الأربعاء، ٩ يوليو ٢٠٠٨

الحب شاطئ أمان الدعوة


تهيئة

"والذين آمنوا أشد حبا لله "و" لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين "و" دعوتنا دعوة حب" و" سنقاتل أعداءنا بالحب " على هذه المعاني وبمثل هذه الكلمات تعلمنا ونحن في بدايات الالتزام أن دعوة الله هي دعوة الحب، وغرس فينا أساتذتنا ومربونا تلك القيمة، وتربينا على أيديهم، فاغترفنا منهم الحب وارتشفناه، صغارا وكبارا، ونشأنا وترعرعنا على حب هذه الدعوة الذي ملك قلوبنا وجوارحنا، وتعلمنا في دعوة الإخوان أن العمل للإسلام بحاجة إلى همة عالية تعلو فوق اليأس والإحباط وأن ذلك لا يتأتى إلا بالحب، وتعلمنا في دعوة الإخوان أن العمل لدين الله يحتاج إلى عزيمة تقهر التذبذب والاضطراب والتراجع النفسي ولا يتأتى ذلك إلا بالحب، وتعلمنا في دعوة الإخوان أنها بحاجة إلى حافز قوي يعين على الثبات والتضحية والجهاد في سبيلها ولا يتأتى ذلك إلا بالحب، وتعلمنا في دعوة الإخوان أن حب الدعوة هو أجمل وأغلى وأحلى ما في الدنيا، وأن حب الدعوة هو نور حياتنا الذي يجعلنا نتحمل كل الصعاب، وتعلمنا في دعوة الإخوان حينما يكون انتماؤك لها انتماء حب فلا تتمنى مفارقتها ولا زوالها وتحب الإقبال عليها، وتعلمنا في دعوة الإخوان أن الحب هو أقوى وأخطر عاطفية تغييرية هائلة تنقل صاحبها من الظلمات إلى النور ومن الضلال إلى الهدى.

الحب الحقيقي

إن حب الدعوة الحقيقي انتماء لا ادعاء، ومظاهر عملية لا كلمات براقة، وانتصار للدعوة بانضباط داخلها، لا خروج منها، " فكدر الجماعة خير من صفو الفرد" ، ولقد قالها المؤسس رحمه الله " كم فينا وليس منا وكم منا وليس فينا"، ولذلك فإن حب الدعوة الحقيقي هو الذي تتجسد فيه كل المعاني التالية:

· جنة يأوي إلى ظلها الظليل من لفح نار الدنيا المحبون، وواحة يطيب لهم في شذاها البقاء، وأريج رائع ينبعث من القلوب المحبة فيجعل الانتماء لها بهجة الحياة، و بذرة تنمو وتثمر في قلب المحبين، ومتى نضجت تعطي طعما رائعا للحياة و تدفع أصحاب الدعوات للتضحية والفداء من أجلها.

· حصن أمان يحول دون السباحة في مستنقع المتساقطين على طريق الدعوة، ويحول دون الخوض في عرض الدعوة أو قادتها بطعن أو تجريح، ويحول دون خرق سفينة الدعوة قولا أوفعلا.

· ارتفاع فوق سفاسف الأمور، وتسامي فوق الحياة الدنيا بكل ما فيها من تقلبات وتغيرات ومصاعب، وسلم نرتقي به حتى نصل إلى أعلى درجات القرب "وجبت محبتي للمتحابين فيّ".

· بوصلة تشير إلى الاتجاه الصحيح الذي يجب أن نسلكه، تعصم من الخطأ فيه أو الانحراف عنه أو المساومة عليه أو الخديعة بغيره، و صحوة للقب من سبات الوحدة، فلا انعزال أو انطواء أو تناجي دون الأحباب.

· فضاء كبير تتناثر فيه القلوب المشعة بنور الإيمان كالنجوم، وجبل في قلب المحب لا تستطيع زلازل الشبهات وبراكين الشهوات تدميره أو زعزعته، ونافذة يتسلل من خلالها نور الأمل إلى قلوب أبناء الدعوة فيزيل كل أثر ليأس أو قنوط، ومدخل رائع من مداخل السعادة الكثيرة التي تقهر كل صور الانهزام النفسي أوالضعف البشري.

· قائد عظيم يقود القلوب نحو آفاق أوسع وأجمل في الحياة، فيراها المحبون رغم التضييق والتشريد والقتل والتعذيب جنة "ما يفعل أعدائي بي إن جنتي في قلبي إن حبسوني فحبسي خلوة إن قتلوني فقتلي شهادة وإن نفوني فنفي سياحة ".

· رنين باعث يوقظ القلوب النائمة بصداه العذب، ويرد الشاردين إلى الجادة، ويحيي الأمل في النفوس المتعبة، ويبعث الهمم في النفوس المحبطة، ويعيد الأمن إلى القلوب الوجلة.

· استثمار لجميع المواقف ( الإيجابية والسلبية ) وتحويلها إلى سلوك إيجابي جدي نافع وخادم للدعوة، واستثمار لكافة الطاقات وتسخيرها في خدمة الدعوة.

ملامح المحب:

المحب لدعوته متجرد لها من كل هوى، المحب لدعوته يشعر أن كل تكليف وافق هواه فهو محنة، وكل تكليف خالف هواه فهو منحة، والمحب لدعوته يقدمها على ما سواها بما في ذلك مصالحه الشخصية، والمحب لدعوته يحب ما تحب دعوته ويكره ما تكره دعوته، ولذلك قالها الكريم يوسف عليه السلام " السجن أحب إلي مما يدعونني إليه"، والمحب لدعوته لا يسأل عن العمل ويقول هل هذا تكليف، فالمحب يستوي عنده العمل سواء كان تكليفا أم غير تكليف، ومن هنا كانت واجبات الأخ العامل، والتي هي في الغالب أمور مندوبة ومستحبة ولكنها في حق محب الدعوة واجبات، والمحب لدعوته لا تتناوشه سهام المغرضين ولا شبهات الطاعنين في دعوته وقيادته، والمحب لدعوته لا تقعده المحن التي تتوالى عليه عن العمل لها، والمحب لدعوته لا تقعده ظروف الحياة المادية عن البذل والتضحية لها، والمحب لدعوته لا تتعارض عنده مصلحة الدعوة مع مصالحه بل هو ومصالحه وقف لله ولدعوته، والمحب لدعوته صابر على الأذى من أجلها، والمحب لدعوته قد يجد من مسئوله بتصرفاته ما يضايقه ولكنه يبقى محبا لدعوته شعاره ما قاله سيدنا علي لسيدنا عثمان حينما أغضبه وقال له مالك لا ترد، فقال سيدنا علي " لو تكلمت لأغضبتك ، وليس في قلبي لك الا ما تحب وأحب " ، والمحب لدعوته يجعل حياته تجسيدا عمليا لمبادئها وأهدافها وأركان بيعتها وصفاته أهلها .


أيها المحب

" إن الناس بحاجة إلى رجل يفيض من قلبه على قلوب من حوله ومن هذا الفيض الرباني يفيضون على من حولهم وبهذا يخرجون من الظلمات إلى النور "، بهذه الكلمات خاطبك المؤسس رحمه الله، فالعالم من حولك يحتاج إلى قلب وعاطفة ومشاعر، فكن هذا القلب لهذا العالم، وأحيه بعاطفتك ومشاعرك، واغمر هذا العالم بفيض حنانك، وأشعر كل القلوب بمزيد رحمتك وردد مع الإمام ما قاله " نحن لكم لا لغيركم أيها الأحباب"، وخص إخوانك المسلمين بأعلى درجة من حرارة المحبة وأشعرهم بأنك تحبه، واسع إلى قلوبهم وتلطف معهم واجمع القلوب على القلوب بالإيثار والرعاية والصبر والحب، واحمل نور هذه الدعوة واخترق به ظلمات الجاهلية برفق ولين، وبحب وعطف وحنان، ببركة هذا الإخاء في الله، إنها من قبل ومن بعد روح الإسلام الذي بعث الله به محمداً رحمة للعالمين، وتذكر قول المؤسس رحمه الله " ولكنكم روح جديدة تسري في قلب هذه الأمة فتحييه بالقرآن، ونور جديد يشرق فيبدد ظلام المادة بمعرفة الله، وصوت داو يعلو مرددا دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم".

روحي فداها

ما أغلاها دعوة الإخوان، دعوة نقلنا الله بها من الموات إلى الحياة، ومن نار الجهل المركب إلى جنة الفهم الصحيح الشامل، ما أروعها دعوة الإخوان بجلساتها التربوية التي تشرح الصدر وتذهب ما به من هموم وأحزان، وبها يذهب ضيق الصدر وسآمة النفس، بها أنسي وبهجتي وسعادتي وراحتي، بها أنقذني الله من الغرق، وهداني من الضلال، وداواني من الأسقام، هي حبة القلب، ومهجة النفس، هي روضة المحبين ونزهة المشتاقين في جنة الدنيا" لو يعلم الملوك ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف" ، دعوتي جنتي أقف على أعتابها مقبلا يديها وقدميها مرتميا بين أحضانها، وكأني أقف في محراب صلاة، معتذرا عن كل لحظة تقصير في حقها أو هجر لها أو تخلف عن نصرتها أو حراسة فكرتها، سامحيني يا دعوتي، فلم أنصرك حق النصرة ولم أحرسك حق الحراسة، ولذلك أعاهدك وأعاهد ربي وقيادتي ، بأن كل ما أملكه فداء لكِ، بدءا من قلبي المتعلق بكِ، ونفسي التي بين جنبي ، وأهلي وولدي ومالي، كل ما أملك من قدرات ومهارات وطاقات وإمكانيات، فداء لدعوتي،وأرفع صوتي عاليا مرددا من كل قلبي ومعلنا لدعوتي وللدنيا كلها

دعوة ربي ما أغلاها روحي ومالي وولدي فداها