مقدمة
" قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين" هذه الآية ومثيلاتها من آيات القرآن كان لها ومازال دور عظيم في تربية الإخوان المسلمين حيث تبث فيهم أروع دروس الثبات على الطريق ومواصلة المسير والاستمرارية في البذل والعطاء والعمل المتواصل، حتى تلقى الله وهي على ذلك العهد الذي قطعته على نفسها بأن تفدي هذا الدين بأرواحها ودمائها وأموالها " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة" وذلك لإيمانهم بأن هذا هو الطريق الذي تعب فيه آدم، وناح لأجله نوح، ورُمي في النار الخليل، وأُضجع للذبح إسماعيل’ وبيع يوسف بثمن بخس، ولبث في السجن بضع سنين، ونُشر بالمنشار زكريا، وذبح السيد الحصور يحيى، وقاسى الضرَّ أيوب، وزاد على المقداد بكاءُ داود، وسار مع الوحش عيسى، وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد صلى الله عليه وسلم
لماذا باقون
إن الإخوان باقون على العهد امتثالا لقوله تعالى" وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم"، والإخوان باقون على العهد ثقة ويقيناً في سلامة المنهج وصحة الطريق الذي نسلكه، رغم الصعاب والمعوقات التي نلقاها على هذا الطريق وذلك استجابة لقوله تعالى"وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله "، والإخوان باقون على العهد لأنهم فكرة وعقيدة، ونظام ومنهاج، لا يحدده موضع، ولا يقيده جنس، ولا يقف دونه حاجز جغرافي، ولا ينتهي بأمر حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ذلك لأنه نظام رب العالمين، ومنهاج رسوله الأمين، والإخوان باقون على العهد لأنهم ولا فخر ـ أصحاب رسول الله، وحملة رايته من بعده، ورافعو لوائه كما رفعوه، وناشرو لوائه كما نشروه، وحافظو قرآنه كما حفظوه، والمبشرون بدعوته كما بشروا، ورحمة الله للعالمين (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) ، والإخوان باقون على العهد حراساً أمناء على ثوابت هذه الدعوة المباركة، تقديراً لدماء الشهداء التي سالت على الطريق دفاعاً عن تلك الثوابت وتضحية في سبيلها، وتقديراً لكل من سبق على الطريق، والاخوان باقون على العهد مهما تجاوز الظالمون المدى ومهما تطاولوا في البنيان ومهما اشتد عودهم علينا وزاد بطشهم بنا، ومهما قست أقلام زبانيتهم في الإعلام على دعوتنا وقادتنا بالسب والشتم والتضييق والشبهات، وذلك التزاما بقوله تعالى " اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون"
واجبات عملية
إنا باقون على العهد .. بأن يكون لنا ورد يومي من كتاب الله لا يقل عن جزء، وأن نحسن تلاوة القرآن و الاستماع إليه والتدبر في معانيه، وأن ندرس السير المطهرة و تاريخ السلف بقدر ما يتسع له وقتنا، و أن نكثر من القراءة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن نحافظ على أداء السنن وأن نتقرب إلى الله بنوافل العبادة ومن ذلك صلاة الليل وصيام ثلاثة أيام من كل شهر على الأقل، والإكثار من الذكر القلبي واللساني، و تحرّي الدعاء في المذكور في كل الأحوال ، وأن نظل على وضوء غالب الأحيان وأن نحافظ على أداء الصلاة في أوقاتها وغي جماعة وفي المسجد ما أمكن ذلك .
إنا باقون على العهد .. بأن نكون صادقين فلا نكذب أبدأ، وأن نكون أوفياء بالعهد والكلمة والوعد ولا نخلف فيه مهما كانت الظروف، وبأن نمتلك الشجاعة والصراحة في الحق وكتمان السر والاعتراف بالخطأ والإنصاف من النفس وملكها عند الغضب، وألا ينسينا الغضب الحسنات وألا نغض الطرف عن السيئات ولا تحملنا الخصومة على نسيان الجميل ونقول الحق ولو على أقرب الناس إلينا وإن كان مراً
إنا باقون على العهد.. بأن نكون مدربين على العمل العام وتقديم الخدمات للأمة والمجتمع فنعود المريض ونساعد المحتاج ونحمل الضعيف ونواسي المنكوب ونبادر دائماً إلى فعل الخير، ونتحلى بالعفو والصفح واللين والحلم وحسن السلوك مع الناس جميعاً، نرحم الصغير ونوقر الكبير محافظين على الآداب الإسلامية الإجتماعية، وأن نؤدي حقوق الناس كاملة غير منقوصة، وأن نعمل على إحياء العادات الإسلامية وإماتة العادات الغريبة في كل مظاهر الحياة من لغة ولبس وطعام وشراب وأن نتحرى السنة المطهرة في كل شئ .
إنا باقون على العهد .. بأن نحافظ على فكرتنا من أي انحراف أو تشويه أو إساءة فهم، وألا نخدع بشبهات المبطلين حول دعوتنا وأن نبحر في فكر الإخوان قراءة ومطالعة وفهماً واستيعاباً، ثم دفاعاً عنه وعرضاً له على الآخرين وتقديمه في صورة حسنة وإقناع الآخرين به، وألا نستسلم لما يروج من أكاذيب وشائعات عن فكرتنا ودعوتنا
إنا باقون على العهد .. بأن نؤدي حقوق الدعوة علينا من بذل وتضحية بالمال والنفس والوقت، وأن نسهم بجزء من مالنا للدعوة وأن نؤدي ما علينا من زكاة مال، وأن نتجنب الاستغراق في الكماليات، فلن تقف الدنيا ومتاعها وزخارفها أمام القيام بأعباء الدعوة، ولن نغرق في بحر
إنا باقون على العهد .. بأن نجاهد أنفسنا حتى يسلس قيادتها، ومقاومة نوازع الغريزة في أنفسنا وأن نسمو بها إلى الحلال الطيب متجنبين الحرام بشتى أشكاله، بعيدين عن أقران السوء وأصدقاء الفساد وأماكن المعصية وأن نحارب أماكن اللهو وأن نبتعد عن مظاهر الترف، قد يصاب المرء بشئ من الانحراف الفكري أو الخلقي أو السلوكي نتيجة الضغوط الحياتية والمجتمعية والاعلامية ولكنه سرعان ما يعود إلى الله وإلى سبيله وصراطه المستقيم " إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا "
إنا باقون على العهد .. بأن نعمل على نشر دعوتنا في كل مكان وأن نحيط قيادتنا علما بكل ظروفنا ولا نقدم على عمل يؤثر فيها جوهريا إلا بإذن، وأن نبقى دائمي الاتصال بقيادتنا ونعتبر أنفسنا دائما جنوداً في الثكنة تنتظر الأوامر، وأن نتخلى عن الاتصال بأي هيئة أو جماعة أو مؤسسة يكون الاتصال بها مضراً لدعوتنا وليس في مصلحتها وبخاصة إذا كانت تلك الجهات معادية لفكرتنا ومتصيدة لها الأخطاء، وأن نستصحب دائما نية الجهاد و حب الشهادة ونستعد لذلك ما وسعنا الأمر .
تلك هي واجبات دعوتنا التي يجب أن نلتزم بها ونحافظ عليها حتى نحافظ على عهودنا ونثبت على طريقنا
ختاماً
قد يترصد بنا الظالمون ويعتقلوننا ويشردوننا ويفتحون لنا السجون والمعتقلات ويحاكموننا ظلما وزورا أمام عسكرية جائرة، وقد تضيق السبل علينا وقد تسد المنافذ أمامنا وقد نحرم من بيوت الله ومن الاحتكاك المباشر بالمجتمع وقد نحرم من مجلس الشعب بالتزوير الفاضح والكيد الخبيث، وقد يشوهون صورتنا في الإعلام ويزيفون الحقائق عنا، وقد يحاولون شق الصف بإغراء البعض منا وخداعهم والسيطرة عليهم والتلاعب بهم، وقد تتطاول السنون وتتباعد السنوات ولم تحقق الدعوة أهدافها الاستراتيجية الكلية ومقاصدها العليا، ولكنا باقون على العهد ثقة في دعوتنا وصحة طريقنا، نحافظ على ثوابت جماعتنا وننصر دعوتنا ونحمي فكرتنا، ولن نتنازل عن الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، ولن نجر إلى وسائل واساليب ننكرها في دعوتنا، مهما حاربنا أعداء الدعوة بالشهوات والشبهات، فنحن على يقين من نصر الله مهما طال الظلم وتمادى الظالمون" إنا للنصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد"
ونختم بوصية الإمام البنا " أيها الإخوان هذه منزلتكم، فلا تصغروا في أنفسكم، فتقيسوا أنفسكم بغيركم، أو تسلكوا في دعوتكم سبيلا غير سبيل المؤمنين ، أو توازنوا بين دعوتكم التي تتخذ نورها من نور الله ومنهاجها من سنة رسوله، بغيرها من الدعوات التي تبررها الضرورات، وتذهب بها الحوادث والأيام، لقد دعوتم وجاهدتم، ولقد رأيتم ثمار هذا المجهود الضئيل أصواتا تهتف بزعامة رسول الله وهيمنة نظام القرآن، ووجوب النهوض للعمل، وتخليص الغاية لله، ودماء تسيل من شباب طاهر كريم في سبيل الله، ورغبة صادقة للشهادة في سبيل الله، وهذا نجاح فوق ما كنتم تنتظرون، فواصلوا جهودكم واعملوا، (وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) .. والله غالب على امره والله أكبر ولله الحمد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق