السبت، ٢ يونيو ٢٠٠٧


معالم أساسية لانطلاقة الداعية 1-3

"سبحان من ألقى في قلبي نصح الخلق وجعله أكبر همي".. بهذه الكلمات كان أحد الصالحين يسبح بحمد ربه، ويذكر نعمة الله عليه بأن جعله من الدعاة إليه، وهكذا يجب أن يكون حال الدعاة مع الله؛ يسبحون بحمد ربهم على ما أنعم عليهم به بعد نعمة الإسلام والإيمان بأن جعلهم من الدعاة إليه، والحاملين لرسالته، والمبلغين لدعوته.

والدعوة إلى الله أعظم رسالة وأشرف عمل يقوم به الإنسان في هذه الحياة؛ فهي ميراث النبوة: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (يوسف: 108).

إن الدعوة إلى الله؛ وهي أشرف رسالة، بحاجة إلى رجال يحملونها، ويقومون بواجب تبليغها للناس، ويسرعون بها إليهم، ويدفعونها قدمًا إلى الأمام نحو أستاذية العالم وشعارهم: "إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عباده من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد".

إن الناس في مشارق الأرض ومغاربها بحاجة إلى الدعوة لتخرجهم من الظلمات إلى النور، وتهديهم سبل السلام، وتأخذ بأيديهم إلى صراط الله المستقيم.

إن الدعوة بحاجة إلى داعية رحَّالة، يحمل دعوته ورسالته فوق ظهره، يتحرك بها في أرجاء الكرة الأرضية، شعاره: (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى) (يس: 20)، فهو ساعٍ إلى الخير دائمًا، في حركة دائبة وترحال لا يتوقف، وهو فارس لا يترجل، يجوب الأقطار والأمصار شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه.

والدعوة إلى الله بحاجة إلى رجل له من ميراث يحيى - عليه السلام - نصيب، فقد أمره الله بقوله: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ) (مريم: 12)، فأخذه بهمة وعزيمة، وقام يبلغ قومه وينذرهم، وجعل من نفسه وقفًا لدعوته، حتى قطعت رقبته فداءً لدين الله، وهكذا يجب أن يكون الداعية في أخذه دعوة الله بقوة، وقيامه بها، ووقف حياته لها.

والدعوة إلى الله بحاجة إلى داعيةٍ له في "هدهد سليمان" العبرة والمثل، في تحركه وانطلاقه، وذاتيته وإيجابيته التي كانت سببًا في إسلام أهل اليمن؛ فأين الرجل الهدهد في دعاة اليوم، الذي يكون سببًا لإسلام أمة أو دولة أو قرية كما فعل الهدهد؟! بل أين الداعية الذي يكون سببًا في إسلام قبيلة أو عشيرة أو حتى رجل واحد على الأقل؟! قال - صلى الله عليه و سلم -: "لئن يهدي الله بك رجلا واحدًا خير لك من حمر النعم"، إن انطلاقة الداعية إلى الله لها معالم أساسية
نذكر منها أنها:



دعوة الناس كافة
وهذا المعلم مما يميز دعوة الإسلام عن غيرها من الدعوات السابقة، التي كانت لأقوام خاصة، أما هذه الرسالة فشعارها: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) (الأعراف:158)، والدعاة إلى الله مطالبون بأن يقدموا دعوتهم للناس كافة على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وأوطانهم، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه و سلم - يعرض دعوته على الناس كافة، ويراسل الملوك، ولا يترك أحدًا إلا وبلغه رسالة الله، وهاجر إلى الطائف، ثم إلى المدينة ليبلغ رسالة الله. والداعية حتى يحقق هذا المعلم لا بد له من


الانطلاقة المزدوجة

فالداعية لا يحقق الانتشار لدعوته إلا من خلال اتصاله المتعدد والمزدوج؛ فهو يبلغ دعوته للعامة من الناس والملأ في آن واحد، ويتوجه بدعوته إلى الغني والفقير، والحاكم والمحكوم، والمؤيد والمعارض، كما أنه يسير بدعوته على محورين اثنين: الدعوة الجماهيرية العامة، والدعوة الفردية الخاصة، فهي انطلاقة مزدوجة تحقق له كما قال "محمد أحمد الراشد" "انسيابية المجتمع، والبحث عن الرواحل، واصطفاء الأخيار"، كما أنه يتوجه بدعوته للصغير والكبير وللرجال والنساء جميعًا؛ لا يترك أحدًا من خلق الله إلا وبلغه دعوته، وكما قال "البنا": "وددت لو أنني أبلغ الدعوة للجنين في بطن أمه"!

مسافات منتصف الطريق

فالداعية إلى الله لا يغلق بابًا، ولا يسد طريقًا، فإن عجز عن إتمام دعوته، فلا أقل من أن يقيم جسورًا ممتدة مع المخالفين، ويقطع معهم مسافات منتصف الطريق؛ وذلك بأن تكون هناك نقاط التقاء يتفق عليها الداعية مع من يدعوهم، فيما يشبه "دائرة الثوابت والمتفق عليه"، وشعاره في ذلك: "نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه"، وذلك يجنب الداعية نفسه معارك جانبية كثيرة وصراعات، ويقطع مسافات كبيرة في طريق الاتفاق مع المخالفين.

مراعاة أصناف الناس

فالداعية يجد الناس أمامه أصنافًا عدة، منهم المؤمن بدعوته ورسالته، ومنهم المتحامل عليها، ومنهم المتردد في الإقبال عليها، لما يقال عنها من شبهات، ومنهم النفعي الذي ينتظر مغنمًا، ولكل صنف من هؤلاء جهد ودعوة خاصة، ولكن يبقى حرص الداعية على أن يبلغ دعوته إلى هؤلاء جميعًا.