الجمعة، ١٠ أغسطس ٢٠٠٧

المسألة التركية وتوضيح المفاهيم

بقلم: جمعة أمين عبد العزيز

لا شك أن ما حدث في تركيا من فوز حزبٍ يُحسَب على الإسلام وتوجُّهاته يُدخِلُ السرور على قلب كل مسلم غيور على دينه، ويتمنَّى تمكينَ دين الله على الأرض، بل نفرح لكل جهد مشكور قلَّ أو كثُرَ لصالح الإسلام، تقوم به أي جماعة أو أفراد.

وليس هذا بالأمر الغريب على المسلمين منذ جيلهم الأول بل وفي حياة الرسول- صلى الله عليه وسلم- فقصَّة فرحة المسلمين بانتصار الروم أهل الكتاب على الفرس المجوس أثبتَها القرآن؛ حتى لا يستنكر هذه المشاعر أحدٌ، فقال: ﴿غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ (الروم: 2- 5).

فكيف لا يفرح المسلمون اليوم بانتصار حزب العدالة والتنمية على العلمانيين، الذين يحكمون تركيا منذ سقوط الخلافة حتى اليوم، والذين فصلوا الدين عن الدولة، ولم يعزِلوا الإسلامَ عن الحكم فحسب، بل حاربوه في مظاهِرِهِ، ابتداءً من (الطاقية) إلى حجاب المرأة المسلمة، وانتهَوا إلى إلغاء اللغة العربية، لغة القرآن الكريم، بل وارتبطوا ارتباطًا عضويًّا وروحيًّا وقلبًا وقالبًا بالمشروع الغربي.

إن الذي نشاركُهم فيه ونقرُّه لهم هو أمرٌ يتصل بالمشاعر القلبية، التي لا يعارضها الشرع الحنيف، ولكن ما يتصل بالمقاصد والغايات ومنهج التغيير والإصلاح أمرٌ يحتاج إلى تبيان وتوضيح، كي نضَعَ النقاط على الحروف، ونؤكد عليه ليستبين التصوُّر السليم بمنهاجه القويم؛ حتى لا تزِلَّ قدمٌ بعد ثبوتها، حين يرى البعض هذا الانتصارَ، فقد يشعرون باستطالة طريقنا، وبُعد الغايات، وعدم تحقيق الأهداف البعيدة، بل واستحالة تحقيقها بهذا المنهج الذي آمنَّا به وطبَّقناه، من وجهة نظرهم.

من الخطأ أن نعقد المقارنات الخاطئة بين مَن وصلوا إلى السلطة والحكم دون أن يحدِثوا تغييرًا إسلاميًّا فعليًّا وجوهريًّا في طبيعة المجتمع، أفرادًا وأُسرًا ومجتمعًا.. وبين مَن أحدثوا تغييرًا إسلاميًّا ويسعون لإقامة الدين، كما بيَّنت الآية الكريمة ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ (الشورى: من 13)، وكما قال مرشدنا الأسبق: "أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقُم على أرضكم" وفرقٌ كبير بين الوصول إلى الحكم وإقامة الدين على الأرض.

إن الذي حدث في تركيا لا بد أن يكون واضحًا لدينا؛ حتى لا تتداخل الغايات بالوسائل، والأهداف البعيدة بالقريبة، وحتى لا تقول: ليتنا نسلك نفس المسلك كي نحقق ما حققوه..!! أقول: الذي حدث في تركيا هو وصول لسدَّة الحكم والسلطة، وهذا ما كانوا يسعَون إليه بكل وسيلة، وهم لا ينكرون ذلك كهدف لهم يُرتجَى ويَسعَون إليه بكل جهدهم ووسائلهم المشروعة، وفي سبيل ذلك كان كل همِّهم التجمُّع لا الجماعة التي لها توجُّهاتُها ومنهجُها وأهدافُها ووسائلُها، بل وغاياتُها وخطتُها ومنهجُها النبوي في التغيير.

فقد حدث ما يقرب ذلك مع الترابي في السودان وإن اختلفت الوسائل، فإن الذي حدث في تركيا حدث بالأسلوب الديمقراطي، وأما الذي حدث في السودان فكان انقلابًا عسكريًّا، والذي ترفضه رفضًا قاطعًا جماعة الإخوان المسلمين، إلا أن هدف الترابي أيضًا كان الوصول إلى الحكم والسلطة، ومنهج الإخوان يختلف اختلافًا واضحًا عن هذا وتلك، ولكلٍّ طبيعته وظروفه، إلا أن منهج التغيير يجب أن يكون ثابتًا ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد: من الآية 11).

تقول بعض التحليلات عن التجربة التركية: تعتبر تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا إحدى تجارب الإسلام السياسي في تاريخ الأمة العربية والإسلامية الحديث والمعاصر، إلا أن هذه التجربة غير قابلة للتطبيق في حالة الإخوان المسلمين في مصر لعدد من الأسباب التي من أهمها:

أولاً: التزام أردوغان بقواعد العملية السياسية التركية وبأحكام الدستور، حتى وصلت به المواءمة السياسية إلى الإعلان علنًا أنه ملتزمٌ ليس فحسب بالطبيعة المدنية في إطار مرجعيته السياسية، بل قال إنه ملتزمٌ بهويَّة تركيا العلمانية، لدرجة السكوت على الثورة التي حدثت من العلمانيين؛ بسبب حجاب زوجة وزير الخارجية عبد الله جول عند ترشيحه لمنصب الرئيس؛ حيث قال قائلهم "إنه ليس من الممكن أن تكون السيدة الأولى فى تركيا محجبة"!! وقالوا: "إن دخول زوجة جول المحجبة- السيدة خير- إلى قصر الرئاسة التركي الذي أسَّسه أبو العلمانية التركية أتاتورك أمرٌ يخالف كافةَ القيم العلمانية التركية ويخالف الدستور"!!

ومما زاد الطين بلَّةً أنَّ أوردغان نفسه لم يستطع إتمام تعليم ابنته المحجَّبة في تركيا، بسبب منع الحجاب في الجامعات التركية فأرسلها إلى الولايات المتحدة لاستكمال تعليمها.

هذه هي العلمانية التي قال عنها أردوغان إننا لن نحيد عنها ولن نغيِّر فيها أيَّ شيء، بل ما جئنا إلا للمحافظة عليها، وهذا هو خيار حزب العدالة والتنمية، وهذا خيارٌ لا يمكن للإخوان في مصر أن يتبنَّوه على أي شكل من الأشكال؛ لأن الإخوان مع التزامهم بالدستور المصري؛ لأنه يقول إن الدين الرسمي للدولة هو الإسلام، وإن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، لا يمكن لهم قبول كامل قواعد اللعبة السياسية التي وضعها النظام المصري الحاكم منذ خمسة عقود، سواءٌ على مستوى المبادئ الحاكمة، أو الممارسة السياسية، من قبول لمؤسسات شكلية، وفساد سياسي واقتصادي وإداري واجتماعي موجود، وإلا فقَدَ الإخوان مصداقيةَ ما يطرحونه من برامج وأهداف، وبالتالي سوف يفقدون أهم عناصر قوة الجماعة وهو عنصر الشرعية الجماهيرية، وتأييد الشارع المصري والعربي والإسلامي لهم، والذي قبِلَهم وأيَّدَهم بسبب أجندتهم هذه.

ثانيًا: أن التيار الإصلاحي (تيار الإخوان) بأجندته يرمي إلى إحياء تجربة الأمة الإسلامية الواحدة، وإعادة الواجهة الحضارية القديمة لها، واستعادة دورها الريادي العالمي في كل المجالات، وهذا لا ينادي به أردوغان، فتياره يعمل داخل حدوده فحسب، ولا يطرح أجنداتٍ إسلاميةً ذات طابع عالمي، وهو الأمر الذي لا يقلق الغرب الأمريكي والأوروبي بل والصهيونية العالمية، بعكس التيار الإخواني ذي الأجندة التي تتجاوز حدود قطره، ويمثِّل خطرًا على المشروع الأمريكي الصهيوني العالمي، لأجندته ومشروعه الإسلامي المتكامل، والذي يشمل العالم الإسلامي بأسره، والذي ينادي به الإخوان، وهو أحد أهدافهم الكبرى لاستعادة الخلافة الإسلامية وليس الاستعداد لتغييره لأنه مبدأ ثابت عندهم.

ثالثًا: إن للإخوان ثوابت لا تحيد عنها ولا تتغير، كقضية الاعتراف بـ"إسرائيل" وبيت المقدس وغيرها من القضايا المهمة والتي هي على غير المواءمة السياسية لحزب العدالة والتنمية، فما زالت تركيا عضوًا في حلف شمال الأطلنطي (الناتو) الذي يضرب المسلمين في أفغانستان ويحيك المؤامرات في بلاد المسلمين إلى يومنا هذا، ولا تزال تحتفظ بعلاقات مع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، ويعلن أردوغان المحافظة على هذه العلاقات.

وهذا هو الفارق الذي جعل الغرب يتقبَّل حزب العدالة والتنمية بينما يرفض حماس في فلسطين، بل بمجرد أن يفوز الإخوان بعدد من المقاعد في مجلس الشعب يعلن الحرب عليهم، فما بالكم لو دخل الإخوان المسلمون إلى الحكم وهم عازفون عنه..؟! لا بد أن يظهر العَدَاء الغربي الصريح ويعمل أصحاب المشروع الغربي الصهيوني جاهدين لإسقاط تجربتهم في الحكم إن حدث ذلك.

إن المجتمع الذي يريده الإسلام هو:
1-مجتمع رباني، يستمد كلَّ مقوماته من أوامر الله وتوجيهاته وحكمه.
2-يتجه إلى الله بكل شعوره ووجدانه وعمله.
3-مجتمع.. العقيدة أساسه، والشعائر مظهره وتعظيمه، والأخلاق ضمانه، والشريعة ترجمته العملية.
4-الواجبات فيه كلها مطلوبة، والمحظورات كلها منهيٌّ عنها، وبين ذلك المندوبات والمكروهات والمباحات، وتأمَّل موقف ربعي بن عامر مع قائد الفرس حين قال له: "إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن
جَور الحكام إلى عدلِ الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة"، فأي ثباتٍ ووضوح في مثل هذا الموقف.

واستمع إلى الإمام البنا يوضح لنا ذلك فيقول: "نحن نريد الفرد المسلم، والبيت المسلم، والشعب المسلم، ولكننا نريد قبل ذلك أن تسود الفكرة الإسلامية حتى تؤثر في أوضاعنا جميعها، وتصبغها صبغةً إسلاميةً وبدون ذلك لن نصل إلى شيء".

نريد أن نفكر تفكيرًا استقلاليًّا يعتمد على أساس الإسلام الحنيف، لا على أساس الفكرة التقليدية التي جعلتنا نتقيَّد بنظريات الغرب واتجاهاته في كل شيء، ونريد أن نتميَّز بمقوّمات ومشخِّصات حياتنا كأمة عظيمة مجيدة، تجرُّ وراءها أقدمَ وأفضلَ ما عَرَف التاريخ من دلائل ومظاهر الفخار والمجد".

الانطلاق في رحاب الإيمان

إن الانطلاق في رحاب الإيمان ينمِّي الشخصيةَ المستقلةَ التي تتخلَّص من الإمَّعيَّة والغثائية، بتربية تُخرج لنا نماذجَ فذَّةً، متعددةَ القدراتِ والأفهامِ، يكون بها كلُّ مسلم نسيجًا وحدَه، يختلف عن الآخرين، وهذا التنوُّع والاستقلال أساسٌ لقيام مجتمع لا يطويه التشابُه الأصمّ، والتجريد المُميت، وإنما تتكامل فيه عناصر الإبداع، ومقوِّمات التنوُّع، فيغدو كلوحةٍ تتناسق فيها الألوان، وتتكامل فيها الصورة، وهذا كله نتاجُ تربيةٍ وتخطيطٍ طويلِ الأمدِ، يتطلَّب طولَ النفَس، والصبرَ الجميلَ، والعملَ المتواصل، والثبات عليه، بل وإكراه النفس عليه؛ لصياغة نموذج وأسلوب للحياة، تتأكد به قيم الإسلام العليا، ومبادئه المميزة، لينطلق بها إلى الممارسة الحياتية، بلا عُقَد ولا أزمات ولا مقارنات خاطئة، بل ولا انفصامٍ في الشخصية وبوعيٍ بالتحديات، وإيمانٍ بالمنهج والتطبيق، واستشعار الأمة كلها بوجوب العمل، وثقتها بقدرتها على التأثير الإيجابي، مع الاعتزاز بهويَّتها الإسلامية، واليقين بنصر الله لها.

مقصد الإسلام
إن للإسلام مقصدَين مهمَّين يجب أن نَعِيَهما جيدًا:

أولاً: إقامة أمة صالحة مصلحة، ولن تكون إلا إذا توافرت فيها شروط أساسية، أهمها:

1-أن تكون أمة ذات رسالة تجاهد من أجلها.

2-أن تكون أمة موحدة متحابة.

3-أن تكون أمة مضحية مستعدة للبذل.

ثانيًا: أن يكون على رأس هذه الأمة حكومةٌ إسلاميةٌ مدنيةٌ، صالحةٌ مصلحةٌ، خادمةٌ للشعب، تقوم على الشورى، وتُقيم العدل، وتحقق الحرية لجميع أفراد شعبها، لا حكومة طغيان واستبداد.

لهذه المعاني التي تتطلَّب إرادةً قويةً وعزمًا على مواصلة الطريق؛ لأنه طريق طويل تعتريه عقبات وعقبات.. من أجل ذلك يقول الإمام البنا للمتعجِّلين: "أيها الإخوان المسلمون، اسمعوها مني كلمةً عاليةً مدويةً، من فوق هذا المنبر، في مؤتمركم هذا الجامع.. إن طريقكم هذا مرسومة خطواته، موضوعة حدوده، ولست مخالفًا هذه الحدود التي اقتنعتُ بأنها أسلمُ طريق للوصول، أجل.. قد تكون طريقًا طويلةً، ولكن ليس هناك غيرها، فمن أرادَ أن يستعجل ثمرةً قبل نضجها، أو يقتطفَ زهرةً قبل أوانها فلستُ معه في ذلك، وخيرٌ له أن ينصرف عن هذه الدعوة إلى غيرها".

ويقول لمن تسبق عواطفهم عقولهم: "ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول، وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف، وألزِموا الخيالَ صدق الحقيقة والواقع، واكتشِفوا الحقائق في أضواء الخيال الزاهية البرَّاقة، ولا تَميلوا كلَّ الميل فتذروها كالمعلَّقة، ولا تُصادِموا نواميسَ الكون فإنها غلاَّبة، ولكنْ غالِبوها واستخدِموها، وحوِّلوا تيارَها، واستعينوا ببعضها على بعض، وترقَّبوا ساعةَ النصر وما هي منكم ببعيد".

يقول للذين يقيسون الأمور بنتائجها ومظاهرها: إنكم تبتغون وجه الله وتحصيل مثوبته ورضوانه، وذلك مكفولٌ لكم ما دمتم مخلصين ولم يكلفكم نتائج الأعمال، ولكن كلفكم صدق التوجه، وحسن الاستعداد، ونحن بعد ذلك إما مخطئون فلنا أجر العاملين المجتهدين، وإما مصيبون فلنا أجر الفائزين المصيبين، على أن التجارب مع الماضي والحاضر قد أفادت أنه لا خيرَ إلا في طريقكم، ولا إنتاجَ إلا مع خطتكم، ولا صوابَ إلا فيما تعملون، فلا تقامروا بجهودكم، ولا تقامروا بشعار نجاحكم، واعملوا ﴿وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ (محمد: من الآية 35)، والفوز للعاملين ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (البقرة: من الآية 143).

الخلاصة

أننا أصحاب مشروع إسلامي يدعو إلى تكوين أمة وتربية شعب، وتحقيق آمال، وهذا كله يتطلَّب نفسيةً عظيمةً، تتمثل في: إرادة قوية، ووفاء ثابت، وتضحية عزيزة، ومعرفة بالمبدأ وإيمان به؛ لأنه مشروع شعوب مسلمة تتحرق شوقًا وأملاً في أن تحيا بالإسلام، وتعيش له وبه كي تتبوَّأ مكانتَها بين العالمين، وتنهض بواجبها المقدَّر من رب العالمين.

إنه المشروع الذي يهدي للتقى والرشاد والطريق المستقيم الذي يحقق للأمة هويتها الذاتية، وشخصيتها المتميزة واستقلالها الاقتصادي وإرادتها السياسية؛ حتى لا تذوب في شرق ولا غرب، وحتى تخرج من حالة المسخ التي تردَّت إليها من إثْر التخلف والجمود والفساد من ناحية والغزو والاستعمار الفكري والعسكري من ناحية أخرى.

ولذلك كان لا بد ابتداءً أن نعي جيدًا أن الإسلام رسالة تربية قبل أن يكون رسالة تشريع وتنظيم، ورسالة عقائد وأخلاق قبل أن يكون رسالة قتال وجهاد، ورسالة قيم ومبادئ قبل أن يكون رسالة اتساع وانتشار، ومن هنا كانت أولى خطوات التغيير والإصلاح موجهةً إلى القلب والنفس لتحقيق وحدة القلوب صفاءً وإخلاصًا، وهي سابقةٌ على وحدة الصفوف تنظيمًا وتخطيطًا وإدارة، فالصلاح قبل الإصلاح.

نعم لا بد من يقظة الأرواح وحياة القلوب، وصحوة الوجدان والمشاعر أولاً قبل كل شيء، ولقد نبَّه الإمام البنا إلى هذه الحقيقة، فقال: "ينظر الناس في الدعوات إلى مظاهرها العملية وألوانها الشكلية، ويهملون كثيرًا النظر إلى الدوافع النفسية والإلهامات الروحية، التي هي في الحقيقة مددُ الدعوات وغذاؤها، عليها يتوقف انتصارها ونماؤها، وتلك حقيقة لا يجادل فيها إلا البعيد عن دراسة الدعوات وتعرُّف أسرارها، إن من وراء المظاهر جميعًا في كل دعوة لروحًا دافعةً، وقوةً باطنة، تسيِّرها وتهيمن عليها، وتدفع إليها، ومحالٌ أن تنهض أمةٌ بغير هذه اليقظة الحقيقية في النفوس والأرواح والمشاعر ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد: من الآية 11).

ولهذا أستطيع أن أقول إن أول ما نهتم به في دعوتنا وأهم ما نعوِّل عليه في نمائها وظهورها وانتشارها هذه اليقظة المرتجاه، والتي نؤكدها كي نرسِّخ في العقول لتُصبِحَ أولى الخطوات- كما قلنا- ومن صحت بدايته صحت نهايته..

إننا نريد بتطبيق الشريعة حتى يصبح الإسلام هو الحل استئنافُ حياةٍ إسلاميةٍ متكاملةٍ.. حياة توجهها عقيدة الإسلام، وتحكمها شريعته، وتضبطها أخلاقه، وتسودها قيمه وآدابه.. حياة مصبوغة بالقيم الإسلامية لحمًا ودمًا وروحًا، هذا ما نريده، أن نحيا بالإسلام، ونحيا للإسلام.

فليس كما يقول الماركسيون والماديون: غيِّر الاقتصاد أو غيِّر علاقات الإنتاج يتغيَّر التاريخ، ولكننا نقول: غيِّر نفسَك تتغيَّر الحياة والتاريخ، ولا تتغيَّر النفوس إلا بالإيمان والتزكية ليتحقق الفلاح والنجاح ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ (الشمس: 7-10).

هذا هو منهجنا، فهمًا واعتقادًا وحركةً، لا نحيد عنه، بل نقول فيه كما قال المصطفى- صلى الله عليه وسلم-: "والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه".

وصلَّى الله وسلَّم وبارَكَ على سيدنا محمد وآله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.
-------
عضو مكتب الإرشاد.

السبت، ٤ أغسطس ٢٠٠٧

أبا الزهراء

الجمعة، ٣ أغسطس ٢٠٠٧

صدق الولاء والانتماء لدعوة الإباء


كل منا يدعي انتماءه لدعوة الاسلام في القرن الخامس عشر الهجري
وكل منا يفخر بذلك ويتباهى به أمام الآخرين
ولكن .. من منا يرى أن انتماءه لدعوة الإخوان هو انتماء حقيقي لا زيف فيه ولا خداع
لقد قالها الإمام المؤسس رحمه الله " كم فينا وليس منا وكم منا وليس فينا " .. ومن أجل ذلك فنحن بحاجة إلى وقفة جادة مع النفس نراجع فيها انتماءه لهذه الدعوة الخالدة .. ونسأل أنفسنا
ما مدى تواجد الدعوة في قلوبنا ومشاعرنا؟
وما مدى سيطرتها على عقولنا وأفكارنا ؟
وهل نحن نقدم لها وفي سبيلها كل ما نملك من طاقات وإمكانات ؟
وهل تشغل الدعوة لب أوقاتنا أم نعطيها فضلات وقتنا ؟

كثيرة هي الأسئلة التي بحاجة إلى إجابة وافية شافية من قلب صادق ونفس صافية ، حتى نستطيع أن نحدد معالم صدق الولاء والانتماء لدعوة الإباء ، وهذا ما نتحدث عنه في موضوعاتنا القدامة بإذن الله