كتب الأستاذ ابراهيم عيسى مقالا في الدستور بعنوان " الجماعة المسجونة " عرض فيه وجهة نظره حول مواقف الجماعة تجاه الضربات الأمنية المتلاحقة ، وأنا أحسب أن كتابات أ/ ابراهيم عيسى تستحق القراءة والتعقيب عليها وأحسب أن له مبرراته الخاصة فيما كتب ، ولكن هذا لا يمنع من أن يكون لي بعض الوقفات مع هذا المقال أتناولها في نقاط سريعة على النحو التالي :
1- " لم يعد هناك مانع ولا ممنوع أن تصحو مصر من النوم إذا فجأة فتجد مرشد الإخوان المسلمين في السجن" .. هل هذه دعوة صريحة ومباشرة للسلطات الأمنية أن تكمل مسلسل الإجرام باعتقال المرشد العام ؟ أم هي خطوة أخرى من مسلسل صمت المعارضة الهائل تجاه ما يحدث مع الإخوان ؟ أتمنى أن أجد مبرراً معقولاً من صحافة المعارضة ومن قادتها ومن أ / ابراهيم عيسى الذي نحترم كتاباته .
2- " فإذا بالجماعة ترجع وتتراجع فتغري بمزيد من الضغط والحصار والضربات ويبدو أنها صارت أكياس ملاكمة بالنسبة للأجهزة الأمنية تتدرب عليها وفيها علي فنون الإيذاء بينما الجماعة مستسلمة ورخوة الاستجابة " .. ما شكل التراجع الذي تقصده ، وما شكل الاستسلام الذي تعنيه ؟ وماذا كنت تريد منها وهي التي تسير على خطى الحبيب الذي غرس فينا روح الصبر والثبات على المبدأ مهما كانت المواجهات، والا نكون ممن يستدرك إلى معارك وصدامات لا تجدي نفعاً ، هي ليست رخاوة في الاستجابة بقدر ما هي تربية قرآنية محمدية .
3- "الآن ما الذي يدفع البعض (بعض الناس) إلي أن يراهنوا علي قدرة جماعة الإخوان علي تشكيل قوة ضغط ودفع للنظام بالمشاركة مع قوي وطنية وتيارات سياسية أخري نحو تنفيذ إصلاحات وتعديل قوانين وتعديل دستور والسماح بحرية انتخابات نزيهة وتداول سلطة حقيقي؟!" ... لا تراهن على الإخوان لا أنت ولا غيرك من المعارضة ، راهنوا على أنفسكم وعلى قدراتكم الهائلة ، واتركوا خيار الإخوان الذي لا يجدي لكم نفعاً، واتجهوا صوب جماهيركم الحاشدة وناخبيكم وأعضاء أحزابكم وصحفكم المعارضة
4- فيتصاعد العصف .. فيكون الرد الوحيد الذي يملكه الإخوان (هو ما لا يملكون غيره) مزيدا من الصبر مما يعطي لمراقب الموقف إحساسا بأن هذا هو هدفهم أن يكونوا ضحية" .. إن الإخوان يمتلكون الكثير والكثير من الردود ، ولكنهم وبحمد الله لا تحكمهم سياسة ردود الأفعال الطائشة ولا التصرفات الهوجاء، بل تحكمهم مبادئ واستراتيجيات وسياسات وسيناريوهات ، وتحكمهم ملامح الطريق الذي سار عليه الحبيب صلى الله عليه وسلم
5- وهي جماعة مغلقة علي نفسها ولا تسمع إلا لصوتها.. هل هذا رأيكم في الجماعة بعدما عايشت الكثير من قياداتها وتحاورت معهم ؟ وهل الحوارات التي دارت بينك وبينهم لم تجدي نفعا؟ ألم يلتق بك الكثير من قيادات الإخوان واستمعوا لك وتحاوروا معك وكنت تدلي بدلوك لهم وهم آذان صاغية ، أم أنك وجدت منهم جدارا عازلا لايقبل التحاور ولا الرأي الآخر ولا يلتفت أحد منهم لكلامك، أحسبك في حاجة إلى مراجعة نفسك حول هذه النقطة
6- فهي جماعة قوية ذات أنصار وكوادر وقيادات ومتعاطفين لكنها كهؤلاء الذين يكنزون الذهب والفضة لا يفعلون بها شيئا ويدفنونها في جب أو سرداب لا عمروا بها الأرض ولا زرعوا بها الجدب .. ألم تشهد لنا الأرض كيف عمرها الإخوان ، ألم تشهد لنا سبعينات وثمانينات وتسعينات القرن الماضي بالدور الخالد للإخوان في النقابات المهنية والحياة الاجتماعية والعمل الشعبي والعمل السياسي، ألم تشهد لنا ساحات العمل ما قام به الإخوان نصرة للقضاة ونصرة للحرية في 2005 ، ألم تشهد لنا الدنيا بما قام به الإخوان في زلزال التسعينات بالقاهرة وكل الكوارث التي ألمت بمصرنا الحبيبة، أعتب عليكم ياأخي في مقولتكم تلك ، فالشواهد كثيرة لا ينكرها الا جاحد ولا أحسبك جاحداً .
