تهيئة
تلاحقت الأحداث خلال الأيام الماضية حول انتخابات مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين، وتناقلت وسائل الإعلام أخبار الإخوان بالتحليل والتفسير والتأويل والتخمين (صدقاً وكذباً)، وتصدرت أخبار الإخوان الصحف والمجلات ونشرات الأخبار ومواقع الإنترنت، وفرضت أخبار الإخوان نفسها على الساحة السياسية، وعاش أبناء الصف الإخواني والمحبين والمعادين لهم على السواء جواً إعلامياً مشحوناً، مما أحدث نوعاً من البلبلة والاضطراب والقلق على مستقبل الإخوان، حتى من أقرب المقربين إليهم، وإن ما تعرض له الإخوان من قصف وتشويه واتهامات وتشكيك، إنما هو حرب نفسية مدروسة وإعلامية ممنهجة ومتعمدة، وتداولت الشائعات عن الانشقاقات القريبة في وسط الإخوان، وقال المحللون بأن المؤشرات تدل على حدوث انقسام داخلي، وهنا نتذاكر ما قاله الإمام البنا رحمه الله" وسمعت هذا اللغط فلم أعبأ به ولم أحاول الرد عليه، لأنني أعلم قاعدة أفادتني كثيرا في سير الدعوة العملي وهي أن الإشاعة والأكاذيب لا يقضى عليها بالرد ولا بإشاعة مثلها، ولكن يقضى عليها بعمل إيجابي نافع يستلفت الأنظار ويستنطق الألسنة بالقول، فتحل الإشاعة الجديدة وهي حق مكان الإشاعة القديمة وهي باطل"، من أجل ذلك توقف الكثير من الإخوان عن الرد على تلك الشائعات وكانت المواقف العملية أولى، وبعدما هدأت العاصفة تأتي هذه الكلمات تثبيتاً للصف وطمأنة للمحبين، وزيادة ثقة للعاملين، وبصيص أمل لليائسين، ومشعل هداية للحائرين، ومرداً إلى الجادة للشاردين، وتعزيزاً للثقة لدى الملتفين حولنا، وتوضيح موقف للآخرين الجاهلين بحقيقة دعوة الإخوان.
رابط تنظيمي
لقد عاش الإخوان عهوداً متكاملة وأزمنة عديدة بفضل من الله في ظل قوله تعالى " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا"، وعاشوا في ظل دعوتهم المباركة على قيم ومعاني الانتماء الصافي والطاعة الواعية المبصرة والثقة المتبادلة والأخوة الصادقة، مرددين مع الحادي( الكفوف في الكفوف فاشهدوا عهودنا ..الثبات في الصفوف والمضاء والفنا) وتربوا على ذلك ، فعاشوا لدعوتهم وبها في ظل إطار تنظيمي محكم البناء عميق الانتماء كثير العطاء لا تحكمه الأهواء، بل حب وإخاء وبذل وعطاء وطاعة مبصرة لا عمياء، فكانوا يتسابقون في الطاعة والحب والصفاء القلبي، الكل يحرص على أن يكون ضمن تلك العصبة المؤمنة بلا تملق ولا رياء ولا عصبية حمقاء، يجمعهم الرابط التنظيمي المتمثل في أركان ثلاثة( الطاعة والأخوة والثقة) لا يحيدون عنها قيد أنملة، فكان الإنتماء التنظيمي لدعوة الإخوان :
(1) طاعة مبصرة منطلقة من الإيمان شعارها " قوم يرون الحق نصر أميرهم .. ويرون طاعة أمره إيماناً" (2) أخوة صادقة تسمو فوق آواصر الانتماء الضيقة المحدودة .
(3) ثقة عالية لا تضعف أمام محن الشهوات والشبهات.
دعوة حب
علمنا أساتذتنا أن دعوتنا دعوة حب بلا عصبية ولا عنصرية جاهلية، بل عاطفة قلبية محكومة بعقلية واعية، فكانت الدعوة رحمة ورفق فيما بينها بغير ضعف، بعيدا عن دائرة الشحناء والبغضاء" لا تحاسدوا, ولا تباغضوا, ولا تجسسوا, ولا تحسسوا, ولا تناجشوا, وكونوا عباد الله إخوانا"، فأحب الإخوان دعوتهم حتى ملكت قلوبهم وجوارحهم، وانتموا إليها انتماءً يقهر التذبذب والاضطراب ويتحمل كل الصعاب ويتجاوز كل أسباب المفارقة لها أو البعد عنها، فكانت الدعوة لهم بمثابة حصن أمان يحول دون السباحة في مستنقع المتساقطين أو الخوض في عرض الدعوة أو قادتها، وارتفاع فوق سفاسف الأمور، وعلمنا الإخوان أن الحب في الله عقيدة وركن من أركان البيعة، وأن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، نختلف في رؤانا وأفكارنا لكن لا تختلف قلوبنا، تتعدد مفاهيمنا في المسألة الواحدة ولكن بلا خصومة ولا بغضاء، .
زمرة القلب الواحد :
إن دعوة الإخوان شجرة سامقة زكية عطرة، جذورها عميقة ممتدة، وبناء دعوي أساسه متين، وكيان معنوي عاطفي عميق التأثير في القلوب، هكذا هم الإخوان، آمنوا بسمو دعوتهم وقدسية فكرتهم ، فعزموا صادقين أن يعيشوا بها كراماً أو يموتوا في سبيلها كراماً، مهما تطاول عليها المتطاولون أو حاربها بالتهم العابثون، فأنتجت من أفرادها زمرة القلب الواحد على النحو التالي :
· زمرة القلب الواحد.. ترد الشاردين وتوقظ النائمين وتحيي الأمل في المتعبين وتبعث الهمم في المحبطين وتعيد الأمان للوجلين، فلا تهزهم ولا تزعزعهم عن دعوتهم زلازل الشبهات ولا براكين الشهوات، تقهر كل صور الانهزام النفسي و الضعف البشري، فلا عزلة ولا انطواء ولا تناجي دون الأحباب، تأتي عليها المحن فتزيدها قوة وصلابة واستمساكاً بالحق وثباتاً على الدعوة والتحاماً بالصف .
· زمرة القلب الواحد..متجردة من كل هوى، لا تتناوشها سهام المغرضين ولا شبهات الطاعنين في دعوتها وقيادتها، ولا تُقعدها المحن التي تتوالى عليها عن العمل لها، ولا تُقعدها ظروف الحياة المادية عن البذل والتضحية لها، ولا تتعارض عندها مصلحة الدعوة مع مصالحها الشخصية، ولا تكالب فيها على مناصب، ولا تنازع على سلطة، ولا إقصاء فيها لأحد ولا تآمر على أحد، ولا فكر ضبابي يحكمها، ولا وسوسة شيطان تفسدها، ولا هلوسة إعلام تزعزعها، بل اجتماع على الطاعة بمعناها الشامل واقامة دين الله في الأرض وفق منهج محدد الغايات ، وبيعة طاعة على العمل لله أو الموت في سبيل الله.
· زمرة القلب الواحد..تخُصَّ إخوانها بالحب والعطف والحنان والرفق واللين والإيثار وسلامة الصدر، وتفيض من قلبها على قلوب من حولها، تردد مع الإمام ما قاله: "نحن لكم لا لغيركم أيها الأحباب"، وهي اجتماع على الخير، احترام متبادل، اعتذار عند الخطأ، اعتراف بالفضل لمن سبق، تكافل وتفاهم تامين ، تواص بالحق، حسن سمت وحسن عشرة وحسن معاملة طلاقة وجه وسماحة خلق رحمة وشفقة كف أذى ، قلب ينبض بروح واحدة، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم على قلب رجل واحد، يجمعهم هدف واحد حب الله، وغاية واحدة رضاء الله، إذا عطس فيهم أخ في الشرق شمته أخوه في الغرب وقال له يرحمك الله
· زمرة القلب الواحد.. تحتوي أفرادها بجانبهم المضئ والمظلم بإيجابياتهم وسلبياتهم، بفرحهم وحزنهم، بلحظات تألقهم وتقهقرهم ، وتوفر السند لأفرادها، فهي شعرة الميزان، ومركز الثقل ونقطة التوازن، وحبة القلب ومهجة النفس وروضة المحبين ونزهة المشتاقين في جنة الدنيا قبل جنة النعيم" لو يعلم الملوك ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف"
· زمرة القلب الواحد أخيراً وليس آخراً، ذات فهم واحد مرجعه في المقام الأول كتاب الله وسنة رسوله، ثم تعاليم البنا، ومعالم قطب، وآراء الهضيبي، وأفكار المودوي، وعبر السباعي، وفقه دعوة مشهور، وأبجديات يكن، وتزكيات حوى، ومنطلق الراشد، وشروحات جمعه.
مسك الختام
هذه هي دعوة الإخوان لمن لم يعرفها جيداً، ولمن لم يقف على أعتابها، ولمن لم يدرك حقيقتها، هكذا هم الإخوان كانوا وسيظلون زمرة القلب الواحد، قد يقول قائل هذه مثالية، ولكننا نعتقدها حقيقة في دعوة الإخوان، ونقولها لإخواننا الذين نحبهم في الله والذين ملأوا الانترنت والإعلام ضجيجاً وصخباً حول الإخوان، كفاكم تشكيكاً في دعوتكم وطعناً في قيادتكم، وليكن موقفكم الالتفاف حول قيادتكم الجديدة والسعي للإصلاح والتغيير والتجديد من داخل البناء التربوي، فما كانت مساحات الإعلام ولا صفحات النت مجالا خصباً للتغيير التربوي المنشود، ولا زلنا نأمل في عودتكم المنشودة لحضن دعوتكم وإخوانكم، لتقدموا النصح من داخلها، ونختم بما قاله المؤسس رحمه الله " فاذكروا جيداً أيها الاخوة، أنكم الغرباء الذين يصلحون عند فساد الناس، وأنكم العقل الجديد الذي يريد الله أن يفرق به بين الحق والباطل في وقت التبس عليها فيه الحق بالباطل، وأنكم دعاة الإسلام، وحملة القرآن، وصلة الأرض بالسماء، وورثه محمد صلى الله عليه وسلم، وخلفاء صحابته من بعده، فضلت دعوتكم الدعوات، وسمت غايتكم علي الغايات، واستندتم إلى ركن شديد، واستمسكتم بعروة وثقي لا انفصام له، وأخذتم بنور مبين وقد التبست علي الناس المسالك وضلوا سواء السبيل، والله غالب على أمره" والله أكبر ولله الحمد .
هناك ٣ تعليقات:
جزاكم الله خيرا يا أستاذنا ... انتظرت هذا المقال منك طوال الأسبوع الماضي .. عموما بارك الله في قلمك ...
(تجرد وثقة هكذا نحن الإخوان)
http://hamsettarbia.blogspot.com/
بارك الله فيكم يا عبده على مروركم وحسن ظنكم بنا ، والحقيقة قرأت مقالكم الأخير وكان رائعا ، نفع الله بكم والواحد كده مطمن على شباب الإخوان
مهما دافع المدافعون وارتقى الربانيون ..يجب أن نتصارح بوجود أزمة غير محمودة كنا فى غنى عنها وتبقى الشجاعة والروعة الحقيقية فى كيفية الاستفادة من المواقف ..ربنا يسلم وتهدأ النفوس وترفع شعار :إذا عز أخاك فهن،سلام على جماعة الإخوان الذين نعرف صدقهم وتجردهم ...
إرسال تعليق