الأحد، ٩ ديسمبر ٢٠١٢


الرئيس مرسي ومثلث التمكين


حينما أرسل الله رسله الى أممهم كان الخطاب القراني يقول " والى عاد أخاهم هودا" " والى مدين أخاهم شعبيا " " والى ثمود أخاهم صالحا" ولكنه سبحانه حينما ارسل سيدنا موسى قال " ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وهامان وقارون .." فاختلف الخطاب بالنسبة لمصر حيث ارسل النبي إلى مثلث التمكين البشري والذي يحول دون القوم والأمة ان يستمعوا لدعوة الله ، فقد ارسل الله موسى عليه السلام إلى فرعون رمز السلطة وهامان رمز القوة وقارون رمز المال ، فمن امتلك هذه الثلاث " السلطة . القوة . المال " فقد مكن له في الأرض ، وهناك من يستخدم الثلاث في تمكين عادل يحقق من خلاله للأمة الرخاء والتقدم والنهضة والحرية والأمن والأمان " قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة اجعل بينكم وبينهم ردما" ، وهناك من يستخدم هذه الثلاث في الحكم الطاغوتي الجبروتي " ان فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضيف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم " .

ومن خلال هذه المقارنة البسيطة ندرك ان مصر منذ قديم الأزل وهي تتعرض لهذا الثالوث ، ولذلك كان إرسال الأنبياء فيها لرموز هذا المثلث في المقام الأول ، وان نجاح التمكين في مصر لا يتحقق الا بالقضاء على مثلث التمكين الفاسد وإحلال مثلث تمكين صالح مكانه ، ولذلك فان مصر الثورة بحاجة إلى عملية تطهير شاملة لكل مكونات هذا المثلث ، ولا يكفيها التطهير الجزئي او التخلص من بعض الرموز ولو كان الرئيس المخلوع دون استئصال الجذور والأعماق، ومن هنا فان معركة التغيير التي يواجهها ويقودها الرئيس مرسي ليست هينة ولا ميسورة بل هي معركة طويلة الأمد مع رموز الدولة العميقة المتجذرة في كل أوصال الدولة وكل مفاصلها ، وإن الدور الذي ينتظر الرئيس مرسي اكبر بكبير مما نتصور ونتخيل .

وحتى نقف على حجم ما يواجهه الرئيس مرسي من أركان وأعمدة الدولة العميقة ، لا بد من وقفة متأنية مع هذه الأركان لنعرف حجم الكارثة والفساد المستشري في الدولة المصرية العميقة :

أولا سلطة فرعون : وهي تتكون من عناصر ثلاث :

١- السلطة التنفيذية : وبعض المصريين يظن ان الثورة نجحت حينما أجبرت المخلوع على التنحي يوم ١١ فبراير من العام الماضي ، وهذه نظرة ضيقة للسلطة التنفيذية، فان حجم الدولة العميقة في هذا العنصر مخيف جداً، فقد اصطدم الرئيس بمنظومة فاسدة تمتد لتشمل مؤسسة الرئاسة والحكومة و أكثر من ٥٦٠٠ وكيل وزارة واكثر من ١٠٠ ألف موظف بدرجة مدير عام ومدير إدارة واكثر من ٥٠ ألف عضو مجلس محلي على مستوى الجمهورية كل هؤلاء تابعون للنظام السابق بفساده واجرامه وكلهم يحتاجون إلى ثورة تغيير شاملة كاملة ، ولكنه تغيير لا يمكن القيام به دفعة واحدة والا سقطت الدولة ونظامها الإداري .

٢- السلطة التشريعية : وقد نجحت الثورة في الإتيان بسلطة تشريعية منتخبة من قبل ٣٢ مليون مصري، ولكنها كانت تعمل وفق منظومة ادارية يسيطر عليها اكثر من ٥٠٠ موظف على رأسهم سامي مهران وهم جميعا من بقايا النظام السابق ، كما أن بقايا الفساد السابق حالوا دون استمرار وبقاء هذه السلطة التشريعية بما لديهم من نفوذ وعوار قانوني، وبالتالي لم تتمكن من تحقيق إنجاز تشريعي يقضي على الفساد .

٣- السلطة القضائية : وهذه انتشر الفساد فيها حتى تجاوزت نسبته أكثر من الثلث من خلال التوريث في السلطة القضائية واختراق جهاز الأمن الدولة لها، وأصبح لهم الصوت العالي من خلال منصب النائب العام ونادي القضاة والمحكمة الدستورية وبعض المحاكم الأخرى، والتي أخرجت القضاء عن مهمته الأساسية ليصبح قضاء مسيسا، وهذه السلطة تحتاج إلى تطهير شامل ولكن وفق المنظومة الإدارية الحاكمة للسلك القضائي

 

ثانيا : قوة هامان : وهذه القوة تتمحور في عناصر ثلاث :

١- قوة الجيش : وهي مؤسسة تم بناؤها خلال ال٣٠ سنة الماضية على أرضية مخالفة للعرف العسكري بحيث تكون درعاً للنظام ولا يعرف شيئا عن الحرب ومفرداتها، وجناحاً للمصالح والمنافع الخاصة، مما أثمر عن ارتباط وثيق بين السلطة التنفيذية السابقة والجيش والمصالح المشتركة وبالتالي استئصال كل من يشذ عن هذه القاعدة، وإعادة بناء هذا الجيش يحتاج إلى سنوات حتى يقف على قدمه، وقد نجح الرئيس مرسي في تحييد الجيش خلال الفترة الماضية بعدما أقال رموز النظام السابق فيه " مجموعة المشير وبعض المجلس العسكري" لكن المشوار طويل في تغيير الجيش وإعادة الروح القتالية اليه وتجهيزه بالمعدات والعتاد القادر على ردع اي عدو

