السبت، ١ يناير ٢٠١١

ورحل الرجل الرباني جلال الشرقاوي


تلقيت خبر وفاته فأصابني ذلك بحزن شديد وهم بالغ، ولكن لا نملك إلا أن نقولها بقلب مكلوم ونفس راضية بقضاء الله وقدره "إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا، وإنا لفراقك يا أستاذ جلال لمحزونون"، فقد فقدت الدعوة بموته واحداً من الأساتذة الكرام والمؤسسين العظام الذين آمنوا بسمو دعوتهم وقدسية فكرتهم، لقد كان واحداً من الذين عاشوا للدعوة وبها ومن أجلها، تعرف على الدعوة في ريعان شبابه في العشرينيات من عمره، وكان ذلك في وقت المحنة الأولى للإخوان بعد الثورة، فأحب الدعوة وانتمى إليها والتزم بها في وقت الشدة والمحنة ليكون انتماؤه لها عن إرادة صادقة وعزيمة وإصرار، وكان من الرعيل الأول للدعوة في محافظة الغربية ومن الرجال الذين قامت على اكتافهم لبنات الدعوة الأولى، فكان له فضل السبق والصدق معاً.


عاش لدعوته أكثر من نصف قرن من الزمن كان فيه نموذج الإخوان المسلمين العملي الذي تجسَّدت فيه كل أركان البيعة، نحسبه كذلك ولا نُزكيه على الله، فكانت حياته في الدعوة عامرةً بالفهم الصحيح لهذه الدعوة، والإخلاص النقي، والعمل المتواصل، والجهاد الشامل، والتضحية العزيزة، والطاعة الواعية، والثبات الفريد، والتجرد المتميز، والأخوة العالية، والثقة المتناهية، هو رجل الثبات على الحق والصبر على البلاء، يخرج من ابتلاء ليدخل في آخر دون أن ينقص صبره وثباته، كان رحمه الله صورة من صور الوفاء الثابت لهذه الدعوة الذي لا يعدو عليه تلون ولا غدر، يتعرض للابتلاء والتعذيب في المحنة مع إخوانه تنظيم 65، ولا يملك إلا الصبر الجميل، ويعطينا أروع صور الثبات، ثم يحرمه الله من الولد فيصبر على ذلك وكان وفياً لزوجته الصابرة معه، وجعل كل الإخوان أبناءً له، فكانت الدعوة وأبناؤها هي بيته، وهبها وقته وحياته، وكما كان له أثره التربوي بمصر، فلن تنس جبال اليمن وسهولها خطواته الدعوية ولمساته التربوية على كل جيل هناك من الأجيال التي تربت على يديه وقادت العمل الإسلامي هناك.


ما أحب الظهور ولم يكثر من الكلام ويرفض التحدث إلا نادرا، ولكنه أتقن فن الدعوة بالقدوة الحسنة، وأجاد التربية بالمواقف العملية، وأحسن البناء من خلال المعايشة القريبة، وأتقن غرص الدعوة من خلال التوريث المباشرلها، رأينا فيه صدق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا، وإن حضروا لم يدعوا ولم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى، يخرجون من كل غبراء مظلمة" فكان مصباح الهداية لكل إخوانه من حوله، قمة في التواضع والأدب الجم، تأتيه تشكو إليه حالك وما نزل بك فلا يتركك إلا وقد زال عنك كل هم وغم، ينشرح صدرك بلقائه، ويزول همك بقربه، والأنس به يعطيك دفعة قوية للعمل ، من أجل ذلك كله نبكي شيخنا الحبيب، نبكي فيه المربي الجليل والقائد الرباني والرجل الخلوق والصابر المحتسب، فقد كان رحمه الله من الصادقين في انتمائهم لدعوته ومن المخلصين لها، ومن الأوفياء الأتقياء، وكان صورة جامعة للخير كله.


ختاماً نقول لكم يا شيخنا الجليل في رحاب الله وفي جنة الخلد بما قدمتم وبما صبرتم وبما بذلتم، ونعاهدكم أن نبقى على العهد وأن نحافظ على ثمرة جهدكم وغرس أيديكم، وأن نواصل مسيرتكم ما حيينا حتى نلقاكم في مقعد صدق عند مليك مقتدر.