الاثنين، ٣١ ديسمبر ٢٠٠٧

نم قرير العين ياشيخ اليمن


نم قرير العين ياشيخ اليمن

نقولها بقلب مكلوم ونفس راضية بقضاء الله وقدره " إن القلب ليحزن ، وإن العين لتدمع ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنا بفراقك يا شيخ عبد الله يا أبا حسين لمحزونون " .

لا أحد زار اليمن أو قرأ عنها خلال العقود الخمس الماضية ما بعد ثورة سبتمبر 62 م ، إلا ووجد شخصية الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر قد فرضت نفسها ، صانعة للأحداث وفاعلة لها ، ومؤثرة فيها ، فقد صدق فيها حس أبو الأحرار الشهيد الزبيري حينما كتب إلى الشيخ الشاب قائلا "انك الآن تحمل أثقال جبال اليمن وسهولها ووديانها وان هيكلك النحيل امتحنه القدر فحمله الأمانة الكبرى نحو الشعب والبلاد "

ومع تناقل خبر وفاته رحمه الله ، تذكرت مقولة " إن حياة الإنسان لا تساوي شيئاً إذا عاش لنفسه فقط لكنها تساوي الكثير إذا عاش لغيره" ، لقد عايشت فترة من حياة الرجل وعايشت الأحداث التي شارك في صناعتها ، وقابلته في مرات قليلة محدودة ما بين 90 و97 م ، ولكنها كانت كافية لتكشف لك عما في هذه النفس من معان وملامح عظيمة قلما اجتمعت في رجل واحد ، أقل ما يقال فيه وعنه أنه رجل بأُمَّة ، فهو رجل المواقف والبطولة والمجد والتاريخ الحافل بنصرة الدين والوطن ، لقد قيل عنه أنه رجل أكبر من الأحزاب ، وأنه من ثوابت الحياة السياسية في اليمن ، وأنه الثائر الذي ساهم في إخراج اليمن من ظلمة عهد الإمامة إلى عهد الجمهورية ، وأنه النجم اللامع في سماء السياسة والاعلام والعمل البرلماني و العمل العام ، وأنه العمود الأبرز والأقوى في أعمدة الحياة السياسية والاجتماعية والتربوية والقبلية في اليمن ، وأنه الركن الركيز لأركان بناء دولة اليمن الحديثة ، وأنه الجبل الشامخ والمناضل الوطني الجسور ، ذلكم هو الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر رائد وقائد حركة الإصلاح الحديثة في اليمن .

نم قرير العين ياشيخ اليمن أقولها بكل ثقة في موعود الله للشيخ الفقيد ، نم قرير العين يا شيخ ، فلن تنس الساحة السياسية الحراك الذي أوجدته بها حينما قمت مع إخوانك الصالحين بتأسيس التجمع اليمني للإصلاح لمواجهة زحف الشيوعيين باليمن ، فقد كنت قمة من القمم الشامخة التي ارتطمت فيها قوى الظلام وكل قوى الشر التي كانت تريد النيل من الإسلام والثورة والجمهورية والوحدة فقد كنت منافحا عن العقيدة والثورة والجمهورية ، ولن تنس اليمن قرارك الحاسم بخوض غمار الحرب ضد الشيوعيين في 94 ، بعد تدهور الوضع العسكري وميله لكفة الشيوعيين ، فكانت وقفتك الجسورة ومعك ( الإصلاح ) ، والتي قضت على فلول الانفصاليين ، ولن ينس (الاصلاح )أنك كنت بمثابة الغطاء والمظلة له ولجماعة الاخوان المسلمين الذين ارتبطت بهم منذ بداياتهم المبكرة في اليمن، وأنك أعطيت للحركة وللحزب الكثير من الجهد والوقت والمال ، فكنت الشخص الذي كانت له اللمسات الكبيرة في مراحل نمو الإصلاح .

نم قرير العين ياشيخ اليمن فلن ننس دفاعك عن قضايا الأمة ، فكم كنت على الدوام مدافعاً صلباً عن المثل العليا ، ولن تنس الأمة العربية والإسلامية إيمانك العميق والصادق بوحدة هذه الأمة ، واهتمامك البالغ بالقضايا الإسلامية عامة ، وبالقضية الفلسطينية خاصة ؛ ودعمك اللامتناهي لإخوانك بفلسطين ، ووقوفك الشامخ أمام المحاولات التطبيعية للعدو الصهيوني مع اليمن .

نم قرير العين ياشيخ اليمن فلن تنس الأمة أنك كنت مهندس اتفاقية الحدود التي وقعت بين اليمن والمملكة في عام 2000م لتنهي خلافا حدوديا بين البلدين امتد لاكثر من سبعين عاما .


نم قرير العين ياشيخ اليمن فلن ننس أنك جعلت من ممارستك للسياسة ، بوابة لتوثيق عرى الألفة والأخوة والمودة والوئام ، ونبذ الشقاق والفرقة ، والبعد عن الخداع والغش السائدين في العمل السياسي ، ولن ننس إثراءك العمل السياسي والحزبي بمفاهيم الوسطية والاعتدال والقائمة على التوازن المنحاز إلى المصلحة الوطنية ، وولن ننس صفة الاعتدال في تعاطيك مع كافة الأحداث والمواقف ، وجمعك بين مهام تنوء بحملها الجبال فأنجزت كل مهمة دون ميل أو تحيز ما بين رئاسة مجلس النواب ورئاسة الاصلاح وشياخة قبائل اليمن

نم قرير العين ياشيخ اليمن فلن تنس اليمن سعيك إلى إصلاح ذات البين، بين جميع قبائلها الذين يكنون لك وداً واحتراما وتقديراً فاق كل التصورات ، فقد كنت بعيدا عن التعصب لهذا أو ذاك ، ولم تدخل في قضية إلا وحللتها وأوجدت لها مخرجا، وكان دورك السياسي أكثر وضوحا ، فقد كنت بحق الشخصية اليمنية الحقيقية في الوفاء والصدق والشفافية والتواضع وحب الوطن ، مع تمتعك بذكاء خارق وبصيرة نافذة و رؤية ثاقبة ، فاستطعت أن تبقى على الدوام صاحب علاقة متميزة مع الجميع، ولك مرجعية ترجيحية في سائر الأحوال والمواقف طوال نصف قرن ، فلن ننس حياتك المفعمة بالنضال والتضحية والايثار والحيوية والنشاط ، فقد كنت ممن نالوا احترام الجميع وتقديرهم على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم الفكرية ،

نم قرير العين ياشيخ اليمن يا صاحب القلب اليمني الكبير ، ويا صاحب الوعي البصير البعيد عن التهور واستعجال الأمور قبل أوانها ، الشخصية الجامعة التي حملت من الصفات العظيمة نادرا أن توجد في غيره لأحد حكماء التاريخ السياسي اليمني الذين مثلوا في فترة تاريخية صمام أمان وعامل من عوامل الاستقرار، فقد علمتنا أسلوبا فريدا في التعامل مع الخصوم، الأ وهو الغضب الصامت ورد الفعل المختصر ، والانحناء بحكمة كبيرة للعاصفة العاتية التي سرعان ما تنقشع ، فكنت بحق ضابط إيقاع الحركة السياسية في اليمن عبر تاريخها الحديث .

نم قرير العين ياشيخ اليمن فلن ينس أيتام اليمن دموعك المنهمرة التي تنساب منك وأنت تراهم في حفلاتهم السنوية وحينما تستمع إلى شكواهم ، فكنت تسارع إلى كفالتهم ، ولن ينسوك وأنت ترعاهم وتحتوي همومهم وآلامهم ، ولن ننساك وأنت تشجع حملة القرآن الكريم وتحفيظه والعلوم الشرعية وتشجع الجمعيات الخيرية في رعاية الأيتام والأرامل والمساكين, ولن ننس دورك البارز ومساهمتك المادية والمعنوية في جميع هذه المجالات ، ومناصرتك قضايا النقابات والاتحادات الجماهيرية ، ودعمك هذا العمل بنفسك وبجهدك ومالك ماديا ومعنويا.

نم قرير العين ياشيخ اليمن فلن تنساك سهول اليمن ولا جبالها ولا هضابها ، ولن تنساك صنعاء وميادينها وأحياؤها ، والتي شهدت صولاتك وجولاتك ، ولن ينس ميدان السبعين مسيرتك المليونية الحاشدة ، ولا ميدان التحرير ، ولا باب اليمن ، ولن تنس شوارع صنعاء ( الزبيري وعلي عبد المغني والقصر وجمال وغيرها ) مواكبك الحاشدة نصرة للحق ، ولن تنساك ساحة وجنبات ورواد مسجد الدعوة ، المجاور لبيتك في حي "الحصَبة" والذي كنت ملازما له في صلواتك ، كل هذه الأماكن وغيرها لن تنساك ، فستظل بصمات سيرتك وما تركته من آثار على مسيرة اليمن ستظل منارات يستلهم منها اليمنيون ما يستكملون المسيرة ، وهم مزودون بالمثل العالية العظيمة التي تجسدت في مسيرتكم .

اللهم ان عبدك ( عبدالله بن حسين الأحمر ) في ذمتك رحل إلى جوارك ، اللهم هوّن عليه سكرات الموت وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين وارحمه وعافه واعف عنه، وأكرم نزله ووسع مدخله وافسح له في قبره ونوّر له فيه ، ويسر حسابه ويمن كتابه ، وشفع فيه نبيك ومصطفاك .


الأحد، ٣٠ ديسمبر ٢٠٠٧

رحم الله الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر



اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير.
يا الله يا حي يا قيوم يا من لا تأخذه سنة ولا نوم , يا بديع السموات والأرض , يا فالق الحب والنوى , يا ذا الجلال والإكرام يا عظيم العفو , يا واسع المغفرة يا قريب الرحمة , نسألك بعزك الذي لا يرام وملكك الذي لا يضام , يا هادي المضلين ويا راحم المذنبين , يا من عنت له الوجوه وخضعت له الرقاب , وخشعت له الأصوات وفاضت له العبرات , ورغمت له الأنوف , انقطع الرجاء إلا منك , وخابت الظنون إلا فيك , وضعف الاعتماد إلا عليك .
اللهم اغفر للشيخ (عبدالله بن حسين الأحمر ) و هوّن عليه سكرات الموت وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين و اغفر لنا وله يا رب العالمين وافسح له في قبره ونوّر له فيه.
اللهم اغفر للشيخ ( عبدالله الأحمر ) وارحمه وعافه واعف عنه، وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الابيض من الدنس.وأبدله دار خيرًا من داره واهلا خيرًا من أهله وزوجًا خيرًا من زوجه، وأدخله الجنة وأجره من عذاب القبر ومن عذاب النار.
اللهم ان ( عبدالله الأحمر ) في ذمتك رحل الى جوارك فقه فتنه القبر وعذاب النار فأنت أهل الوفاء والحق فاغفر له وأرحمه إنك أنت الغفور الرحيم اللهم عبدك وابن عبدك احتاج إلى رحمتك إن كان محسنا فزد في حسناته، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه يارب العالمين.
اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان.اللهم لاتحرمنا أجره ولا تفتنا بعده و اغفر لنا و له .
اللهم نسألك أن تكفينا ما أهمنا وما أغمنا وأن تجبر كسرنا , وأن تعظم أجرنا وأن تعيذنا من شرور أنفسنا , وأن ترحم موتانا وأن تلطف بمبتلانا , وأن ترحم غربتنا في الدنيا ومصرعنا عند الموت , ووقوفنا بين يديك وأن تقينا من ميتة السوء ومن يوم السوء وساعة السوء , وليلة السوء وجار السوء وصاحب السوء , وأن تعيذنا من النفاق وسوء الأخلاق.اللهم اكشف كروبنا ونفّس همومنا واقضِ حاجاتنا , اللهم هبنا عطاءك ولا تكشف عنا غطاءك , ورضنا بقضائك .
اللهم اغفر لجميع موتى المسلمين , اللهم اجعل قبورهم من الجنة رياضاً.اللهم إنهم عبيدك بنو عبيدك بنو إمائك , احتاجوا لرحمتك وأنت غني عن عذابهم , اللهم زد في حسناتهم وتجاوز عن سيئاتهم , فأنت أرحم بهم من أمهاتهم , لا إله غيرك , ولا معبود سواك , لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا.
وصلِّ اللهم وسلم على محمد وآله وصحبه وسلموآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

الخميس، ٢٧ ديسمبر ٢٠٠٧

مفهوم الحرية والضغط الأخلاقي

مقال رائع للدكتور محمد بديع أحببت أن ينور مدونتي :
هل الحرية مطلقة؟! وهل تعني أن يفعل كل إنسان ما يشاء وأن يقول ما يريد وبلا حدود؟!

أعتقد أن الجميع سيقولون بالطبع "لا"؛ فللحرية حدود، ولكن الجميع أيضًا سيختلفون على مَن يضع هذه الحدود ومن له هذا الحق!!.

هل تضع الدولة الحدود للحرية؟ أم هل يضع أفرادُ الناس الحدودَ لحرياتهم بأهوائهم أو إن شئت فقل هل يضع الأفراد الحدود لحريات الآخرين عند نهايات حرياتهم هم؟! وما هي ضوابط الحدود التي تُترَك للدولة لتضعها لحريات مواطنيها، وقد رأينا كيف تضيِّع طبيعة قيادة أي دولة قراراتها وتشريعاتها فيما يخصُّ حريات المواطنين والتوازن بين أمن الوطن وأمن المواطن؛ فمثلاً إذا كانت القيادة عسكريةَ الطبع والتربية والنشأة، فإنها تضع حدودًا صارمةً ديكتاتوريةً تصبغ كل شئون حياة الناس وما عليهم إلا السمع والطاعة وإلا!!!..

وعندما تكون القيادة بوليسيةً تكون ضوابط الحريات بوليسيةً أمنيةً، وعندما تكون القيادة رأسماليةً تضع الضوابط التي تحقِّق أقصى مكاسب وأرباحًا ماليةً.

وعندما تكون شيوعيةً ذات مبدأ عقائدي، بمنع حريات الأديان التي تهدد مبدأ الشيوعية "لا إله والحياة مادة"، وتمنع كل حرية لنشر أي دين، وعندما تكون القيادة علمانيةً وحكوماتها المتعاقبة كذلك تكون أشبه بحرية الفوضى؛ كي تكون هناك فرجةٌ في أي اتجاه ومن أي فكر يفصل بين الدين والدولة، ويقلل من ارتباط الناس بعقيدتهم بحثًا عن أي حياة وبأي شكل وتصبح الضوابط أقرب إلى "لا ضوابط".

وفي النهاية.. من يضع حدود الحرية إذا اتفقنا أنه لا بد أن تكون للحرية حدود؟! يظن كثيرون أننا عندما ننادي بسيادة القيم والمبادئ الإسلامية أننا نجبر الناس على الدخول في الإسلام، وهذا خلط بين الدين والتدين.

الدين منهاج رب العالمين الذي وضعه للبشرية جمعاء؛ كي يكون رحمةً لهم.. نعم تتم الرحمة إذا دخل الإنسان هذا الدين بنص قول الله عز وجل: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا﴾ (المائدة: من الآية 3) ولكن هناك زاوية أخرى، كيف يكون رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رحمةً للعالمين، أي لكل العوالم البشرية والحيوانية والنباتية والكونية وسائر المخلوقات ممن نعلم وممن لا نعلم.. كيف؟!

سأستدلُّ فقط بقول كفار مكة عن طبيعة هذا الدين، وهم لم يؤمنوا به، وحتى لم يعترفوا بنبوَّة الرسول- صلى الله عليه وسلم- قالوا: "والله إن لم يكن هذا دينًا فهو خلقٌ في الناس كريم".

وبنظرة سريعة إلى الوصايا العشرة، نجدها أصولاً للقيم والأخلاق في رسالة سيدنا موسى وسيدنا عيسى وسيدنا محمد عليهم الصلاة والسلام أجمعين، أي أن القيم والمبادئ التي يحملها هذا الدين لا يختلف عليها اثنان، سواءٌ من دَخَل فيه وصار من أتباعه، أو حتى من لم يعترف به وناصَب أهلَه العَدَاء بغيًا أو حسدًا أو صراعًا، كيف اختار لنفسه سبب العداوة، بدليل أنهم- رغم عداوتهم للرسول الكريم وتآمرهم على قتله صلى الله عليه وسلم- فهم منتفعون بقيم هذا الدين ومبادئه، التي تحكم أصحابه، وتضبط حركتهم، وتمنعهم من الغدر والخيانة حتى لمن خانهم ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58)﴾ (الأنفال).

لذا وجدنا كفار مكة يضعون أماناتهم عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهم الذين يتآمرون على قتله مكرًا وحقدًا وحسدًا وبغيًا، بل كان العار الذي لحق بهم عندما وجدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخلف ابن عمه علي رضي الله عنه ليردَّ الأمانات لأصحابها الذين غدروا به وتآمروا إما على قتله أو سجنه أو طرده ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)﴾ (الأنفال).

فلحق بهم العار عندما وجدوا عليًّا ووجدوا أماناتهم، ونجا محمد صلى الله عليه وسلم بحفظ الله، فهذه طبيعة الدين وأخلاق أهله، وهذه طبيعة الكفر وخسَّة أهله، وكل إناء بما فيه ينضح، وهذا من جهة أخرى حفظُ الله لدينه، وكيده ومكره، وهو خير الماكرين.

نعود إلى قضيتنا الأصلية من يضع حدود الحرية؟! وقد عانينا كثيرًا من نُظُم قنَّنت الظلم، وجعلت حدود الحرية هي ما تحقّق لها البقاء في السلطة، ومنعت كل ما يُخشَى منه أن يزول سلطانها به، حتى ولو كانت قواعد الديمقراطية والحرية في إبداء الرأي والانتخاب والاختيار.

فتغوَّلت السلطة التنفيذية الحامية للسلطان والملك على السلطة التشريعية؛ حتى لا تشرع أي قانون يخالف رغبتها الجامحة في الاستبداد والاستئثار، وتحالفت مع رأس المال ورجال الأعمال لتبادل المصالح وتكامل المنافع، فتجمعهم السلطة، وتعطيهم مظلة السلب والنهب بحرية وبالقانون، مستفيدين من التغلغل في التشريع والسيطرة على التنفيذ.

وحتى على المستوى المطلق هل يمكن أن يضع ضوابطَ الحرية بشرٌ أو مجموعةٌ من البشر، لهم ميولٌ، ولهم هوى، ولهم ارتباطات، ولهم مصالح؟! هل يمكن أن يضعوا ضوابط للحرية تحدُّ من سلطاتهم ورغباتهم وأهوائهم، وتعطِّل مصالحهم، أو تقلل منها، ويعلم الجميع أن النفس لا تشبع مهما أوتيت "لو أن لابن آدم واديًا من ذهب، لتمنَّى أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب ويتوب الله على من تاب".

وبالتالي، هل يرفض عاقل أن يضع ضوابط الحرية خالق البشر المنزَّه عن الشبيه والنظير، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، والذي لو كان معه غيره لفسدت السماوات والأرض، ويقبلها من البشر الناقصين أصحاب الهوى؟!

وسيقول قائل: نحن لا نرفض مبادئ الدين، ولكن نرفض تفسيركم أنتم للدين ولضوابطه، والتي ستضعونها، فتصبحون بذلك مثل غيركم، تضعون حدودًا للحرية، تخدم رؤيتكم أنتم وليس حقيقة الدين؟!

ونقول- وبالله التوفيق-: إن القيم والمبادئ وأصول الأخلاق الحاكمة على الاجتماعيات والسياسات والاقتصاديات وسائر المعاملات، أي أصول وقواعد التشريع الإسلامي، لا خلافَ عليها، ليس فقط بين أصحاب الديانات السماوية، بل بين كل الشرفاء والوطنيين والصادقين في رغبتهم أن يعيشوا مواطنين صالحين مصلحين لا فاسدين ولا مفسدين.

وإليكم نموذجًا من التعايش والتضامن، يجسِّده حلف الفضول في الجاهلية، ويؤكده الإسلام في دولته بقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- "لو دُعِيْتُ به في الإسلام لأجبت" أي أن رفع الظلم والوقوف في وجه الفساد يرغب فيه كل صالح مصلح ويدعو إليه الإسلام لتتكافل جهود أبنائه مع كل جهود المخلصين، وفارق واحد رئيسي أن أتباع هذا الدين يقفون هذه المواقف ابتغاءَ مرضاة الله، لا يخافون في الله لومة لائم، ولا ينتظرون ممن يقفون معه جزاءً ولا شكورًا، ولهذا يدوم هذا الموقف ولا ينقطع، ويتصل مع غيره من أصحاب مثل هذه المواقف ولا ينفصل، أما غيرهم فعلى قدر طاقة كل واحد منهم وحدود صبره وحدود تحمُّله يكون الموقف ويتحقق الثبات.

وبالله عليكم، مَن يَكره أن يقف أحدٌ في وجه الظلم؟ حتى من لا يستطيع أن يفعل ذلك يحبه!! وكذلك من يكره أن يدافع أحد عن حرية الآخرين ولو لم يقدر هو أن يفعل ذلك؟!

ولذلك سُمِّي المعروف معروفًا بين الناس وسُمِّي المنكر منكرًا بين الناس؛ فهي منحة من الله عز وجل "وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا".

أما الحرية أو ضوابطها فقد يقول قائل- عندما نناقش الضوابط الأخلاقية الشخصية- إن هذا قيد على الحرية الشخصية، وهذه الحجة من تلبيس إبليس على النفس البشرية، أليس هذا القيد عليك يحميك أيضًا بوضع نفس القيد على الآخرين؛ لحماية عِرضك ومالك وشرفك وكرامتك؟! أما إذا قبلت التفريط في حقك فللمجتمع عليك حقوق لا بد من مراعاتها.

وقد قرأت قديمًا في مجلة (الإخوان المسلمين) أن الضغط الأخلاقي يشبه الضغط الجوي، هو ضغط فعلاً (76 سنتيمتر زئبق) ولكن الرئة وتركيب الهواء الجوي المحيط بنا متوائم تمامًا مع بعضها البعض، بل وبغيره يختل النظام ويضيق الصدر؛ لذا إذا رفعنا الضغط الجوي عن الجسم انفجر وإذا رفعنا الضغط الأخلاقي عن المجتمع فجر.

وعلى هذا يجب وضعُ حرية المرأة بل وأيضًا حرية الرجل وحرية المجتمع وحرية الحاكم وحرية الجيش وحرية الشرطة وحرية الصحافة وحرية الفن.. في داخل هذه الدائرة الكبيرة، التي تحيط بالبشرية جميعًا.. نظام عام عالمي للقيم والأخلاق، وضَعَه مَن وضَع نظام العالم كله، من ليل ونهار، وأرض وسماء، وماء وهواء، ومخلوقات متوازنة في حقوقها وواجباتها سبحانه وتعالى ﴿لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ﴾ (سبأ: من الآية 3)، سبحانه وتعالى ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)﴾ (الملك).

وختامًا.. يجمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كل القضية في كلمات من جوامع الكلم "اعمل ما شئت فإنك مجزي به.. اعمل ما شئت كما تدين تدان"، فلك كل الحرية المسئولة التي يقابل فيها كل حق واجب، وسوف تُسأَل عن عمرك وعن شبابك وعن عملك وعن مالك فأعد لكل سؤال جوابًا.

وقد قال الأستاذ البنا- رحمه الله- عن ضرورة توحيد جهود المسلمين وجمع كلمتهم على أصول القواعد ونبذ الخلافات: "يكفينا أن نجتمع على ما يصير المسلم به مسلمًا"، وهذا ضابطٌ أصوليٌّ في ترتيب الأولويات (انظر فقه الأولويات) للدكتور يوسف القرضاوي، وقاعدة أخرى تجمع المسلمين مع غير المسلمين: "لهم ما لنا وعليهم ما علينا"، هيا لنتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه
منقول من اخوان اون لاين :

السبت، ١٥ ديسمبر ٢٠٠٧

يوم عرفه واشوقاه

يوم عرفه واشوقاه

واشوقاه
"اطلبوا الخير دهركم كله وتعرضوا لنفحات رحمة ربكم ، فإن لله نفحات من رحمته ، يصيب بها من يشاء من عباده" إنه التوجيه النبوي والتربية المحمدية للأمة ، على كيفية استغلال المناسبات والأيام المباركات والتعرض لنفحات الله ورضوانه ، والاستفادة منها في تحقيق التزكية والتربية الراشدة للفرد والبيت والمجتمع ، وها هي نفحات الله في موسم الخير تطل علينا من جديد في خير يوم طلعت عليه الشمس ، في يوم موعود ومشهود ومجيد ، إنه يوم عرفه ، ذلكم اليومٌ العظيم الذي يُعد من مفاخر الإسلام ، فإنه أفضل أيام الدنيا على الإطلاق، بساعاته ودقائقه وثوانيه ، وهو أحب الأيام إلى الله تعالى ، إنه اليوم المعروف بالفضل وكثرة الأجر ، إنه يوم مغفرة الذنوب والتجاوزعنها ، ويوم العتق من النار ، ويوم المُباهاة ، واليوم الذي تجاب فيها الدعوات ، وتقال العثرات ، وهو يوم عيد للمؤمنين ، ويوم إكمال الدين وإتمام النعمة على هذه الأمة ، إنه اليوم الأغر الذي مع أول شعاع له إلى غروب ليلته ، تتقلب أمة محمد – صلى الله عليه وسلم - علي موائد كرم ربها تستمتع بنهاره في طاعة الله عز وجل ، فيطلعهم الله فيه علي بعض مظاهر عفوه وسعة رحمته ، فواشوقاه واشوقاه واشوقاه .
اليوم الأغر
· أفضل أيام العمر وأفضل أيام السنة على الاطلاق ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه : " كان يقال في أيام العشر: بكل يوم ألف يوم، ويوم عرفة بعشرة آلاف يوم " .
· أفضل الدعاء دعاء يوم عرفه ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " خيرُ الدعاءِ دعاءُ يومِ عرفة " ، وفيه قال ابنُ عبد البر :" في الحديث من الفقه أن دعاء يوم عرفة أفضل من غيره ، وفي ذلك دليل على فضل يوم عرفة على غيره ، وفي الحديث أيضاً دليل على أن دعاء يوم عرفة مجاب في الأغلب "
· أفضل الذكر ذكر يوم عرفه ، " وخيرُ ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير "
· أفضل الصوم صوم يوم عرفه ، سُئلَ الحبيب عن صومه فقال : " يكفر السنة الماضية والسنة القابلة " .
· أفضل أيام الحج يوم عرفه ، فهو يوم الحج الأعظم ، قال صلى الله عليه وسلم: " الحج عرفة "
· أفضل العتق عتق يوم عرفه " مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ " ، وقد ذكر ابنُ رجب في اللطائف : " أن العتقَ من النار في هذا اليوم عام لجميع المسلمين " .

مدرسة تربوية :
يمثل يوم عرفه أروع مدرسة للتربية الإيمانية والروحية ، التي يمكن أن يستفيد منها المسلم ، ويستغلها الاستغلال الأمثل للارتقاء بنفسه ايمانيا وتربويا ودعويا وحركيا ، وهو مدرسة تربوية متكاملة ، تضم :
(1) تربية اغتنام الفرص : فهو يوم لا يأتي إلا مرة واحدة في العمر ، والمسلم مطالب باغتنامه في الطاعات والقربات ، لما فيه من فرص التقرب إلى الله تعالى ، وتزكية النفس وتنميتها بما يرفع من معنوياته ، ويعينه على مواجهة الحياة ، ووصية ابن رجب الحنبلي واضحة " الغنيمة الغنيمة بانتهاز الفرصة في هذه الأيام العظيمة . فما منها عوض ولا لها قيمة ، والمبادرة المبادرة بالعمل ، والعجل العجل قبل هجوم الأجل" .
(2) تربية التفاعل : فهو يوم للتفاعل الإيجابي ، الذي يمكن المسلم من تغيير نمط حياته ، وكسر الروتين الذي اعتاد عليه ، يوم يتفاعل فيه المسلم مع وقفة الحجيج بعرفات ، فيستلهم منهم الخضوع والاستكانة والذل بين يدي مولاه ، وشدة الإقبال والالحاح عليه في الدعاء .
(3) تربية التواصل : فهو يوم تتحقق فيه استمرارية المسلم في العبادة وتواصله طيلة حياته مع خالقه سبحانه وتعالى من خلال أنواع العبادات والطاعات المختلفة ، فإن تعاقب الأيام المباركات تحقق تربية تواصلية في النفس ، وتؤكد على أن حياة الإنسان المسلم كلها طاعةٌ لله ، ليظل الفرد على صلةٍ دائمةٍ بخالقه .
(4) تربية الشمول : فهو يوم تتجلى فيه شمولية العمل الصالح المتقرب به إلى الله عز وجل ، وفي هذا تربيةٌ على الإكثار من الأعمال الصالحة ما بين ( ذكر ودعاء واستغفار وصلاة وصيام وصدقة وحج وعمرة تامة) ، كما أن تعدد العبادات وتنوعها يغذي جميع جوانب النمو داخل النفس البشرية ( الروح والعقل والجسد ) .
(5) تربية التنافس : ففيه يُفتح باب التنافس في الطاعات ، ويتسابق الناس على فعل الخير ، من العبادات المفروضة ، والطاعات المطلوبة من حجٍ وعمرةٍ ، وصلاةٍ وصيامٍ ، وصدقةٍ وذكرٍ ودعاءٍ ...الخ ، وفي ذلك توجيهٌ تربويُ لإطلاق استعدادات الفرد وطاقاته لبلوغ غاية ما يصبو إليه من الفوائد والمنافع والغايات الأُخروية المُتمثلة في الفوز بالجنة ، والنجاة من النار .
(6) تربية المجاهدة : ففي يوم عرفه تتحقق المجاهدة بأروع صورها ، حين يغالب المسلم نفسه ويحملها على صنوف الطاعات كلها في آن واحد ، فتتحقق له مجاهدة رائعة وكسر لشهوات النفس على أهمية إحياء مختلف السُنن والشعائر الدينية المختلفة طيلة حياته ؛ لاسيما وأن باب العمل الصالح مفتوحٌ لا يُغلق منذ أن يولد الإنسان وحتى يموت انطلاقاً من توجيهات النبوة التي حثت على ذلك ودعت إليه ، وليس هذا فحسب ؛ فيوم عرفه زاخر بكثيرٍ من الدروس والمعاني والمفاهيم التربوية ، التي لا تحصى ولا تعد .
إذا تبين لك كلُّ هذا، فحريٌّ بك أن تَخُص يوم عرفة بمزيد عناية واهتمامٍ ، وأن تحرص على مجاهدة نفسك بالطاعة ، وأن تكثر من أوجه الخير وأنواع الطاعات، بما يؤهلك لرضا الله ورحمته ، لذلك .. إليك أخي الحبيب برنامجا نحسبه أهلا لنيل مغفرة الله عز وجل ورضوانه في هذا اليوم الأغر :

أعمال يوم عرفه:
من ( 3– 5 ص) : استيقاظ ووضوء وتنسم عبير السحر ، قراءة في الرقائق ، صلاة التهجد امتثالا لقوله تعالى " ومن الليل فتهجد به نافلة لك " أربع ركعات على الأقل ، ورد ذكر ( تسبيح/ تحميد/ تهليل/ تكبير/ حوقلة/ صلاة على النبي/....) ، تناول وجبة السحور ، فإن في السحور بركة ، وصلاة الوتر مع الدعاء لك ولأهل بيتك و للاسلام والمسلمين ولدعوة الله والقائمين عليها وللمعتقلين ولمن سألك الدعاء وأصحاب الحاجة من إخوانك.

من ( 5 – 7) الذهاب إلى المسجد ، والاستغفار في هذا الوقت أفضل من الصلاة لقوله تعالى " والمستغفرين بالاسحار " حتى يؤذن لصلاة الفجر ، فتؤدي الصلاة ، والبقاء بالمسجد حتى الشروق ، أذكار الصباح ، ثم تلاوة الورد القرآني حتى تشرق الشمس ، ثم صلاة ركعتين ، لعل الله أن يرزقك أجر حجة وعمرة تامة تامة .

من ( 7 – 10) راحة تعينك على طاعة الله بقية اليوم .

من ( 10 – 11.45) الاستيقاظ وصلاة أربع ركعات ضحى ، ومشاهدة وقفة الحجيج في رحاب عرفات من التليفزيون وسماع خطبة عرفة من المشاعر المقدسة ، مع الإكثار من الذكر والتلبية مع الملبين .

من ( 11.45- 2.30) صلاة الظهر مع الاستزادة من السنة القبلية والبعدية ، اجعل شعار هذه الفترة "وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه" ، فتقرب إلى الله بصلاة أربع ركعات ، ثم تلاوة جزء من القرآن ، وقضاء حوائج المسلمين ، والمشاركة في العمل الدعوي المنوط بك .

من ( 2.30 – 6 ) أداء أربع ركعات قبل صلاة العصر ، ثم صلاة العصر ، ثم ورد ذكر ، لحظات الوداع لهذا اليوم ، فاسكب العبرات وأنت تشاهد نفرة الحجيج من عرفات ، وليكن همك الإلحاح في الدعاء أن يعتقك الله في هذا اليوم من النار، ثم اختم بأذكار المساء وصلاة المغرب والافطار ودعاء أن يتقبل الله منك ، يقول الإمام النووي : (فهذا اليوم أفضل أيام السنة للدعاء ، فينبغي أن يستفرغ الإنسان وسعه في الذكر والدعاء وقراءة القرآن ، وأن يدعو بأنواع الأدعية ويأتي بأنوع الأذكار ، ويدعو لنفسه ويذكر في كل مكان ، ويدعو منفردا ، ومع جماعة ، ويدعو لنفسه ووالديه وأقاربه ومشايخه وأصحابه وأصدقائه وأحبابه وسائر من أحسن إليه وجميع المسلمين ،وليحذر كل الحذر من التقصير في ذلك كله ، فإن هذا اليوم لا يمكن تداركه بخلاف غيره )

أخي الحبيب :
· إذا كنت ممن أنعم الله عليهم بالزوجة والذرية فلا تنسَ أن تشركهم معك في هذا البرنامج الرباني .
· إذا كنت ممن أنعم الله عليهم بصحبة صالحة فتعاهد معهم على تنفيذ هذا البرنامج وذكروا به بعضكم بعضا ، وإن سنحت لكم الفرصة لتنفيذه معاً في مسجد فهو الخير كله .
· اعمل على نشر هذا الخير في المحيط الذي تحياه من أهلك واخوانك وجيرانك وأحبابك .
· اجتهد في هذا اليوم أن تكون من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات ، ولاتنس اغتنام ساعات الدعاء المجابة طوال اليوم .
· أفرغ نفسك هذا اليوم من كل شواغلك ، ما لم تكن ملتزماً بعمل دعوى ، فهو يوم سعدك .
· كن على وضوء دائماً طوال يومك ، وأحدث لكل وضوء صلاة ركعتين .
· لا تنسَ مع كل عمل ( استحضار النية– الإخلاص – استشعار معية الله – تجديد التوبة – خشوع القلب) .
· لا تنسَ التكبير من مغرب يوم عرفة وحتى عصر ثالث أيام التشريق .
· اعقد العزم على أن تحدث عملا صالحا ( خبيئة بينك وبين ربك ) في هذا اليوم .
· احرص على تهنئة الأهل والجيران بالعيد ، ولا تنسَ القيام بواجب الدعوة والنصح لهم .


أخي الحبيب
هي لحظات قصيرة ، وسويعات قليلة ، وثوان معدودة ، وترتحل من بين أيدينا ، فاجعل من هذا اليوم ميلاد فجر جديد في حياتك ، وسيرك إلى الله تعالى ، فلنتعرض لها ، فأقبل على هذا الخير الكبير واعمل فيه وبه ، واغتنم ساعة بساعة ، وتذوق معنا حلاوة الايمان وجدِّد عبيرها في نفسك تكن من الغانمين ، وليكن مع بزوغ فجر يوم عرفه ، بزوغاً آخر للنور في قلبك وللاستقامة على الدرب ، وللالتزام بمنهج الله ولإحياء الربانية في نفسك ومن معك ، وحرك معاني الشوق في مكامن روحك ، واغرس شجرة شحذ الهمم والشوق للمعالي لعلك تفتح بابه ، فتنال سعادة لا شقاء بعدها ، ومغفرة لا يؤرقها ذنب ، فالغنيمة الغنيمة بانتهاز الفرصة في هذا اليوم العظيم . فما منها عوض ولا لها قيمة ، وقدم دموع الندم واستغفار السحر ، والحق بالقافلة ، واطرق أبواب الجنة ، بادر وسارع وسابق .. فما زال في قلبك أمل ، وربك الرحيم يغفر الزلل ، والجنة تدعوك بلا ملل ، فهل آن أن تتعرض لنفحات رحمة الله ؟؟

الأربعاء، ٥ ديسمبر ٢٠٠٧

عشر ذي الحجة محطة سفر إلى الجنة

عشر ذي الحجة محطة سفر إلى الجنة

مقدمة :

" واهاً يا أيام البدء " صيحة ضمير ونبضات قلب حي ، نطق بها الإمام الجنيد رحمه الله ، في شوق وحنين إلى بدايات الالتزام على الطريق ، إنها اللحظات التي تكون الروحانيات فيها عالية ونفسية المرء في أعلى قممها من الاقبال على الله ، والبكاء بين يديه والخشية منه ، وحسن التوجيه إليه ، " واهاً يا أيام البدء " أجد نفسي بين الحين والآخر ترددها مع الجنيد رحمه الله ، شوقاً إلى الأيام الخوالي الصائمة معي لله ، وحيث الليالي النوارنية القائمة معي لله ، وحيث التلاوة الخاشعة والدموع المنهمرة خوفاً وجزعاً وخشوعاً للمولى الكريم ، " واهاً يا أيام البدء " يجذبنا شوقاً إليها إطلالة العشر الأوائل من ذي الحجة ، و بشائر الخير التي تطل علينا ، فنحن علي موعد نلتقي فيه بأيام مباركة طيبة، وتقبل علينا أيام طيبات تحمل معها نفحاتٍ كريمةً من ربٍ كريمٍ ، تبعث في نفوس المسلمين المحبة والشوق ، فتهز مشاعرهم وتستجيش عواطفهم ، فتسوقهم إلى رحاب الطاعة ومحراب العبادة ، امتثالا لقول الحبيب صلى الله عليه وسلم (( ما من أيام أعظم عند الله سبحانه و لا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل و التكبير و التحميد )).


نعم المشروع هو
" واها يا أيام العشر " فهي أفضل الأزمنة وأشرف الأوقات ، التي يدنو الله عز وجل فيها من عباده، ويفتح لهم أبواب المغفرة، ويجزل لهم العطاء، ويكون العمل فيها أرجى للقبول، والدعاء فيها أقرب للإجابة ، وهي الفرصة الأعظم للمسلم لتجديد حياته ، وزيادة الإيمان في قلبه ،فهي الأيام التي تقترب فيها الأرض من السماء، وتتفتح السماوات بأنوارها وفيضها وخيراتها فتعم أرجاء الأرض ، الأيام التي ينافس فيها البشر الأطهار الملائكة الأبرار ، إنها الأيام العظيمة التي يتجلى فيها الرب الجليل الكريم علي عباده ويفيض عليهم من خيره ويفيض عليهم من رحماته وبركاته , ويسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة فيغفر لعباده ويتوب عليهم ويعتق رقابهم من النار " ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيدًا من النار من يوم عرفة "
أخواني الأحباب .. إنها أيام أغلى من الذهب ، فمن استطاع منكم أن يتفرغ لها فليتفرغ, و من استطاع منكم أن يعيش من أجلها فليعش ، وأذكركم ونفسي بقول أبي مسلم الخولاني : ( أيظن أصحاب محمد أن يستأثروا به دوننا ، والله لنزاحمنهم عليه حتى يعلموا أنهم خلفوا وراءهم رجالا ) فهيا إلى التنافس فيها في الخير والعمل الصالح ، وليكن شعارنا في هذه الأيام ( والله لنزاحمنهم ) مزاحمة الصحب الكرم على مرافقة الحبيب ، ومزاحمة الحجيج على نيل المغفرة في يوم العتق الأكبر ، فتكون الأيام العشر بحقٍ محطة سفر إلى الجنة .

لماذا المشروع ؟
· دعاء ورجاء أن نحسن استغلال العشر كما يحب ربنا ويرضى ، والتعرض لنفحات الله ، وإحياء الربانية وروح التنافس في الخير ، طمعا أن يشملنا الله برحمته ، و أن يدخلنا في عداد ( أشهدكم أني قد غفرت لهم ) .
· نداء وحداء حرصا على تقوية ربانيتنا والتي هي زادنا ووقود حركتنا الدعوية والتربوية .
· سعياً للانفتاح على المجتمع ، بنشر الخير في المجتمع ، ودعوة الناس جميعا لاستثمار العشر فيما يحب ربنا ويرضى .

فكرة المشروع :
استغلال عشر ذي الحجة المباركات في تحقيق الارتقاء الايمانى والروحي والرباني في النفس ، وفق محاور العمل الفردية والأسرية والجماعية والمجتمعية بما يحقق الاستفادة القصوى والاستغلال الأمثل لنفحات الله ، ووضع خطة لذلك ، مع إعداد كل ما يلزم للتنفيذ من ( المصحف وحامله المعدني – الأوراد – المسبحة – السواك – كتيبات ومطويات – خواطر وكلمات – ملصقات .... الخ )

آلية تنفيذ المشروع :
1- أعمال فردية :
· المسارعة بالتوبة الصادقة ، وتكرارها كل يوم وليلة
· تجديد النية لله في كل قول وعمل ، واستحضار أكثر من نية في العمل الواحد .
· الانتظار في المسجد عقب الفجر في ذكر وتلاوة حتى الشروق مرة واحدة ( أجر حجة وعمرة )
· أحدث عملا صالحا ( خبيئة بينك وبين ربك ) .
· الالتزام الكامل بالأوراد والأذكار والاجتهاد في ضبط النوافل وإحسانها .
· عمل ورد محاسبة يومي والالتزام به ، وعمل تقدير وتقييم للأداء ، للوقوف على ثغرات النفس .
· قيام يومي فردي في البيت ( أقله ركعتان ) قبل النوم ، ويومان قبيل الفجر.
· التصدق 4 مرات في العشر ، وذبح الأضحية لمن قدر على ذلك .
· الاجتهاد لختم القرآن مرةً خلال العشر ، وإلا فتلاوة جزء يومياً .

2- أعمال مع البيت :
· صلاة ركعتين مع الزوجة والأولاد ( 3 أيام ) مع الالحاح في الدعاء والذكر.
· حل أي مشكلة عالقة بينك وبين زوجتك وأولادك أنت تعرفها خلال هذه العشر .
· إنتظام لقاء البيت المسلم الاسبوعي ، مع بيان فضل العشر قبل دخولها
· التقاء الأسرة مجتمعة على وجبة يوميا ( الافطار أو السحور) والافطار معهم 3 مرات على الأقل .
· حجة وعمرة تامة تامة مرة واحدة للزوجة والاولاد ( من الفجر إلى الضحى )
· إعداد زينة العيد في البيت والعمارة والمجتمع المحيط .

3- أعمال مع الصالحين :
· تغليب الجانب الإيماني والروحي في الأعمال المجمعة خلال العشر ، وقراءة شئ عن فضل العشر .
· الدعاء للإخوان المغيبين ولإخوانك المجاهدين في فلسطين وفي كل مكان مع كل دعاء .
· زيارة أستاذ والاستفادة من صحبته ومرافقته وتلمس الزاد عنده .
· الإفطار سويا مرة ، سواء كان بالمسجد أو بالبيت .
· إشاعة روح التكافل والتراحم بين الإخوان .
· الالتقاء قبيل الفجر في المسجد وأداء صلاة التهجد معا ( مرتان على الأقل ) .
· الاعتكاف ليلة واحدة من المغرب وإلى الفجر ، أو المبيت .
· القيام بدورك الدعوي والحركي ، وما تكلف به على أكمل وجه .

4- أعمال مع المجتمع العام :
· نشر فضائل العشر ، وحث المجتمع على حسن الاستفادة منها .
· عمل إفطار مجمع مع سكان العمارة ويعقبه لقاء إيماني وتواصل أسري بينهم .
· المشاركة في عمل صالون مجمع ثابت إسبوعيا .
· التصدق علي أسرة فقيرة .
· تعميم التبرع بافطار يوم لفلسطين على كل من تعرف وتخالط ، وابدأ بنفسك .

5- أعمال ليلة ويوم العيد
· إحياء هذه الليلة المباركة بصلاة قيام .
· المشاركة في تجهيز صلاة العيد ، وأداء الصلاة مع الصالحين .
· ذبح الأضحية لم وفقه الله لذلك ، ولاتنس حق الفقراء
· المشاركة في مشروع جمع جلود الأضاحي .
· بر الوالدين والتزاور بين الأهل والأحباب وتقديم التهاني .
· إدخال السرور على أهل بيتك وأولادك .

ضمانات نجاح المشروع :
· التعاون مع إخوانك في تنفيذ المشروع بشكل جماعي
· مشاركة المجتمع معنا ، فرب مبلغ أوعى من سامع .
· الدعاء والتوسل إلى الله بأن يعيننا على تنفيذ المشروع كما ينبغي
· جدد النية والعزم دائما ، واستشعر أن نية المرء أبلغ من عمله.
· اجتهد أن تنفذ المشروع بكل عناصره ، وإلا فابدأ بما تقدر عليه ، وسدد وقارب ولا تيأس ،

توصيات خاصة بالبرنامج :
1. التركيز علي البعد الفردي لكل أخ علي حدة، وتعدد النوايا و إحسان الأعمال ، وتبني كل أخ وبشكل فردي لقضية يعيش معها في العشر " القرآن – التراحم - القيام " كمشروع مطلوب إنجازه .
2. الانفتاح التام على المجتمع وتفعيل الآخرين .
3. إذا كنت ممن أنعم الله عليهم بالزوجة والذرية فلا تنسَ أن تُشركَهم معكَ في هذا البرنامج الرباني
4. إذا كنت ممن أنعم الله عليهم بصحبة صالحة فتعاهد معهم على تنفيذ هذا البرنامج، وذكِّروا به بعضَكم بعضًا، وإن سنحت لكم الفرصة لتنفيذه معًا فهو خيرٌ
5. اعمل على نشر هذا الخير في المحيط الذي تحياه بين أهلك وإخوانك وجيرانك وأحبابك.
6. اعقد العزمَ على أن تستغل عشر ذي الحجة هذا العام الاستغلالَ الأمثل في طاعة الله، ولا تنسَ أن تحدث عملاً صالحًا (خبيئة بينك وبين ربك) .

وليكن شعارنا " والله لنزاحمنهم " !!

الخميس، ٢٢ نوفمبر ٢٠٠٧

التوازن بين التكليف الدعوي والمردود التربوي

التوازن
بين التكليف الدعوي والمردود التربوي


اشكالية
ظاهرة تربوية بدأت تغزو الكثير من النفوس ، وكثيرا ما يشكو منها أصحاب الدعوات والعاملون للإسلام والمربون ، ولا يجدون إجابة وافية لما ينتاب نفوس أبناء الصحوة من حيرة وقلق ، ألا وهي كثرة الانخراط والاستغراق في الأعمال الدعوية والمجتمعية والسياسية والخدمية والإدارية والتي تستنزف أوقاتهم وجهودهم على حساب الأعمال التربوية الإيمانية ، مما يشعرهم بفقدان الكثير من المردود التربوي والأثر الإيماني في قلوبهم ، وينتج عن ذلك فتور وكسل وقعود عن أداء بعض الأعمال الإدارية والدعوية بحجة عدم جدواها إيمانيا وروحيا ، ولهذه الإشكالية الدعوية جوانب شتى ، يحتاج المربي أن يقف معها وقفة متأنية ، من خلال النظر في آيات القرآن الكريم وأحاديث الحبيب المصطفى والتطبيق العملي لهما عبر التاريخ ثم صفحات الواقع العملي للحركة الإسلامية

كل لا يتجزأ
يدرك أنصار الدعوة أن مشروع الدعوة التربوي مرتبط بمهمتهم فى الحياة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ ...} مما يعني إيمانهم بأن مشروع الجماعة الاصلاحى الإسلامي مرتبط بمهمة المسلمين فى الحياة ، بدءاً من الاستخلاف في الأرض ، ومروراً بالقيام بالأمر بالمعروف وبالدعوة إلى الله والمساهمة في إقامة الشريعة ، فالمشروع التربوي كل لا يتجزأ سواء كان الفعل دعويا أم حركيا أم سياسيا أم اجتماعيا أم تربويا ، وأن كل هذه الأعمال لها مردود تربوي وإيماني .

غرس وتفجير
لقد قامت التربية الربانية للحبيب محمد صلى الله عليه وسلم والصحب الكرام في بداية الدعوة الإسلامية على محورين اثنين ، ومن خلال أمرين قرآنيين ، كانا بمثابة المرتكزات الأساسية لأي عمل تربوي في مرحلة التأسيس ، تمثل المحور والمرتكز الأول فيما سماه علماؤنا بمرحلة غرس القيم الإيمانية والسلوكيات التربوية ، منطلقا من قوله تعالى " ياأيها المزمل قم الليل إلا قليلا " وهو معلم على البناء التربوي الداخلي للصف ، فامتثل النبي وصحبه للأمر ، فكانت تربية قيام الليل كل ليلة 4 ساعات ولمدة سنة كاملة " إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك " فأثمرت جيلا قرآنيا فريدا قادرا على تحمل مشاق الطريق بعد ذلك " إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا " وأصبح الجيل قادرا على تنفيذ الأمر الثاني والمتمثل في تفجير الطاقات ، فجاء الأمر " يا أيها المدثر قم فأنذر " فجاءت الحركة والانطلاقة والتكاليف الدعوية بعدما أخذت التربية الربانية حقها من النفوس ، فجمع الجيل الأول بين الخيرين معا ، وكانت الانطلاقة المزدوجة ، تربية داخلية للصف وحركة خارجية في المجتمع لا يطغى جانب على آخر ، هكذا قامت الجماعة المسلمة الأولى وهكذا يجب أن تسير الحركة الإسلامية العالمية اليوم ، ما بين اصلاح النفس ( بحسن تربية افراد الصف ) ودعوة الغير ( بالحركة الهادفة الفعالة مع المجتمع ) وهي كما قالها أستاذنا مصطفى مشهور رحمه الله " أصلح نفسك وادع غيرك" .

تفاعل بناء
علمتنا السنة النبوية والتجارب التي مرت بها الدعوة ، بأن البعد التربوي والارتقاء الايماني بأفراد الصف ، لا يتحقق بصورة عملية إلا من خلال تفاعل مع المجتمع المحيط والخروج من الدائرة المحدودة التي يحصر المسلم نفسه فيها وقد غرس هذا المعني فينا الحبيب صلى الله عليه وسلم بقوله : " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " وأيضا " خير الناس أنفعهم للناس " وأكد على أن العزلة لا تثمن ولا تغني من جوع ولا تؤتي بثمار تربوية ، بل بين لنا أن المردود التربوي المرجو من الصف لا يكون إلا من خلال المخالطة والاحتكاك الميداني بالمجتمع “ المؤمن الذي يخالط الناس و يصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس و لا يصبر على أذاهم “وقوله " لا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف "

روح سارية
قالها الإمام المؤسس رحمه الله " ولكنكم روح تسري في قلب هذه الأمة فتحييه بالقرآن " مؤكدا الحقيقة التربوية التي تقول بأن المناهج تبقى نصوصاً وكلمات جافة ، حتى يحولها المربون إلى روح تسري في نفوس إخوانهم ثم يصبحون هم روحاً تسري في جسد هذه الأمة فتحييه بالقرآن ، وهذا التحول يتم بصورة دقيقة حينما يقوم المربون بدورهم التربوي على أكمل وجه ومن خلال فعلين متلازمين أحدهما سابق للتكليف الدعوي والآخر لاحق له :
1. أن يكون كل عمل - دعوي كان أو سياسي أو حركي أو تنظيمي - مسبوقا من قبل المربين والمسئولين بالتوجيه الإيماني والتذكير بربانية أعمالنا وبأن هذا العمل هو عبادة ، شأنه شأن أداء الصلاة أو الصيام ، فالخروج الدعوي أو الوقفة السياسية أو المسيرة السلمية ، أو تعليق المطبوعات أو قضاء حوائج الناس ، كل ذلك عبادة كالصلاة والاعتكاف وقيام الليل فعند ذهاب كل منا إلى لقاء أو مؤتمر أو حركة لابد أن يهيئ نفسه قبيل الذهاب بأن هذا العمل عبادة يتقرب بها إلى الله تعالى، وقد أوصانا بذلك الأستاذ محمد العدوى رحمه الله بقوله : " اجتهد فى العبادة قبل اللقاء واحذر من ضياع أجر العمل" .
2. أن يتبع كل تكليف دعوي أثرٌ تربوي ، يعالج العيوب التي ظهرت ويثني على الإيجابيات التي برزت وينميها ، وهذا يتطلب من مسئولي كل الأعمال والتكاليف الدعوية أن يستشعروا أن التربية مسئولية الجميع ، وأن كل واحد يساهم من خلال عمله الإداري والتنظيمي في العملية التربوية .

غدوة و روحة
" لماذا نجعل الفصل قائما في الأعمال ما بين الدعوية والإدارية والحركية والتربوية ؟ هل النية تختلف من عمل لآخر ؟" هكذا قالها لنا أستاذنا جمعه أمين حفظه الله وهو يرد على حيرة المربين ، وأكد لنا من جديد " بان الدعاة والمربين مطالبون بأن يتوجهوا إلى الله بالنية في كل أعمالهم التي يمارسونها سواء كان هذا العمل إداريا أم تربويا { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } ، وأنه لا فصل عندنا بين الأعمال ، فكل ما نقوم به هو عمل تعبدي ، نبتغي به وجه الله سواء كان إداريا أو سياسيا أو تربويا ، وربما كان عمل أفضل من عمل" وهذا ما بينه لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم :" من سعى في حاجة أخيه ساعة من نهار قضاها الله أو لم يقضها كان كمن اعتكف في مسجدي هذا شهراً " وكذلك قوله : " لغدوة أحدكم أو روحة في سبيل الله خير من عبادة سبعين سنة " فالسعي في حاجة المسلم والغدوة والروحة عمل حركي دعوي مجتمي وربما سياسي وإداري ، ولكنه سبق العمل التعبدي كالاعتكاف وغيره ، فالغدوة والروحة في سبيل الله وكلها حركة لله في شئون الدعوة وعباد الله ، لها مردود يماثل تأثير العبادة بكل ما تتركه في النفس من آثار تربوية وشحنة إيمانية وروحانية صافية ، ودورنا التربوي يتمثل في ربط كافة الأعمال بالنية الصالحة وابتغاء وجه الله ، ومن هنا فلا إشكالية ولا حيرة ولا قلق إذا زاد عمل ما على حساب عمل آخر ،.

عيوب تعالج
هل حقا يجب الابتعاد عن العمل السياسي لأنه أفضل في العمل التربوي ؟ وأن هجر العمل السياسي أسلم للصف بسبب أن مردوده سلبي على الأفراد المنشغلين به والواقع يحكي ذلك ؟ تساؤل ينتابنا أحيانا ، فتأتينا الاجابة الوافية الشافية من أستاذنا د محمد بديع :" ليس علاج العيوب التي تظهر على الأخوة الذين يشتغلون بالعمل السياسي في أن يبتعدوا عنه ، بل إن ظهور هذه العيوب هو كشف مبكر لها قبل أن يستفحل الداء وتتحمل هذه الشخصيات والرموز مسئولية في موقع مؤثر تحسب أخطاؤهم على الدعوة والإسلام " ثم أكد لنا ثانية بأن " عيوب النفس والأخلاق لا يمكن أن تظهر إلا بالاحتكاك والتعامل مع الغير ، لذلك كانت الأعمال الدعوية التي تتصل بالمجتمع بكل طوائفه وفي كل مجالات العمل فيه هي اختبارات عملية لسلوك الفرد يقاس من خلالها الأثر التربوي ، كما أن العيوب التربوية والسلوكية مثل (الفجور في الخصومة – الكذب في الحديث – الخلف في الوعد – خيانة الأمانة – الشح المطاع – الدنيا المؤثرة .. الخ ) لا يمكن أن تكتشف إلا من خلال المعاملات مع الآخرين ، كما أن الصفات الإيجابية مثل ( كظم الغيظ – العفو عند المقدرة – المروءة .. الخ ) لا تنمى إلا من خلال العمل الدعوي المجتمعي " .

مسك الختام
هي مفاهيم تربوية علمتنا إياها الدعوة عبر مسيرتها الخالدة :
· دعوتنا دعوة التكامل التربوي ، فالمفهوم التربوي الصحيح لا يفصل التربية عن الدعوة والعلم ، أو الجهاد والعمل للدين ؛ أو السياسة والإعلام ، فهي كلها خطوط واحدة ومتوازية ، والتربية فيها مسئولية الجميع .
· التربية لابد ان تكون شاملة لجوانب النفس البشرية " قلب وعقل وجسد " ، وهي تربية تسعى لتكسب النفس ( ايمان – خلق – حركة و دعوة ) بحيث لا يتم التركيز على جانب دون الآخر.
· التربية هي الأساس التوجيهي لكل عمل أو فكر أو خلق ؛ وهي أساس سلوك الفرد في مجتمعنا الدعوي ، مما ينعكس إيجابياً على طبيعة العمل الإسلامي ، ويعطيه صبغة يميزه الناس بها .
· التكامل التربوي يشمل أيضا تكامل بين الوسائل والأساليب التربوية ، ما بين الأسلوب المباشر وغير المباشر ، والترغيب والترهيب ، والثواب والعقاب ، والداخلي والخارجي ، والعام والخاص ... الخ ، مع الاهتمام في المقام الأول بالمحضن التربوي الأساسي (الأسرة ) والتي هي وحدة العمل المعطاء .
· التربية الواسعة الآفاق في العمل الدعوي - الاجتماعي والثقافي والعلمي - المشتمل على أمور الدين والدنيا والمرتبط بالمجتمع والدولة هي الأساس التربوي في تماسك بنيان الدعوة المرصوص ، والمعين على وحدة صفها وكلمتها .

السبت، ١٧ نوفمبر ٢٠٠٧

أنصار الدعوة جنود فكرة وعقيدة

أنصار الدعوة جنود فكرة وعقيدة

" الناس هلكى إلا العالمين ، والعالمون هلكي إلا العاملين ، والعاملون هلكى إلا المخلصين ، والمخلصون على خطر عظيم " حكمة عظيمة ومقولة جليلة أدركها المصلحون وعاشوا بها وربوا أبناء الأمة عليها ، فكانت الأجيال المؤمنة المغمورة ، التي لا تتبوأ المراكز الاجتماعية المرموقة، ولا تتمتع بصيت ولا شهرة ، ولكن الواحد منهم أقوى نصير للدعوة وأعظم حارس للفكرة ، فهو صاحب مبدأ يدافع عنه ويضحي في سبيله ، ويتجرد له وأمين على العمل والصف الذي ينتمي إليه ، وبأمثال هؤلاء ثبتت الدعوة في أوقات المحن ، وتجاوزت كل الصعاب ، واستعصت على الإقصاء ، " إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها ، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم " فكتب الله لهذه الدعوة البقاء ، فامتدت طولا حتى شملت آباد الزمن ، وامتدت عرضا حتى وسعت آفاق الأمم ، وامتدت عمقا حتى استوعبت شئون الدنيا والآخرة .

أخفياء أتقياء
علمتنا التجارب أن الدعوة لا تسود ولا تنتشر ولا تعلو كلمتها بتجار المبادئ الذين لا يعملون إلا ليغنموا ويستفيدوا في الدنيا ، ولا بالمرائين الذين لا يعملون إلا ليراهم الناس ويسمعوا بهم ويتحدثوا عنهم ويشيروا إليهم بالبنان ، بل تنتصر الدعوة بالذين يعتنقون المبادئ مؤثرين لا متأثرين ، مضحين لا مستفيدين ، معطين لا آخذين ، وصفهم الحبيب صلى الله عليه وسلم بقوله : إن الله يحب من عباده الأتقياء الأخفياء الذين إذا حضروا لم يعرفوا وإذا غابوا لم يفتقدوا ، أولئك مصابيح الهدى يخرجون من كل غبراء مظلمة " ووجه ابن مسعود تلامذته للمعنى نفسه قائلا " كونوا ينابيع العلم ، مصابيح الهدى ، أحلاس البيوت ، سرج الليل ، جدد القلوب ، خلقان الثياب ، تعرفون في أهل السماء وتخفون في أهل الأرض " ، فتسابق القوم في إخفاء طاعاتهم ، وكان المخلص فيهم من يكتم حسناته كما يكتم سيئاته ، واشتهر علي بن الحسين رضي الله عنه بين الناس بالبخل وبعد موته علم الناس بأنه كان يكفل مائة بيت من بيوت المسلمين ، ووصف الحسن البصري هؤلاء قائلا " أدركت أقواما كان الرجل ليجلس مع القوم وإنه لفقيه وما يشعر أحد به حتى يقوم ، وإن كان الرجل ليجمع القرآن وما يشعر به الناس، وإن كان الرجل لينفق النفقة الكثيرة وما يشعر الناس به، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزوار ولم يشعر الناس به، ولقد أدركت أقواماً ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن يعملونه في السر فيكون علانية أبداً " هي ليست دعوة للانطوائية والعزلة - فقد كان قائلوها قادة الدعوة والإصلاح والحركة في المجتمع - ولكنها دعوة اليقظة أمام شهوات النفس الخفية .

دعاة مغمورون
علمتنا الدعوة أن أنصار الدعوات هم المغمورون جاهًا، الفقراء مالاً، شأنُهم التضحيةُ بما معهم، وبذلُ ما في أيديهم، ورجاؤهم رضوان الله، وهو نعم المولى ونعم النصير، قالها الحبيب صلى الله عليه وسلم : "رب أشعث أغبر ذي طمرين، لا يؤبه له، تنبو عنه أعين الناس، لو أقسم على الله لأبره" وفي رواية: "رب أشعث مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره" على أكتاف هؤلاء تقوم الدعوات وتنصر الرسالات وتنجح الفكر ، ولكنها الموازين المغلوطة في دنيا الناس ، وقد صحح النبي صلى الله عليه وسلم هذه المفاهيم حينما مر عليه رجل ، فقال لرجل جالس عنده : "ما رأيك في هذا"؟ قال: رجل من أشراف الناس، هذا والله حري إن خطب أن ينكح (أي يزوج)، وإن شفع أن يشفع! فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مر رجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما رأيك في هذا"؟ قال: يا رسول الله، هذا رجل من فقراء المسلمين، هذا أحرى إن خطب ألا ينكح، وإن شفع إلا يشفع، وإن قال ألا يسمع لقوله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا خير من ملء الأرض مثل هذا" ، ولم تبتلَ الدعوة عبر تاريخها المديد قدر ما ابتُليت بنفوس مريضة من أبنائها، باعوا دينهم بعَرَض من الدنيا، وباعوا نفوسهم بأبخس الأثمان، وآثَروا سمعة زائفة أو ذِكْرًا بين الخلق على رضا ربهم وصلاح أمتهم،
وقد نبه الحبيب صلى الله عليه وسلم أمته إلى هذا الأمر في ثنايا البشرى منه قائلا : "بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والدين والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب"..

حب و خوف
ما أحلاها حياة الدعوة ، وحياة أنصارها ، والدائرة بين الخوف والحب ، لقد كان أكثر خوفهم من حب الشهرة وانتشار الصيت وحب الجاه وحب المال ، فقد جاء في بعض الآثار: "حب المال والجاه ينبتان النفاق في القلب، كما ينبت الماء البقل" وقالها الزاهد البصري علي بن بكار : " لأن ألقى الشيطان أحب إلي من أن ألقى فلاناً أخاف أن أتصنع له فأسقط من عين الله" وقد جاء مرفوعا من حديث كعب بن مالك: "ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه" وصدق ابراهيم بن ادهم حينما قال " ما صدق الله من أحب الشهرة " ، وكان الإمام المؤسس حكيما حينما نبه إخوانه إلى المحاذير التي يجب أن يخاف منها أصحاب الدعوات بقوله " من غير نظر إلى مغنم أو جاه أو لقب أو تقدم أو تأخر "، ولله در صاحب النقب حينما اشترط على قائده شروطه للكشف عن هويته " لا تسودوا اسمه للخليفة ، ولا تأمروا له بشئ ، ولا تسألوا من هو؟ " ويحكي عبدة بن سليمان عن ابن المبارك قائلا : كنا في سرية مع عبد الله بن المبارك في بلاد الروم، فصادفنا العدو فلما التقى الصفان خرج رجل من العدو فدعا للبراز فخرج رجل من المسلمين فطارده ساعة فقتله ثم آخر خرج فتحداه فقتله ثم جاء ثالث فخرج عليه فطارده فقتله فزدحم الناس على هذا الفارس المسلم الذي كل ما خرج عليه واحد من الكفار فتحداه فطعنه فقتله أحاطو به وأزد حموا عليه ليعرفوا من هو كلهم رأوا عجبا وكان عبدة ممن أزدحم عليه وكان يطلم وجهه بكمه حتى لا يعرفوه مصر على إخفاء شخصيته يقول عبدة فأخذت كمه فممدته فإذا هو عبد الله بن المبارك فقال لائما له : أأنت يا أبا عمرو ممن يشنع علينا ".

مدح وذم
علمتنا الدعوة أن صاحبها الحق هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الناس من أجل صلاح قلبه مع الله ، ولا يحب أن يطلع الناس على مثاقيل الذر من عمله ، خرج النبي عليه الصلاة والسلام فقال: "يا أيها الناس، إياكم وشرك السرائر" قالوا: يا رسول الله، وما شرك السرائر؟ قال: "يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته جاهدا لما يرى من نظر الناس إليه، فذلك شرك السرائر" ورحم الله الفضيل حينما قال : " إن قدرت ألا تعرف فافعل ، وما عليك ألا تعرف ؟ وما عليك أن يثنى عليك ؟ وما عليك أن تكون مذموما عند الناس إذا كنت محمودا عند الله تعالى " إنها إشارات تربية وتزكية للنفوس ، تصحح المسار للسائرين على الدرب ، فأصحاب الدعوات لا يبالون برضا الناس عنهم أو مدحهم لهم ، إذا كان من ورائه سخط الله ، وقال ذو النون: ثلاث من علامات الإخلاص: استواء المدح والذم من العامة، ونسيان رؤية الأعمال في الأعمال، ونسيان اقتضاء ثواب العمل في الآخرة " ، وحينما سئل يحيي بن معاذ رضي الله عنه : " متى يكون العبد مخلصا ؟ أجاب : إذا صار خلقه كخلق الرضيع لا يبالي من مدحه أو ذمه " ، فكان من دعاء أمير المؤمنين على كرم الله وجه " اللهم اغفر لي ما لا يعلمون ، ولا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيرا مما يظنون " ، وفي أحد مؤتمرات الدعوة أراد بعض المغرضين إفشاله فقاموا بالهتاف ضد المؤسس قائلين " يسقط حسن البنا " فثار شباب الإخوان عليهم ، فوقف الإمام البنا هاتفا من فوق المنصة : " يسقط حسن البنا " ، ثم توجه للجميع قائلا : " إن اليوم الذي يهتف في دعوتنا بأشخاص لن يكون " .

قائد وجند
رجال الدعوة إن كانوا في القيادة أو الجند سواء ، ما دام لا يستولي على قلبهم حب الظهور ، وتصدر الصفوف ، والرغبة في الزعامة واعتلاء المراكز القيادية ، وقد وجه النبي أصحابه لذلك الأمر قائلا : " إن من خير معاش الناس رجل آخذ بعنان فرسه ، كلما سمع هيعة أو فزعة قام والموت مظانه ، إن كان في الساقة كان في الساقة وإن كان في المقدمة كان في المقدمة " ولله در خالد بن الوليد حينما جاءه الأمر ليترك دفة القيادة إلى مراكز الجند ، فكان خير تجسيد لمقولة الحبيب .


علامات على الطريق
قال الجنيد: "إن لله عبادا عقلوا، فلما عقلوا عملوا، فلما عملوا أخلصوا، فاستدعاهم الإخلاص إلى أبواب البر أجمع" فاعقل أخي صاحب الدعوة درجتك عند الله ولا تزهو بمكانتك عند الناس ، والتمس نفسك في الملامح التالية ، عساك أن تجدها على الطريق ، فإنما هي مجاهدة طويلة، وتربية هادئة عميقة، فذلكم طريق السالكين:
1- الخجل من العمل والشعور بالتقصير في جنب الله .
2- لا يحب أن يعرف ولا يتحدث عن عمله
3- لا يحب ثناء الناس ولا يخاف ذمهم .
4- لا يبالي بموقعه مهما علا أو دنا .
5- يحرص على إخفاء الطاعات ، يؤثر العمل الصامت .
6- يحرص على توريث الدعوة مجردة عن شخصه .
7- أن يكون بينه وبين الله حال .
8- لا يغضب لنفسه ، ولا يرضى عنها ويسئ الظن بها .
9- يقل عند الطمع ويكثر عند الفزع .
10- يفرح بنجاح وظهور غيره ويعينهم في إنجاح مهامهم .


مسك الختام
كلمات من القلب ، حدد فيها الامام البنا شخصية رجل الدعوة والفكرة والعقيدة بأنه " جندي عامل لا فيلسوف مجادل ، كتيبة في ميدان لا كتاب في مكتبة ، مكافح في معركة لا مفاوض على مائدة ، وروح فذة لا عقل ألمعي ، لا يراوغ كالثعلب ولا يلين كالثعبان ، لا يختال كالطاووس ولا يتلون كالحرباء، لا يلعب كالقرد ولا يساوم كالتجار ، لا يتعاظم كالممثل ولا يتوقر كالمشعوذ ، بل يتحفز كالأسد ، و يلين كالماء ، ويزهو كالسيف ، و يسمو كالنجم ، ويعيش في الدنيا ولا تعيش فيه ،ويأكل منها ولا تأكل منه ، يموت ولا يأكل بشرفه ” كالحرة تموت ولا تأكل بثدييها ” وختمها الإمام البنا رحمه الله بقوله " وبذلك تكون جندي فكرة وعقيدة لا جندي غرض ومنفعة ... وبذلك يعرف الأخ المسلم معنى هتافه الدائم الله غايتنا والله أكبر ولله الحمد "

السبت، ٢٧ أكتوبر ٢٠٠٧

صدق الإنتماء

صدق الإنتماء
بين نصرة الدعوة وحراسة الفكرة

تجمع أم جماعة
" إنه لا إسلام بلا جماعة ، ولا جماعة بلا إمارة ، ولا إمارة بلا طاعة " حقيقة خالدة أعلنها مدوية الفاروق عمر رضي الله عنه قبل ألف وأربعمائة عام ، قرر من خلالها أن قيام الإسلام لا يتحقق إلا من خلال جماعة تحمله وتنادي به وتدافع عنه وتجاهد في سبيله ، وهي مقولة يثبت الفاروق من خلالها بما لا يدع مجالا للشك أن الفارق كبير بين (التجمع ) و ( الجماعة )، فالفرق شاسع بين الاثنين ، التجمع يقوم وينفض ، تحكمه الآراء الشخصية والأهواء والرغبات ، ولا نظام يحكمه ولا قواعد تضبط حركته ، لكل شخص فيه رأيه المستقل وشخصيته المستقلة ، أما الجماعة فلها نظام ومنهج حياة وخطة استراتيجية وأهداف تكتيكية ، ولها نظام إداري وسلم تنظيمي ، واتصالات هرمية ، والجماعة لها لوائح وقوانين وبرامج وآليات عمل ، تذكرت هذه الكلمات بمعانيها ودلالاتها التربوية ، وأنا أتابع ما يقال وما يكتب هنا وهناك ، من هذا وذاك حول برنامج حزب الإخوان المسلمين ، وما تبع ذلك من تصريحات ، وهذه المواقف والأحداث وغيرها من أقوى وسائل التربية عند الإخوان ، فإن التربية بالمواقف هي العاصم من القواصم ، فهي تثبت قلب الواعي ، وتصحح الدرب للمضطرب ، وتقيم الحجة على المشكك .

شهوات أم شبهات
لم تخلو مرحلة من مراحل الدعوة من ثنائية العداء الأبدي لمخططات أعداء الإسلام ، فالتاريخ حافل بمؤمراتهم ، إما بمحاولة الإفساد بالشهوات تارة و بإثارة الشبهات تارة أخرى ، ونتيجة لذلك لم تخلو مرحلة من مراحل الدعوة من المشككين والمثبطين والمذبذبين للصف المسلم من داخله ، وجاءت الحقيقة القرآنية تؤكد ذلك " وفيكم سماعون لهم " لتحذر الصف من الاستجابة لمخططات الأعداء ، بل وقد يصل الأمر إلى الوقوع في المحظور " إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم " وقد يتطور الأمر إلى نسيان الغاية " منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة " ، وقد أدرك الإمام البنا تلك الحقيقة فقال " كم فينا وليس منا وكم منا وليس فينا " ، ويلفت أنظار الإخوان إلى خطورة الأمر وعواقبه الوخيمة ، وينبه إلى أهمية مراقبة الصف وتنقيته من الضعاف فيقول " وإن كان فيكم مريض القلب معلول الغاية مستور المطامع مجروح الماضى فأخرجوه من بينكم فإنه حاجز للرحمة حائل دون التوفيق " .

عواطف أم عقول
"ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول ، وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف ، وألزموا الخيال صدق الحقيقة والواقع ، واكتشفوا الحقائق في أضواء الخيال الزاهية البراقة ، ولا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة " كلمات خالدة وجهها الإمام البنا رحمه الله لإخوانه ضابطا للصف المسلم من أن ينحرف في الفهم أو الفكر أو السلوك ، ومحققا لركيزة التوازن والاعتدال في منهجية التفكير الإخواني ، وحاميا للصف من أن تتلاعب به العواطف الجياشة المتحمسة أو العقول الناظرة المتفلسفة ، فلا تغليب للعقول على حساب العواطف ، ولا تلاعب بالمشاعر على حساب الأفكار ، بل إنها النظرة الموضوعية المتوازنة المعتدلة الراشدة من القائد المؤسس رحمه الله .

أهواء أم أصول
" إياكم وكل هوى يسمى بغير الإسلام " إشارة تحذير وجهها ميمون بن مهران رضي الله عنه ، لكل من تتجاذبه حلاوة الأهواء وعذوبة الآراء ، ونجد حادي الركب يذكرنا بهذا الخصوص ، لماذا كتب الإمام البنا الأصول العشرين ؟ ولمن كتبها ؟ وهل كانت من الأهمية بمكان حتى يجعلها أول ركن من أركان البيعة ؟

وتأتي إجابة الناصح الأمين ، لقد كانت الأصول العشرون وما زالت هي السياج الواقي للجماعة وأفرادها من الانحراف ، و السد المنيع أمام التأويلات الخاطئة في فهم الإسلام ، والحامي للصف من اتباع الظن وما تهوى الأنفس ، والضابط لكل حركات وأفعال وأقوال الإخوان هنا وهناك ، ولقد كتب الإمام البنا هذه الأصول من أجل وحدة الفكر والحركة والمنهج التربوي للجماعة وسط العواصف ، ولعدم بروز مدارس فكرية أو جماعات دخيلة وسط الجماعة ، ولعدم السماح بفكر دخيل أو فكرة مناهضة بسبب عاطفة جياشة أو تساهل مغرض أن تخترق الصف ، ولتحفظ للجماعة خطها التربوي والدعوي الأصيل وتنفي عنها خبثها ومحاولات الالتفاف عليها ، ولتكون في النهاية مرجعيتنا عند الاختلاف أو بروز صورة للانحراف ، فهي المعينة على سلامة العمل ، وعلى حسن التطبيق ، والتي تقي الجماعة وأفرادها من العثرات

وجهاء أم مغمورون
عبر تاريخ الدعوة كله ، لم يقع شق بالصف أو انحراف عن الغاية والوجهة بفضل الصوت العالي ، ولم يحدث أن كانت الصولة والجولة والريادة في الجماعة لأصحاب الرونق الإعلامي ، بل كانت الريادة لمن سبق وصدق ، وتحقق لهم وبهم وفيهم صدق الولاء والانتماء لهذه الدعوة المباركة ، فرجال هذه الدعوة ورجال هذه المرحلة وكل مرحلة هم الإخوان الصادقون من الإخوان المسلمين الذين آمنوا بسمو دعوتهم وقدسية فكرتهم وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها ، أويموتوا في سبيلها ، وإلى هؤلاء الإخوان وجه فضيلة المرشد العام مهدي عاكف كلمة في رسالته الأخيرة " ومن يرَ في السير على درب الدعوة وجاهةَ الساسة وأضواءَ النجوم؛ فقد خسر كلَّ الخَسَارة؛ إذ إن أصحاب الدعوات ليس عندهم من جزاء إلا ثواب الله إن أخلص رفيقهم، والجنة إن علم الله فيه خيرًا، وهم كذلك مغمورون جاهًا، فقراء مالاً، شأنُهم التضحيةُ بما معهم، وبذلُ ما في أيديهم، ورجاؤهم رضوان الله، وهو نعم المولى ونعم النصير." ووضح الأمر جليا قائلا " ولتعلموا أيها الإخوان أن أعظم ما يواجهكم من تحدياتٍ هو محاولةُ إيهان عزائمكم، والتشكيك في صحة نهجكم، ونُبل رسالتكم؛ ليدفع بكم خصومُكم صوبَ اليأس المُقْعِد، أو الشك المفرِّق، أو الاندفاع المتهوِّر" .

ثوابت أم متغيرات
ميز الله دعوة الإخوان عن غيرها برؤية واضحة مكنتها من أن تتوحد الجماعة - قيادة وأفرادا - في التصورات والمفاهيم ، وبالحسم في المواقف الصعبة ، واختيار منهج التغيير الأصوب القائم على منهاج النبوة ، وإدراك الفرق ما بين الثوابت والمتغيرات في مسيرة العمل الإسلامي ، فالفرق واضح بين الديني الثابت والثقافي المتغير، وبين ثوابت الحركة ومتغيرات السياسة ، إنها ثوابت العمل في دعوتنا والتي من خلالها تتبين لنا بعض قواعدنا التنظيمية :
· مَن يُخَطئ مَن ؟ ومَن يُحاسِب مَن ؟ وهل للفرد أن يخطئ الجماعة أم العكس ؟
· الفرق بين النصيحة ووعدم السكوت عن الخطأ والنقد البناء في مكانه الصحيح وبين فرض الرأي ، وأين تكون النصيحة ومتى وهل هي ملزمة .
· آليات اتخاذ القرار ما بين دوائر الشورى ودوائر اتخاذ القرار ، و الفرق بين الشورى والاستشارة ، وبين الشورى المنظمة الملزمة والاستشارة العفوية ، وبين مرحلة الشورى ومرحلة التنفيذ ، والاتزان بين الشورى الملزمة والقرار الملزم ، وسلوك الأقلية حيال القرارالملزم .

نصرة أم حراسة
إنما يقاس صدق الانتماء والولاء لهذه الدعوة المباركة في نفس الأخ الصادق بمدى قيامه بالمهمة المطلوبة منه تجاه دعوته في كافة الأحوال وتحت أي ظروف ، والبقاء على ذلك ثابتا محتسبا ، والمتمثلة في :
1. نصرة الدعوة : من خلال نشرها والدفاع عنها والتضحية في سبيلها ، فإنما تنجح الفكرة " إذا قوي الإيمان بها ، وتوفر الإخلاص في سبيلها ، وازدادت الحماسة لها ، ووجد الاستعداد الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها "
2. حراسة الفكرة : في أفكارها وبنودها ، أصولها وثوابتها ، أركانها ودعائمها ، خصائصها ومميزاتها ، من أن تصاب بأي اختراق فكري ، وهذه الحراسة تتطلب مقومات أربع " إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف، ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر، وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل، ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له يعصم من الخطأ فيه والانحراف عنه والمساومة عليه، والخديعة بغيره. على هذه الأركان الأولية التي هي من خصوص النفوس وحدها، وعلى هذه القوة الروحية الهائلة، تبنى المبادئ وتتربى الأمم الناهضة، وتتكون الشعوب الفتية، وتتجدد الحياة فيمن حرموا الحياة زمناً طويلاً "

لحظة صدق
هي لحظة صفاء نفس ، نتذاكر فيها أهم ما يربطنا بهذه الدعوة المباركة وهذه الجماعة الخالدة ، و هي وقفة صادقة مع النفس نجدد فيها العهد مع الله ومع دعوتنا وجماعتنا :
· أن نبقي على ثقتنا في الجماعة ، فهي حصن الأمان لنا جميعا ، وهي سر بقاء الدعوة رغم ما تعرضت له من شبهات واتهامات والقيل والقال عبر تاريخها .
· أن نحافظ على عوامل القوة داخل الجماعة والتي تتمثل في : وحدتنا الفكرية والعضوية والتنظيمية – ترابط صفنا القائم على الأخوة تؤدي حقوق أخوتهم كاملة من الحب والتقدير والمساعدة والإيثار وأن تحضر اجتماعاتهم فلا تتخلف عنها إلا بعذر قاهر , وتؤثرهم بمعاملتك دائما – قبولنا للرأي الآخر داخلنا – تناصحنا – عدم السكوت على الخطأ – الجهر بالوعظ ولكن في مسكنه الطبيعي
· أن نعمل على نشر دعوتنا في كل مكان وأن نحيط القيادة علما بكل ظروفنا ولا نقدم على عمل يؤثر فيها جوهريا إلا بإذن , وأن نكون دائمي الاتصال الروحي و العملي بها , وأن نعتبر أنفسنا دائما جنودا في الثكنة تنتظر الأوامر، أن نتخلى عن صلتنا بأية هيئة أو جماعة لا يكون الاتصال بها في مصلحة فكرتنا وخاصة إذا أمرما بذلك .

مسك الختام
قالها لنا إمامنا الشهيد " أيها الأخ الصادق : هذه مجمل لدعوتك , وبيان موجز لفكرتك , وتستطيع أن تجمع هذه المبادئ في خمس كلمات:(الله غايتنا و الرسول قدوتنا و القرآن شرعتنا و الجهاد سبيلنا و الشهادة أمنيتنا) ، و أن تجمع مظاهرها في خمس كلمات أخرى : (البساطة والتلاوة والصلاة والجندية والخلق ) فخذ نفسك بشدة بهذه التعاليم , وإلا ففي صفوف القاعدين متسع للكسالى و العابثين .
وأعتقد أنك إن عملت بها وجعلتها أمل حياتك وغاية غايتك , كان جزاؤك العزة في الدنيا والخير والرضوان في الآخرة , وأنت منا ونحن منك , وإن انصرفت عنها وقعدت عن العمل لها فلا صلة بيننا وبينك , وإن تصدرت فينا المجالس وحملت أفخم الألقاب وظهرت بيننا بأكبر المظاهر , وسيحاسبك الله على قعودك أشد الحساب , فاختر لنفسك ونسأل الله لنا ولك الهداية و التوفيق " .

السبت، ٢٠ أكتوبر ٢٠٠٧

طريق الدعوة مثابرة وإصرار


"إن المسلم بقواه الكامنة، وملكاته المدفونة فيه، والفرص المحدودة المتاحة له، يستطيع أن يبنى حياته من جديد" كلمات سطرت بأحرف من ذهب، صاغها الشيخ محمد الغزالي يرحمه الله يبصر الدعاة بطريقهم، ويبث فيهم روح المثابرة والإرادة والعزيمة ، ثم خاطب المسلم منا بقوله: "فلا تعلق بناء حياتك على أمنية يلدها الغيب، فإن هذا الإرجاء لن يعود عليك بخير. إن الحاضر القريب الماثل بين يديك، ونفسك هذه التي بين جنبيك، والظروف الباسمة أو الكالحة التي تلتف حواليك، هي وحدها الدعائم التي يتمخض عنها مستقبلك، فلا مكان لإبطاء أو انتظار".
ومن هنا يدرك الدعاة إلى الله أن أول عوامل النجاح، وتحقيق الأهداف الكبرى هو: التخلص من وهم (لا أستطيع مستحيل)، وهو بعبارة أخرى: التخلص من العجز الذهني، وقصور العقل الباطن، ووهن القوى العقلية. وتلك هي روح المبادرة، فإن الأخذ بالأسباب الشرعية والمادية يجعل ما هو بعيد المنال حقيقة واقعة، وقديماً قيل: "نصف الحياة حلم ونصفها الآخر حقيقة".. وكثيراً ما تتحول الأحلام إلى حقيقة أو العكس، "فأحلام الأمس حقائق اليوم".

المثابرة إرادة
"لا يوجد صعب تحت الشمس" عبارة قالها الناس في كل زمان ومكان. فما دامت هناك إرادة وتصميم وعزم بلغ الإنسان أعظم ما يتمنى، ولله در ابن القيم حينما قالها : " إن المؤمن لو عزم على إزالة جبل لأزاله " وصدق الإمام البنا حين قال: "إن الرجل الواحد في وسعه أن يبني أمة إن صحت رجولته".
الإرادة في اللغة: "أراد الشيء، بمعنى أحبه وعني به ورغب فيه" ، والإرادة هي القوة الخفية لدى الإنسان وهي تعني اشتياق النفس وميلها الشديد إلى فعل شيء ما، وتجد أنها راغبة فيه ومدفوعة إليه.. والإرادة قوة مركبة من: رغبة + حاجة + أمل.
ورحم الله الإمام البنا حينما أكد ضرورة توفر تلك الإرادة في العاملين للإسلام "إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف " ، بل إن الامام البنا لم يقف بالإرادة وتوافرها عند حدود دعاة الإصلاح فقط، بل يجعلها من ملامح الشخصية المسلمة التي تسعى الدعوة لإيجادها في أرض الواقع فقال: "نحن نريد نفوساً حية قوية فتية، وقلوباً جديدة خفاقة، ومشاعر غيورة ملتهبة، وأرواحاً متطلعة متوثبة. إن الإسلام يريد في الفرد وجداناً شاعراً يتذوق الجمال والقبح، وإدراكاً صحيحاً يتصور الصواب والخطأ، وإرادة حازمة لا تضعف أمام الحق، وجسماً سليماً يقوم بأعباء الواجبات الإسلامية حق القيام، ويصبح أداة صالحة لتطبيق الإرادة الصالحة وينصر الحق والخير".
فعلى قدر تحقق تلك الإرادة في نفوس أصحاب الدعوات وحملة الرسالات، وأتباعهم، يكون نجاح تلك الدعوات في الوصول لأهدافها.

روح المثابرة:
أخي الحبيب.. قد يتوقف الإنسان في أحد منعطفات الحياة، ولكن من لديه غاية لا يتوقف أبداً، وهذا هو الذي دفع الصحابة للعمل من أجل الفردوس الأعلى ، ولنا في الحبيب صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة في المثابرة وقوة الإرادة. ففي حالات السلم نجده يعلنها قوية: "والله يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته، حتى يظهره الله أو أهلك دونه" وفي حالات الجهاد نجده يعلنها أيضاً قوية: "والله لأقاتلنهم حتى تنفرد سالفتي".
ومن أثر تلك المثابرة والإرادة القوية، تربت أجيال الصحابة الكرام، فنجد كلمات أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقت الردة خير تعبير عن أثر تلك التربية النبوية "أينقص الدين وأنا حي! والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه"، وقوله: "ولو خالفتني يميني لجاهدتها بشمالي"وفي سيرة الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز يرحمه الله ما يوضح لنا قصة إنجاز ورواية مجد، فها هو يروي عن نفسه فيقول: "إن لي نفس تواقة كلما وصلت إلى شيء تاقت إلى ما هو أعلى منه، وقد وصلت إلى الخلافة، وقد تاقت نفسي إلى الجنة"، ويقول أيضاً عن نفسه في رواية أخرى: "إن لي نفسا تواقة، لقد رأيتني وأنا بالمدينة غلام مع الغلمان، ثم تاقت نفسي إلى العلم وإلى العربية والشعر، فأصبت منه حاجتي وما كنت أريد، ثم تاقت نفسي وأنا في السلطان إلى اللبس والعيش والطيب، فما علمت أن أحد من أهل بيتي ولا غيرهم كان في مثل ما كنت فيه، ثم تاقت نفسي إلى الآخرة والعمل بالعدل، فأرجو ما تاقت نفسي إليه من أمر آخرتي".

المثابرة طريق لا نوم فيه
جاءنا عن الحبيب المصطفى قوله "ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة"، ولكن لابد للسلعة الغالية من بذل ثمن مناسب يليق بها.. ومن يخطب الحسناء لم يغله المهر..!! وسيدفع من أجل (عينيها) كل ما يستطيع بطيب نفس، وسلعة الله غالية.. بل غالية جداً وعزيزة.. فمن رغب فيها بجد، فليعزم على ألا ينام في عرض الطريق.
ولقد طلبت السيدة خديجة رضي الله عنها من حبيبها وقرة عينها محمد صلى الله عليه وسلم أن ينام.. فقال لها: "مضى عهد النوم يا خديجة"!! نعم.. مضى عهد النوم، ولا راحة في الطريق حتى يضع الدعاة أقدامهم في الجنة. نطق بذلك الفاروق عمر "الراحة للرجال غفلة"، وأكد المعنى نفسه الإمام أحمد بقوله: "لا راحة للمؤمن إلا في الجنة".
فلا تعرف عيون المشتاقين النوم أو الغفلة، ولا تعرف عيون الخائفين الراحة أو السكون، بل هو الجد والعمل والاجتهاد والمثابرة الدائمة.
فحاول أخي الداعية، أن تكون يقظاً على الدوام.. يقظاً مع الله.. مشدوداً إليه.. واستمت في مواصلة الرحلة مهما حدث، وامض في إصرار وملء قلبك ثقة بربك الكبير المتعال.. فإذا أنت هناك!! في جنة الخلد مع الحبيب المصطفى.

الطموح كنز لا يفنى
لا يسعى للنجاح من لا يملك طموحاً، ولذلك كان الطموح هو الكنز الذي لا يفنى، فكن طموحاً وانظر إلى المعالي، فإن الرجل الواحد بوسعه أن يبني أمة إن صحت رجولته ، وهذا ما يفسر لنا سر تحول العرب بعد دخولهم الإسلام، فبعد أن كانوا أناساً خاملي الذكر، أصبحوا بالإسلام قوة جبارة تحكم العالم بالعدل والسلام، وخرج منهم علماء في شتى مجالات الحياة، رغم ما بهم من عجز، إلا أنهم كانوا قادرين على تفجير ما لديهم من طاقات ولو كانت محدودة، فأناروا العالم بنور العلم الذي بهداه تقدم الغرب، وصنعوا حضارتهم الحالية التي ننبهر من روعتها؛ رغم أنها وليدة حضارتنا الإسلامية والتي نجهل قوتها الكامنة.

صور رائعة
1 تجربة الإمام الشافعي: فقد ولد الإمام الشافعي سنة 150 هجرية، في العام نفسه الذي توفي فيه الإمام أبوحنيفة. وعندما شب محمد بن إدريس الشافعي دفعت به أمه إلى مكتب في مكة لحفظ القرآن، وكانت الأسرة فقيرة، فلم تجد أمه ما تدفعه للمعلم.. فكان المعلم مهملاً في تحفيظه القرآن، ولكن الشافعي هذا الفتى الصغير كان يستمع إلى ما يحفظه المعلم لرفاقه فيحفظه، حتى إذا قام المعلم من مجلسه جلس الشافعي ليحفظ قرناءه ما قرأه عليهم المعلم ، لاحظ هذا معلمه فقال: ما تبغي؟ فقال له الشافعي: أُعَلِّمُ قرنائي، على أن تعلمني أنت.. وأكفيك أمر الصبيان. وافق المعلم على هذا، وأعفاه من الأجرة، واستمر هذا الحال حتى حفظ الشافعي القرآن وهو ابن سبع سنين .
2ابن القيم: أتدري كيف كتب كتابه القيم (زاد المعاد)؟ لقد كتبه وهو مسافر، متحدياً مصاعب السفر ومشاقه.3 شيخ الإسلام ابن تيمية يرحمه الله، كتب غالب فتاواه الكبرى وهو في السجن، رغم مرارة الظروف وقلة المعين.

لأصحاب الأعذار سبق
1 أبو العلاء المعري الذي اعتل بالجدري في السنة الرابعة من عمره، فعمي منه، وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة، حتى إنه قال مرة: "أنا أحمد الله على العمى كما يحمده غيري على البصر". ولزم بيته وسمى نفسه "رهين المحبسين"، أي حبس نفسه في منزله، وحبسه بصره بالعمى. يقول عن عماه:
إن يأخذ الله من عيني نورهما ففي فؤادي وقلبي منهما نور
قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخل وفي فمي صارم بالقول مشهور
2 ابن الأثير: كان مقعداً، ومع ذلك ألف كتبه الرائعة "كجامع الأصول والنهاية في غريب الحديث... الخ".3 الإمام الشاطبي صاحب القصيدة المشهورة في القراءات والمعروفة ب"الشاطبية" فقد كان ضريراً، وكان إذا ما قرأ الناس عليه البخاري ومسلم والموطأ، صحح لهم النسخ من حفظه.
4 مصطفى صادق الرافعي أحد كبار الكتاب وأدباء العصر الحديث، ولم ينل سوى الشهادة الابتدائية، إذ مرض بعدها بالتيفوئيد، وأصيب بصمم في أذنيه، وحبسة في صوته، وكان هذا سبباً يباعد بينه وبين الناس من ناحية، ويحثه على البحث والمطالعة من ناحية أخرى.

وعلى الطريق رجال
وتبرز لنا أمثلة في مثابرة الدعاة وإصرارهم يقتدى بها من رجالات الدعوة الحبيبة:
1- ولعل أولها تجربة الإمام الشهيد حسن البنا يرحمه الله، والذي استطاع خلال فترة قصيرة أثناء تواجده في الإسماعيلية (ستة أشهر) أن يؤسس جماعة الإخوان المسلمين، وانطلق بها خلال فترة محدودة من الزمن (15 عاماً) لتصل إلى 20 قطراً عربياً وعالمياً، وأن يؤسس لها 2000 شعبة في مصر وحدها، ويطوف بنفسه بأكثر من أربعة آلاف قرية، وها هي دعوة الإمام اليوم تتواجد في أكثر من 90 دولة في العالم.
2- ومن هؤلاء الشهيد كمال السنانيري، ومن بعده تلميذه عبد الله عزام يرحمه الله- وما صنعه في بلاد الأفغان، ونقل الكثير من التجارب، والفقه التربوي، وصار قدوة للمئات من الشباب، وأذكى روح الجهاد، وهي تجربة ابتدأت فردية، ثم اتخذت الطابع الجماعي من خلال التجربة والحوار.
3- وتأتي تجربة الداعية الإيجابي (د.عبدالرحمن السميط) الذي آلمته المجاعة في إفريقيا، فترك مهنة الطب، والعيش الفاره، وبدأ عمل الإغاثة بمجهود فردي، وصب كل أفكاره فيها، حتى تحول بإذن الله تعالى ثم بمؤازرة إخوانه العمل الإغاثي من جهود فردية إلى منظمة كبيرة تخدم الكثير من الدول وتؤسس العديد من المشاريع في إفريقيا، وتحولت إلى سمة بارزة في العمل الإسنادي، وصار مثالاً يحتذى في خدمة القضايا الإسلامية.4- الشيخ القعيد أحمد ياسين والذي استطاع رغم ما به من شلل تام وأمراض مزمنة عديدة أن يحدث صحوة وحركة إسلامية جهادية أقضت مضاجع اليهود في أرض الإسراء والمعراج، وظل يجاهد وينافح عن دين الله وعن قضية المسلمين الأولى حتى نال الشهادة.

لنا فيهم عبرة
أخي الحبيب
· فكر في هؤلاء العظماء والنتائج الرائعة التي وصلوا إليها في حياتهم، بعد أن أخذوا عهداً على أنفسهم ألا يقبلوا بأقل من المستوى الذي حلموا به .
· تأمل حياة العظماء، وعلى رأسهم رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم.
· ادرس سيرة الصحابة رضوان الله عليهم والصحابيات رضوان الله عليهن.
· تفكر في سير العلماء من القادة والمصلحين من أهل الشرق والغرب: ابن سينا وابن حيان والفارابي وخالد بن الوليد وسيف الدين قطز وإسحاق نيوتن وأينشتاين وحسن البنا وإبراهام لينكولن وهيلين كيلر وماري كوري والمهاتما غاندي وغيرهم من الناجحين الذين قرروا وبكل قوة وعزم أن يخطوا خطوة إيجابية رائعة في حياتهم أياًّ كانت معتقداتهم وقناعاتهم وأن يرفعوا من قواميسهم كلمة "مستحيل".
فالقوة التي توافرت لديهم متوافرة لك أيضاً، وستكون أيضاً بين يديك، فقط إذا كانت لديك الشجاعة لكي تحصل عليها. إن تغيير المنظمات والشركات والدول أو العالم كله يبدأ بخطوة واحدة بسيطة وهي (أن تغير نفسك) .

كيف تغير نفسك لتكون داعياً مثابراً؟
إنه طريق طويل، ولكنه سهل. وهذه بعض القواعد التي تمهِّد لك الطريق للوصول إلى المثابرة ، مقتبسة من مقال بعنوان " كيف تغير نفسك ":
1. حسن الصلة بالله وتقوية الإيمان .
2. تصحيح النية، وسلامة القصد، وعدم حصول الهوى، أو غلبة الشبهة.
3. الهمة العالية: فرب همة أيقظت أمة، وقد قيل عن الشيخ ياسين رحمه الله: "شيخ قعيد، أيقظ أمة ونال الشهادة، فمتى يصحو صحيح البدن قعيد الهمة"؟
4. العلم التكويني: أي العلم الذي يدفع صاحبه للعمل لا التنظير "إن العلم إمام العمل، وقائد له، والعمل تابع له ومؤتم به،...".
5. الرضا بالله وبقضائه، والنظر إلى الأمَام، والابْتَسِامْ في مواجهة الصعاب والآَلام والمتاعب، والسْعاَدةْ بالأيام مهما كانتَ مُثْقَلة بالواجبات.
6. العيِشْ في الحاضر، والسْعي إلى المستقبل دون بكاء على الماضي. وليكن الماضي وسيلة للاعتراف بالأخطاء إنْ وُجِدَتْ، كي تتعلَّم منه دروساً لحاضرك ومستقبلك.
7. التخَلص من الحقد والكراهية، فهما أهم أسباب عدم الرضَّا عن النفس ، ولا تكنْ مثل الذين يعيشون في إطار ضَيِّقٍ، دون أن يمتزجوا بالحياة الواسعة.
8. ارفع رأسك، وتطلّع نحو القمة، ثم شمر إليها، ولك أجر نيتك، فإن الله لا يضيع أجر المحسنين، وحاول جاهداً أن تصل، ابذل ما بوسعك، ولا تبقِ من وسعك شيئاً.. (ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها)
9. هيئ نفسك أن تجعل من كل عثرة تقع فيها، سلَّماً نحو خطوة أفضل ، وهيئ نفسك أنك مع كل (فشل) في محاولة، بأنه آخر هزائمك في معركتك الضارية مع الشيطان وجنوده، وبعدها سوف تستلم أنت دفة القيادة في أمان ، ولك في توماس أديسون العبرة ، إنه مخترع الكهرباء الذي قام ب 1800 محاولة فاشلة قبل أن يحقق إنجازه الرائع، ولم ييأس بعد المحاولات الفاشلة التي كان يعتبرها دروساً تعلم من خلالها قواعد علمية وتعلم منها محاولات أدت به في النهاية إلى اختراع الكهرباء
10. تجمّل بالإصرار على مواصلة الطريق إلى الله، رغم كل ريح تعترضك في هذا الطريق وحاديك في ذلك قوله تعالى ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ).
ولا تنسَ في الختام: أن يبقى قلبك معلقا ًبالله سبحانه، مشدوداً إليه، مرتبطاً به، لا يبرح أعتابه، ولا يلتفت إلى غيره.. ولا يرجو سواه.. متضرعاً إليه، لاهجاً بذكره، واثقاً بموعوده، شاكراً إياه على كل حال.وحين يراك سبحانه على هذه الصورة المشرقة المتلألئة: سيفتح لك أبواباً من حيث لا تحتسب.. وسيفتح أمامك آفاقاً رحبة لم تكن تدر في بالك يوما (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين )فهيا نشمر عن ساعد الجد والاجتهاد، والمثابرة والإصرار، من أجل دعوة الله الخالدة، ومن أجل جنة الله الغالية.



الاثنين، ٨ أكتوبر ٢٠٠٧

انقضى رمضان

انقضى رمضان
وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت


انقضى رمضان .. بصيامه وقيامه ، وركوعه وسجوده ، وتراويحه وتهجده ، وانقضت عشر الرحمة وعشر المغفرة وعشر العتق من النار ، وارتحلت أيامه ولياليه ، حاملة معها أغلى الأوقات وأحب الساعات ، وفي جعبتها العبادات المتواصلة ، والتلاوات المرتلة ، والصلوات الخاشعة ، والأذكار المتجددة ، واستغفارات الأسحار ، وسجدات الليل والنهار ، ودمعات التائبين ، وأنين المستغفرين ، وبكاء المبتهلين .

انقضى رمضان .. بموائده الربانية الحافلة بالخيرات من رب السموات ، مضى شهر الذكر والقرآن، شهر البر والإحسان، شهر الإرادة والصبر، شهر الإفادة والأجر، شهر الطاعة والتعبد، شهر القيام والتهجد، شهر زيادة الإيمان ، ومضت أيامه المليئة بالسرور ، ولياليه المشرقة بالنور ، ومضت 30 يوما بل 30 عيدا من أعياد القلب والروح .

انقضى رمضان .. ولكن نفوس الصادقين لا زالت على العهد ، تردد مع الحبيب صلى الله عليه وسلم " وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت " إنه الحداء الخالد الذي ردَّده الحبيب- صلى الله عليه وسلم- صباح مساء في حديث سيد الاستغفار ، فتربى الصحابة الكرام على هذا العهد، وعاشوا به في رمضان وفي غيره، فكانوا يسعون إلى الله شوقًا، ويطلبون وصاله سبحانه وتعالى في كل وقت وحين ، وسار على الدرب من بعدهم التابعون والصالحون

وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت .. نداء وحداء تردده النفوس التي سطعت فيها شمس الإيمان ، والقلوب التي حيت بالقرآن ، والأرواح التي قويت بها الإرادة من بعد ضعف، وعلت بها الهمة من بعد انتكاس، واشتد بها العزم من بعد فتور .
وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت .. فقد ألقيت في قلبي حب المسجد والارتباط به في رمضان ، وحب الصالحين والمكث معهم ، فأعاهدك يارب .. وأردد لك مع العبد المنيب (عائد أنا من حيث أتيت ، عائد أنا لمسجدي ، عائد إلى الصلاة والركوع والسجود ، عائد إلى الطريق خلف أحمد الرسول ) ، وألا أترك صحبة الصالحين ومجالسة المؤمنين ، وأن أحافظ على البيئة الصالحة المعينة لي على طاعتك.

وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت .. لقد تذوقت في رمضان حلاوة الصيام والقيام إيمانا واحتسابا ، وأعاهدك يارب أن اجعل كل أعمالي وأفعالي وأقوالي إيمانا واحتسابا ، سأجعل صيامي بعد رمضان إيمانا واحتسابا ، وسأجعل طلبي للعلم إيمانا واحتسابا ، وسأجعل أمري بالمعروف ونهيي عن المنكر إيمانا واحتسابا ، وصبري وجهادي إيمانا واحتسابا ، وعملي ودراستي وخروجي ودخولي إيمانا واحتسابا .

وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت .. لقد ملكتني القدرة على الصيام شهرا كاملا فامتنعت عن الحلال فيه إضافة إلى الحرام ، فأعاهدك يارب أن أمتلك ذات القدرة والإرادة على ترك المحرمات واجتناب المنكرات ، والمحافظة على جوارحي من الوقوع في الشهوات والمحرمات ، ومواصلة السير إليك بإرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر .

وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت .. فقد أعنتني على القيام مع الإمام مهما أطال التلاوة في التراويح وفي تهجد الليل ، ومنحتني القدرة على قيام الليل بالساعات الطوال ، فأعاهدك يارب ألا أترك صلاة في جماعة خلف الإمام ، وأن آخذ بنصيبي من القيام طوال العام وألا أقصر فيه ، فهو شرف المؤمن ، وفيه لذة الأنس بك وحلاوة مناجاتك .

وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت .. لقد شرحت صدري بتلاوة القرآن ، وأعنتني على ختمه في رمضان مرة ومرتين وثلاث ، فأعاهدك يارب ألا تصرفني أعمالي عن وردي القرآني ، وألا تأخذني شواغل الدنيا وزخارفها عن حزبي من القرآن وألا أقع في هجر القرآن أبدا (تلاوة أو تدبرا أو حفظا أو فهما أو سماعا) ، وأن أحمل مصحفي دائما في جيبي .

وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت .. فقد ألهمتني في رمضان أن خير الناس أنفعهم للناس ، فأعنتني على خدمة الآخرين وهدايتهم وقضاء حوائجهم ، فأعاهدك يارب ألا أنقطع عن خدمة أمتي ومجتمعي ، وأن أهب وقتي وجهدي وصحتة وعافيتي ومالي وما أملك لدينك ودعوتك ورسالتك .

وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت .. فقد ربيتني على مكارم الأخلاق في رمضان ورزقتني قوة خلق أمام من سابني أو شتمني بقولي " إني صائم " ، فأعاهدك يارب أن أحافظ على أخلاق الإسلام في كل معاملاتي ، وأن أتمتع بحسن الخلق مع أهلي وجيراني وزملائي وإخواني ، في البيت وفي الشارع ، في المدرسة والكلية ، في الشركة والمصنع ، في المسجد والمكتب .

وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت .. فقد أحييت قلبي ونفسي في رمضان ورددتني إليك وجعلتني حييا عفيفا ، فأعاهدك يارب أن أبقى حيا وحييا قلبا وقالبا ، وأن أعظمك في قلبي في كل وقت وحين ، وأن أداوم على الأعمال الصالحة التي تقربني إليك ، وأن أبقى محافظا على نعمة الطاعة وعدم قلبها إلى نقمة المعصية ، وألا أكون " كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا " .

" ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما "

اللهم أعني على الوفاء بعهدي ووعدي معك
و أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
و أعني على السير خلف رسولك وحبيبك
و اجعل موعدنا بحبوحة جناتك وجنانك

الخميس، ٢٧ سبتمبر ٢٠٠٧

برنامج العشر الأواخر الذهبية

مشاريع ربانية في رمضان


بين يدي المشروع :
أخى الحبيب ... هنا تشرق أنوار الإيمان ، وهنا تختم الآلام والأحزان ، وهنا بكى وتحسر وندم الشيطان ، حيث أيام العتق من النار ، إنها الأيام التي تسرع بك الخطى إلى النعيم المقيم في جنات النعيم، هنا بركة الزمان والمكان ، يقول الحسن البصري : ( إن الله عز وجل جعل رمضان مضماراً لخلقه يتسابقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ففازوا , وتخلف آخرون فخابوا , فالعجب من الضاحك اللاهي فى اليوم الذى يفوز فيه المحسنون ويخسر المبطلون ) فهلم إلى قافلة المؤمنين والحق بركب الفائزين ، وهنيئاً لك فأنت الآن على أولى درجات الجنة .

شعار المشروع : ( لن نبرح بابك حتى تعتق رقابنا من النار)

لماذا المشروع ؟
· دعاء ورجاء طمعا في قوله تعالى ( اذهبوا فقد غفرت لكم ) .
· نداء وحداء حرصا على تقوية ربانيتنا والتي هي زادنا ووقود حركتنا الدعوية والتربوية
· استجابة لما جاءنا عن عائشة رضي الله عنها " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله "

فكرة المشروع :
استغلال عشر العتق من النيران الاستغلال الأمثل ، والاعتكاف ولزوم المسجد والمكث فيه فترة معينة بنية التقرب إلى الله تبارك وتعالى ، وتفريغ القلب عن شغل الدنيا وتسليم النفس إلى المولى سبحانه وتعالى ، وهو سنة مؤكدة في العشر الأواخر من رمضان ومستحب في غيرها.

أهداف المشروع :
· أن نخرج من رمضان وقد غفر الله لنا وأعتق رقابنا من النار .
· أن نرفع همتنا الإيمانية ونزيد صلتنا بالله .
· أن نحيي سنة النبى صلى الله عليه وسلم بالإعتكاف في العشر الأواخر.
· أن نحقق مشروع الرباط : ( ترتبط قلوبنا بالمساجد ، الصلاة على وقتها ، صلاة الجماعة ، صلاة التهجد ، قراءة القرآن ، الأذكار، السنن والنوافل ... ) .



ضمانات نجاح المشروع :
· التعاون مع إخوانك في تنفيذ المشروع بشكل جماعي .
· تجهيز الأولاد والزوجة للإعتكاف ، بحيث يكون اعتكاف الزوجة والبنات عدد 3 أيام على الأقل ، اعتكاف الأبناء مع أقرانهم طوال العشر .
· تهيئة المحتمع وحثه على إحياء سنة الإعتكاف ، دعوة 10 لإعتكاف العشر ، و دعوة 25 لإعتكاف ليلة 27 .
· الدعاء والتوسل إلى الله بأن يعيننا على تنفيذ المشروع كما ينبغي .
· جدد النية والعزم دائما ، واستشعر أن نية المرء أبلغ من عمله.
· اجتهد أن تنفذ المشروع بكل عناصره ، وإلا فابدأ بما تقدر عليه ، وسدد وقارب ولا تيأس .

توصيات خاصة بالبرنامج :
1- الالتزام التام بالبرنامج وأهدافه ، والتعاون فى القيام بواجبات الاعتكاف ، وتقديم العون للآخرين بحب واحترام ، والتأدب بآداب الإسلام فى المعاملة ، والحرص على المشاركة بفاعلية فى النقاش والحوارات .
2- الاستقرار بالمسجد وعدم الخروج إلا لعذر ، كأصحاب الأعمال و طلبة المدارس والجامعات يخرجون للعمل والدراسة ويعودون مباشرة
3- الإكثار من الاختلاء بالنفس والتنافس في فعل الخير ، والمداومة على السنن والنوافل ، والمحافظة على الأذكار والأدعية ، وتعهد قراءة القرآن وحفظ شئ منه ، والمبادرة إلى قيام الليل وصلاة التهجد.

ختاما أخي الحبيب تذكر ... أنك حين تسلك الطرق فتجدها قد سدت ، وتطرق الأبواب فتجدها قد أغلقت فاعلم ، أنه سبحانه إنما سد عليك الأبواب كلها لتطرق بابه
وأنه اشتاق إلى أن يسمع منك نغمات هتاف : يارب يارب

( اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا )

الجمعة، ١٠ أغسطس ٢٠٠٧

المسألة التركية وتوضيح المفاهيم

بقلم: جمعة أمين عبد العزيز

لا شك أن ما حدث في تركيا من فوز حزبٍ يُحسَب على الإسلام وتوجُّهاته يُدخِلُ السرور على قلب كل مسلم غيور على دينه، ويتمنَّى تمكينَ دين الله على الأرض، بل نفرح لكل جهد مشكور قلَّ أو كثُرَ لصالح الإسلام، تقوم به أي جماعة أو أفراد.

وليس هذا بالأمر الغريب على المسلمين منذ جيلهم الأول بل وفي حياة الرسول- صلى الله عليه وسلم- فقصَّة فرحة المسلمين بانتصار الروم أهل الكتاب على الفرس المجوس أثبتَها القرآن؛ حتى لا يستنكر هذه المشاعر أحدٌ، فقال: ﴿غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ (الروم: 2- 5).

فكيف لا يفرح المسلمون اليوم بانتصار حزب العدالة والتنمية على العلمانيين، الذين يحكمون تركيا منذ سقوط الخلافة حتى اليوم، والذين فصلوا الدين عن الدولة، ولم يعزِلوا الإسلامَ عن الحكم فحسب، بل حاربوه في مظاهِرِهِ، ابتداءً من (الطاقية) إلى حجاب المرأة المسلمة، وانتهَوا إلى إلغاء اللغة العربية، لغة القرآن الكريم، بل وارتبطوا ارتباطًا عضويًّا وروحيًّا وقلبًا وقالبًا بالمشروع الغربي.

إن الذي نشاركُهم فيه ونقرُّه لهم هو أمرٌ يتصل بالمشاعر القلبية، التي لا يعارضها الشرع الحنيف، ولكن ما يتصل بالمقاصد والغايات ومنهج التغيير والإصلاح أمرٌ يحتاج إلى تبيان وتوضيح، كي نضَعَ النقاط على الحروف، ونؤكد عليه ليستبين التصوُّر السليم بمنهاجه القويم؛ حتى لا تزِلَّ قدمٌ بعد ثبوتها، حين يرى البعض هذا الانتصارَ، فقد يشعرون باستطالة طريقنا، وبُعد الغايات، وعدم تحقيق الأهداف البعيدة، بل واستحالة تحقيقها بهذا المنهج الذي آمنَّا به وطبَّقناه، من وجهة نظرهم.

من الخطأ أن نعقد المقارنات الخاطئة بين مَن وصلوا إلى السلطة والحكم دون أن يحدِثوا تغييرًا إسلاميًّا فعليًّا وجوهريًّا في طبيعة المجتمع، أفرادًا وأُسرًا ومجتمعًا.. وبين مَن أحدثوا تغييرًا إسلاميًّا ويسعون لإقامة الدين، كما بيَّنت الآية الكريمة ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ (الشورى: من 13)، وكما قال مرشدنا الأسبق: "أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقُم على أرضكم" وفرقٌ كبير بين الوصول إلى الحكم وإقامة الدين على الأرض.

إن الذي حدث في تركيا لا بد أن يكون واضحًا لدينا؛ حتى لا تتداخل الغايات بالوسائل، والأهداف البعيدة بالقريبة، وحتى لا تقول: ليتنا نسلك نفس المسلك كي نحقق ما حققوه..!! أقول: الذي حدث في تركيا هو وصول لسدَّة الحكم والسلطة، وهذا ما كانوا يسعَون إليه بكل وسيلة، وهم لا ينكرون ذلك كهدف لهم يُرتجَى ويَسعَون إليه بكل جهدهم ووسائلهم المشروعة، وفي سبيل ذلك كان كل همِّهم التجمُّع لا الجماعة التي لها توجُّهاتُها ومنهجُها وأهدافُها ووسائلُها، بل وغاياتُها وخطتُها ومنهجُها النبوي في التغيير.

فقد حدث ما يقرب ذلك مع الترابي في السودان وإن اختلفت الوسائل، فإن الذي حدث في تركيا حدث بالأسلوب الديمقراطي، وأما الذي حدث في السودان فكان انقلابًا عسكريًّا، والذي ترفضه رفضًا قاطعًا جماعة الإخوان المسلمين، إلا أن هدف الترابي أيضًا كان الوصول إلى الحكم والسلطة، ومنهج الإخوان يختلف اختلافًا واضحًا عن هذا وتلك، ولكلٍّ طبيعته وظروفه، إلا أن منهج التغيير يجب أن يكون ثابتًا ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد: من الآية 11).

تقول بعض التحليلات عن التجربة التركية: تعتبر تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا إحدى تجارب الإسلام السياسي في تاريخ الأمة العربية والإسلامية الحديث والمعاصر، إلا أن هذه التجربة غير قابلة للتطبيق في حالة الإخوان المسلمين في مصر لعدد من الأسباب التي من أهمها:

أولاً: التزام أردوغان بقواعد العملية السياسية التركية وبأحكام الدستور، حتى وصلت به المواءمة السياسية إلى الإعلان علنًا أنه ملتزمٌ ليس فحسب بالطبيعة المدنية في إطار مرجعيته السياسية، بل قال إنه ملتزمٌ بهويَّة تركيا العلمانية، لدرجة السكوت على الثورة التي حدثت من العلمانيين؛ بسبب حجاب زوجة وزير الخارجية عبد الله جول عند ترشيحه لمنصب الرئيس؛ حيث قال قائلهم "إنه ليس من الممكن أن تكون السيدة الأولى فى تركيا محجبة"!! وقالوا: "إن دخول زوجة جول المحجبة- السيدة خير- إلى قصر الرئاسة التركي الذي أسَّسه أبو العلمانية التركية أتاتورك أمرٌ يخالف كافةَ القيم العلمانية التركية ويخالف الدستور"!!

ومما زاد الطين بلَّةً أنَّ أوردغان نفسه لم يستطع إتمام تعليم ابنته المحجَّبة في تركيا، بسبب منع الحجاب في الجامعات التركية فأرسلها إلى الولايات المتحدة لاستكمال تعليمها.

هذه هي العلمانية التي قال عنها أردوغان إننا لن نحيد عنها ولن نغيِّر فيها أيَّ شيء، بل ما جئنا إلا للمحافظة عليها، وهذا هو خيار حزب العدالة والتنمية، وهذا خيارٌ لا يمكن للإخوان في مصر أن يتبنَّوه على أي شكل من الأشكال؛ لأن الإخوان مع التزامهم بالدستور المصري؛ لأنه يقول إن الدين الرسمي للدولة هو الإسلام، وإن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، لا يمكن لهم قبول كامل قواعد اللعبة السياسية التي وضعها النظام المصري الحاكم منذ خمسة عقود، سواءٌ على مستوى المبادئ الحاكمة، أو الممارسة السياسية، من قبول لمؤسسات شكلية، وفساد سياسي واقتصادي وإداري واجتماعي موجود، وإلا فقَدَ الإخوان مصداقيةَ ما يطرحونه من برامج وأهداف، وبالتالي سوف يفقدون أهم عناصر قوة الجماعة وهو عنصر الشرعية الجماهيرية، وتأييد الشارع المصري والعربي والإسلامي لهم، والذي قبِلَهم وأيَّدَهم بسبب أجندتهم هذه.

ثانيًا: أن التيار الإصلاحي (تيار الإخوان) بأجندته يرمي إلى إحياء تجربة الأمة الإسلامية الواحدة، وإعادة الواجهة الحضارية القديمة لها، واستعادة دورها الريادي العالمي في كل المجالات، وهذا لا ينادي به أردوغان، فتياره يعمل داخل حدوده فحسب، ولا يطرح أجنداتٍ إسلاميةً ذات طابع عالمي، وهو الأمر الذي لا يقلق الغرب الأمريكي والأوروبي بل والصهيونية العالمية، بعكس التيار الإخواني ذي الأجندة التي تتجاوز حدود قطره، ويمثِّل خطرًا على المشروع الأمريكي الصهيوني العالمي، لأجندته ومشروعه الإسلامي المتكامل، والذي يشمل العالم الإسلامي بأسره، والذي ينادي به الإخوان، وهو أحد أهدافهم الكبرى لاستعادة الخلافة الإسلامية وليس الاستعداد لتغييره لأنه مبدأ ثابت عندهم.

ثالثًا: إن للإخوان ثوابت لا تحيد عنها ولا تتغير، كقضية الاعتراف بـ"إسرائيل" وبيت المقدس وغيرها من القضايا المهمة والتي هي على غير المواءمة السياسية لحزب العدالة والتنمية، فما زالت تركيا عضوًا في حلف شمال الأطلنطي (الناتو) الذي يضرب المسلمين في أفغانستان ويحيك المؤامرات في بلاد المسلمين إلى يومنا هذا، ولا تزال تحتفظ بعلاقات مع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، ويعلن أردوغان المحافظة على هذه العلاقات.

وهذا هو الفارق الذي جعل الغرب يتقبَّل حزب العدالة والتنمية بينما يرفض حماس في فلسطين، بل بمجرد أن يفوز الإخوان بعدد من المقاعد في مجلس الشعب يعلن الحرب عليهم، فما بالكم لو دخل الإخوان المسلمون إلى الحكم وهم عازفون عنه..؟! لا بد أن يظهر العَدَاء الغربي الصريح ويعمل أصحاب المشروع الغربي الصهيوني جاهدين لإسقاط تجربتهم في الحكم إن حدث ذلك.

إن المجتمع الذي يريده الإسلام هو:
1-مجتمع رباني، يستمد كلَّ مقوماته من أوامر الله وتوجيهاته وحكمه.
2-يتجه إلى الله بكل شعوره ووجدانه وعمله.
3-مجتمع.. العقيدة أساسه، والشعائر مظهره وتعظيمه، والأخلاق ضمانه، والشريعة ترجمته العملية.
4-الواجبات فيه كلها مطلوبة، والمحظورات كلها منهيٌّ عنها، وبين ذلك المندوبات والمكروهات والمباحات، وتأمَّل موقف ربعي بن عامر مع قائد الفرس حين قال له: "إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن
جَور الحكام إلى عدلِ الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة"، فأي ثباتٍ ووضوح في مثل هذا الموقف.

واستمع إلى الإمام البنا يوضح لنا ذلك فيقول: "نحن نريد الفرد المسلم، والبيت المسلم، والشعب المسلم، ولكننا نريد قبل ذلك أن تسود الفكرة الإسلامية حتى تؤثر في أوضاعنا جميعها، وتصبغها صبغةً إسلاميةً وبدون ذلك لن نصل إلى شيء".

نريد أن نفكر تفكيرًا استقلاليًّا يعتمد على أساس الإسلام الحنيف، لا على أساس الفكرة التقليدية التي جعلتنا نتقيَّد بنظريات الغرب واتجاهاته في كل شيء، ونريد أن نتميَّز بمقوّمات ومشخِّصات حياتنا كأمة عظيمة مجيدة، تجرُّ وراءها أقدمَ وأفضلَ ما عَرَف التاريخ من دلائل ومظاهر الفخار والمجد".

الانطلاق في رحاب الإيمان

إن الانطلاق في رحاب الإيمان ينمِّي الشخصيةَ المستقلةَ التي تتخلَّص من الإمَّعيَّة والغثائية، بتربية تُخرج لنا نماذجَ فذَّةً، متعددةَ القدراتِ والأفهامِ، يكون بها كلُّ مسلم نسيجًا وحدَه، يختلف عن الآخرين، وهذا التنوُّع والاستقلال أساسٌ لقيام مجتمع لا يطويه التشابُه الأصمّ، والتجريد المُميت، وإنما تتكامل فيه عناصر الإبداع، ومقوِّمات التنوُّع، فيغدو كلوحةٍ تتناسق فيها الألوان، وتتكامل فيها الصورة، وهذا كله نتاجُ تربيةٍ وتخطيطٍ طويلِ الأمدِ، يتطلَّب طولَ النفَس، والصبرَ الجميلَ، والعملَ المتواصل، والثبات عليه، بل وإكراه النفس عليه؛ لصياغة نموذج وأسلوب للحياة، تتأكد به قيم الإسلام العليا، ومبادئه المميزة، لينطلق بها إلى الممارسة الحياتية، بلا عُقَد ولا أزمات ولا مقارنات خاطئة، بل ولا انفصامٍ في الشخصية وبوعيٍ بالتحديات، وإيمانٍ بالمنهج والتطبيق، واستشعار الأمة كلها بوجوب العمل، وثقتها بقدرتها على التأثير الإيجابي، مع الاعتزاز بهويَّتها الإسلامية، واليقين بنصر الله لها.

مقصد الإسلام
إن للإسلام مقصدَين مهمَّين يجب أن نَعِيَهما جيدًا:

أولاً: إقامة أمة صالحة مصلحة، ولن تكون إلا إذا توافرت فيها شروط أساسية، أهمها:

1-أن تكون أمة ذات رسالة تجاهد من أجلها.

2-أن تكون أمة موحدة متحابة.

3-أن تكون أمة مضحية مستعدة للبذل.

ثانيًا: أن يكون على رأس هذه الأمة حكومةٌ إسلاميةٌ مدنيةٌ، صالحةٌ مصلحةٌ، خادمةٌ للشعب، تقوم على الشورى، وتُقيم العدل، وتحقق الحرية لجميع أفراد شعبها، لا حكومة طغيان واستبداد.

لهذه المعاني التي تتطلَّب إرادةً قويةً وعزمًا على مواصلة الطريق؛ لأنه طريق طويل تعتريه عقبات وعقبات.. من أجل ذلك يقول الإمام البنا للمتعجِّلين: "أيها الإخوان المسلمون، اسمعوها مني كلمةً عاليةً مدويةً، من فوق هذا المنبر، في مؤتمركم هذا الجامع.. إن طريقكم هذا مرسومة خطواته، موضوعة حدوده، ولست مخالفًا هذه الحدود التي اقتنعتُ بأنها أسلمُ طريق للوصول، أجل.. قد تكون طريقًا طويلةً، ولكن ليس هناك غيرها، فمن أرادَ أن يستعجل ثمرةً قبل نضجها، أو يقتطفَ زهرةً قبل أوانها فلستُ معه في ذلك، وخيرٌ له أن ينصرف عن هذه الدعوة إلى غيرها".

ويقول لمن تسبق عواطفهم عقولهم: "ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول، وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف، وألزِموا الخيالَ صدق الحقيقة والواقع، واكتشِفوا الحقائق في أضواء الخيال الزاهية البرَّاقة، ولا تَميلوا كلَّ الميل فتذروها كالمعلَّقة، ولا تُصادِموا نواميسَ الكون فإنها غلاَّبة، ولكنْ غالِبوها واستخدِموها، وحوِّلوا تيارَها، واستعينوا ببعضها على بعض، وترقَّبوا ساعةَ النصر وما هي منكم ببعيد".

يقول للذين يقيسون الأمور بنتائجها ومظاهرها: إنكم تبتغون وجه الله وتحصيل مثوبته ورضوانه، وذلك مكفولٌ لكم ما دمتم مخلصين ولم يكلفكم نتائج الأعمال، ولكن كلفكم صدق التوجه، وحسن الاستعداد، ونحن بعد ذلك إما مخطئون فلنا أجر العاملين المجتهدين، وإما مصيبون فلنا أجر الفائزين المصيبين، على أن التجارب مع الماضي والحاضر قد أفادت أنه لا خيرَ إلا في طريقكم، ولا إنتاجَ إلا مع خطتكم، ولا صوابَ إلا فيما تعملون، فلا تقامروا بجهودكم، ولا تقامروا بشعار نجاحكم، واعملوا ﴿وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ (محمد: من الآية 35)، والفوز للعاملين ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (البقرة: من الآية 143).

الخلاصة

أننا أصحاب مشروع إسلامي يدعو إلى تكوين أمة وتربية شعب، وتحقيق آمال، وهذا كله يتطلَّب نفسيةً عظيمةً، تتمثل في: إرادة قوية، ووفاء ثابت، وتضحية عزيزة، ومعرفة بالمبدأ وإيمان به؛ لأنه مشروع شعوب مسلمة تتحرق شوقًا وأملاً في أن تحيا بالإسلام، وتعيش له وبه كي تتبوَّأ مكانتَها بين العالمين، وتنهض بواجبها المقدَّر من رب العالمين.

إنه المشروع الذي يهدي للتقى والرشاد والطريق المستقيم الذي يحقق للأمة هويتها الذاتية، وشخصيتها المتميزة واستقلالها الاقتصادي وإرادتها السياسية؛ حتى لا تذوب في شرق ولا غرب، وحتى تخرج من حالة المسخ التي تردَّت إليها من إثْر التخلف والجمود والفساد من ناحية والغزو والاستعمار الفكري والعسكري من ناحية أخرى.

ولذلك كان لا بد ابتداءً أن نعي جيدًا أن الإسلام رسالة تربية قبل أن يكون رسالة تشريع وتنظيم، ورسالة عقائد وأخلاق قبل أن يكون رسالة قتال وجهاد، ورسالة قيم ومبادئ قبل أن يكون رسالة اتساع وانتشار، ومن هنا كانت أولى خطوات التغيير والإصلاح موجهةً إلى القلب والنفس لتحقيق وحدة القلوب صفاءً وإخلاصًا، وهي سابقةٌ على وحدة الصفوف تنظيمًا وتخطيطًا وإدارة، فالصلاح قبل الإصلاح.

نعم لا بد من يقظة الأرواح وحياة القلوب، وصحوة الوجدان والمشاعر أولاً قبل كل شيء، ولقد نبَّه الإمام البنا إلى هذه الحقيقة، فقال: "ينظر الناس في الدعوات إلى مظاهرها العملية وألوانها الشكلية، ويهملون كثيرًا النظر إلى الدوافع النفسية والإلهامات الروحية، التي هي في الحقيقة مددُ الدعوات وغذاؤها، عليها يتوقف انتصارها ونماؤها، وتلك حقيقة لا يجادل فيها إلا البعيد عن دراسة الدعوات وتعرُّف أسرارها، إن من وراء المظاهر جميعًا في كل دعوة لروحًا دافعةً، وقوةً باطنة، تسيِّرها وتهيمن عليها، وتدفع إليها، ومحالٌ أن تنهض أمةٌ بغير هذه اليقظة الحقيقية في النفوس والأرواح والمشاعر ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد: من الآية 11).

ولهذا أستطيع أن أقول إن أول ما نهتم به في دعوتنا وأهم ما نعوِّل عليه في نمائها وظهورها وانتشارها هذه اليقظة المرتجاه، والتي نؤكدها كي نرسِّخ في العقول لتُصبِحَ أولى الخطوات- كما قلنا- ومن صحت بدايته صحت نهايته..

إننا نريد بتطبيق الشريعة حتى يصبح الإسلام هو الحل استئنافُ حياةٍ إسلاميةٍ متكاملةٍ.. حياة توجهها عقيدة الإسلام، وتحكمها شريعته، وتضبطها أخلاقه، وتسودها قيمه وآدابه.. حياة مصبوغة بالقيم الإسلامية لحمًا ودمًا وروحًا، هذا ما نريده، أن نحيا بالإسلام، ونحيا للإسلام.

فليس كما يقول الماركسيون والماديون: غيِّر الاقتصاد أو غيِّر علاقات الإنتاج يتغيَّر التاريخ، ولكننا نقول: غيِّر نفسَك تتغيَّر الحياة والتاريخ، ولا تتغيَّر النفوس إلا بالإيمان والتزكية ليتحقق الفلاح والنجاح ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ (الشمس: 7-10).

هذا هو منهجنا، فهمًا واعتقادًا وحركةً، لا نحيد عنه، بل نقول فيه كما قال المصطفى- صلى الله عليه وسلم-: "والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه".

وصلَّى الله وسلَّم وبارَكَ على سيدنا محمد وآله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.
-------
عضو مكتب الإرشاد.

السبت، ٤ أغسطس ٢٠٠٧

أبا الزهراء

الجمعة، ٣ أغسطس ٢٠٠٧

صدق الولاء والانتماء لدعوة الإباء


كل منا يدعي انتماءه لدعوة الاسلام في القرن الخامس عشر الهجري
وكل منا يفخر بذلك ويتباهى به أمام الآخرين
ولكن .. من منا يرى أن انتماءه لدعوة الإخوان هو انتماء حقيقي لا زيف فيه ولا خداع
لقد قالها الإمام المؤسس رحمه الله " كم فينا وليس منا وكم منا وليس فينا " .. ومن أجل ذلك فنحن بحاجة إلى وقفة جادة مع النفس نراجع فيها انتماءه لهذه الدعوة الخالدة .. ونسأل أنفسنا
ما مدى تواجد الدعوة في قلوبنا ومشاعرنا؟
وما مدى سيطرتها على عقولنا وأفكارنا ؟
وهل نحن نقدم لها وفي سبيلها كل ما نملك من طاقات وإمكانات ؟
وهل تشغل الدعوة لب أوقاتنا أم نعطيها فضلات وقتنا ؟

كثيرة هي الأسئلة التي بحاجة إلى إجابة وافية شافية من قلب صادق ونفس صافية ، حتى نستطيع أن نحدد معالم صدق الولاء والانتماء لدعوة الإباء ، وهذا ما نتحدث عنه في موضوعاتنا القدامة بإذن الله