٢- قوة الشرطة : وهي مؤسسة أفسدها النظام السابق حتى أصبحت كلها خرقة سوداء لا بقعة بيضاء فيها، وكانت سببا رئيسيا في إشعال الثورة المصرية، وتطهير هذه المؤسسة يحتاج إلى ١٠ سنوات على الأقل ، وحينما يتم تغيير قياداتها تأتي قيادة أخرى ممن تربوا على نفس منظومة الفساد السابق

٣- الأجهزة الأمنية : فهناك ١٤ جهاز امني بعضها تابع للجيش وبعضها تابع للشرطة وبعضها مستقل عنهما ، ولكل جهاز قيادة ومنظومة عمل وكلها قائمة على فساد وتغليب المصلحة الشخصية على حساب مصلحة الوطن والأمة ، ولذلك رأينا مخطط الانقلاب الأخير الذي كشف وشارك فيه ١٦ قيادة من احد تلك الأجهزة الأمنية وفي مقدمتهم ٥ لواءات، ويضاف الى ذلك تسخير هذه الاجهزة الامنية لجيش من البلطجية والمليشيات الشعبية يتجاوز عددهم المليون، والذين يقومون بتصعيد الاعمال ونشر البلطجة والرعب بين الناس بين الحين والاخر، فالأمر اكبر مما يتصور العامة في إمكانية التعامل معه بسهولة ويسر

 

ثالثا : مال قارون : وهذا المحور يتحرك وفق مخططات ثلاث :

١- المال الداخلي : انفاق المال ببذح من قبل رجال أعمال ورموز النظام السابق وغيرهم في تأجيج الصراع الداخلي وتشتيت الدولة وعدم استقرارها تحت قيادة الرئيس مرسي، وتوظيف المال بسخاء في تأجير البلطجية، ولقد رأينا كيف يأتي رجل من الخليج ليشتري ١٢ قناة فضائية وكلها تبث سمومها ضد الدولة والرئيس المنتخب، وراينا كيف أنفق المال ببذخ من قبل رموز النظام السابق في معركة الانتخابات الرئاسية من أجل منع وصول د مرسي للرئاسة، وحجم الإنفاق الذي ينفق الان على الثورة المضادة لإيقاف مسيرة النهضة

٢- التمويل الأجنبي : وقد ظهر واضحا وجليا بعد نجاح الثورة في قضية تمويل الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني في القضية المشهورة التي قام المستشار عبد المعز فيها بتهريب الأجانب المتهمين فيها، وها نحن نرى الان كذلك مؤامرة التمويل الخليجي من الدول " الإمارات . الكويت . السعودية " للعمل على انهيار وإسقاط حكم الرئيس مرسي، ولعل آخرها لقاء السفيرة الأمريكية ببعض النخب السياسية لبحث فعاليات التصعيد ضد الرئيس مرسي

٣- وقف الدعم والاستثمار : وهو مخطط آخر خارجي يهدف الحيلولة دون وقوف مصر مرسي على أقدامها ومن أجل تعجيز الرئيس عن النهوض بمصر، وقد رأينا كيف ان كل الدول التي أعلنت عن تقديم دعم لمصر لم تف بوعودها سوى تركيا وقطر ، في مخطط تآمري على مصر الثورة

 

هذه هي أركان الدولة العميقة التي تحارب الرئيس مرسي وتقف أمام محاولات تطبيقه مشروع النهضة ، ويضاف إليها الهجمة الإعلامية الشرسة من الإعلام الرسمي والخاص، وللأسف يشارك فيها سواء بقصد أو بغير قصد بعض النخب السياسية وبعض المنتسبين إلى الثوار ربما يكون نتيجة الجهل التام بمدى خطورة الدولة العميقة او نتيجة استعجالهم الثمرة او نتيجة تأثرهم بالأعلام الكاذب المدلس على الناس او نتيجة مرض وحقد في نفوسهم، هذا هو الواقع المصري الذي يواجهه الرئيس مرسي متمثلا في منظومة فساد كبير في أجهزة التمكين الثلاثة بالدولة العميقة إضافة إلى تكالب الاعلام الكاذب والنخب المخدوعة او المريضة .

وفي المقابل فان الرئيس مرسي لا يقف مكتوف الأيدي في مواجهة مثلث التمكين ولا يفقد الأمل في أحداث التغيير ، و فهو يعلم أنه يسير في حقل ألغام، ولذلك ينتهج سياسة النفس الطويل والحكمة والتدرج في التغيير والاستغلال الأمثل للفرص المتاحة ، فهو لا يصادم نواميس الكون ولكنه يغالبها ويستخدمها ويحول تيارها ويستعين ببعضها على بعض وأمله في الأخير ان ياتيه نصر من الله وفتح قريب ، ولذلك فقد خاطب شعبه وقال لهم : امضوا للأمام ولا تنظروا للخلف ولا تنظروا تحت أقدامكم ، وأحسبه يقول لأمته كما قال موسى من قبل "استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين " وأحسبه يربط على قلوبهم ويطمئنهم بالمستقبل الباسم لمصر ويزيد لهم الأمر وضوحا " عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون " وكما نصر الله موسى على سلطة فرعون وقوة هامان ومال قارون ، فان الله ناصر عبده محمد مرسي على مثلث الدولة العميقة والإعلام الظالم ومخططات الفساد والإفساد في الأرض، "ويقولون متى هو . قل عسى أن يكون قريبا" .