الجمعة، ١١ أبريل ٢٠٠٨

لاتخرقوا سفينة الدعوة


مقدمة

"خذوا علي أيدي سفهائكم قبل أن تهلكوا" مقولة رائعة وتوجيه راشد للصحابي الجليل النعمان بن بشير قالها وهو يعقب على قول الحبيب صلى الله عليه وسلم " مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة ، فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقاً، ولم نؤذ من فوقنا ، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعاً " تذكرت هذه المقولة وهذا الحديث وعشت في ظلال معانيه التربوية والدعوية ، وأنا أتابع ما يدور هذه الأيام عبر الانترنت وعالم المدونات به ، وما يتناقل هنا وهناك غمزاً ولمزاً ، في دعوتنا وقيادتنا وسفينتنا التي تحملنا جميعا ، تعقيبا على كل قرار يصدره الإخوان قد لا يعجب طائفة ما ، أو لا تدرك تلك الطائفة حكمته .

سفينتنا

يركب على ظهرها الشيخ الوقور بحكمته والشاب المتوقد بحماسته ، والأخ السابق بفضله واللاحق بهمته ، والقيادة الراشدة والجنود المخلصون ، والرجل والمرأة ، والأشبال والزهرات ، والنشيط والكسلان ، والحامل لدعوته والمحمول على أكتافها ، والمتيقظ والغفلان، والمؤمن بها والنفعي منها والمتردد فيها والمتحامل عليها من داخلها ، تحملهم جميعاً لوجهة واحدة ، وهي سفينة محكومة من ناحية بالموج المضطرب والرياح العواصف والمتمثلة في الابتلاءات والفتن والشبهات المثارة والشهوات المعروضة ، ومحكومة من ناحية اخرى بإدارة الربان وما تُتخذ من قرارات من قبل قادتها الأفاضل ، وعليه فهي تتأثر بكل حركة تقع فيها وحولها ، فتهتز مرة ذات اليمين وتهتز مرة ذات الشمال، وقد تستقيم على الجادة أحياناً أو تغيب مؤقتا أحيانا أخرى ، ولن يكتب لها السلامة والاستواء فوق الموج المضطرب حتى يكون كل شخص فيها على حذر مما يفعل، ويقظة لما يريد ، وأن نعلم جميعا أن لنا أعداء خارج سفينتنا يتربصون بنا الدوائر، ويسعون جادين لتخريبها وإفسادها، وأسهل وسيلة لتحقيق هدفهم أن يجدوا منا –ركاب السفينة- من يخرق فيها خرقا يتسرب منه الماء إلى داخلها ، فيكون سببا في إغراقها وإهلاك ركابها .

ولو تذكر كل أخ بهذه الدعوة أن كل حركة يأتيها تتأثر بها سفينة دعوته سلبا أم إيجابا ، فتهتز وتترنح أو تثبت وتقوى ، لو تذكر ذلك لما ترك نفسه تغوص فيما قد يخرق سفينة الدعوة ، لوعاش دعوته لانتبه لنواقض العمل الجماعي " شح مطاع ، هوى متبع ، دنيا مؤثرة ، إعجاب كل ذي رأي برأيه " وتخلص منها ، ولعمل حساباً لكل خطوة يخطوها وكل حركة يتحركها حرصاً على نجاته هو ونجاة كل من معه على الطريق ونجاة سفينة دعوته .


وضوح الرؤية

إن الهدف العظيم الذي نسعى إليه جميعا ، لا بد له من منطلقات نجتمع عليها نحن ركاب السفينة ، قادة وجنودا ، شبابا وشيوخا ، ومن أهم هذه المنطلقات التي يجب أن تكون واضحة :

1. اجتماعنا من أجل تحقيق غاية واحدة " الله غايتنا " ، ومن أجل تحقيق هدف واحد "الخلافة الإسلامية وأستاذية العالم " ، وكلما كانت الغاية واضحة وخالصة من كل شائبة ، وكلما كانت أهدافنا واضحة ومحددة ، كان مدار النجاح والفلاح في طريقنا ومنهجنا .

2. ركوبنا سفينة الدعوة يستوجب منا الالتزام بشروط وعهود والتزامات السفينة التي لا بد منها لضمان سيرها وتضافر الجهود في الاتجاه الصحيح ، وقد حدد لنا إمامنا الشهيد الأركان الأساسية التي يجب أن يلتزم بها كل من سلك سبيل الدعوة وركب سفينتها

3. دوافعنا للعمل والحركة هي التعاون على البر والتقوى ، لا الأهواء أو الاستجابة لوساوس الشيطان أوالحرص على الزعامات ، وأن الارتباط في سفينة الدعوة بالمبادئ لا بالأشخاص ، فلا تمحور في دعوتنا حول أشخاص مهما كانوا .

4. الشورى ركيزة العمل التي تستقيم بها سفينة الدعوة ومن عليها ، ولا تنازل عنها أبدا ، وأن مجريات الأمور كلها في هذه السفينة تسير وفق المبدأ القرآني " وأمرهم شورى بينهم " .

5. الحرية التي يستوي فيها الراعي والرعية والحاكم والمحكوم ، والقائد والجندي ، فلا يملك أحد أن يحد من حرية الفرد والأسرة والجماعة أو يقفها ، إلا تعدي صاحبها الحد المشروع وإلحاق الضرر بنفسه أو بغيره من عباد الله، فما دامت تصرفات المسلم محاطة بسياج شرع الله، غير معتدٍ بها صاحبُها على حقوق الله وحقوق عباده، فلا يجوز لأحد سلب حرية آخر...

6. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبذل النصيحة ، هو القاعدة العظيمة التي تحفظ لسفينة الدعوة ضرورات حياتها ومكملاتها، وتحفظ ثباتها على المبادئ ، وتمنع انحرافها عن الجادة .


بداية الخرق

حكمة جليلة قالها الفاروق عمر : " تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية ، ولذلك فحين ينفلت الأخوة بلا ضابط ، فلا تحكمهم ضوابط السفينة ، ولا يحكمهم المربون في الدعوة ، وحين تصبح مهمة التوجيه مفقودة ، وتأخذ الموجة مداها ، وتصبح الأمور كلها بالصوت العالي ، وقد تغري النصيحة البعض ، فيلغون في دماء اصحاب الفضل والسبق والقيادة والريادة ، حينذاك تتحقق السنة الماضية، وتصبح السفينة مليئة بالخروق ، ومعرضة للغرق ، ولذلك فقد لا تقوى معاول الأعداء مجتمعة أن تنال من الحركة ما بقيت محصنة من داخلها ، في الوقت الذي قد تجهز عليها فتنة داخلية فتجعلها هباء منثوراً ، وذلك ناتج عن ضعف التقوى والورع في النفوس ، والذي هو مدخل شيطاني إلى الترخص واستصغار الذنوب والتساهل مع النفس مما يؤدى إلى ارتكاب الموبقات والكبائر تحت شعارات ومبررات براقة كلها في الحقيقة من تلبيس إبليس وهذا ما أشار إليه الصحابي الجليل حين قال " إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات" ، ومن هنا فإن احتراف النقد وامتهان الغيبة والنميمة وتتبع العورات وتطاول الألسن على القيادة والجماعة ، وشيوع ذلك وانتشاره بين الصف واستساغته بحجة تصحيح الأوضاع وبنية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كل ذلك يعد من أكبر وسائل خرق السفينة ويعد أيضا من عوامل الفتن التي تشق الصف وتنقض الغزل وتأتى على بنيان الجماعة .

وقديما قالها عبد الله بن سبا حينما كتب إلى أعوانه قائلا " انهضوا في هذا الأمر ، فحركوه وابدءوا بالطعن على أمرائكم ، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر تستميلوا الناس وادعوهم إلى هذا الأمر " ، فهو داء عضال ابتليت به الأمة الإسلامية على امتداد تاريخها ، وكان من نتيجته في كل حين ، إحباط النفوس وتصدع الصفوف وفقدان الثقة وانكشاف الضعف أمام العدو ، وهكذا كانت بداية الفتنة في تاريخ الإسلام ، الطعن على الأمراء وإظهار ذلك في ثوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وهذا ما يجب التعامل معه بحذر، وهذا فقه من أدرك مداخل الفتنة وأبواب الشيطان .

مظاهر الخرق

تتعد الصور التي يمكن ان تسهم في خرق السفينة سواء قصد الفاعل ذلك أم لم يقصد ، ومن هذه المظاهر وتلك الصور :

· من يخالف قرارا صدر من دعوته بعد مشورة تنظيمة ، ويجاهر بخلافه في وسائل الإعلام فقد خرق سفينة الدعوة .

· من سمحت له نفسه أن يتطاول على أساتذته في الدعوة دون مراعاة وداد لحظة سابقة ، فقد خرق سفينة الدعوة .

· من يتجاوز كل القنوات الشرعية والتنظيمية للنصيحة وإبداء الرأي ويعرضها على الملأ فقد خرق سفينة الدعوة .

· من لم تجد إلا عالم الانترنت لتكتب رسالتها إلى والدها المرشد ، وتركت كل قنواتها الشرعية والتنظيمية ، فقد خرقت سفينة الدعوة .

· من لا يجد إلا رسائل الطعن في جماعته عبر المدونات فينقلها إلى الصحافة بدون وعي ، فقد خرق سفينة الدعوة .

· من لم تجد إلا عالم التدوين لتنفس عما في نفسها تجاه دعوتها ، فقد خرقت سفينة الدعوة .

· من يستجيب لشبهات الآخرين ضد قادة دعوته ويجاريهم في أطروحاتهم دون تبين وجه الحق، فقد خرق سفينة الدعوة .

· من حركته دوافعه الشخصية لا همومه الدعوية وانتقص من دعوته وقيادته ، فقد خرق سفينة الدعوة .

· من شغلته رغباته الذاتية عن أهداف سفينته الدعوية ، فقد خرق سفينة الدعوة .

· من عبر عن رأيه بصورة جارحة وبغير التزام بأدب النصيحة وفي كل باب مفتوح له ، فقد خرق سفينة الدعوة .

· من احتضن تجمعا عاما عبر قنوات غير تنظيمية لفرض رأي مغاير لسياسة دعوته وقادته ، فقد خرق سفينة الدعوة .

· من تناجي دون قيادته وأحدث في دعوته جيوباً هنا وهناك ، فقد خرق سفينة الدعوة .

· من طعن في آلية اتخاذ القرار في دعوته ، وطعن في قياداته وشكك في مصداقيتها ،متهما إياها بالقعود والتخاذل ، واصفا إياها بالتردد في سياساتها ، أو أنها صاحبة صفقات رخيصة ، فقد خرق سفينة الدعوة .

وفاعلو هذا الخرق - عن قصد أو غير قصد – لا يتقون الله في أعراض إخوانهم وقيادتهم ودعوتهم ، فقد خاضوا بلا تحفظ في التعبير أو أدب في الخلاف أو موضوعية في النقد أو تخير للأطر التنظيمية التي يجب أن تطرح فيها آراؤهم ، وقد تناسى هؤلاء الأوامر الإلهية " وقولوا للناس حسنا " و " اتقوا الله وقولوا قولا سديداً " وقول الحبيب صلى الله عليه وسلم وتحذيره "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ به ما بلغت فيكتب الله بها سخطه إلى يوم القيامة " وناسين أيضا الحكمة القائلة " ليس كل ما يعرف يقال ، وليس كل ما يقال جاء وقته ، وليس كل ما جاء وقته حضر رجاله " .

وفيكم سماعون لهم

قد يصيب الله الدعوة بأن يوجد بين أفرادها الصائد في الماء العكر ، ومن يتصيد الأخطاء والعثرات والزلات والسقطات -إن وجدت - في أقوال وأفعال قادة الدعوة ، وخطورة هذا الصنف ليس في أشخاصهم المريضة ولكن في أثرهم على أصحاب النيات الحسنة في الصف كما قال تعالى " لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ً ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة و فيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين " واستسمح القارئ الكريم أن أسوق بعضا من كلمات هذا الصنف المريض لندرك حقيقة هؤلاء وهل يقصدون إصلاحا فعلا أم ماذا؟ ، فمن أقوالهم : (( ولكن وجهة نظري أن الجماعة قد ترهلت وتحتاج إلى تقويم على جميع المستويات - وبمنتهى الأمانة والصراحة اقول ما اقدرش اقول حاليا اني مصدق كلامكم بنسبة مية في المية - هذا تخاذل وانتحار سياسي وتأكيد على انعزال الاخوان عن قضايا الشعب - انتم من المطرفين الذين اصابتهم الاموال بالتخمة ولا تعانون كما يعاني معظم الاخوان - والله لن تفعلوا أي شيء بهذه السياسة المترددة - وواضح ان هناك منبطحين داخل قيادات الاخوان وهؤلاء مرفوضون من جموع الاخوان المساندين - هذه العاطفه الكاذبة التي تضع مقدرات الجماعه ومصالحها واهدافها في يد نخبة من النفعيين يسوقون فيها الجماعه )) هذه نماذج من كتابات هذا الصنف ، وهؤلاء لهم سابقة في تاريخ الاسلام ، ففي غزوة تبوك قال رجل" :ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء ،ولا أرغب بطونا ولا أكذب حديثا ولا أجبن عند اللقاء ، فقال رجل في المجلس : كذبت ولكنك منافق و لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم" ، ومن هنا نؤكد أنه ليس من المقبول ولا المفهوم ولا المصدق ، أن ينبري بعض أبناء الدعوة ، إلي لمز وهمز الدعوة وقادتها ، الذين باعوا أنفسهم وأموالهم و أوقاتهم لله ، وكان الأولي بهؤلاء ، أن يزيلوا عن أنفسهم سحب الجهالة ، وأوهام الغرور ، ونزغات الشياطين ، فلا يلجوا في غرورهم ، ويسدروا في شكوكهم ، ويظلوا في أوهامهم ، وينظروا إلى قادة سفينتهم بمناظير سوداء ، وقلوب عمياء ، وعن هؤلاء حدثنا الإمام البنا فقال " وإن كان فيكم مريض القلب معلول الغاية مستور المطامع مجروح الماضي ، فأخرجوه من بينكم فإنه حاجز للرحمة حائل دون التوفيق "

ريادة لا قداسة

سفينة الدعوة محفوظة بحفظ الله لها ، ومن هذا الحفظ يقيد الله لها من يقودها إلى بر الأمان ، وهي قيادة تتمتع بالريادة لا القداسة ، فلا نرى في دعوتنا أن القيادة ومن تولوا أمرنا أشخاصٌ لهم قداسة أو لهم عصمة من الوقوع في الخطأ ، أو أنهم فوق مستوى المساءلة أو المحاسبة أو تقديم النصح ، ولا يوجد في دعوتنا حملة المباخر ممن يضفون مسحة من القداسة على قياداتهم ، ولا يوجد من رجالات دعوتنا وقادتنا من يستطيع احتكار الصواب ، فقد قالها المؤسس رحمه الله " وكل أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم " ولا أحد من قادة سفينتنا يحرص على أن يكون الاستسلام التام هو سمت الأتباع ، ولم تطلب قيادتنا أن تكون الإمعية والتقليد السلبي للآخرين، والنفسيات القطيعية التي تكثر من المدح والتملق للقيادة هي الروح السائدة بيننا ، ولم تطلب قيادتنا منا الولاء العاطفي الساذج ، ولكنه الواجب الشرعي الذي يلزمنا بالتمحور حول قيادة تضبط سلوكيات الأفراد ، وتلك هي قاعدة أبي حنيفة حينما قيل له في مسجد كذا حلقة يتناظرون في الفقه ، فقال: ألهمْ رأس؟ فقالوا: لا ، فقال: لا يفقهونَ أبداً"، إذاً فإن الاحتكام إلى مرجع مرجح ، والاستنجاد بمنْ يفهم موازين الشرع وفقه الواقع وبواطن الأمور ، فريضة شرعية وضرورة بشرية تسير بها أمور الدعوة وتقضى بها مصالح الناس ، ولله در القائل واصفا نجاح قومه ، فقال "نحنُ ألفٌ، وفينا واحدٌ حازم، ونحنُ نشاورهُ ونطيعهُ ، فصرنا ألفَ حازم" تلك هي قيادة الدعوة ، سموٍ في قناعة، وإقدام في وعي، واقتحام في ريث، كأنهاُ تملك ما هنالك وبيدهاِ زمام الأمور كلها ، ولذلك فإن السفينة لا يمكن أن توحد قلوب أصحابها عواطف وأقوال هامشية ، بقدر ما تتوحد على قلب رجل واحد ، تسمع له وتطيع ، فيتحقق وصف الحبيب "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم " ، وهذا لا يمنع من أن نتحلى مع قيادتنا بما صرح به الإمام أحمد " لا نزالُ بخيرٍ ما كان في الناس من ينكر علينا"، تلك هي قيادة السفينة كما نفهم ونعتقد ونتصور .

علمتنا الدعوة

علمتنا الدعوة إن كان لقيادتنا علينا حق السمع والطاعة ، فإن لنا عليهم حق النصح والوعظ والإرشاد وحق المشورة ، ولكن بآداب النصيحة التي تربينا عليها ، فقد علمتنا الدعوة أن النصيحة ومراجعة القيادة مما يقوى الجماعة ولا يضعفها ، ويمدها بطاقات من الحيوية والتجدد تزيد في فعاليتها , وينفي عنها الخبث والعجز وكل ما يمثل عبئاً وثقلاً وقيداً عن التطور والعطاء ، وعلمتنا الدعوة أن القيادة التي تخاف من النقد أو النصيحة غير جديرة بالبقاء أصلاً ، وعلمتنا الدعوة بأن نؤدي النصيحة على أكمل وجه وأن نقبلها على أي وجه ، وعلمتنا الدعوة أن من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه ، ومن وعظ أخاه علانية فقد فضحه وشانه كما قال الشافعي رحمه الله ، وعلمتنا الدعوة أن تكون النصيحة في المجالس المغلقة حتى لا تُسوق وتتحول إلى فتنة قاتلة ، وخاصة حينما يستغل المغرضون أصحاب النوايا الحسنة منا في طعن جماعتهم ، فالنصيحة الخاطئة لا يصح معها ادعاء الإصلاح ولا تبررها النية الحسنة ، ولله در القائل" إذا طلبت الأجمل فاستر ولا تخبر وتخلق بخلق الكرام " ، وعلمتنا الدعوة أن ذكر مساوئ الرجل على الملأ عوناً على دمه كما قال أبو معبد رحمه الله ، وعلمتنا الدعوة أن الطعن في أصحاب الفضل و السبق من أكبر أبواب الفتنة ، وعلمتنا الدعوة أن من شروط النصيحة أن يُقصد بالنصيحة وجه الله تعالى ، وأن تكون برفق ولين ، وأن لا يُقصد بها التشهير ، وأن تكون سراً ، وأن يختار لها الوقت المناسب ، وألا تكون على سبيل الإلزام ، وعلمتنا الدعوة أننا تحكمنا قيم أصيلة في دعوتنا ، مثل الحب في الله، وحسن الظن، والشورى، وتوقير الكبير، والرحمة بالصغير، ومعرفة حق القائد والعالم والسابق ، وتقدير اللاحق ، وحفظ سلامة الصدور، وأن نجتمع على الصواب خير من أن نتفرق على الأصوب، والدفع بالتي هي أحسن، وغيرها ، وعلمتنا الدعوة حرية إبداء الرأي، والإدلاء بالدلو، والاستفهام في كثير من المواقف، والاعتراض والرفض في بعضها في سياج من الأدب وحسن الخلق ، دون تسفيه أو تعدٍّ، وبذل الجهد في إقناع القيادة برأينا ، وحشد الدلائل على ذلك ،وهذا بالطبع يحتاج هذا إلى جهد جهيد، وصبر جميل، واستحضار للنيات الصالحة، والتخلص من حظ النفس، والاستعانة بالدعاء، واحتساب الأجر عند الله عز وجل، وعدم نسيان القواعد المرعية والآداب الشرعية التي تحكم كل ذلك ، وعلمتنا الدعوة أته لا مجال بيننا للصائد في الماء العكر ،

توجيهات في كلمات

يقول ابن عباس رضي الله عنه "لا تكَلَّمن فيما لا يعنيك حتى تجد له موضعاً، ولا تُمار سفيهاً ولا حليماً فإن الحليم يغلبك، والسفيه يزدريك" ويقول ابن مسعود رضي الله عنه يقول "إن للقلوب شهوة وإقبالا، وفترة وإدبارا، فخذوها عند شهوتها وإقبالها، وذروها عند فترتها وإدبارها " ويقول سفيان الثوري رحمه الله "إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي اختلف فيه وأنت ترى غيره فلا تنهه "ويقول الإمام أحمد رضي الله عنه "لا إنكار على من اجتهد فيما يسوغ فيه خلاف في الفروع " ويقول الإمام السبكي " الصواب عندنا أن من تثبت إمامته وعدالته، وكثر مادحوه ومزكوه، وندر جارحه، وكانت هناك قرينة دالة على سبب جرحه، من تعصب مذهبي أو غيره، فإنا لا نلتفت إلى الجرح فيه، ونعمل فيه بالعدالة، وإلا لو فتحنا هذا الباب أو أخذنا تقديم الجرح على إطلاقه، لما سلم لنا أحد من الأئمة" يقول الإمام ابن تيمية " فإن الأمر والنهي وإن كان متضمنا لتحصيل مصلحة، ودفع مفسدة، فينظر في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح، أو يحصل من المفاسد أكثر، لم يكن مأمورا به، بل يكون محرما إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته ، لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد، هو بميزان الشريعة "

قواعد حاكمة

وتبقى سفينة الدعوة وهي في مدلهمات الحياة ، بحاجة إلى قواعد تحكم سيرها وسط العواصف والأعاصير ، وهي قواعد شرعية وحركية يجب ان يتلزم بها الجميع حتى تمضي القافلة نحو غايتها غير عابئة بما يردده المغرضون والعابثون :

1. التبين والتثبت من أي كلام نسمعه ونستقبله " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحواعلى ما فعلتم نادمين" ولقوله صلى الله علهي وسلم "إن العبد ليتكلم بالكلمة لايتثبت فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب " والتزام هذه القاعدة يجنبنا ( حدوث الظن الذي لا يغني من الحق شيئاً ، وظلم الآخرين ، وتصديق الإشاعة ، وانتشار الشبهة وتعاظمها ، والتشكيك في سلامة التوجه ، واختيار الطريق ، والتشكيك في سلامة المنهج والتلقي ، والتشكيك في سلامة الممارسة الدعوية من قبل القيادة ، وعدم الثقة فيها)

2. الخطأ من سنة البشر ، فلا عصمة لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول الخطيب البغدادي عن سعيد بن المسيب " ليس من شريف ولا عالم ولا ذي جاه غير الأنبــــياء إلا وفيه عيب إلا أن مـــــن الناس مــــــن لاينبغي أن تذكر عيوبه ، فمتى كان فضلــــــه أكبر من نقصه وهب نقصه لفضله " ، فالخطأ واقع لا محالة من البشر كافة ، وهذا الخطأ يتلافى وبخاصة في حق القائد ، وقد يثاب القائد إذا اجتهد فأخطأ " إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران ، وإن اجتهد وأخطأ فله أجر " ، والتزام هذه القاعدة يجنبنا ( فقدان التوازن المطلوب بين الخطأ والصواب ، فقدان الثقة بين المتعاملين ، وعدم احتمال الأخطاء ، فقدان القدوة والأسوة في الصف ، أخذ الناس بالخطأ دون النظر إلى نياتهم، شيوع المشاجرات والنزاع والجدال ، ترك الطريق عند رؤية الأخطاء) .

3. سد الذريعة واجب ، فدرء المفاسد مقدم على جلب المنافع ، ويتمثل ذلك في غـض الطرف عن بعض الزلات ، والسكوت عن بعض العيوب ، والتجاوز عن بعض الهفوات ، وعدم تقريرها وتقريعها ، فمن فن الدعوة أن نُبقي على الصلات ، وأن نتجنب الإساء ة فهي خلق لايليق بالداعية ، والامتناع عن الإساءة للأكابر ، وينتج عن عدم التعامل بهذه القاعدة ، فقدان روح الرحمة والعطف ، وهي أساسيات التربية الدعوي ، فقدان التقييم الدعوي المتوازن ، تحويل المدعو إلى عدو محارب ، حمل المدعو على الإساءة للدعوة والدعاة ، وتأصيل الحقد لديه

4. عدم تتبع عورات الناس وبخاصة قادة الدعوة وأصحاب السبق ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم " من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته فضحه في عقر داره " ويقول ابن تيمية رحمه الله " وليس لأحد أن يتتبع زلات العلماء" وصاحب الدعوة كالمؤمن ستار للعيوب ، لا كالمنافق فضاح للعيوب متتبع له ، فالتشهير خلق رديء ، والانشغال بالدعوة عاصم لصاحبه من هذا التتبع ، والتزام هذه القاعدة يجنبنا ( الإنشغال بتتبع النقص ، عدم الإهتمام بما هو أولى ، حمل الألفاظ ما لا تحتمل حتى يظهر العيب ، إيغار الصدور وتحول النصح إلى عداوة ، تبادل وتراشق العيوب ، فقدان تقديم القدوات للناس لحدوث التشويه ، وقوع فضيحة المتتبع لا محـــالة وسقوطه عن أعين المقتدين به ، مخالفته الشرعية أثرها عكسي عليه ) .

5. إسداء النصيحة والتوجيه والنقد يجب أن يكون وفق الأساليب الشرعية، وقدر الطاقة ، فلا يحمل الناس على مالا يقدرون عليه ، ولا يقصد به التوبيخ ، ولا يراد به الإنتقام لنفسه، وأن يكون ذلك وفق قواعد الأدب التربوي في الحوار والنقد، من أدب الخطاب والتكلم ، وأدب الإستماع والإنصات، وأن يكون النقد من الأكفاء له ، مع وجود القدرة وتوفر المعلومة شرط لنجاح النقد ، وتوفر فرصة قبول النقد والنظر فيه ، وأن تكون النصيحة في أوساطها ، وبين العقول التي تقدرها، والهدف منها الاصلاح ، وتحسين الأداء، وأن تكون في قنواتها وطرائقها ، وخاصة نقد العلماء والمسؤلين لأنهم يمثلون القدوة ، وأن يتوخى الناصح و الناقد أجمل العبارات ، وأسهل العبارات وأرق الكلمات ، والتزام هذه القاعدة يجنبنا (تحكيم الأذواق والعادات ونسيان الميزان الشرعي ، استعجال الثمرة ، والتكليف بما لايُطاق ، عدم مراعاة النفوس ، وأسر القلوب ، والسيطرة على العقول ، حدوث ردة الفعل المعاكسة بسبب القول غير الحسن ، انتشار الغوغائية والفوضى والصراخ والجدال المنهي عنه ، عـدم الرجوع إلى قواعـد الاستدلال بالقرآن والسنة ، اشاعة الأعراض ، وانتشار النقد وممارسته ممن لا يجيده أو يقدره)

6. شكر الله على نعمة معرفة الطريق مثل نعمة الهداية للإسلام ، و قال ابن تيمية رحمه الله "على المتعلم أن يعرف حرمة استاذه ، ويشكر إحسانه إليه فإن من لا يشكر الناس لا يشكر الله، ولا يجحد حقه ، ولا ينكر معروفه " ، ويتحقق ذلك بوجود الإدراك الكامل للأهداف والوسائل ، بعدم المغالاة وتحميل الألفاظ أو المواقف مـا لا تحتمل، وعـــدم تبني الفقــــه الأعـوج ، وبوجــــــود العدل والإنصاف وعدم بخس الناس أشياءهم ، والتزام هذه القاعدة يجنبنا ( الإنشغال عن العمل بتصيد الأخطاء ، البحث عن المشاغبين والضعفاء ، وتشكيل شللية منهم والأنس إليهم وبهم ، عدم جمع قلوب الناس على الدعاة والدعوة ، وتفريق المسلمين عنهم ، شق الصف باظهار التذمر ، ومحـــــاولـة زرعه في الآخرين ، عدم تقدير العطاء والبذل والتضحية ، ومعرفة حرمة من يستحق الحرمة من الدعاة والعلماء والموجهين ، فقدان العدل ، وبخس الناس أشياءهم ومواقعهم بدون وجه حق )

مسك الختام

إلى الأحباب جميعا ، شركائنا في سفينة الدعوة ، في أعلاها أو أسفلها ، نقولها بكل صدق وحب ، صونوا سفينة دعوتكم باتفاقكم على منهج دعوتكم الذي يضمن لكم النجاة ، والتفافكم حول قيادتكم الراشدة ، واعتصامكم بحبل الله المتين، وأخوتكم الصادقة وتقوية الإيمان والعمل الصالح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والوقوف صفا واحدا ضد من يريد إغراق هذه السفينة، واللجوء إلى الله وطلب العزة منه وحده، ولا تكونوا عوناً للظالمين على قيادتكم ، ولا مطايا للعلمانيين لخرق سفينتكم ، ولا أظافر للضالين تنهش لحوم قيادتكم ، ولا عبيدا للمنافقين ، ولا خدما لعلماء السوء ضد جماعتكم ، وتذكروا قوله تعالى "ومن أضل ممن اتبع هواة بغير هدى من الله " وتذكروا قول الحبيب " إياكم والفتن فإن وقع اللسان فيها مثل وقع السيف " ، واتركوا هدانا الله وإياكم تلك الغفلة السادرة ، والخطوات اللاهية ، والانصياع الأعمى إلي كل ناعق ، فما هو من سبيل المؤمنين ، ولا طريق الفالحين ، وأقبلوا علي الله وعلي دعوته بقلب سليم ، والله معكم ولن يتركم أعمالكم .

هناك ٧ تعليقات:

غير معرف يقول...

كلامـك تضـمن العديـد من المغالـطات ....


منها قولــك ...
من يخالف قرارا صدر من دعوته بعد مشورة تنظيمة ، ويجاهر بخلافه في وسائل الإعلام فقد خرق سفينة الدعوة


الجـواب :
الكلام صحيح إذا كان المخالـف يعتـقـد أن الخلاف في هذا القرار ســائغ شرعــا ...

إذا كــان المخــالــف يعتـقـد أن الخــلاف غيــر ســائغ فلا حرج عليـه بـل يجب عليـه أن يجهـر بمخالفتـه للمنكـر و يستنـكره .... و يحرم عليه الإقرار بهذا المنكر و السكوت عنـه ...




و قولـك ...
من يتجاوز كل القنوات الشرعية والتنظيمية للنصيحة وإبداء الرأي ويعرضها على الملأ فقد خرق سفينة الدعوة .



الجـواب ...
الكلام صحيح في حالـة إذا فـعل الأخ ذلك دون أن يبـدأ بالقنوات الشرعيــة ...

لكن إذ جرب القنوات الشرعيـة و صبر و حاول أكثر من مرة بلا نتيـجـة ... فيجب عليـه حينـئذ أن يجهر بالحق الذي يعتقـده ... و يحرم عليه السكوت على المنكر .





قولـك ...
من لم تجد إلا عالم التدوين لتنفس عما في نفسها تجاه دعوتها ، فقد خرقت سفينة الدعوة

الكلام ذاتـه .... بحسـب نوعيـة الخلاف ... و هل هو سائـغ أم لا ؟؟؟




قولـك ...
من يستجيب لشبهات الآخرين ضد قادة دعوته ويجاريهم في أطروحاتهم دون تبين وجه الحق، فقد خرق سفينة الدعوة .


الجواب :

سؤال ...
كيـف حكمـت عليـها بأنـها " مجـرد شبهـات " قبـل أن تقرأها و تطلـع عليهـا !!!!



و إذا وجـد الأخ الحق في هذه " الشبهات " فـ عليـه أن يصـدع بها و لا يخاف في الله لومة لائم .




قولك ..
من احتضن تجمعا عاما عبر قنوات غير تنظيمية لفرض رأي مغاير لسياسة دعوته وقادته ، فقد خرق سفينة الدعوة

و قولك ...
من تناجي دون قيادته وأحدث في دعوته جيوباً هنا وهناك ، فقد خرق سفينة الدعوة

الجواب ..
إذا كانت سياسة الجماعـة تخالف الكتاب و السنة بلا خلاف سائغ .... فيتعين عليـه فعل ذلك ... و لا حرج عليـه ...



قولك ...
وفاعلو هذا الخرق - عن قصد أو غير قصد – لا يتقون الله في أعراض إخوانهم وقيادتهم ودعوتهم ، فقد خاضوا بلا تحفظ في التعبير أو أدب في الخلاف أو موضوعية في النقد أو تخير للأطر التنظيمية التي يجب أن تطرح فيها آراؤهم ، وقد تناسى هؤلاء الأوامر الإلهية " وقولوا للناس حسنا " و " اتقوا الله وقولوا قولا سديداً " وقول الحبيب صلى الله عليه وسلم وتحذيره "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ به ما بلغت فيكتب الله بها سخطه إلى يوم القيامة " وناسين أيضا الحكمة القائلة " ليس كل ما يعرف يقال ، وليس كل ما يقال جاء وقته ، وليس كل ما جاء وقته حضر رجاله " .



الجواب ...
إذا كان الخلاف غيـر سائـغ فـ ينبغـي عليـه أن يصدع بالحـق و أن ينكـر المنكـر و لا يخشي في الله لومة لائـم ...


و إذا إمتنـع عن ذلك فهو أهل هذه الآيــة ...

" إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ " [البقرة : 159]




قولك ...
قد يصيب الله الدعوة بأن يوجد بين أفرادها الصائد في الماء العكر ، ومن يتصيد الأخطاء والعثرات والزلات والسقطات -إن وجدت - في أقوال وأفعال قادة الدعوة ، وخطورة هذا الصنف ليس في أشخاصهم المريضة ولكن في أثرهم على أصحاب النيات الحسنة في الصف كما قال تعالى " لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ً ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة و فيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين "



الجواب ..

إذا كانت أخطاء فرديـة صح الكلام .... و إذا كانت سياسـة أصيـلة يدافــع عنها و يأصــل لها فلا و ألف لا ...


أختـم بكلمة لـ سيد قطب رحمـه الله .... يقول فيها ...


( ونتعلم نحن من هذا، أن تبرئة الأشخاص لا تساوي تشويه المنهج! وأنه من الخيرللأمة المسلمة أن تبقى مبادىء منهجها سليمة ناصعة قاطعة، وأن يوصف المخطئون والمنحرفون عنها بالوصف الذي يستحقونه - أيا كانوا - وألا تبرر أخطاؤهم وانحرافاتهم أبدا، على حساب تحريف المنهج، وتبديل قيمه وموازينه، فهذا التحريف والتبديل أخطر على الإسلام من وصف كبار الشخصيات المسلمة بالخطأ أو الانحراف... فالمنهج أكبر وأبقى من الأشخاص )

همسات تربوية يقول...

اخي الحبيب أشكرك لمرورك على الموضوع
وأشكرك ثانية على مشاركتك وإن كنت أراك مختلفا تماما مع مضمون الموضوع ، ولم تقف مع ما ورد فيه من حقائق قرآنية وضوابط شرعية وحركية

وألتمس لك العذر .. فالقضية تحتاج الى وضوح فهم للأمر ، وأتمنى أخي الحبيب أن تعيد قراءة الموضوع مرة وثانية وثالثة قبل أن تصدر أحكاما مباشرة قد تؤدي إلى سلوك نهج غير قويم على طريق الدعوة

في انتظار قراءة الموضوع مرة ثانية والتعليق من جديد
ولي معكم وقفة ثانية أخي الحبيب

غير معرف يقول...

جميييييلة جدا .. وأكثر من رائعة...

بارك الله فيك وجزاكم الله خيرا

غير معرف يقول...

مشكور أخي على هذا الموضوع الرائع الذي يستقي كل كلماته من معين الدعوة النابض والذي يستند الى أصول الدعوة
فالانفتاح الذي يعيشه العالم من فضائيات وانترنت وخلافه جعل البعض يتجاوز الآداب التنظيمية والدعوية في ابداء الرأي
نحن لسنا حزبا نحن دعوة لها ضوابط نلتزم بهاوان خرجنا عنها فقدنا خصوصيتنا ولنا في رسول الله أسوة حسنة

غير معرف يقول...

جزاك الله خيرا كلام متزن جدا
فلابد لنا من فهم متى نبدي الراى وكيف وأين

غير معرف يقول...

أولا: ان هذا الكلام الذي سقته على لسان أحدهم لايخرج أبدا عن أحد الاخوان الذين تربوا في حضن الدعوة
وان حصل فليراجع هذا الأخ انتماؤه للدعوه وليس للأشخاص
ثانيا: أرجوك احرص قبل الحكم على الكلام الا اذا سمعته بنفسك فلقد علمت أن كثيرا من زبانية أمن الدولة يدخلون على المواقع لبث البلبلة والشقاق في صفوف الاخوان "يرجفون في المدينة"

almohandes يقول...

الإخوة الكرام أنقل لكم هذا المقال الذي كتبه الأستاذ فتحي عبدالستار على موقع إسلام أون لاين ردا على المقال السابق وأكتفي بنقله فقط إيمانا بالرأي والرأي الآخر وإثراءً للنقاش في هذا الموضوع

أرسل لي أحد الأصدقاء رابطا لمقالة منشورة على الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين "إخوان أون لاين"، حمل عنوان: "لا تخرقوا سفينة الدعوة ".

وقد أثارت المقالة دافع الكتابة لدي؛ لمناقشة ما جاء فيها من أفكار، ولتحليل الخطاب الخطير -من وجهة نظري- الذي اعتمدته، والذي يعكس ثقافة معينة لصاحبه، تتناقض مع الثقافة التي يتحدث عن وجوب إشاعتها قادة الجماعة أنفسهم وأفرادها حين نسمع منهم مباشرة دون وسيط!!.

ومبدئيا أعلن تفهمي الشديد لدوافع الكاتب، وأحسن الظن به وبنيته -على خلاف ما فعله مع مخالفيه- وأعلن أيضا اتفاقي معه في كثير من الأصول والقواعد والمبادئ، ولكني أختلف معه اختلافا شديدا في أسلوبه، وأن يجعل فهمه لهذه الأصول وهذه القواعد وهذه المبادئ وتأويله لها هو التأويل الأوحد الصحيح والواجب الاتباع.

كما أبين أني أناقش هنا منهجا وخطابا وطريقة في الفهم خلطت بين الأمور، وحادت عن النهج الذي تعلمناه وعن أصول الفهم التي تربينا عليها كدعاة، بصرف النظر عن الوقائع والأحداث والأشخاص، مع بيان أن مثل هذه الأمور لا يجوز تعميم الموقف منها بأي حال من الأحوال، وإنما تؤخذ كل حالة بقدرها، ويحكم على كل موقف وكل حدث وكل شخص بما يناسبه.

وبشكل مباشر، فإني أسجل ملاحظاتي على المقالة في النقاط الآتية:

1- وظَّف الكاتب النصوص الشرعية، من قرآن وسنة، وأقوال للعلماء والسلف، توظيفا جائرا متعسفا، يناقض الحوادث والمواقف التي أنزلت وقيلت فيها، وأسقطها بجرأة عجيبة ومخيفة على ما لا يجوز إسقاطها عليه، مما يرهب الناصحين والمنتقدين، خشية الوقوع تحت طائلة هذه النصوص، رغم أن أدبيات الإخوان كلها تؤكد على أنهم جماعة (من) المسلمين، وليسوا جماعة المسلمين، وأنه لا يجوز إسقاط النصوص الشرعية التي تناولت الجماعة المسلمة على جماعة بعينها في عصرنا، وقد تجاوزنا نقاش هذه المسألة منذ زمن.

والتوسع في هذا الاستخدام المسيء للنصوص الشرعية، بل مجرد الاستئناس بها عند تعارض الآراء يفتح بابا خطيرا للتكفير والتفسيق والتنفيق، كان الإخوان على مدار تاريخهم أبعد الناس عنه، وأحرص الناس على غلقه.

ويبدو هذا التوظيف غير الموفق الذي قام به الكاتب من خلال الآتي، على سبيل المثال وليس الحصر:

- تصديره مقالته بحديث السفينة، والذي يتكلم عن (القائم في حدود الله والواقع فيها)!! فأي حدود وقع فيها الناصحون والمنتقدون حدبا على جماعتهم وحبا في رشادها؟!!.

- استخدام بعض الآيات والأحاديث التي لا تخلو من إشارات واضحة ومرعبة، وذلك في غير سياقها الشرعي، مثل:

أ- قوله تعالى: (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاًوَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْوَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)!!.

ب- "إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات" هكذا!! موبقات!!.

2-تحدث الكاتب – الذي أحترمه وأقدره - ضمن القواعد الحاكمة عن انتقاء الألفاظ عند النصيحة، واتباع الأدب الإسلامي فيها، (وأن يتوخى الناصح والناقد أجمل العبارات، وأسهل العبارات، وأرق الكلمات)، وهذا أوافقه عليه تماما، وأرفض أي خرق له، وأنكر كل تجاوز له مهما كانت الأسباب.

ولكنه للأسف وفي مفارقة غريبة، لم يلتزم بنصيحته هذه في خطابه لإخوانه الناصحين، فكال الكاتب -الذي أحترمه وأقدره- وابلاً من الاتهامات والشتائم لإخوانه الذين يخالفهم في آرائهم، وخاض في نياتهم وكأنه شق عن قلوبهم.. فاتهمهم بأنهم (لا يتقون الله في أعراضِ إخوانهم وقيادتهم ودعوتهم).

ووصفهم بأنهم (الصنف المريض)!! هكذا !!!.

وطالبهم بأن يزيلوا عن أنفسهم (سُحب الجهالة، وأوهام الغرور، ونزغات الشياطين، فلا يلجوا في غرورهم، ويسدروا فيشكوكهم، ويظلوا في أوهامهم، وينظروا إلى قادةِ سفينتهم بمناظير سوداء، وقلوب عمياء)!!.

كما اتهمهم بأن ما يقولونه ويفعلونه إنما هو (ناتج عن ضعف التقوى والورع في النفوس، والذي هو مدخل شيطاني إلى الترخصواستصغار الذنوب والتساهل مع النفس مما يؤدي إلى ارتكاب الموبقات والكبائر تحتشعارات ومبررات براقة كلها في الحقيقة من تلبيس إبليس). موبقات وكبائر!!! يا الله !!!.

واتهمهم بأن الذي يحركهم (الأهواء، أو الاستجابة لوساوس الشيطان، أو الحرص على الزعامات)!! أي زعامات يتحدث عنها الكاتب، وهو أدرى الناس أن الزعامة في الإخوان مغرم وليست مغنما!! وما قاله الكاتب اتهام صريح للجماعة كلها، فأظنه يدري أن الزعامة في الإخوان لا تؤخذ بالنقد والنصح والخروج عن المألوف من أجل التجديد والإصلاح، بل إن ذلك -وهو يعلم- يجر الكثير على فاعله، من اتهامات كالتي ساقها، وسوء ظن، وتحجيم، وربما عزل، وشكوك تلاحقه، وهموم تركبه بالليل والنهار!! على عكس الناعمين في كنف التأمين على كل ما تقوله أو تفعله القيادة بدعوى الثقة، وما هي بالثقة الراشدة التي علمنا إياها البنا رحمه الله، وكل أدبيات الإخوان التي تنبذ هذا النوع من الثقة العمياء، خاصة في العمل السياسي الذي يتسع مجاله لاختلاف الآراء وتنوعها، دون أن نستطيع الحكم على رأي منها بأنه صواب مطلق أو خطأ مطلق.

ومع هذا فإني أقرر أنه ليس من العيب أو مما يشين أن تخطئ القيادة في قرار ما أو في موقف ما، ولا يفقدها هذا احترامنا لها والثقة بها، وإنما العيب كل العيب فيمن ينفي عنها احتمال الخطأ، ويرى الحكمة في كل ما يصدر عنها!.

وكان الأقسى من تلك الاتهامات التي ساقها (الأخ) الكاتب، اتهامه إخوانه صراحة بالنفاق في قوله: (وهؤلاء لهم سابقة في تاريخالإسلام، ففي غزوة تبوك قال رجل: "ما رأينا مثل قُرائنا هؤلاء، ولا أرغب بطونًا ولاأكذب حديثًا ولا أجبن عند اللقاء، فقال رجل في المجلس: "كذبت، ولكنك منافق،ولأخبرنَّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم")!!! ولم نر -أو على الأقل شخصي الضعيف- لم أر في كتابات الإخوان الناصحين المنتقدين، المعلوم بالضرورة كونهم من الإخوان، مثل هذه الاتهاماتلقيادتهم، وإنما كل إخواني يعرف في نفسه ويعترف أمام الجميع للقادة بفضلهم وسبقهم، وعطائهم، وصدقهم، ولكننا مع ذلك نعرف لهم بشريتهم أيضا، ولا نرفعهم لمقام العصمة والقداسة، وهم لا شك لا يحبون منا ذلك ولا يريدونه، وما التقيت أو استمعت لأي منهم إلا وهو يشجع على هذا النصح وهذا النقد، ويعتبره ظاهرة صحية، ويطالب بالمزيد منه، ولكن البعض يحب أن يكون ملكيا أكثر من الملك، وينصِّب من نفسه حاميا لحمى الجماعة والمنافح عنها، ويزايد على إخوانه في حب الدعوة والولاء لها!!.

كما جعل كاتب المقال إخوانه المنتقدين الناصحين، تابعين لعبد الله بن سبأ!!! حينما كتب إلى أعوانه قائلاً: "انهضوا فيهذا الأمر، فحركوه وابدءوا بالطعن على أمرائكم، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عنالمنكر تستميلوا الناس وادعوهم إلى هذا الأمر"!!. أي تعدٍّ هذا!! وأي قذف!! وأي إرهاب!! وإنا لله وإنا إليه راجعون!!.

ولم يكتف بهذا، بل قال معقبا: (وهكذا كانت بداية الفتنة في تاريخالإسلام، الطعن على الأمراء وإظهار ذلك في ثوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا ما يجب التعامل معه بحذر، وهذا فقه مَن أدرك مداخل الفتنة وأبوابالشيطان)، ونسي الكاتب أن عمل الإخوان المسلمين في السياسة إنما هو قائم بداهة على الطعن على الأمراء والحكام القائمين وشرعيتهم، وأنهم يعللون اشتغالهم بفضح الحكام ومدافعتهم في الانتخابات المختلفة بأنه ضرب من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

3- وجَّه الكاتب خطابه لأفراد الصف، وحمَّلهم كل الواجبات والمسئوليات، وفرض عليهم القيود والحدود، وحذرهم من التجاوز، وأرهبهم بإشارات وتلميحات التخوين والتنفيق، كل هذا دون أن يهمس ولو بحرف واحد للقيادات -التي نجلُّها ونحترم شخوصها وتاريخها- مذكرا إياهم بواجباتهم ومسئولياتهم، ونسي وسط كم النصوص التي حشدها الكثير من النصوص التي تحث على نصح الأمراء، والمواقف الكثيرة لسلف الأمة في خير القرون.

إن آيات القرآن التي تتلى على الملأ إلى يوم القيامة تزخر بكثير من آيات العتاب والمحاسبة والمراجعة لأفضل الخلق صلى الله عليه وسلم، وكان ولا يزال يقرؤها ويسمعها المسلم والكافر والمنافق، ولم نسمع أن أحدا عبر تاريخ الإسلام طلب حذف هذه الآيات أو إخفاءها أو قصر قراءتها على فئة دون فئة، بحجة أن ليس كل ما يعلم يقال، رغم أن هذه الآيات تعرضت لمناحي مختلفة من حياة النبي صلى الله عليه وسلم، من أول أدق تفاصيل حياته الشخصية، وحتى قراراته السياسية والحربية، ومرورا بعلاقته مع أصحابه.

وروي أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وزَّع على الناس أثوابًا، وكان الثوب يكفي الرجل حتى ساقيه، ولا يغطِّي سائر رجليه، وأخذ عمر ثوبًا مثل عامة الناس، وصعد المنبر فرآه الناس في ثوب طويل، ولما افتتح خطبته قال: أيها الناس، اسمعوا وأطيعوا، فقام أحد الحاضرين، وقال: لا سمع ولا طاعة. فسأله عمر: ولماذا؟ فأجاب الرجل: لأنك أعطيتنا تلك الثياب القصيرة، واستأثرت لنفسك بهذا الثوب الطويل، فأمر عمر بن الخطاب ابنه عبد الله أن يرُدَّ على هذا الرجل ويبين له الحقيقة، فقام عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- ليعلن أنه قد تنازل عن ثوبه لأبيه حتى يكمل به جلبابه، فقال الرجل: الآن قل، نسمع ونطيع.

كما أنه -رضي الله عنه- هو الذي شجع المسلمين على قول الحق وأعطاهم مطلق الحرية للتعبير عن ذلك، وحين خاطبه أحدهم قائلاً: اتق الله يا عمر، قام له آخر -مثل كاتبنا- يتهمه بخرق السفينة، ويقول له: ألمثل أمير المؤمنين يقال مثل هذا الكلام؟!! فقال له عمر: "لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فيَّ إن لم أسمعها"!!.

وهو -رضي الله عنه- الذي ناشد المسلمين قائلاً: "من رأى فيَّ اعوجاجا فليقومه"، فأجابوه: "والله لو وجدنا فيك اعوجاجا لقومناك بسيوفنا"، فقال: "الحمد لله الذي جعل في الأمة من يقوِّم اعوجاج عمر"!!.

وهكذا كان كل العقلاء والصالحين، يستنصحون الناس، ويحرصون على ذلك، لعلمهم أنه أهم أسباب نجاتهم في الدنيا والآخرة.

إن ديننا لم يميز إنسانا دون آخر في المحاسبة، ولم يجعل لأحد حصانة ضد النقد والنصح، بما في ذلك الحكام والأمراء والمسئولون على اختلاف مواقعهم، فلم نسمع عن حصانة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لصحابته أو الخلفاء من بعده، حتى نسمعها لأحد من أمراء اليوم!!.

أما كان أولى للكاتب بدلاً من أن يقع في عرض إخوانه ويتهمهم بهذه التهم أن يحث القيادات على التواصل الفعال لمعالجة المشكلات التي يثيرها هؤلاء الناصحون والمنتقدون والرد عليها -كما فعل عمر- للقضاء على ما يعتبره فتنة في مهدها؟ لماذا لا يطالبهم بالشفافية في تدارك الخطأ إن حدث والاعتراف به والاعتذار عنه، سواء كان هذا الخطأ منهم أو من الدوائر القريبة منهم، لكي يعطوا من أنفسهم المثل والقدوة، ليس للإخوان فقط، وإنما للعالم أجمع، خاصة أنها جماعة تجعل هدفها أستاذية العالم!!.

4- جاء تشبيه الكاتب لجماعة الإخوان بالسفينة، وتوظيفه بهذا الشكل تشبيها غاية في الإخفاق، حيث فصل الإخوان عن المجتمع الذي يعيشون فيه، وجعل من هو بخارج هذه السفينة أعداء (يتربصون بنا الدوائر، ويسعون جادين لتخريبها وإفسادها)!!. وشتان بين تشبيه كاتبنا –الذي أحترمه وأقدره - وبين التشبيه الواعي الحصيف للإمام البنا رحمه الله، الذي جعل الإخوان روحا تسري في هذا المجتمع، تختلط بكل خالجة فيه، ولا تنفصل عنه إلا بالموت!.

حتى وإن تجاوزنا خطأ التشبيه وقبلنا به، فلا نقبل أن يفتئت الكاتب على حق الناقدين والناصحين في تلك السفينة، ويستأثر هو ومن على منهجه بالموقع الأعلى منها، ليفرض رأيه ومنهجه، ويجعلنا في الأسفل من الخارقين، فنحن من أصحاب السفينة وأهلها، ولو كنا في الأسفل، لا لنخرق، بل لنصون ونحمي، وننافح وننظف. وإن طفا بعض الغثاء، وتكاثف الضباب، وحجب الرؤية عن الربان، فسيأتي الأوان ليتلاشى هذا الغثاء وينقشع هذا الضباب، وحينها يعرف الربان من الأصدق حبا والأصفى قلبا والأرشد عقلا.

وفي هذا المقام أؤكد على قيمة إخوانية بدأت تتوارى عند البعض منهم، وتحل محلها قيم أخرى لا نرضاها، ما أؤكد عليه هو عدم شخصنة الدعوة، وعدم اختزالها في أشخاص، فليس معنى نقد شخص ما في القيادة أيا كان هو نفي الثقة والولاء عن الناقد، فهذا مما نكرهه ونرفضه في الأحزاب الدنيوية، التي تعتبر المساس بشخص رئيس الحزب أو رأس النظام عمالة وخيانة للوطن والأمة!!.

5- اتهم الكاتب الناصحين بأنهم نسوا الحكمة القائلة: "ليس كل ما يُعرف يقال، وليس كل ما يُقال جاء وقته، وليس كل ما جاء وقته حضر رجاله"، وفي الحقيقة فإن هذه الحكمة على صدقها واقتناعي التام بمعناها العام، إلا أنها للأسف أيضا أصابتها علة التأويل، فتوظف وتستغل في غير موضعها، وبإطلاق يجب تقييده، حيث لا يجوز لمن سأل أو تحدث عن أمر يمسه، وهو جزء أصيل من شئونه، ويتأثر به بشكل مباشر، أن نطبق عليه هذه القاعدة، ونقول له: "ليس كل ما يعرف يقال...إلخ"!!! وإلا كان هذا إحياء للكهنوت الذي قضى عليه الإسلام، ونفيا للدعوة على بصيرة التي جاءت بها آيات القرآن، وامتهانا للعقول وإلغاء لها، بل وفتنة للبعض.

وقد فرقت بين نوعين من النقد في استشارة لي عن النقد الذاتي داخل الحركات الإسلامية، ولا أجد بدا من تكرار ما قلته هناك في هذه الجزئية:

"بالنسبة للمسائل التنظيمية الصرفة، والاحتكاكات اليومية بين الأفراد والتي قد تنتجبعض الخلافات، ولا يطلع عليها إلا أفراد الحركة، أرى أنه ينبغي للفرد إن كان لهملاحظات عليها أو شكوى أن يسير بها الطريق الذي رسمته الحركة لمعالجة هذه الأمور فيلائحتها الداخلية، على أن تفسح قيادة الحركة المجال وتوسع صدرها لتلك الانتقاداتوالشكاوى، وتحقق فيها بنزاهة وموضوعية دون اعتبار لشخص المنتقد، أو حجم وموقعالشاكي والمشكو منه، فإن توفر هذا المناخ، فلا يجوز لعضو الحركة أن يخرج بهذه الأمور للعلن، خاصة إن كان الأمر يتعلق بسمعة أفراد أوبحياتهم الخاصة، وإن لم يتوفر فليحرص وليصر على المطالبة بتوفيره ولا ييأس من هذا،وليصبر حتى يتحقق مراده، وله في هذا الأجر.

فإن فقد القدرة على الصبر، ووجد نفسه لا يستطيع التحمل، فلا ينبغي له أيضا أنيخرج بانتقاداته في هذا المجال إلى العلن، فهو بالخيار بين الاستمرار على هذا الوضعحتى يقضي الله أمرا كان مفعولاً، أو ترك الحركة، مع الحفاظ على الود القديم، دونإفشاء لأسرارها، والطعن فيها.

- أما بالنسبة للمسائل والقضايا التي تتعدى حدود “التنظيم”، وتتعلق بالشأنالعام، ويشارك في الحديث عنها والنقاش فيها حتى من هم خارج إطار الحركة من أصدقائهاومخالفيها، ويتسع المجال فيها للرأي والرأي الآخر، ويجوز الخلاف حولها، فأرى أنه لا مانع أبدامن أن يدلي كل فرد من أفراد الحركة برأيه في المسألة بشكل علني، حتى ولو خالف رأيالحركة الرسمي فيها، فذلك ولا شك يثري الأفكار ويفيد الحركة شكلاً وموضوعا.

وينبغي على قيادة الحركة في هذا المجال أن تَحذَر هي، وتُحذِّر أفرادها، منإرهاب المنتقدين من الداخل، واتهام نياتهم، والتشكيك فيهم، وتعمل على تعليم أفرادهاهذه القواعد والآداب.

إن النصيحة على الملأ لا تكون فضيحة إلا إذا تعلقت بسلوك فردي، وعيب شخصي، أماالشأن العام فلا ينطبق عليه هذا القول أبدا، بل على العكس ربما يكونللنقد العلني فوائده، والحركة التي تثق بقوتها وبأفرادها لا يهزهاهذا أبدا ولا يضعفها.

ولكي تكتمل الصورة، أبين أنه قد ترى القيادة “الرشيدة” للحركة في أمر ما، وفيوقت ما، أن تمنع النقد العلني من أفرادها تجاه بعض الأمور لظروف معينة ترتئيها، علىأن يكون هذا هو الاستثناء لا الأصل، وعلى أن تفتح بالمقابل مسلكا داخليا لهذهالانتقادات، ويتم التعامل معها بعناية واهتمام".

6- تحدث الكاتب تحت عنوان (وضوح الرؤية) عن الأهداف العامة والغايات التي لا خلاف عليها، مما يوحي بأن هؤلاء الناصحين قد انقلبوا على هذه المبادئ وحادوا عنها، وهذا ما لا يعتقده أحد، وإنما الخلاف كما قلت في البداية حول التأويل، وحول الوسائل.

7- قرر الكاتب - وأنا أتفق معه تماما – أن (الشورى ركيزة العمل التي تستقيم بها سفينة الدعوة ومَن عليها، ولا تنازل عنهاأبدًا)، وقد أعلن الإخوان أن الشورى عندهم ملزمة لا معلمة، فهي تلزم القائد والمسئول كما تلزم الفرد، لذا فإن أي انتهاك لهذه الشورى من قبل القيادات في أي مستوى لا بد أن يواجه بمثل ما يواجه به انتهاك الأفراد، فلا يصح أن نطالب الأنظمة الحاكمة لبلادنا بالشفافية والمساواة والعدل، ثم نعدل نحن عن هذا، ونلتمس الأعذار الواهية في مواضع لا يجوز فيها العذر، بحجة مصلحة الدعوة!! فأي مصلحة تلك التي تأتي على حساب الشفافية والنزاهة؟! ثم على أي أساس يحتكر فرد أو بعض أشخاص معرفة مصلحة الدعوة، والأكثرية ترى خلاف ذلك؟!! هل هي شورى بالألوان؟!.

ثم إني لا أرى عيبا مطلقا في نقد الشورى بعد انتهاء العمل الناتج عنها، وتعاون الجميع على القيام به، إذا تبين خطأ الرأي المنتهى إليه، خاصة في المجال العمل السياسي المليء بالمتغيرات، بل إن هذا النقد ضروري لترشيد الشورى القادمة، والقيام بها على بصيرة من الأمر وعلم، والشورى تنقض بالشورى.

8- لمز الكاتب صراحة صاحبة مقال (رسالة نسائية إلى مرشد الإخوان المسلمين ) المنشور على موقع (إسلام أون لاين) وغيره، قائلاً: (مَن لم تجد إلا عالم الإنترنت لتكتب رسالتها إلى والدها المرشد، وتركت كل قنواتهاالشرعية والتنظيمية، فقد خرقت سفينة الدعوة)!!.

ويبدو أن الكاتب قد سمع عن رسالة هذه الأخت، ولم يتحرَّ قبل الكتابة عنها مطالعتها والاستيثاق مما سمعه، حيث لو أنه فعل لوجد الكاتبة تقول لفضيلة المرشد: "ولكن هناك سيدي بعض الأشياء والمشاكل التي بح صوتنا من الحديث عنها ورفع الشكاوى منها، ولم نر استجابة أو تفاعلا معها"، وتقول: "أرجو ألا يسأل أحد لماذا لم ترسلي هذه الرسالة عبر المسارات الداخلية الرسمية، فأقول إنني أرسلتها أكثر من مرة ولكن يبدو أن الحمام الزاجل لم يعد يقوم بدوره كما ينبغي، وأرجو أيضا ألا يعترض أحد على نشري هذه الرسالة بهذه المدونة ويتهمني بالخروج عن العرف أو حتى يصل لتكفيري كما حدث لإخوان لي يكتبون عن النقد الذاتي".

والمدهش أن الكاتب قد وضع أولى القواعد الحاكمة للنصح قوله: (التبين والتثبت من أي كلامٍ نسمعه ونستقبله... والتزام هذه القاعدة يجنبنا حدوث الظن الذي لا يغني من الحق شيئًا، وظلم الآخرين، وتصديق الإشاعة، وانتشار الشبهة وتعاظمها، والتشكيك في سلامة التوجه...)!!

أين كلامه هذا وقواعده تلك التي يدعو إخوانه إليها حين تعرض لرسالة هذه الأخت، وقد حكم عليها دون استيثاق ودون تبين، فإن كان قرأ مقالتها وقال ذلك فتلك مصيبة، وإن لم يكن قرأها فالمصيبة أعظم!! وقد ارتضى أن يلبِّس على القراء ويأخذهم معه في اتجاه إدانة هذه الأخت!!.

9- عدد الكاتب في زمرة الخارقين لسفينة الدعوة (مَن يتجاوز كل القنوات الشرعية والتنظيمية للنصيحة وإبداء الرأي ويعرضها على الملأ) وإني أسأل (الأخ): ماذا يفعل من سدت في وجهه تلك القنوات، كهذه الأخت التي لمزتَها؟!! ومن يكون الخارق للسفينة ساعتها؟!.

ولا يقولن أحد أيضا إن باب مكتب الإرشاد مفتوح للجميع، فهذا وإن كان صحيحا فهو ليس منطقيا ولا معقولاً ولا عمليا أن يذهب كل صاحب شكاية أو اعتراض أو نصيحة إلى المكتب ليقابل فضيلة المرشد شخصيا لينظر فيما يقول!! وإلا ما فائدة هذا الهيكل الإداري الضخم الذي تقوم عليه الجماعة؟!!.

ولا أذيع سرا إذا قلت إن البعض قد وصلت شكايته بالفعل إلى فضيلة المرشد، في أمر لا يستدعي تدخل فضيلته، وأمر فضيلته باتخاذ إجراء ما تجاه هذه الشكوى، إلا أن الجهة المنوط بها التنفيذ ضربت بأمر المرشد وأمر من أمروا بهذا الإجراء قبله عرض الحائط، بأسلوب أعف عن ذكره ووصفه.

فمَن الخارق لسفينة الدعوة إذن أخي الكاتب بالله عليك؟؟

ومَن الذي لا يحترم القيادة ويسفه كلامها ومواقفها بالله عليك؟؟

10- تحدث الأخ الكاتب عن الذين يلمزون الدعوة وقادتها (الذين باعوا أنفسهم وأموالهم وأوقاتهم لله)، فهل هؤلاء الناصحون – ولا أقول اللامزون – قد باعوا أنفسهم للشيطان؟؟ أليسوا من الإخوان؟؟ ألا يبذلون كما يبذل باقي الإخوان؟؟ ألا يقومون بواجباتهم الدعوية؟؟ أم أنهم يجلسون في أبراج عاجية يجعلون همهم التنظير والنقد دون أن يشاركوا إخوانهم الهم والجهد؟؟.

يا أخي الكريم، هذا كلام لا يقال للإخوان، فلكل منهم حظه من الهم، وحظه من البذل، وحظه من التضحية، ولا يجب أن يزايد الإخوان على بعضهم البعض، وأن يحقر بعضهم بعضا في الجهد والبذل.

ويكفي هؤلاء الناصحين والناقدين أنهم رغم ما يلاقون من أحب الناس إليهم، أنهم ثابتون على النهج ماضون في الطريق، فما الذي يا ترى يدفعهم لهذا الثبات؟؟ أي مغنم يحصلونه؟؟ وأي مطمع ينتظرونه سوى ثواب الله عز وجل؟؟.

11- يقول الكاتب: (فإن الاحتكام إلى مرجعٍ مُرجِّح، والاستنجاد بمنْ يفهم موازين الشرع وفقه الواقع وبواطن الأمور، فريضة شرعية وضرورة بشرية تسير بها أمور الدعوة وتقضي بها مصالح الناس)، ولا غبار على هذا الكلام، ولكن المشكلة في مجال تطبيقه، وتعيين هذا المرجع المرجِّح في المجال الذي يلائمه، حسب تخصصه ومعرفته، فلكل مجال فقهاؤه، وليس هناك الفقيه الجامع الذي يستطيع الفتيا في كل الأمور، الشرعية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، لذا كان من الواجب أن يكون لكل أمير أو مسئول مستشاروه المتخصصون، ليشيروا عليه بالصالح، وعليه حينها أن يلتزم بهذه المشورة، لا أن يتجاوزها لعلة أخرى بدعوى معرفة بواطن الأمور!!.

هذا، وإني أؤكد في النهاية على أن الهدف من مناقشة المقالة المشار إليها، وتحليل خطابها، هو حماية الصف الدعوي من تغلغل هذا النوع من الخطاب الذي نقدر سلامة مقصده وحسن نواياه، ولكن سلامة المقصد وحسن النية لا يشفعان وحدهما لعمل ولا لخطاب إذا جانبه التوفيق، وأفسد من حيث أراد الإصلاح، مع احترامي وتقديري لأصحابه.

هذا اجتهادي على قدر علمي الضئيل، ولا أدعي احتكار الحق وامتلاك الصواب، فما أصبت فيه فمن الله، وما أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان، ومرحبا بكل نقاش يهدف للإصلاح، في ظل قواعد الشرع وآداب الإسلام.

أسأل الله عز وجل أن ينقي قلوبنا، ويغسل سخيمة صدورنا، وأن يحمينا جميعا من نزغات الهوى والشيطان، وأن ينصر دعوتنا، ويبارك في أخوتنا، وأن يرزقنا الرشاد والإخلاص، إنه على ما يشاء قدير