الاثنين، ٨ أكتوبر ٢٠٠٧

انقضى رمضان

انقضى رمضان
وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت


انقضى رمضان .. بصيامه وقيامه ، وركوعه وسجوده ، وتراويحه وتهجده ، وانقضت عشر الرحمة وعشر المغفرة وعشر العتق من النار ، وارتحلت أيامه ولياليه ، حاملة معها أغلى الأوقات وأحب الساعات ، وفي جعبتها العبادات المتواصلة ، والتلاوات المرتلة ، والصلوات الخاشعة ، والأذكار المتجددة ، واستغفارات الأسحار ، وسجدات الليل والنهار ، ودمعات التائبين ، وأنين المستغفرين ، وبكاء المبتهلين .

انقضى رمضان .. بموائده الربانية الحافلة بالخيرات من رب السموات ، مضى شهر الذكر والقرآن، شهر البر والإحسان، شهر الإرادة والصبر، شهر الإفادة والأجر، شهر الطاعة والتعبد، شهر القيام والتهجد، شهر زيادة الإيمان ، ومضت أيامه المليئة بالسرور ، ولياليه المشرقة بالنور ، ومضت 30 يوما بل 30 عيدا من أعياد القلب والروح .

انقضى رمضان .. ولكن نفوس الصادقين لا زالت على العهد ، تردد مع الحبيب صلى الله عليه وسلم " وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت " إنه الحداء الخالد الذي ردَّده الحبيب- صلى الله عليه وسلم- صباح مساء في حديث سيد الاستغفار ، فتربى الصحابة الكرام على هذا العهد، وعاشوا به في رمضان وفي غيره، فكانوا يسعون إلى الله شوقًا، ويطلبون وصاله سبحانه وتعالى في كل وقت وحين ، وسار على الدرب من بعدهم التابعون والصالحون

وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت .. نداء وحداء تردده النفوس التي سطعت فيها شمس الإيمان ، والقلوب التي حيت بالقرآن ، والأرواح التي قويت بها الإرادة من بعد ضعف، وعلت بها الهمة من بعد انتكاس، واشتد بها العزم من بعد فتور .
وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت .. فقد ألقيت في قلبي حب المسجد والارتباط به في رمضان ، وحب الصالحين والمكث معهم ، فأعاهدك يارب .. وأردد لك مع العبد المنيب (عائد أنا من حيث أتيت ، عائد أنا لمسجدي ، عائد إلى الصلاة والركوع والسجود ، عائد إلى الطريق خلف أحمد الرسول ) ، وألا أترك صحبة الصالحين ومجالسة المؤمنين ، وأن أحافظ على البيئة الصالحة المعينة لي على طاعتك.

وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت .. لقد تذوقت في رمضان حلاوة الصيام والقيام إيمانا واحتسابا ، وأعاهدك يارب أن اجعل كل أعمالي وأفعالي وأقوالي إيمانا واحتسابا ، سأجعل صيامي بعد رمضان إيمانا واحتسابا ، وسأجعل طلبي للعلم إيمانا واحتسابا ، وسأجعل أمري بالمعروف ونهيي عن المنكر إيمانا واحتسابا ، وصبري وجهادي إيمانا واحتسابا ، وعملي ودراستي وخروجي ودخولي إيمانا واحتسابا .

وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت .. لقد ملكتني القدرة على الصيام شهرا كاملا فامتنعت عن الحلال فيه إضافة إلى الحرام ، فأعاهدك يارب أن أمتلك ذات القدرة والإرادة على ترك المحرمات واجتناب المنكرات ، والمحافظة على جوارحي من الوقوع في الشهوات والمحرمات ، ومواصلة السير إليك بإرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر .

وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت .. فقد أعنتني على القيام مع الإمام مهما أطال التلاوة في التراويح وفي تهجد الليل ، ومنحتني القدرة على قيام الليل بالساعات الطوال ، فأعاهدك يارب ألا أترك صلاة في جماعة خلف الإمام ، وأن آخذ بنصيبي من القيام طوال العام وألا أقصر فيه ، فهو شرف المؤمن ، وفيه لذة الأنس بك وحلاوة مناجاتك .

وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت .. لقد شرحت صدري بتلاوة القرآن ، وأعنتني على ختمه في رمضان مرة ومرتين وثلاث ، فأعاهدك يارب ألا تصرفني أعمالي عن وردي القرآني ، وألا تأخذني شواغل الدنيا وزخارفها عن حزبي من القرآن وألا أقع في هجر القرآن أبدا (تلاوة أو تدبرا أو حفظا أو فهما أو سماعا) ، وأن أحمل مصحفي دائما في جيبي .

وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت .. فقد ألهمتني في رمضان أن خير الناس أنفعهم للناس ، فأعنتني على خدمة الآخرين وهدايتهم وقضاء حوائجهم ، فأعاهدك يارب ألا أنقطع عن خدمة أمتي ومجتمعي ، وأن أهب وقتي وجهدي وصحتة وعافيتي ومالي وما أملك لدينك ودعوتك ورسالتك .

وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت .. فقد ربيتني على مكارم الأخلاق في رمضان ورزقتني قوة خلق أمام من سابني أو شتمني بقولي " إني صائم " ، فأعاهدك يارب أن أحافظ على أخلاق الإسلام في كل معاملاتي ، وأن أتمتع بحسن الخلق مع أهلي وجيراني وزملائي وإخواني ، في البيت وفي الشارع ، في المدرسة والكلية ، في الشركة والمصنع ، في المسجد والمكتب .

وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت .. فقد أحييت قلبي ونفسي في رمضان ورددتني إليك وجعلتني حييا عفيفا ، فأعاهدك يارب أن أبقى حيا وحييا قلبا وقالبا ، وأن أعظمك في قلبي في كل وقت وحين ، وأن أداوم على الأعمال الصالحة التي تقربني إليك ، وأن أبقى محافظا على نعمة الطاعة وعدم قلبها إلى نقمة المعصية ، وألا أكون " كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا " .

" ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما "

اللهم أعني على الوفاء بعهدي ووعدي معك
و أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
و أعني على السير خلف رسولك وحبيبك
و اجعل موعدنا بحبوحة جناتك وجنانك