السبت، ١٣ سبتمبر ٢٠٠٨

مشروع الغنيمة الباردة

رمضان هو شهر النفحات الربانية والفيوضات الإلهية التي تتنزل على عباده المؤمنين، والمسلم حريص على استغلال هذا الشهر الاستغلال الأمثل في طاعة الله، فهو شهر التنافس في الخير والسعي إلى مرضاة الله بكل السبل ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ (النبأ:25)، ولا زال نداء المنادي يهتف بك أخي الحبيب "يا باغي الخير أقبل"، وهذه بعض المشاريع الربانية التي تتيح للمسلم أن يحوز على رضا الله وعفوه ومغفرته وجنته ونعيمه يوم القيامة.

تهيئة ربانية

مشروعنا الثاني هو الغنيمة الباردة، والتي سمَّاها العلماء بذلك؛ لأنها لا تحتاج إلى أي جهد ولا هيئة ولا كيفية معينة للقيام بها، بل هي مطلقة، فهي عبادة ليس لها وقت محدد ولا زمان ولا مكان، ولذلك سميت الغنيمة الباردة، فكل ما على المسلم هو أن يذكر الله وقتما شاء وعلى أي صورة كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ﴾ (آل عمران: 191)، وهي الغنيمة الباردة الموصلة للجنة بأيسر السبل كما قال حبيبنا صلى الله عليه وسلم حينما سأله عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما "ما غنمية مجالس الذكر؟ قال: غنيمة مجالس الذكر الجنة"، وتأتي أهمية هذا المشروع الرباني، من أمر الله الواضح للمؤمنين ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (42)﴾ (الأحزاب).

ومما رواه الإمامان البخاري ومسلم عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "مثل الذي يذكر الله والذي لا يذكر الله مثل الحي والميت"، ولقوله أيضًا "ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعةٍ مرَّت بهم لم يذكروا الله تعالى فيها".


أهداف المشروع:

يحقق هذا المشروع عِدة فوائد وأهداف في آنٍ واحدٍ ذكر ابن القيم أنها تتعدى المائة فائدة للمسلم، ولكننا نركز هنا على نقطتين اثنتين نحسب أنهما الأشد حاجةً اليهما في حياتنا الدنيا:

1- الحفاظ على خُلق المؤمن وتجنب خلق المنافق: فقد فرَّق القرآن بين المؤمنين والمنافقين في صفات محددة؛ حيث قال ربنا تبارك وتعالى في صفات المنافقين: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً (142)﴾ (النساء)، فهم أي المنافقين يذكرون الله ولكن قليلاً، أما المؤمنون فهم الذين قال الله فيهم ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ﴾ (الأحزاب: من الآية 35)، ولذلك قال الحبيب- صلى الله عليه وسلم- في ذلك: "اذكروا الله ذكرًا حتى يقول المنافقون إنكم مراءون" (أخرجه البيهقي)، وقوله أيضًا "أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون" (رواه أحمد وابن حبان في صحيحه).

2- الدخول في معية الله وفضله: حيث يقول عزَّ وجل في الحديث القدسي: "... وأنا معه إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه...".

فكرة المشروع

تتمثل فكرة المشروع في إعانةِ المسلم على الوصول إلى أداء 100 ألف ذكر وتسبيحة لله تبارك وتعالى خلال هذا الشهر الكريم، ليكون في عدادِ الذاكرين الله كثيرًا الذين أثنى الله عليهم في كتابه، وليكون في معية الله كما جاء في الحديث "أنا مع عبدي إذا هو ذكرني وتحركت بي شفتاه".

وفكرة الـ 100 ألف تسبيحة خلال الشهر تتواكب مع المسبحة الألفية، والتي بها عداد جانبي من عشر حبات، وكيفية التسبيح بها على النحو التالي، حين تنتهي من الـ 100 تسبيحة تسحب واحدة من العشر حبات الجانبية، وهكذا كل مائة تسبيحة حتى تتم العشرة الجانبية فتكون قد أتممت ألف تسبيحة، وعندئذ تمرر هذا العداد الجانبي نفسه من فوق حبة من حبات المسبحة الأصلية ذات المائة حبة، دلالة على أنك قمت بألف تسبيحة، ثم تعيد الكرة مع كل ألف، فإذا انتهيت من تحريك العداد من فوق حبات المسبحة الأصلية تكون قد قمت بـ 100 ألف تسبيحة تامة.


