الاثنين، ٢٣ نوفمبر ٢٠٠٩

وعاد الأطهار إلى الديار


انطلاقة

بالأمس اتصل بي حبيبي وأستاذي صاحب الإبراهيميات، كعادته في تفقد أحبابه وتلامذته وأبنائه في هذه الدعوة وذلك بعد خروجه من الاعتقال الظالم، فذكرني بما حدث له ولإخوانه قبل ستة أشهر، حينما قامت أجهزة الأمن بحملة اعتقالات ضد 13 من الأطهار من قيادات ورموز الإخوان المسلمين والذين سموا بمجموعة التنظيم الدولي، واعتقلتهم طوال هذه الأشهر الستة، رغم قرارات الإفراج التي أصدرتها المحاكم والتي برأتهم فيها من كل تهمة نسبت إليهم، ولقد كان خروجهم قبل إسبوع من أعظم الأخبار التي نقلت إلي والتي كان الأحباب يهنئونني بها نظراً لانتسابي إلى تلك الزمرة المباركة في عريضة الاتهام وإن لم أنل شرف صحبتهم في تلك الرحلة، وجاء هذا الإفراج بعدما قضت محكمة جنايات جنوب القاهرة حكمها بتبرئتهم في خامس حكم لهم بذلك، ويأتي هذا الإفراج ليمثل نقطة انطلاق جديدة في حياة تلك الكوكبة المباركة بعد هذه الدورة التدريبية التربوية الربانية التي هي منحة من الله لعباده وخطوة على طريق التمكين لنصرة دينه، ولقد سُئل الإمام الشافعي رضي الله عنه : أيُمَكَّن للمرء أولاً أم يُبتلى؟" فقال: "لا يُمكَّن للمرء حتى يُبتلى"، وبذلك تصبح هذه المحن سنة من سنن الله في التمكين والاستخلاف في الأرض، قال تعالى"وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ" .


عود حميد

لقد عاد الأحباب ( أ العزباوي ود أسامة ود ابراهيم ود عصام ود محمد سعد وأ الحسيني وم علي وإخوانهم جميعا ) عادوا إلى الديار بعد غياب قهري استمر 6 أشهر، وبعد رحلة طويلة، عانوا فيها الكثير من الظلم والقهر والحبس والاعتقال والتشريد عن الأهل والأحباب والديار، وعن المهام الدعوية و الأعمال الحياتية، ولكنه العود الحميد بإذن الله، عود لاستكمال مسيرة العمل الدعوي والتربوي والإداري، عود للنهوض بدعوتهم والارتقاء بإخوانهم، عود لحمل الدعوة والقيام بأعبائها، عود لخدمة مجتمعهم الذي افتقدهم خلال تلك الفترة، عود حميد وشعارهم " عائد أنا من حيث أتيت .. عائد أنا لمسجدي .. عائد إلى الصلاة والركوع والسجود .. عائد إلى الطريق خلف أحمد الرسول .. أرسل الخطى حزينة في إثره .. عرفت قصة الطريق كلها .. وعائد أنا برغمها .. كالفجر كالصباح مغدق وباسم .. والخطو كالرياح عاصف وعارم "


بل هو خير لكم

لقد قالها الله تبارك وتعالى في سياق محنة تعرض لها المسلمون في حادثة الإفك " لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم " نعم إن كل المحن التي يتعرض لها الإخوان تحمل في طياتها الخير الكثير والعطاء الوافر من الله عزو جل، ومهما كثرت المحن على الإخوان خرجوا ثابتين محتسبين وما لانت لهم قناة، وصبروا على هذا الإيذاء والاعتقال حتى خرجوا من هذه المحن وهم أشدُّ عودًا وأكثر عطاءً وتضحيةً وبذلاً لدعوتهم وتفانيًا لدينهم، رافعين راية الحق وعاملين لتحقيق آمال وطموحات أمتهم ودعوتهم ودينهم، ولقد أدرك الإخوان أن مع كل بلاء خيراً وثمرة، ومع كل محنة منحاً من الله وعطايا كثيرة، فهم يستشعرون أن الاعتقال تحقق فيه قوله تعالى " بل هو خير لكم" ومن ذلك :

بل هو خير لكم : حيث عقدت دورة لتحسين الصلة بالله والتزود إيمانيا وروحياً ، وحيث الإكثار من العبادات وتحقق صفة العبد الرباني" ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه" فكان التزود من تلاوة القرآن وتدبره وحفظه وتمثل معانيه، وكانت نوافل الطاعات من صيام وقيام وذكر واستغفار،

بل هو خير لكم : حيث كان الاعتقال فرصة للوقوف مع النفس وتصحيح مسارها وترتيب أولوياتها، وتزكيتها وتقويمها ومعالجة النقص فيها ، وتجديد العهد معها بالثبات على طريق الدعوة ، وحملها على أخذ الأمر بقوة مستشعرين قوله تعالى " خذوا ما آتيناكم بقوة"

بل هو خير لكم : حيث التقى الإخوان في دورة تعارف وتآلف عن قرب، فاجتمعت القلوب والأرواح ، وتقاربت الأفكار والآراء، وامتزجت النفوس في إخاء فريد ومحبة ونقاء، وتعمقت بينكم أركاننا الأساسية( التعارف – التفاهم – التكافل)، وظهرت معادن الرجال بينكم، وحدث التكامل والتبادل في الخبرات والملكات والقدرات، وزاد الترابط الإخواني بينكم" لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم"

بل هو خير لكم : حيث كان الاعتقال منحة لأفراد أسركم وأهليكم في تقربهم إلى الله وحسن صلتهم به، واستشعارهم معية الله ، ومشاركتكم في ثواب المحنة وابتغاء الأجر معكم من الله، مما هون عليهم المصيبة وفراقكم وأنزل السكينة والطمأنينة على قلوبهم وأنفسهم ، وأن عودهم الله على تحمل المسئولية في غيابكم، فكانوا رجالاً من خلفكم وسارت أمورهم إلى أحسن بفضل رعاية الله وتوفيقه لهم في محنتكم، وظهر لهم بوضوح حقيقة المعركة القائمة بين الحق والباطل، فتمسكوا بطريق الدعوة وازدادوا تمسكاً بالفكرة، وعاشوا قضايا أمتهم .

بل هو خير لكم : حيث زادكم الاعتقال قوة وصلابة واستمساكاً بالحق الذين تدعون إليه، وثباتاً على المنهج القويم والصراط المستقيم، وأنتم تستشعرون كلمات المؤسس رحمه الله "وقد يطول بكم أمد هذا الامتحان، ولكن الله وعدكم من بعد ذلك كله نصرة المجاهدين ومثوبة العاملين المحسنين" فكانت كلماتكم وتصريحاتكم بعد الخروج دلالة على علو هممكم وسمو عزائمكم في مواصلة الطريق مهما كانت الصعاب "الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبلوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو الفضل العظيم "


اكتمال الفرحة

لقد عاد الرجال الأطهار إلى ديارهم (مجموعة د أسامة ومجموعة د عبد المنعم) ولكن فرحتنا لم تكتمل بعد، فإن اكتمال فرحتنا لن يكون إلا حينما يعود إلينا الأسد الجسور خيرت الشاطر ومجموعته المباركة ممن صدرت ضدهم أحكام عسكرية جائرة، ولن تكتمل فرحتنا إلا حينما يخرج من سجون الظالمين كل أخ حبيب اعتقل ظلما وعدواناً في سجون مصر أو تونس أو سوريا أو أي بقعة أرض فيها معتقل ، ولن تكتمل فرحتنا إلا بعودة أسرانا المعتقلين في سجون الصهاينة المجرمين أو سجون سلطة فتح الظالمة في فلسطين، ولن تكتمل فرحتنا إلا بتحرير أراضينا المغتصبة والمحتلة من قبل اليهود المجرمين أو الأمريكان الظالمين أو الهندوس والبوذيين المجرمين، ولن تكتمل فرحتنا إلا حينما نرى أنوار الخلافة الإسلامية العالمية تعمنا بضيائها وتشملنا برحماتها وتحفنا بعدالتها، وقد بدأت في الأفق إرهاصات ذلك النور وما ذلك على الله بعزيز.


ختاماً

إن دعوة الله ماضية رغم تكالب الأعداء عليها سواء من الداخل أو الخارج، وهذا يستوجب منا جميعا أبناء هذه الدعوة وحملتها وأنصارها، أن نستشعر عظم المسئولية والأمانة المنوطة بنا، وأن نحفز أنفسنا على الاستمرارية في العمل لدين الله دون توقف أو انقطاع من أجل الوصول إلى أستاذية العالم التي ننشدها، وبأن نستمسك بالحق الذي اجتمعنا عليه وأن نثبت عليه مهما كان الإيذاء والتنكيل والتشريد، وبأن نصبر على طول الطريق وكثرة مشاقه وتخطي عقباته حتى يأتينا نصر الله، وأن نقدم في سبيل دعوتنا ونبذل لها كل ما نملك من نفس ومال ووقت وكل شئ في سبيل الغاية المنشودة، ووالله ما هي إلا إحدي الحسنيين (النصر أو الشهادة) والله أكبر ولله الحمد

ليست هناك تعليقات: