الثلاثاء، ٢١ يونيو ٢٠١١

مرحباً مخيمات الزمن الجميل



إن مما يميز دعوة الإخوان المسلمين عن غيرها اعتمادها التربية نهجاً وسلوكاً وممارسةً وتطبيقاً، انطلاقاً من مهمة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، واستشعاراً لرسالته : " يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة"، وهي تسعى بذلك لتكوين الفرد المسلم فى تفكيره وعقيدته، وفى خلقه وعاطفته، وفى عمله وتصرفه، كي يصبح لبنة صالحة في المجتمع، وقد انتهجت الجماعة وسائل عدة للتربية كالأسرة والكتيبة والرحلة والندوة والمخيم والمعسكر، وإذا كانت الأسرة تربى تربية متكاملة على فترات متباعدة وفى إشراف مرب جيد هو نقيب الأسرة ، والكتيبة تخدم وتقوي الجانب الروحي و الإيماني، والرحلة تسهم فى عملية التربية العملية؛ فإن المخيم يضطلع بمهمة تربوية جليلة القدر لا تقل أهمية عن الأسرة والكتيبة والرحلة، بل ربما كانت مهمة المخيم التربوية لا تتوفر لغيره من وسائل التربية عند الإخوان المسلمين من حيث التربية والتجميع والتدريب.

وقد انتهج الإمام البنا وسيلة المخيم في العمل التربوي، لما لها من أهمية بالغة في تشكيل وتكوين الشخصية الإسلامية، وكان من أبرز تلك المخيمات الإخوانية، ما أقيم فى الدخيلة بالإسكندرية فى صيف عام 1938 م والذي رأسه الإمام المؤسس نفسه، وشارك فيه الإخوة من مختلف أنحاء مصر، وتم لهم فيه من التعارف والتدريب والتدارس للعمل الإسلامى مع الإمام المؤسس وكبار الإخوان ماحقق فوائد جمة.

تذكرت ذلك بعدما أخذتني أقداري الجميلة في الإسبوع الماضي إلى حضور مخيم الإخوان المسلمين التربوي والذي أقيم لأول مرة بصورة علنية بعد سقوط النظام المستبد نتيجة ثورة 25 يناير، وكانت مدينة مرسي مطروح على موعد مع هذا الحدث التربوي العظيم، كي تنضم إلى قافلة المدن التي احتضنت مخيمات الإخوان عبر تاريخ الدعوة .

وقد دفعتني المشاعر أن نتذاكر هنا مخيمات أبي يوسف بالعجمي في سبعينات القرن الماضي، والتي شهدت ميلاد العديد من قيادات العمل الإخواني الحالية، فقد عشنا بها أجمل لحظات عمرنا، ما بين تربية وتدريب على الجندية والسمع والطاعة والانضباط والالتزام والحركة والعمل، إنها مخيمات الزمن الجميل الذي كنا نتتلمذ فيها على يد أساتذة الدعوة وقادتها الكرام، فكم سعدنا برؤية قادة الدعوة لأول مرة في هذه المخيمات، وكم كانت ملازمة هؤلاء الأساتذة ذات أثر بالغ في تكوين نفوسنا وتقوية ارتباطنا بهذه الدعوة، فتعلمنا في تلك المخيمات كيف نحيا حياة إسلامية راقية في مجتمع مثالي، وغرست فينا قيم الدعوة ومبادئها وأفكارها، وعشنا من خلالها روح الأخوة ومشاعر الحب في الله في أروع صورها ونحن نعايش شباب الدعوة من كل مكان، وتربينا على الانقطاع التام عن الدنيا والانفصال عنها وترك الأعذار وراء ظهورنا والتفرع التام لهذه المخيمات وما يتم بها من أنشطة، تلك المخيمات التي توقفت بمقتل السادات ولم تعد حتى قامت ثورة 25 يناير.

تذكرت ذلك كله وأنا ذاهب إلى مرسي مطروح لحضور مخيم الإخوان المسلمين التربوي، والذي كان نتيجة طبيعية لمرحلة ما بعد ثورة 25 يناير وبعد زوال القبضة الأمنية للنظام الديكتاتوري السابق،وحينما ذهبت ورأيت الخيام المنتشرة على رمال البحر ازدادت الأشواق إلى مخيمات الزمن الجميل، وأسعدني الله برؤية هذا الجمع المبارك من شباب الإخوان من محافظات عدة يجتمعون لأول مرة بهذا العدد وبصورة علنية، مما جعلني أهتف من كل قلبي : مرحبا مخيمات الزمن الجميل

مرحبا مخيمات الزمن الجميل حيث تعميق روح الأخوة بين المئات من شباب الإخوان من محافظات عدة، وتحقق الانسجام التام والمخالطة التربوية والتعارف الميداني بعد أن كان تعارف قلوب وأرواح، والنجاح في تكوين روابط بين الأفراد.

مرحبا مخيمات الزمن الجميل حيث تتحقق المعايشة التربوية بين المشرفين التربويين وشباب المخيم، والتقارب بينهم بصورة مباشرة، دون قيود أو حواجز، وبما يحقق التفاعل بين المسئولين وأفراد هذه الدعوة

مرحبا مخيمات الزمن الجميل حيث التواصل بين أجيال الدعوة، و تلاحم جيل الشباب مع أجيال الدعوة الأولى ورموزها وقياداتها في صورة نادرة الحدوث، وتحقق توريث الدعوة وتسلم أمانتها يداً بيد، والقضاء على كل محاولات الإعلام لإحداث الوقيعة بين الشباب والشيوخ من أجيال الإخوان.

مرحبا مخيمات الزمن الجميل حيث ارتفاع الروح المعنوية بدرجة عالية بين الأفراد بعد رؤية قادة الدعوة ورموزها، والاحتكاك بهم عن قرب، وحيث اطمئنان القيادة على سلامة سير الشباب على طرق الدعوة، وأنهم راضون عما وصلت إليه الدعوة

مرحبا مخيمات الزمن الجميل حيث التثقيف الدعوي والوعي السياسي والبناء التنظيمي ووضوح الرؤية حول الأحداث الجارية ومستجدات الساحة ومناقشة كافة القضايا السياسية والدعوية والتربوية، والوقوف على رؤية الإخوان المتجددة بشأن تلك القضايا .

مرحبا مخيمات الزمن الجميل حيث التربية الواقعية والتدريب العملي والمخالطة اليومية والمعايشة الميدانية، وحيث الفهم الواضح والإدراك الواعي والنضج العقلي من ناحية، وحيث الارتقاء الإيماني والزاد التعبدي والنماء الروحي من ناحية ثانية، وحيث التدريب العملي والاعداد البدني والنشاط الرياضي وبناء مقومات التحمل الجسدي من الصبر ورحابة الصدر والجلد وتحمل المشقة من ناحية ثالثة .

مرحبا أيها الزمن الجميل، إنه زمن التربية الأصيلة والجندية الصادقة والقيادة الراشدة والمنهاج القويم والأخوة الرائعة والتفاعل والمعايشة الميدانية ... والله أكبر ولله الحمد

الخميس، ٩ يونيو ٢٠١١

انتماءات مرفوضة في الدعوة

إن دعوة الله تشهد في مرحلة ما بعد الثورة، إقبالا كبيراً عليها ورغبة في الانتماء لها، من قبل المحبين لدعوتنا والمحتكين بها عن قرب، والمدركين أنها الدعوة الحق، التي صبرت واحتسبت حتى نالت حريتها، ولكننا بداية نحب أن نؤكد أن الانتماء للدعوة لا يكون بتقديم طلب انتساب وتسجيل اسم، ولا يكون بالتردد على منتديات الجماعة ومراكزها وحضور اجتماعاتها فقط، إنما ينبغي أن يكون لهذا الانتماء أبعاد تتجاوز الحدود الشكلية والاعتبارات المظهرية، ولن نتحدث هنا عن معالم الانتماء للدعوة بل نتناول بعض معالم الانتماء الشكلي المرفوض، وهنا نتذكر مقولة سيدنا حذيفة رضي الله عنه " كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني" ومن هذا الباب أتطرق لهذا الموضوع، برسم ملامح الانتماءات الضيقة والمرفوضة والمنبوذة في العمل الإسلامي والتي يجب أن يتجرد كل صاحب دعوة لدعوته من تلك الانتماءات، وأن يتخلص منها، ولا ننسى أن نذكر أنفسنا بما قاله الله عز وجل لصحابة رسول الله وهم خير القرون" منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة" فلابد من الانتباه لمداخل الأهواء إلى النفوس، حتى لا تحكمنا الأهواء في انتماءاتنا الدعوية، وهذه بعض صور الانتماء الشكلي المرفوضة في دعوتنا .

الانتماء الشخصي
وهو الانتماء المعهود في التكتلات الزعامية، التي تعتمد على زعامات وشخصيات بعينها، ترتبط بها وتنتمي بسبب تواجدها على الساحة، وربما يصل هذا الانتماء إلى ربط المصير بالمصير، وهو انتماء يعد جرثومة فناء الدعوة واندثارها، لأنه انتماء هش يتأثر بعوامل عدة ترتبط بالشخص، ومن ذلك : ( التأثر بموت هذا الزعيم أو تلك الشخصية التي ارتبط بها – التأثر بزوال تلك الشخصية أو غيابها عن مسرح الدعوة لسبب أو لآخر) مما يعني زوال الانتماء بموت تلك الشخصية أو انسحابها من العمل أو تركها الدعوة، وهنا تحضرني مقولة سيدنا أبي بكر الصديق بعد وفاة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم "من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت " فقد ركز على قضية الانتماء الحقيقي لهذا الدين وهذه الدعوة، وأثبت لنا أنه لا ارتباط بالأشخاص ولو كان محمداً صلى الله عليه وسلم، ويعلمنا أن نجعل ارتباط الأفراد بالله، واجتماعهم عليه سبحانه وتعالى، وهذا هو سر خلود هذه الدعوة وبقائها واستمرارها، فلا يجب على أصحاب الدعوات أن يجعلوا ارتباطهم بشخص ما، مهما كانت درجته التنظيمية أو ملكاته وقدراته وخبراته، لأننا لا نأمن على حي من فتنة، ولقد كانت عظمة هذه الدعوة في عدم ارتباطها بشخص ما مع احترامنا وتقديرنا له، ولو كان مرشداً عاماً أو عضو مكتب إرشاد أو عضو مجلس شورى، بل هو ارتباط أفكار ومبادئ وقيم .

الانتماء العاطفي
وهو الانتماء الذي يتم بشكل عاطفي وتتعلق فيه القلوب وتندفع فيه النفوس بعدما رأت شيئا أثار العاطفة فيها، نتيجة مظهر ما أو نشاط ما أو حادثة ما، فتأثرت القلوب وثارت العاطفة، قد يكون ذلك الأمر مطلوبا في مرحلة أولية ونحن نقدم الدعوة فنخاطف القلوب والعواطف والمشاعر والأحاسيس، ولكننا مطالبون بعد ذلك أن نحول الانتماء من مجرد عواطف جياشة ومشاعر ملتهبة إلى يقين قلبي وإدراك عقلي وعملي حركي، لأن الإسلام منهج حياة، ولأن العمل للإسلام يهدف إلى تحقيق هذا المنهج في المجتمع ، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال التزام وانتماء حقيقي لا عاطفي، انتماء عقائدي وحركي والتزام عملي، فإن الثبات على الدعوة والبقاء في مسيرتها والعمل لها والبذل في سبيلها لا يكون بالعاطفة ولا بالانتماء العفوي فقط، فإن أكثر الذين يتساقطون على الطريق و الذين يتركون المسيرة بسرعة هم ممن ساروا بعفوية واندفعوا بعاطفية ـ تحت ظرف من الظروف ـ ولم يدركوا أبعاد الطريق ولا ضريبة الانتماء له، فلا مكان في دعوتنا لانتماء عفوي أو عاطفي، بل هو الانتماء والارتباط بالقلب والروح والعقل والجسد .

الانتماء المصلحي
وهو الانتماء الذي يتوسل به الناس لتحقيق بعض أغراضهم ومصالحهم الشخصية ، ويتذرعون به للوصول إلى مآرب خاصة مادية واجتماعية، وهنا يذكرنا الحبيب صلى الله عليه وسلم بخطورة الأمر بقوله" إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجته إلى ما هاجر إليه" فلا مكان في دعوتنا لأصحاب الانتماء النفعي، ولا لأصحاب الأغراض الشخصية والمنافع الذاتية والمطامع الدنيوية، ولذلك فإن الانتماء للدعوة يعني تجنيد طاقة الفرد لخدمة الجماعة، ويعني إخضاع مصالح الفرد لمصلحة الدعوة وليس العكس، وقد حذرنا الإمام البنا من الشخص النفعي في دعوتنا فقال عنه بأنه " شخص لا يريد أن يبذل معونته إلا إذا عرف ما يعود عليه من فائدة وما يجره هذا البذل له من مغنم فنقول له : حنانيك ليس عندنا من جزاء إلا ثواب الله إن أخلصت "، وقد بين لنا معنى الإخلاص " أن يقصد الأخ المسلم بقوله وعمله وجهاده كله وجه الله ، وابتغاء مرضاته وحسن مثوبته من غير نظر إلى مغنم أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدم أو تأخر،وبذلك يكون جندي فكرة وعقيدة ، لا جندي غرض ومنفعة "، فعلى كل أخ أن يراجع نياته دائما في عمله داخل الجماعة، وأن يسأل نفسه هل يبحث عن منصب أومغنم أو منفعة، أم هو وقف لله من خلال هذه الدعوة.

الانتماء المرحلي
وهو الانتماء الوقتي الذي يرتبط فيه الفرد بالدعوة في مرحلة ما أو ظرف ما، وبمجرد انتهاء هذه المرحلة أو هذا الظرف يفارق الدعوة، ونلحظ ذلك فيمن ينتمون للدعوة أثناء دراستهم وكونهم طلابا، فإذا أنهوا دراستهم ودخلوا معترك الحياة انشغلوا بها عن الدعوة أو فارقوها نهائياً، أو من ينتمي للدعوة وهو في مرحلة العزوبة فإذا دخل مرحلة الزواج هجر الدعوة وانصرف عنها، أو من ينتمي للدعوة في مرحلة النكرة فإذا أصبح معروفاً بين الناس وأصبح له إطار شخصي ومجد ذاتي تنكر لدعوته ونسي فضلها عليه، أو من ينتمي لها في حالة اليسر والانفراجة ، فإذا جات حالة العسر والتضييق عليها، تركها مؤثراً السلامة لنفسه وبيته وأولاده، بل لابد وأن يدرك الأخ أن الانتماء للدعوة انتماء مصير، بمعنى أن يرتبط مصير الأخ بمصير الجماعة كائنًا ما كانت الظروف، فلا يكون انتماء مرحلة ينتهي بانتهائها ، أو انتماء ظرف ينتهي بزواله، إنما هو انتماء مؤبد لا انفكاك فيه أو نكوث عنه أو هروب منه حتى يلقى الأخ ربه وهو على ذلك ، وقد حذرنا القرآن من هذا النمط في الانتماء للدعوة " ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ، ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم ، أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين ، وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين " وقوله " ومن الناس من يعبد الله على حرف، فإن أصابه خير اطمأن به، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين "

ختاماً
إن المرحلة الجديدة التي تمر بها الدعوة اليوم تتطلب منا أن نعلن "إن دعوة الإخوان لا تقبل الشركة إذ أن طبيعتها الوحدة فمن استعد لذلك فقد عاش بها وعاشت به، ومن ضعف عن هذا العبء فسيحرم ثواب المجاهدين ويكون مع المخلفين ويقعد مع القاعدين، ويستبدل الله لدعوته به قوماً آخرين " أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء " ، ومن هنا نحب أن نؤكد أن دعوة الله دعوة ربط مصير بمصير، ودعوة إيمان وعمل، ودعوة جهاد ورباط، ودعوة تضحية وفداء، وأن الأخ المنتمي للدعوة يجب أن يكون نمطًا آخر من الناس، في أخلاقه ومعاملاته ومشاعره، وأن يعيش لمبادئ دعوته مهما كانت الظروف والأحوال، وأن يخرج من أنانيته وذاتيته إلى ذاتية الدعوة ومصلحتها، ولذلك حذرنا الإمام البنا بقوله" وإن كان فيكم مريض القلب معلول الغاية مستور المطامع مجروح الماضي، فأخرجوه من بينهم فإنه حاجز للرحمة حائل دون التوفيق " ويختم توجيهاته بقوله " وقد حان الوقت الذي يجب فيه على المسلم أن يدرك غايته ويحدد وجهته، ويعمل لهذه الوجهة حتى يصل إلى الغاية، أما تلك الغفلة السادرة والخطرات اللاهية والقلوب الساهية والانصياع الأعمى واتباع كل ناعق فما هو من سبيل المؤمنين في شئ" ... والله اكبر ولله الحمد


الأربعاء، ١ يونيو ٢٠١١

يا معشر الإخوان لا تترددوا

تذكرت كلمات هذه الأنشودة الرائعة التي تحمل هذا العنوان، في هذه الأيام التي تشهد تلك الحملة المسعورة من العلمانيين والمخالفين لدعوة الإخوان والخائفين منها والمتربصين بها، فكانت هذه الكلمات، في محاولة نربط بها على قلوبنا ونثبت أقدامنا وسط هذه العواصف، حتى لا يقع أحد منا في براثن تلك الحملة، إنها كلمات موجزة نوجهها للإخوان شباباً وشيوخاً، قادة وجنوداً، من أجل التزام التوجيه القرآني في قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم "وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا، ولولا أن ثبتناك فقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا " حتى لا نفتن عن دعوتنا ولا نتخذ من دونها خليلا.


وتذكرت ما تحدث به الإمام البنا لإخوانه في رسالة تحت راية القرآن :" نحن أيها الناس ـ ولا فخر ـ أصحاب رسول الله ، وحملة رايته من بعده ، ورافعو لوائه كما رفعوه ، وناشرو لوائه كما نشروه ، وحافظو قرآنه كما حفظوه ، والمبشرون بدعوته كما بشروا ، ورحمة الله للعالمين (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ)"، ثم يربط الإمام على قلوب إخوانه، ويوجههم في خطوات محددة بما يحفظ لهذه الجماعة مكانتها " أيها الإخوان المسلمون : هذه منزلتكم، فلا تصغروا في أنفسكم، فتقيسوا أنفسكم بغيركم، أو تسلكوا في دعوتكم سبيلا غير سبيل المؤمنين، أو توازنوا بين دعوتكم التي تتخذ نورها من نور الله ومنهاجها من سنة رسوله، بغيرها من الدعوات التي تبررها الضرورات، وتذهب بها الحوادث والأيام "


ثم يختم الإمام البنا كلماته " لقد دعوتم وجاهدتم ، ولقد رأيتم ثمار هذا المجهود الضئيل أصواتا تهتف بزعامة رسول الله وهيمنة نظام القرآن، ووجوب النهوض للعمل، وتخليص الغاية لله، ودماء تسيل من شباب طاهر كريم في سبيل الله، ورغبة صادقة للشهادة في سبيل الله، وهذا نجاح فوق ما كنتم تنتظرون، فواصلوا جهودكم واعملوا، (وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ)، فمن تبعنا الآن فقد فاز بالسبق، ومن تقاعد عنا من المخلصين اليوم فسيلحق بنا غدا، وللسابق عليه الفضل، ومن رغب عن دعوتنا، زهادة أو سخرية بها أو استصغارا لها أو يائسا من انتصارها، فستثبت له الأيام عظيم خطأه، وسيقذف الله بحقنا على باطله فيدمغه فإذا هو زاهق، فإلينا أيها المؤمنون العاملون، والمجاهدون المخلصون، فهنا الطريق السوي، والصراط المستقيم، ولا توزعوا القوى والجهود، (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)


هي كلمات خالدة موجهة للإخوان في كل زمان ومكان، كلمات متجددة، في أوامر محددة، نخلص منها بهذه الحقائق والموجهات الدعوية :

1- إياكم واحتقار ما أنتم عليه من الدعوة والجماعة التي تنتمون إليها، فأنتم على الحق المبين، ومنزلتكم أنكم حملة النور وهداة العالمين، وأنكم ورثة النبي الأمين

2- لا تقارنوا بين دعوتكم وغيرها من الدعوات والأفكار، فدعوتكم تلتمس نورها من نور الله ومن اتباع خطى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا تخلطوا تلك الأنوار بظلمات الدعوات الأرضية المادية النابعة من ظروف وضرورات تحتمها أحداث سرعان ما تنتهي .

3- لا تنتهجوا في دعوتكم وسائل وأساليب غير المؤمنين، من طعن وتجريح في القيادات، أو تشكيك في الدعوة وسفك لدمها، أو اغتيال سياسي لقادتها، أو تزييف لحقيقتها، أو نشر لعيوبها على الملأ، أو نقد وفضح لسياساتها دون روية من الأمر أو إلمام بالحيثيات الشرعية والحركية لها .

4- بذل الجهد والعمل والحركة والجهاد والتضحية لا بد له من نتائج إيجابية وثمار يانعة، وقد نرى نجاحا فوق ما نتوقع أو ننتظر، فلا تستعجلوا الثمرة قبل أوانها، ولا تفرحوا بنجاح وقتي، بل ذلك كله بحاجة إلى مواصلة الجهود من أجل إتمام النجاح والوصول إلى الغاية المنشودة.

5- تمايز الصفوف من سنن الله في الدعوات، فمن تبعنا الآن فاز بالسبق وكانت له الريادة في دعوتنا، ومن تأخر أو تقاعد لسبب ما وهو من المخلصين، فسيلحقه الله بنا، فلا تتأخروا وأدركوا الركب والحقوا بالقافلة حتى يكون لكم السبق.

6- لا يجب أن يسيطر علينا نواقص الانتماء للدعوة من : الزهادة فيها أو السخرية منها أو الاستصغار لها او اليأس من انتصارها، نتيجة لضغط الواقع أو التزييف الإعلامي، فهؤلاء ستثبت لهم الأيام أنهم أخطأوا في حق أنفسهم وحق دعوتهم، وسيظهر الله حقه ويدمغ به الباطل،فى يجب أن تقعوا فريسة لفتن تعد لنا من هنا وهناك، فدعوتكم هي دعوة الخلود والنصر المبين بإذن الله .

7- المسيرة طويلة تحتاج إلى ثبات وحسن متابعة وحسن سيرعلى الصراط المستقيم ونهج النبي الأمين، فلا تترددوا ولا تنصرفوا ولا تولوا الأدبار لهذا الطريق، مهما كثرت التبعات وبعدت المدة وتطاولت السنون والأعوام، ومهما زادت السهام الموجهة والأقلام الناقدة والسيوف المسلطة على الدعوة .


إنها كلمات خالدة نتذاكرها هذه الأيام لعلها تثبت الصف وتجمع كلمة الإخوان على قلب رجل واحد، وتذكروا قوله تعالى لنبيه " فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم، وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون" فرددوا معي من أعماق قلوبكم تلك الكلمات الخالدة :

يا معشر الإخوان لا تترددوا ...عن حوضكم حيث الرسول محمد

نادتكم الفردوس فامضوا نحوها ... في دعوة الإخوان عزوا واسعدوا