كيفية التنفيذ:

يتطلب هذا المشروع من المسلم آلية في التنفيذ يجب أن يحافظ عليها طوال الشهر الكريم، حتى يدخل في معية الله وحتى يحيي قلبه، وحتى يخنس عنه الشيطان، مع ضرورة توفر النية الصادقة الخالصة لله تبارك وتعالى من وراء ذلك كله.

وخطوات تنفيذ المشروع على النحو التالي:

1- اقتناء المسبحة الألفية فهي من أكبر الوسائل المعينة على ذكر الله.

2- الحد الأدنى المطلوب منك يوميًّا هو 4000 تسبيحة حتى تستطيع أن تنجز الـ 100 ألف في الشهر، وقد جُرِّب هذا الأمر مع بعض المسلمين فجلسوا 5 دقائق في ذكرٍ فردي وكانت نتيجة الـ5 دقائق أن ذكروا الله ما بين ( 250 : 300) تسبيحة، مما يعني أنَّ الساعة الواحدة يمكن أن تذكر الله عزوجل فيها أكثر من 3000 تسبيحة، وما ذلك عليك بعزيز، ولكن أخلص النية وسيعينك ربك.

3- لا بد من تنوعِ الذكر ما بين التسبيح (سبحان الله- سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) والتحميد (الحمد لله) والتهليل (لا إله إلا الله) والتكبير (الله أكبر) وبين الاستغفار بأية صيغة وبين الصلاة على الحبيب بأية صيغة، وبين قول "لا حول ولا قوة الا بالله" وقول "حسبنا الله ونعم الوكيل" وقول: "إنا لله وإنا إليه راجعون"، وغير ذلك مما يتسنى لك من الذكر الثابت.

4- ضرورة الاستغلال الأمثل للوقت فتلك العبادة ليس لها وقت محدد ولا زمان ولا مكان، أوقات الفراغ، والأوقات البينية، وأوقات الانتظار، ولحظات الاسترخاء... إلخ.

5- اجعل لك ذكرًا وتسبيحًا دُبر كل فعلٍ تقوم به، ودُبر كل صلاة، وقبل النوم وبعده، وفي الأوقات البينية وبين الأعمال الحياتية، وفي اثناء الخروج والدخول من البيت أو العمل أو محل الدراسة، وفي أثناء السير، والأعجب من ذلك أن تذكر الله مع كل حركة تقوم بها أثناء عملك، فالتوقيع على الأوراق للمدير باليد معه ذكر باللسان، تصحيح الأوراق والدفاتر للمعلم باليد معه ذكر باللسان... إلخ، وهكذا كل الأعمال اليومية اليدوية تنجز ومعها يكون اللسان ذاكرًا لله.

6- للأخت المسلمة وللمرأة المؤمنة أن تستغل أوقاتها بالشكلِ الطيب في ذكر الله، وقد كان هناك مشروع للذكر يُسمَّى "الطهي والتسبيح" بأن تجعل وقفتها في المطبخ لإعدادِ طعام الإفطار فرصةً ذهبيةً لذكر الله وتسبيحه مع كل حركةٍ تقوم بها أثناء الطهي، فاليد تقطع أو تغسل أو تقلي أو تطبخ واللسان ذاكر لله في نفس الوقت.

7- هذه الأذكار لا يدخل فيها أذكار الصباح والمساء ولا أذكار ختم الصلوات، بل هي فوق ذلك.

8- لا تنسى أن تشرك معك غيرك في هذا الذكر، سواء كانوا أهل بيتك، أو إخوانك وأحبابك، ولا مانع من كون الذكر جماعيًّا لما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ لله تبارك وتعالى ملائكة يطوفون في الطرق يتلمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم ما يقول عبادي؟ فيقولون: "سبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك..".


ومن خلال الخطوات السابقة للمشروع يجد المسلم نفسه قد تمكَّن بفضل الله من ذكر الله أكثر من 100 ألف مرة خلال هذا الشهر الكريم، ودخل بذلك في عداد الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات، وتذكر أخي المسلم حساب الحسنات ، فإذا كانت الحسنة بعشر يكون لك مليون حسنة ، وفي رمضان تضاعف الحسنات ب 70 ضعف فيكون إجمالي حسنات المسلم 70 مليون حسنة، ولا تنسَ أخي الحبيب استحضار القلب مع ذكر اللسان، حتى تعتاد على الذكر القلبي بعد الذكر اللساني، والله أكبر ولله الحمد.

ليست هناك تعليقات: