاحمة الحجيج على نيل المغفرة في يوم العتق الأكبر ، فتكون الأيام العشر بحقٍ محطة سفر إلى الجنة .

لماذا المشروع ؟
· دعاء ورجاء أن نحسن استغلال العشر كما يحب ربنا ويرضى ، والتعرض لنفحات الله ، وإحياء الربانية وروح التنافس في الخير ، طمعا أن يشملنا الله برحمته ، و أن يدخلنا في عداد ( أشهدكم أني قد غفرت لهم ) .
· نداء وحداء حرصا على تقوية ربانيتنا والتي هي زادنا ووقود حركتنا الدعوية والتربوية .
· سعياً للانفتاح على المجتمع ، بنشر الخير في المجتمع ، ودعوة الناس جميعا لاستثمار العشر فيما يحب ربنا ويرضى .

فكرة المشروع :
استغلال عشر ذي الحجة المباركات في تحقيق الارتقاء الايمانى والروحي والرباني في النفس ، وفق محاور العمل الفردية والأسرية والجماعية والمجتمعية بما يحقق الاستفادة القصوى والاستغلال الأمثل لنفحات الله ، ووضع خطة لذلك ، مع إعداد كل ما يلزم للتنفيذ من ( المصحف وحامله المعدني – الأوراد – المسبحة – السواك – كتيبات ومطويات – خواطر وكلمات – ملصقات .... الخ )

آلية تنفيذ المشروع :
1- أعمال فردية :
· المسارعة بالتوبة الصادقة ، وتكرارها كل يوم وليلة
· تجديد النية لله في كل قول وعمل ، واستحضار أكثر من نية في العمل الواحد .
· الانتظار في المسجد عقب الفجر في ذكر وتلاوة حتى الشروق مرة واحدة ( أجر حجة وعمرة )
· أحدث عملا صالحا ( خبيئة بينك وبين ربك ) .
· الالتزام الكامل بالأوراد والأذكار والاجتهاد في ضبط النوافل وإحسانها .
· عمل ورد محاسبة يومي والالتزام به ، وعمل تقدير وتقييم للأداء ، للوقوف على ثغرات النفس .
· قيام يومي فردي في البيت ( أقله ركعتان ) قبل النوم ، ويومان قبيل الفجر.
· التصدق 4 مرات في العشر ، وذبح الأضحية لمن قدر على ذلك .
· الاجتهاد لختم القرآن مرةً خلال العشر ، وإلا فتلاوة جزء يومياً .

2- أعمال مع البيت :
· صلاة ركعتين مع الزوجة والأولاد ( 3 أيام ) مع الالحاح في الدعاء والذكر.
· حل أي مشكلة عالقة بينك وبين زوجتك وأولادك أنت تعرفها خلال هذه العشر .
· إنتظام لقاء البيت المسلم الاسبوعي ، مع بيان فضل العشر قبل دخولها
· التقاء الأسرة مجتمعة على وجبة يوميا ( الافطار أو السحور) والافطار معهم 3 مرات على الأقل .
· حجة وعمرة تامة تامة مرة واحدة للزوجة والاولاد ( من الفجر إلى الضحى )
· إعداد زينة العيد في البيت والعمارة والمجتمع المحيط .

3- أعمال مع الصالحين :
· تغليب الجانب الإيماني والروحي في الأعمال المجمعة خلال العشر ، وقراءة شئ عن فضل العشر .
· الدعاء للإخوان المغيبين ولإخوانك المجاهدين في فلسطين وفي كل مكان مع كل دعاء .
· زيارة أستاذ والاستفادة من صحبته ومرافقته وتلمس الزاد عنده .
· الإفطار سويا مرة ، سواء كان بالمسجد أو بالبيت .
· إشاعة روح التكافل والتراحم بين الإخوان .
· الالتقاء قبيل الفجر في المسجد وأداء صلاة التهجد معا ( مرتان على الأقل ) .
· الاعتكاف ليلة واحدة من المغرب وإلى الفجر ، أو المبيت .
· القيام بدورك الدعوي والحركي ، وما تكلف به على أكمل وجه .

4- أعمال مع المجتمع العام :
· نشر فضائل العشر ، وحث المجتمع على حسن الاستفادة منها .
· عمل إفطار مجمع مع سكان العمارة ويعقبه لقاء إيماني وتواصل أسري بينهم .
· المشاركة في عمل صالون مجمع ثابت إسبوعيا .
· التصدق علي أسرة فقيرة .
· تعميم التبرع بافطار يوم لفلسطين على كل من تعرف وتخالط ، وابدأ بنفسك .

5- أعمال ليلة ويوم العيد
· إحياء هذه الليلة المباركة بصلاة قيام .
· المشاركة في تجهيز صلاة العيد ، وأداء الصلاة مع الصالحين .
· ذبح الأضحية لم وفقه الله لذلك ، ولاتنس حق الفقراء
· المشاركة في مشروع جمع جلود الأضاحي .
· بر الوالدين والتزاور بين الأهل والأحباب وتقديم التهاني .
· إدخال السرور على أهل بيتك وأولادك .

ضمانات نجاح المشروع :
· التعاون مع إخوانك في تنفيذ المشروع بشكل جماعي
· مشاركة المجتمع معنا ، فرب مبلغ أوعى من سامع .
· الدعاء والتوسل إلى الله بأن يعيننا على تنفيذ المشروع كما ينبغي
· جدد النية والعزم دائما ، واستشعر أن نية المرء أبلغ من عمله.
· اجتهد أن تنفذ المشروع بكل عناصره ، وإلا فابدأ بما تقدر عليه ، وسدد وقارب ولا تيأس ،

توصيات خاصة بالبرنامج :
1. التركيز علي البعد الفردي لكل أخ علي حدة، وتعدد النوايا و إحسان الأعمال ، وتبني كل أخ وبشكل فردي لقضية يعيش معها في العشر " القرآن – التراحم - القيام " كمشروع مطلوب إنجازه .
2. الانفتاح التام على المجتمع وتفعيل الآخرين .
3. إذا كنت ممن أنعم الله عليهم بالزوجة والذرية فلا تنسَ أن تُشركَهم معكَ في هذا البرنامج الرباني
4. إذا كنت ممن أنعم الله عليهم بصحبة صالحة فتعاهد معهم على تنفيذ هذا البرنامج، وذكِّروا به بعضَكم بعضًا، وإن سنحت لكم الفرصة لتنفيذه معًا فهو خيرٌ
5. اعمل على نشر هذا الخير في المحيط الذي تحياه بين أهلك وإخوانك وجيرانك وأحبابك.
6. اعقد العزمَ على أن تستغل عشر ذي الحجة هذا العام الاستغلالَ الأمثل في طاعة الله، ولا تنسَ أن تحدث عملاً صالحًا (خبيئة بينك وبين ربك) .

وليكن شعارنا " والله لنزاحمنهم " !!