7- فالجماعة تظل باقية (ضعيفة ومسلولة ومشلولة وخائفة علي نفسها) ويبقي الوطن في حاجة لمن يحبه أكثر ممن يحب البقاء فيه .. ليست الجماعة كما وصفت ، فهي التي غيرت خريطة العمل السياسي عبر تاريخ الأمة في الداخل والخارج ولم تكن في يوم ضعيفة ولا مشلولة أبداً، وهي التي أحدثت الحراك السياسي أربعينيات القرن الماضي وفي تسعيناته، وفي مطلع هذا القرن، وهي التي قدمت التضحيات تلو التضحيات ولكنها سياستها واستراتيجيتها التي ارتضتها والتي قد تتعارض مع رؤيتك السياسية .
8- معظم- إن لم تكن كل- المظاهرات الإخوانية التي تجاوزت الثلاثين والخمسين ألفا من المواطنين تمت بموافقة وبتوافق سابق بين الأمن والإخوان ولم يحدث أن فاجأ الإخوان النظام بمظاهرة ولا فاجأ الأمن الإخوان بالتسامح مع مظاهرة غير متفق عليها، .. تلك سقطة أخرى يا أستاذ إبراهيم حينما تتهم الإخوان أنهم لا يعملون إلا من خلال تنسيق أمني ،ولله در الإخوان الذين كانوا يقدمون في كل مظاهرة تخرج أكثر من 100 معتقل ، وفي مظاهرات نصرة القضاء قدموا أكثر من 1500 معتقل وفي مظاهرات نصرة غزة قدموا 3000 معتقل ، فهل هذا بتنسيق أمني أيضا؟ مرة أخرى سامحك الله .
9- وأما بخصوص ما ذكرته عن اهداف النظام( إنهاء الهيبة.وضرب الرهبة وسحب جماهيرية الإخوان وتراجع الإخوان وتقوقعهم وعودتهم إلى المربع صفر) لم ولن يفقد الإخوان هيبتهم ، لم يحدث في عصور القهر الناصري ولا الساداتي ولا العصر المشئوم الذي نحياه فاطمئن نفساً ياأ/ ابراهيم فلن تفقد الجماعة هيبتها ، ولم يعتقد الإخوان في يوم من الأيام أن للأمن محرمات ولم يحدث أن ترك مرشد الإخوان بلا اعتقال في أي عصور من العصور الثلاثة، فهو أمر غير مستبعد في الأنظمة الطاغية وعبر تاريخ الإخوان كان القادة في مقدمة باذلي النفس وليس كما تظن أن وقود المحن من الشباب والكوادر وفقط ، وأما عن سحب الجماهيرية الإخوانية والتقوقع فالتاريخ خيرشاهد عكس ذلك ولن نزيد .
10- " الحقيقة أنه مطلوب من الإخوان أن يتحولوا أحيانًا كأنهم حزب الوفد أو التجمع، وأحيانًا كأنهم الكنيسة أو مؤسسة الأزهر، ولعل هذا السيناريو هو الذي وضع ملامحه الأولي الرئيس أنور السادات في صفقته الكبرى لإخراج الإخوان المسلمين من السجون عقب فترة عبد الناصر والسماح للمهاجرين المنفيين منهم بالعودة إلي مصر" .. وهذه معلومات تاريخية مغلوطة فلم يشارك الإخوان في أي سيناريوهات حكومية ولم يعقدوا صفقة مع أحد على حساب مبادئهم عبر التاريخ
11- المحصلة أن الإخوان جماعة تديرها عقول مخلصة وأمينة ونبيلة لكنها عقول قديمة تربت تحت ظلال السجون والمعتقلات الطويلة فتتعامل مع البلد كأنه سجن وكأنهم نزلاؤه، ... هو عين التناقض في كلامكم، وأتساءل هل منهجية المرشد العام أ عاكف وهو الذي اعتقل 20 عاما تعد عقلية قديمة ، وقد شهد له الجميع انه نقل الجماعة نقلة نوعية متميزة ، راجع نفسك يا أ/ ابراهيم ، فإن قيادة الجماعة تمتلك من الحكمة ما يجعلها ترتفع فوق سفاف الأمور وتزن القضايا بميزان إسلامي
12- ومن ثم فالمؤكد أن الإخوان لا يسعون لحرية الوطن ولا للهروب من السجن بل يتعايشون مع الوطن - السجن ومع السجن - الوطن ويعتبرونها فترة بلاء واختبار وفرصة للتقرب من الله عز وجل، وهذا ما يفسر السلام الروحي الباهر في تلقيهم أحكام السجن وقرارات الاعتقالات... مرة ثالثة سامحك الله
13- مرة أخري ليست لدي اقتراحات للإخوان وليس هذا شأني، لكن الأزمة الحقيقية هنا أنه لا يمكن أن تتحرك أي قوي وطنية في مصر نحو النضال من أجل التغيير والإصلاح دون وجود ومشاركة الإخوان، ولا يمكن أن يتحرك الإخوان وحدهم دون مشاركة بقية التيارات والقوي، .. أشاركك الرأي في تلك الخلاصة ولكن أين دور الآخرين الساعين للإصلاح أم أن الأمر يجب أن يقف عند الإخوان وأن تكون التضحيات منهم وحسب ، وأتمنى أن تهتم بدراسة السلوك العام للشعب المصري وما انتابه من خمول وترهل وضعف وانطواء على النفس
أستاذ إبراهيم .. أرى أنكم في المقال تنظرون للإخوان من زاوية واحدة فقط وهي زاوية العمل الحزبي السياسي، وتلك مشلكتكم الخاصة، وأنا أنأى بك أن تكون قراءتك للإخوان قراءة سطحية ، وكان يجب أن تنظر للجماعة من خلال ما هي عليه من كونها جماعة ذات مشروع حضاري إسلامي يسعى للانتقال بالوطن والمواطن والأمة كلها من جور الحكام إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فهم جزء من نسيج هذا المجتمع يمدون أيديهم لكل مصلح ساع لإنقاذ هذا البلد من الفساد المستشري به، فكان ولابد وأن تناقشهم وفقاً لاهدافهم ومبادئهم ومشروعهم وليس طبقا لمشروعك أنت أو لما تريده أو تتخيله ، ولابد وأن تعلم أن منهجية الإخوان ليست صادرة عن جبن أو ضعف أو خوف ، بل هي منهجية تنطلق من سيناريوهات راجحة وسياسات حاكمة عندهم ، وهم لا يعارضون من أجل المعارضة ولا يواجهون من أجل المواجهة ، وتحكمهم سياسة العمل والانطلاق المنضبط مع ضبط النفس في مواجهة الظلم والعدوان لا أن تسلك مسلك التهور والاندفاع اللا محسوب ، وهو موقف قوة لا ذلة أو نقيصة كما يتصوره البعض وإنما هو منهج رباني أمر الله به المسلمين في مكة وهو اليوم أوجب ، وهذا الموقف يزيدنا تمسكاً بهذه الجماعة ويزيدنا يقيناً بأنها على طريق الأنبياء والمرسلين ، قد تنحني الجماعة للريح عند هبوبها ولكنها أبدا لم ولن تنقاد لتلك الريح ، وبهذا الموقف وتلك السياسة الحكيمة تظل جماعة الإخوان طوق النجاة لهذا الوطن ، قد تكون كلماتك لامست شغاف قلوب البعض ، وظنوا فيها خيراً كثيراً، ولكنني أود أن أذكركم ببعض المعاني عن جماعتنا المباركة ، أنها جماعة تمضي على نهج الأنبياء والمرسلين مسترشدة بالوحي الالهي والتطبيق النبوي في الدعوة إلى الله ومجابهة الظالمين والصبر على أذاهم والسير على خطى الحبيب " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين "، كل ذلك عوضاً عن الانحراف في مسارات أخرى بمنطق الساسة مثل العصيان المدني أو الانقلابات أو الثورات.
أستاذ إبراهيم يعاب على مقالك أيضا أنك لم تقدم حلولا لما طرحته من أقوال عن الجماعة ، وبعيدا عن حصر القضية فيما ذكرته عن الجماعة ، أحببت أن أشارك بطرح بعض الحلول التي أراها ضرورية للخروج بالوطن من أزمته الحالية:
1. ضرورة أن تراجع ومعك كل المثقفين ورجال السياسة والإعلام كل صورة خاطئة كونتها عن الإخوان ، وأن تفهمهم وفق مشروعهم الحضاري الذي يسعون لتحقيقه على ارض الواقع.
2. أن تكون لدينا أدوات إعلامية قوية تسهم بشكل قوي في معالجة الخلل المترهل في الحياة السياسية ، وتتكلم بمصداقية وبشفافية عن واقعنا المؤلم مع تعرية النظام الطاغوتي الحاكم هو من أولى خطوات العلاج
3. أن يجعل الإعلام من نفسه باباً لعرض وجهة نظر الإخوان ومشروعهم الحضاري والتناقش حوله للخروج برؤية واحدة للجميع
4. ان يسعى الإعلام بشكل جدي في العمل على إيقاظ هذا الشعب المخدر من نومه الذىوصل الى درجة الموت ، وأن يعيد له قيمه وأخلاقه .
5. أن تساهم ومعك رجال السياسة والإعلام في فتح قنوات حوارية مع الإخوان للوصول إلى نقطة التقاء في علاج قضايا الأمة المزمنة .
6. أن يكون للإعلام والمعارضة والمثقفين وقفة جادة تجاه ما يحدث للإخوان من تضييق أمني وحملات مداهمة واعتقال ، بدلا من الصمت التام والمشاهدة والتعجب وفقط .
7. أن تتكون جبهة معارضة قوية تتجاوز حدود الخلافات البينية وتغلب مصالح الأمة على المصالح الشخصية من أجل انقاذ مصر والحياة السياسية بها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق