الخميس، ٢٤ يناير ٢٠٠٨

قائد كتائب مجاهدي الإخوان في رحاب الله

قائد كتائب مجاهدي الإخوان في رحاب الله

توفي إلى رحمة الله أمس الأربعاء الشيخ المجاهد كامل إسماعيل الشريف عن عمر ناهز 80 عاما ، وقد كان الشيخ قائدا لكتائب المجاهدين من الإخوان المسلمين في حرب 48م ، وهي الكتائب التي أخرجها الإخوان المسلمون من مصر وفلسطين والأردن وسوريا واليمن والحجاز لمواجهة عصابات اليهود في فلسطين ، وهو الجهاد الذي لا زالت الأمة تفخر به ، فقد كانت صفحات ناصعة في جبين الأمة تلك التي سطرها الفقيد وإخوانه المجاهدون في أرض فلسطين . و قد تقلد الشيخ العديد من المناصب الرسمية والفخرية فكان :
· وزيرا الاوقاف والشوون والمقدسات الاسلامية الاسبق فى عدة حكومات أردنية منذ عام 1976 وحتى عام 1984 .
· عضوا فى مجلس الاعيان
· سفيرا للاردن فى عدة دول منها المانيا وباكستان وماليزيا واندونيسيا والصين
· رئيسا للموتمر الاسلامى العام لبيت المقدس
· رئيسا للهيئة الاسلامية المسيحية للدفاع عن المقدسات
· امينا عاما للمجلس الاسلامى العالمى للدعوة والاغاثة
· عضوا فى رابطة العالم الاسلامى ومنظمة الموتمر الاسلامى.

وكان للشيخ دور بارز في الصحافة الإسلامية ، فقد أسس مع شقيقه المرحوم محمود الشريف صحيفة المنار ، وفي عام 1967 أسسا صحيفة الدستور ، كما اسس صحيفة أخرى ناطقة باللغة الإنجليزية ، وكان اخر موقع شغله الشيخ كامل الشريف رحمه الله هو رئيس مجلس ادارة الشركة الاردنية للصحافة والنشر (صحيفة الدستور) .ونظرا لجهوده وجهاده وأعماله ومشاركاته الوطنية ، حاز الشيخ على العديد من الأوسمة تكريما وتقديرا لتلك الجهودة الوطنية والإسلامية التي قام بها ومن ذلك :
· وسام الكوكب الاردنى من الدرجة الاولى.
· وسام النهضة الاردنى من الدرجة الاولى.
· الوسام العسكرى المصرى "نوط الجدارة الذهبى
· الوسام العسكرى المصرى "نجمة فلسطين".
· وسام النهضة الصينى.
وإضافة إلى جهاده العسكري وجهاده السياسي وجهاده الإعلامي ، فقد تميزالشيخ رحمه الله بالجهاد الفكري الذي أثرى به المكتبة الإسلامية بما يحمل من فكر إسلامي أصيل نابع من الفهم الصحيح للإسلام ، وقد استطاع رحمه الله أن يجسد صفحات الجهاد المشرقة لكتائب الإخوان المسلمين في عدة كتب كان منها ، الإخوان المسلمون في حرب فلسطين و جهاد الإخوان في حرب القنال

رحم الله الشيخ المجاهد وأسكنه فسيح جناته وألحقه بمن سبقه إلى الله على درب الشهداء والمجاهدين ، وانا لله وانا اليه راجعون.

الاثنين، ٢١ يناير ٢٠٠٨

متى تغضب



أخي في الله أخبرني متى تغضبْ؟
إذا انتهكت محارمنا
إذا نُسفت معالمنا ولم تغضبْ
إذا قُتلت شهامتنا إذا ديست كرامتنا
إذا قامت قيامتنا ولم تغضبْ
فأخبرني متى تغضبْ؟
إذا نُهبت مواردنا إذا نكبت معاهدنا
إذا هُدمت مساجدنا وظل المسجد الأقصى
وظلت قدسنا تُغصبْ
ولم تغضبْ
فأخبرني متى تغضبْ؟
عدوي أو عدوك يهتك الأعراض
يعبث في دمي لعباً
وأنت تراقب الملعبْ
إذا لله، للحرمات، للإسلام لم تغضبْ
فأخبرني متى تغضبْ؟!
رأيت هناك أهوالاً
رأيت الدم شلالاً
عجائز شيَّعت للموت أطفالاً
رأيت القهر ألواناً وأشكالاً
ولم تغضبْ
فأخبرني متى تغضبْ؟
وتجلس كالدمى الخرساء بطنك يملأ المكتبْ
تبيت تقدس الأرقام كالأصنام فوق ملفّها تنكبْ
رأيت الموت فوق رؤوسنا ينصب
ولم تغضبْ
فصارحني بلا خجلٍ لأية أمة تُنسبْ؟!
إذا لم يُحْيِ فيك الثأرَ ما نلقى
فلا تتعبْ
فلست لنا ولا منا ولست لعالم الإنسان منسوبا
فعش أرنبْ ومُت أرنبْ

السبت، ١٢ يناير ٢٠٠٨

الهجرة دروس حركية في القيادة والجندية

الهجرة دروس حركية في القيادة والجندية

مقدمة
لم تكن الهجرة النبوية الشريفة حدثاً عابراً في تاريخ الدعوة نحتفل به كل عام ، ولم تكن حدثاً شخصياً يتعلق بحياة الحبيب صلى الله عليه وسلم، بل كانت حدثاً غيّر مجرى التاريخ ، حدثاً حمل في طياتِه معاني الشجاعة والتضحية والإباء والصبرِ والنصرِ والفداء والتوكلِ والقوة والإخاء والاعتزازِ بالله وحده ، حدثاً جعلَه الله سبحانه طريقاً للنصرِ والعزة ورفعِ راية الإسلامِ وتشييد دولته وإقامة دينه ، وكانت محور الارتكاز ونقطة الانطلاق والتحول في تاريخ الدعوة، إيذانًا بميلاد فجر جديد لها، وكانت مناراً عظيماً على الطريق ومعلماً بارزاً وتحولاً جوهرياً وبعثاً جديداً وتغييراً كلياً في تاريخ الدعوة ، في مسارها و حياتها وحياة أصحابها ، وفي تشريعاتها وأسلوبها ووسائلها ، ولذلك كان تجدد الوقفة مع الهجرة النبوية كل عام ، للعظة والاعتبار ، وللاهتداء والإقتداء، وبهدف التذكير بخط سير الدعوة ، وعرض لواقعنا على أهدافها وغاياتها ، إن أحداث الهجرة جديرة بأن تفتح اليوم أعيننا على ماضينا المجيد وأن تعرفنا بحقيقة الواقع المر الأليم، الذي وصلنا إليه، فتهتز قلوبنا وتتحرك عزائمنا، ولذلك تهل علينا ذكرى الهجرة النبوية الشريفة كل عام ، حاملة معها رياح التغيير العظيمة التي غيرت وجه التاريخ عبر هذا الحدث العظيم الذي يجب أن تكون لنا معه وقفات مهمة لنعيد قراءة واقعنا على أضواء دروسه العظيمة ، وليكون لنا محطة جديدة للانطلاق نحو تغيير أحوالنا وأحوال دعوتنا وأمتنا نحو الأفضل وهي ليست وقفة لعرض الأحداث وسرد الدروس ، ولكنها إيقاظ للنفوس ، وانطلاقة حركية وتغييرية ، نصحح بها مسارنا ، ونتذكر أهدافنا ، ونشحذ هممنا ، ونصوب واقعنا ، لنؤدي رسالتنا ، ونرضي ربنا بشرط توفر (إخلاص في القصد ، وصدق في الأداء ، وعزيمة في التغيير ) .

حكمة بالغة
إن دعوة الله التي تسعى لإقامة خلافة الله في الأرض ، ما لم تكن متحركة من أرض ثابتة ، حيث القيادة والأنصار والمنهج القويم المنفذ ، فإن أهدافها ومبادئها يصعب الوصول إليها وإيجادها في أرض الواقع ، ولذلك كان ولا بُدَّ أن يكون للعصبة المسلمة من موطن وموقع تتأسس فيه وتتربى عليه ، وتستطيع أن تمارس من خلاله عمليةَ التغيير، فكان هدف الرسولِ صلى الله عليه وسلم من الهجرة تكثير الأنصارِ وإيجاد رأيٍ عامٍ مساند للدعوة ، واستكمال بناء هيكلِ الدعوة التنظيميِ ، والسعي لتوطين الدعوة وتأسيسها ، ولتكوين الجماعة المسلمة والعصبة المؤمنة التي تقيم شرع الله وخلافته في الأرض، وقد علمنا من الهجرة أن دوافعها لم تكن رغبا ولا رهبا، بل كانت الهجرة ، بحثاً عن أرض جديدة لنشر الدين الجديد ولإقامة نظام عالمي جديد، يعيش في رحابه المسلمون ، ويتفياؤن ظلاله ، وينعمون بعدله ،وبما يحفظ للدعوة كيانها ونماءها ، رغم المعوقات والعقبات ، التي تريد إعاقتها عن القيام بدورها ، وأداء رسالتها ، وتوجيه وتطوير أدائها في العمل لرفع راية الإسلام ، وإعلاء شأن المسلمين على هدى منها ، إن قيمة الهجرة التربوية والحركية، أن تأخذ بأيدي أبناء الدعوة - قادة وجنودا- إلى مواقع العمل والإفادة من هذه الأحداث وتلك الدروس ، وتغيير الواقع المر .

قيادة راشدة
كانت الهجرة وستظل أروع الأمثلة عبر التاريخ على القيادة الراشدة الحكيمة ، التي وضعت لعلماء الإدارة الكثير من أصول علمهم ، فكانت قيادة الحبيب صلى الله عليه وسلم ، جامعة لفنون ومهارات القيادة والإدارة الفعالة ، ومن ذلك :
1. وضوح الهدف : فهي قيادة تعرف ماذا تريد ؟ وتعرف ما وجهتها وما غايتها ؟ وما الأهداف التي تسعى لتحقيقها في أرض الواقع؟ ، أهداف واضحة وسهلة التطبيق ومتدرجة ، ولعل الحركة الإسلامية أدركت ذلك ، حينما حددت بوضوح أهدافها ، ورسمت سياستها وخططها وفق تلك الأهداف بدءاً من بناء الفرد المسلم فالبيت المسلم فالمجتمع المسلم
2. استشراف المستقبل : فمنذ لحظة الدعوة الأولى ، والقيادة تدرك أن مكة لن تكون مقرا للدعوة ، فكان استشرافها للمستقبل ، وإعداد سيناريوهات عدة ، اختيار الحبشة أولا لهجرة المسلمين ، ثم الطائف ، ثم المدينة ، فكانت الهجرة صورة من صور استشراف المستقبل الدعوي .
3. الإيجابية الواقعية : ونعني بها دراسة البيئة وتوظيف المعلومات في اتخاذ القرار المناسب ، وحسن التعامل مع المتغيرات ، وقد تمثلت في تعامل القيادة مع الواقع بإيجابية ، بدلا من الاستسلام والسلبية ، والبحث عن البيئة الصالحة للدعوة ، فسعت القيادة لإيجاد أرض غير مكة ؛ بعدما أدركت من خلال دراسة الواقع ، أن مكة لا تصلح لقيام الدولة، ولا يمكن أن تكون وطنًا لهذه الرسالة ، فبدأ يعرض نفسه على القبائل، ويقول لهم في صراحة ووضوح "من يحملني، من يؤويني حتى أبلغ دعوة ربي، فإن قريش قد منعوني" ، وهذا درس في أن الدعوة قد تستلزم أحيانا تغيير البيئة لاستكمال مسيرتها نحو أهدافها العليا .
4. فقه التعامل مع الفرص والتهديدات : القيادة الفعالة هي التي تحسن الاستفادة من الفرص المتاحة ووتحسن تفادي التهديدات القائمة ، والاستفادة من طاقات ودعم ومساندة الغير في نصرة الدعوة ، ومن ذلك فرصة الهجرة في وقت تهديد القتل من قبل قريش ، والاستفادة من طاقات ودعم سراقة .
5. الحرص على طاقة الاتباع وحياتهم : فتأخير هجرة رسول الله صلى الله علية وسلم والأمر بخروج الأفراد سرًا وفرادى ، حتى لا يعلم أحد هدفهم فينقضوا عليهم جميعا ، فيه تأمين لخروجهم ، وعدم الإلقاء بهم في التهلكة ، بما يحفظهم وطاقتهم كي لا تتبدد في غير موضعها، محافظة على حياة وطاقات وامكانات الجنود .
6. التأخير الإبداعي : فليس كل تأخير يكون سلبيا ، فقد كان تأخر هجرة الحبيب بعد أصحابه ، من هذا النوع الإبداعي والذي فيه حافز جيد لانجاز المهام ، لما فيه من ترو القيادة والبحث عن الظرف والوقت المناسبين ، ولما فيه من حسن ترتيب للأولويات ، وقد تكون العجلة سببا لانتكاسات كثيرة في العمل الإسلامي .
7. الأخذ بالسنن والأسباب : ضرب الرسول القائد أروع الأمثال في الأخذ بالأسباب، واتخاذ أفضل الأسباب مع الاعتماد على الله مسبب الأسباب أولاً .
8. دقة التنظيم :وقد تمثل الأمر في حياة القائد كلها ، وفي الهجرة بخاصة ، فلم يترك الأمور تسير بعفوية أو عشوائية ، بل تتم من خلال تنظيم الأعمال ، وتناسقها وحسن ترتيبها وتدرجها ، وبناء مواقف على مواقف بشكل منظم على أكمل وجه ، بيعة العقبة يترتب عليها بعثة مصعب ثم قوافل الهجرة ثم هجرة الحبيب في تناغم وتناسق بديع .
9. العبقرية وحسن التخطيط : متمثلة في تحديد الأهداف ، والوسائل والامكانيات ، ووضع سيناريوهات عدة ، ومراعاة الظروف المواكبة ، فالمكان المؤقت غار ثور، وموعد الانطلاق بعد ثلاثة أيام، ووقت الخروج حين الظهيرة واشتداد الحر، وخط السير الطريق الساحلي، إضافة إلى استخدامه الإخفاء والتمويه ، وهذا كله شاهد على عبقريته وحكمته صلى الله عليه وسلم ، وفيه دعوة للأمة إلى أن تحذو حذوه في حسن التخطيط والتدبير وإتقان العمل .
10. فن إدارة الآخرين : وحسن توظيف الطاقات ، وانتقاء الأفراد بصورة مثالية ، سواء كانت في القيادة أو الجندية ، فتيان وشباب وشيوخ ، رجال ونساء ، مسلم وغير مسلم ، فالشيوخ يوفرون الدعم المادي للمساندة والصحبة ، والشباب والفتيان يقومون بالأعمال الفدائية والاستخباراتية ، المرأة تقوم بدورها المناسب لطبيعتها، فالقائد محمد ، والمساعد أبو بكر ، والفدائي علي ، والتموين أسماء ، والاستخبارات عبدالله ، والتغطية وتعمية العدوعامر ، ودليل الرحلة عبدالله بن أريقط ،
11. أخلاقيات قيادية أخرى : حل المشكلات بطرق ابتكارية ، الهدوء في التعامل مع المشكلات ، استشارة المحيطين ، الوضوح في التعاملات والقرارت ، التبشير لا التخويف مهما كانت العقبات ، عدم تعجل النصر ، توافر الحس الأمني والسرية ، التورية عند الضرورة ، تواضع القيادة ، القرار بيدها ، الشجاعة والحماسة المنضبطة

جنود مخلصون
لقد انتهجت قيادة الدعوة النهج التربوي،من أجل بناء وتكوين القاعدة الصلبة الذين بهم يقام الدين ونظامه وتؤسس دولته ،فآتت تربية الحبيب صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم أكلها ، واستوى رجال الدعوة، فأثمرت التربية فيهم سلامة العقيدة، ومتانة الأخلاق ، وصحة العبادة ، وحسن المعاملة، وشمول الفهم الصحيح لهذا الدين ، وجاء امتحان القيادة لهم بالهجرة والابتعاد عن الوطن وتركه، فقطعوا أنفسهم عن كافة العلائق والوشائج والمنافع، واتجهوا إلى أرض الدعوة الجديدة، تنفيذا لأمر القائد، فهاجروا معه، ونفضوا أيديهم في سبيل ذلك من المال والدار والأهل والولد، وقطعوا أنفسهم من حظوظهم كلها، وقد تجسد في هذه الهجرة قمة التلاحم بين قيادة الدعوة وجنودها والأمة بشكل كامل ، وتمثلت في الصحابة ، معالم الجندية الحقة لدعوة الله ، والتي برزت في :
1. الثقة الكبيرة في نصر الله : واليقين أن العاقبة للمتقين مهما اشتد ظلم الظالمين وتعدي الجبابرة المعتدين على الدعوة وأبنائها .
2. تفجير الطاقات واستفراغ الوسع والجهد وكل ملكات النفس ومهاراتها وامكانياتها في سبيل نصرة هذا الدين ، فكانت مساهمة الجميع في إنجاح عملية الهجرة ، وهكذا يجب أن يكون جنود الدعوة، الكل يساهم بما يملك ، فكل ميسر لما خلق .
3. التضحية في سبيل الدين بكل شئ : و تقديم الغالي والنفيس من أجل الفكرة وترك التثاقل إلى الأرض ، فدعوة بلا تضحية لا بقاء لها ، وقد تنوعت صور التضحية من الصحب الكرام ، من تضحية بالنفس دون القيادة " ابو بكر " أو بالمال " صهيب الرومي " أو بالزوجة والولد " أبو سلمة " ، أو بالديار والأهل والأصحاب " الجميع " ، وهو درس رائع لأبناء الحركة الإسلامية في تقديم محبة الله ومراده على محبة المال والوطن والعشيرة والزوجة والأولاد ، والجاه والمنصب وحظ النفس .. الخ
4. الحرص على القيادة : وعلى سلامتها وفداؤها بالأرواح والخوف عليها ، ولا يتأتى ذلك الا عن حب وثقة ، وأعمال أبي بكر طوال رحلة الهجرة تكشف عن هذا الخلق وتبرز أهميته في جنود الدعوة وأدبهم مع قيادتهم ،
5. كمال الطاعة : وتحلى جنود الدعوة بقمة الانضباط الحركي والالتزام التنظيمي ، حينما جاءهم الأمر بالهجرة ، فكان السمع والطاعة والتنفيذ الفوري في العسر واليسر والمنشط والمكره ، دون مراعاة لبواعث التخلف أو الححج الواهية للقعود عن تنفيذ التكليف ، أو الركون إلى الأرض .
6. الصبر والثبات على المبدأ : وبخاصة في المواقف الحرجة ، مهما كانت صعوبة العقبات وكثرتها ، وضخامة التضحيات .
7. عزيمة لا تعرف اليأس: فقد تجسد في هجرة الصحابة، العزيمة الصادقة والإرادة القوية التي لا تعرف اليأس، والعطاء بلا حدود، فكانت النفوس القوية التي لا يصيبها حزن ولا يعتريها يأس أو إحباط .
8. أسرة مسلمة وبيت متكامل يحمل هم الدعوة ، ويتحرك بها ويخاف عليها ، وهكذا تريد الدعوة ، من بيوتنا بكل ما فيها من أعضاء
9. الشجاعة والقوة في الحق : فقد جابه الصحابة تحديات كبرى في العهد المكي ، فكان أن وقفوا أمامها بقوة وشجاعة وصلابة ، وتمثل ذلك في مواقف كثيرة من أهمها ، هجرة الفاروق .

دروس تربوية وحركية
إن دروس الهجرة أكثر من أن تحصى وأن تعد ، وهي تدق نواقيس التذكير والتحذير ، كلما مرت الأيام ، وتجددت الأحداث ، وتتساءل ، هل تحولت الهجرة إلى حركة في دنيانا وواقعنا ؟ أم أنها لم تحرك فينا ساكنا وما عاد لدينا ساكن ولا متحرك ؟ وهل حولت واقعنا إلى الأفضل؟ أم أننا ركنا إلى الدعة ، وشغلتنا أموالنا وأهلونا وأفراحنا وأتراحنا ؟، إن الهجرة دروس وعبر وقيم ومباديء ومثل ، فقد كانت الهجرة عامرة بالكثير من الدروس التربوية والحركية ، ولم يكن في السيرة حدث عامر بتلك الدروس سوى الهجرة ، ففيها دروس عظيمة، وآمال واسعة عميقة لأصحاب الدعوات وحملة الرسالات، فما أحوجنا إليها، ومن هذه الدروس :
o الانتماء لله ولدينه ورسالته والانتصار لدعوته يجب أن يقدم على كلّ ولاء وانتماء .
o التوكل على الله تعالى وحده في كافة أمور ، مع الأخذ بالأسباب ،فالإثنان دليل على قوة الإيمان
o مهما اشتد وعظم مكر أعداء الدين ، فلن يبلغ إطفاء نور هذا الدين .
o السعي للتمكين في الأرض، بإقامة دولة الإسلام، هو الهدف الأسمى لدعوة الله،ولا يتم إلا بالابتلاء
o الدعوة مراحل متدرجة ، لا تصل منتهاها قبل المرور بمراحلها .
o بقاء الصراع بين الحق وبالباطل ، حتى ينصر الله أولياءه.
o إنما يُنصر الحقّ بالرجال ، ولن ينصر الله خاملا قاعدا لم يخط خطوة واحدة نحو المعالي .
o حماية الدين والدعوة هو الأصل عند المسلم ، دفع بلده وماله وأهله حماية لدينه،.
o بلد المسلم ووطنه هو الذي يتمكن فيه من إظهار دينه ودعوته فيه
o مقابلة التخطيط والتنظيم والترتيب للإيقاع بالدعوة،بما يوازيه لإبطاله .
o لا غنى عن البيت والأسرة المسلمة لنصرة هذا الدين وإحاطته وحفظه وبذل ما تملك في سبيله.

الهجرة المنشودة
تبقى الهجرة كما كانت حركة إصلاحية تغييرية في تاريخ الإسلام ، فتاريخ الدعوات مرتبط بالحركة في سبيله ، والهجرة المنشودة بحث عن أماكن خصبة للدعوة ، لتحقيق أهدافها العليا ، والهجرة المنشودة حركة تجديد مستمر لتقوية عوامل النهضة في الأمة ، والهجرة المنشودة تحدٍ للباطل وعدم الاستكانة إليه ، والهجرة المنشودة حركة مراجعة ومحاسبة ذاتية وجماعية لتماسك الصف من داخله؛ والهجرة المنشودة تخليص للصف من حالة الضعف وقلة الأمن ، والهجرة المنشودة تعني إطلاق الطاقات الكبيرة التي تحوزها الدعوة في أبنائها، وتوفير الأمن والاستقرار لهم، والهجرة المنشودة ترك البيئات المغلقة إلى البيئات المفتوحة، سواء أكانت بلدًا أو مؤسسة، أو حتى نفس المؤمن ذاته؛ بالتجدُّد المنفتح، والهجرة المنشودة نقلية نوعية من الذنوب والسيئات ،ومن الشهوات والشبهات ،ومن مجالس المنكرات ، إلى رحاب الطاعة ، هجرة من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ، والهجرة المنشودة تغيير ما بأنفسنا نحو الصلاح والاصلاح،حتي يغير الله مابنا من ضعف وهوان، الهجرة المنشودة حركة انطلاق تغييرية ، لبناء أمة وتكوين مجتمع وتشكيل حضارة وصياغة قيم وإعداد أجيال وإنارة طريق وتخطيط لمستقبل زاهر لدولة الإسلام ، ليستخلفنا الله في الأرض كما استخلف الذين من قبلنا، وليمكن لنا ديننا الذي ارتضاه لنا، وليبدلنا من بعد خوفنا آمناً.
مهاجر العصر
للمهاجر معالم وملامح ،وصفات ومقومات، كل منا مطالب بأن يعرض نفسه عليها ، بحثا عنها في ذاته كي يستوفيها ويحقق بها ، ومن ذلك :
· فالمهاجر في سبيل الله اليوم من يستصحب دائما نية الجهاد وحب الاستشهاد " ولكن جهاد ونية "
· والمهاجر في سبيل الله اليوم،من يطلق قدرات نفسه وإمكاناته ومهاراته ومواهبه نصرة لدينه ، ومن يطلق لفكره وعلمه وقلمه، كل الآفاق لنشر دعوته .
· والمهاجر في سبيل الله اليوم،من يتحلل من كل قيد يقعده عن الحركة بدينه خجلا و حياء، أو خوفا وجبنا ، أو كسلا وضعفا .
· والمهاجر في سبيل الله اليوم من يرغم أعداءه على مساومته ومنعهم من العدوان على دعوته لقوله تعالى{ومَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وسَعَةً}
· والمهاجر في سبيل الله اليوم، من يقف ليراجع فكره ونفسه، ويتخلص من الأغلال التي تحيط به ، والتي تمنعه من أن ينطلق بدعوته الانطلاقة المباركة نحو الهدف المنشود .
· والمهاجر في سبيل الله اليوم من يأخذ بمقومات التغيير لإصلاح شأن الأمة والنهوض بها .
· والمهاجر في سبيل الله من هجر كل ما لا يليق به كحامل دعوة ، من خلال النقد الذاتي البناء، و المراجعة الربانية ، والوقوف على الأخطاء ، لمعرفة الهوة الكبيرة بينه وبين ما تريد منه دعوته .
· والمهاجر في سبيل الله ختاما هو من هجر ما نهى الله ورسوله عنه .


الاثنين، ٧ يناير ٢٠٠٨

وقفات تربوية من نهاية عام هجري


وقفات تربوية مع نهاية عام هجري

مضى عام
ما أسرع انقضاء العام الهجري بأيامه وشهوره ، كيف مضى بهذه السرعة؟ كنا بالأمس نستقبله واليوم نودعه ، هل ذهبت بركة الأوقات فلم نشعر بها ؟ مضى عام كامل من أعمارنا ، وانسلخ بثوانيه ودقائقه وساعاته و أيامه ، مضى وكأنه شهر واحد ، مضى بحلوه ومره ، بأفراحه وأحزانه ، بسروره و وهمومه ، و بما فيه من اللذائذ والآلام، عبثَ فيه العابثون، وتلذذ فيه بالشهوات اللاهون ، وأجاد فيه الصالحون، وأخلص فيه العاملون ، فسوف يرى كلٌ بضاعتَه يوم التناد ، قالها تعالى " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى،وأن سعيه سوف يُرى ، ثم يجزاه الجزاء الأوفى" ، مضى عام بكل ما فيه من إشارات تنبيه وتحذير ، أوراق التقويم ونحن نمزق أوراقها يوميا إشارة تنبيه ، دقات الساعة وهي تقول لنا إن الحياة دقائق وثواني إشارة تنبيه ، هلال الشهر في نموه واكتماله بدراً ثم ذبوله ونحوله إشارة تنبيه ، فصول السنة ومابها من تنوعٍ فيه عبرةٌ لمن يعتبر ، كل ذلك إشارات تنبيه ، تسألنا ماذا قدمنا في عامنا من أعمال صالحة ندخرها ليوم التلاق ، والحبيب صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالوقفة أمام المولى " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيم أفناه ، و عن شبابه فيم ابلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه و فيم أنفقه ، و عن علمه ماذا عمل به " ، فسوف يسألنا الخالق عزوجل يوم الحشر عن أعمارنا ، هل أفنيناها في خدمة دينه ، أم أفنيناها في الراحة والغفلة والجدال ، وسيسألنا عن دعوتنا هل كنا من العاملين لها والداعين إليها ، أم من المشككين فيها والطاعنين في قيادتها ، وسيسألنا سبحانه وتعالى عن أجسامنا هل أبليناها في الطاعة والعبادة والحركة بدينه ، أم أبليناها في اللهو واللعب ، سنة كاملة مضت ، كم عملنا فيها من أعمال قد نسيناها، لكنها عند الله محفوظة، وفي صحائف الأعمال مرصودة، وغدًا نوفاها " يوم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون" .

وقفة مع النفس
حدث كوني هام ، يقع مع وداع شمس آخر يوم من أيام ذي الحجة ، إنه انفتاح بوابة العام الهجري الجديد ، ، حدث يحتاج منا إلى وقفة تأمل قبل وقوعه ، هي وقفة جادة يسأل كل منا نفسه ، مادام الحساب على مثقال ذرة ، وعلى كل لفظ ، وعلى ما يحيك في القلب ، يقف الأخ مع نفسه وقفة صدق، فالصدق نجاة ، وليحاسبها فهو أرفق بها من يوم الحساب ، قالها الحسن البصري " ابنَ آدم إنك تغدو أو تروحُ في طلبِ الأربَاح؛ فليكن همّك نفْسَك؛ فإنك لن تربح مِثْلها أبدًا" من أجل ذلك ، نحتاج مع نهاية العام وبداية الجديد إلى وقفة محاسبة ، يقول عنها ابن القيم رحمه الله: "المحاسبة أن يميز العبد بين ما له وما عليه فيستصحب ما له ويؤدي ما عليه ؛ لأنه مسافرٌ سَفَرَ من لا يعود" ، هي وقفة نجيب فيها عن أسئلة كثيرة تدور ، تحتاج منا إلى إجابات ، كيف قضينا عامنا ؟ وفيم صرفنا أوقاته ؟ وكيف كانت علاقتنا بربنا ؟ هل حافظنا على فرائضه واجتنبنا زواجره ؟ هل اتقينا الله في بيوتنا ومجتمعنا ؟ هل راقبنا الله في عملنا وفي كل شؤوننا ؟ هل أخلصنا له في أعمالنا ؟ وهل فكرنا أن نجٌِد في حركاتنا ؟ وهل رفعنا راية أمتنا ؟ وماذا قدمنا لهذا الدين ؟ كم أعطيناه من أوقاتنا ؟ كم شخصا حببناه في الله وفي دعوته ؟ هل دافعنا عن دعوتنا وقيادتنا أم كنا عونا للإعلام والآخرين عليها ؟ وهل انضبطت حركتنا وأعمالنا وأقوالنا وكتاباتنا بضوابط الدعوة ؟ وكم مرة نصرنا إخواننا المستضعفين في الأرض والمعتقلين ظلما وزورا ؟ وكم حافظنا على أداء الصلوات جماعة في المسجد ؟ ما نصيب كتاب الله تعالى من القراءة والتدبر ؟ كم مرة كنا نختم في كل شهر ؟ أم لم نقرأه إلا في رمضان ؟ هل حفظنا منه شيئاً طوال هذا العام ؟ أكان همنا من دنيانا لقمة نأكلها، وشربة نشربها، ولباساً نلبسه، أو مكانة نبحث عنها ، أو جاها نتباهى به ، وهل كان همنا إضاعة وقتنا في لهوٍ مباح أو غير مباح؟ أم كان همنا معالي الأمور والدرجات العلى؟ أكنا ممن يقول ما لا يفعل؟ أ م ممن يعطي القدوة من نفسه ؟ وهل وهل وهل ؟ ماذا أردنا بكل ذلك، ومن أردنا؟ هل أردنا الله والدار الآخرة أم الصيت والسمعة وحب محمدة الناس ؟ هي وقفة من أجل مراجعة الحسابات، وتعديل المسار، وإصلاح النية، وتجديد العهد، وشحذ الهمة .

إليه راجعون
أخي الحبيب .. لعمرِ المرء طرفان، طرفٌ من قبل يوم مولِده ، وطرف من قبل يوم أجله ؛ فكلما انقضى عام ابتعد المرء عن يوم مولِدِه ، واقترب من يوم رجوعه إلى مولاه ، والمرء من يوم خروجه إلى الدنيا، وهو يهدم في عمرِه و ينقص من أجله ، والتقويم الذي نعلقه على حوائطنا، وهو مليء بالأوراق، وفي كل يوم نأخذ منه ورقة ، وفي نهاية العام لا يبقى منه إلا صورته ، شاهد على هدم العمر ، وهكذا عمري و عمرك يا أخي ؛ مجموعة أيام و ليالٍ ، كلما مضي يوم أو ليلة نقصت أعمارنا، ونقص رصيد أيامنا في هذا الحياة ، ثم تأتي لحظة المغادرة والرجوع إلى الله ، قالها الحسن البصري " يا ابن أدم إنما أنت أيام، كلما مضى منك يوم مضى بعضك" ، فهي رجعة إلى الله لا محالة ، ووقوف بين يديه ومحاسبة ومساءلة ، فما حيلتك يومئذ ؟ لذلك كان ابن عمر رضي الله عنهما ينصحنا " إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح و إذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك" ، فإذا أصابك أخي الحبيب الفتور والضعف، وتثاقَلتْ نفْسُك عن الطاعة؛ فتذكر يومًا تقف فيه بين يدي الله لا ينفعك فيه إلا العمل الصالح ، وتذكر وصية الفضيل رحمه الله " تحسن فيما بقي يغفرْ لكَ ما مضى؛ فإنك إن أسأت فيما بقي، أُخِذتَ بما مضى وما بقي، والأعمالُ بالخواتيم" ، ويقول لك ابن رجب رحمه الله : " يا من يفرح بكثرة مرور السنين عليه، إنما تفرح بنقص عمرك " ،ويقول أبو سليمان الدارني " من كان يومه مثل أمسه فهو في نقصان " ، وعن داود الطائي أنه قال " إنما الليل والنهار مراحل، ينزلها الناس مرحلة مرحلة ، حتى ينتهي بهم ذلك إلى آخر سفرهم، فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة زاداً لما بين يديها فافعل، فإن انقطاع السفر عن قريب ما هو، فاقض من أمرك، فكأنك بالأمر قد بغتك " قال أحد السلف " كيف يفرح في هذه الدنيا ، من يومه يهدم شهره ، وشهره يدم سنته ، وسنته تهدم عمره، كيف يفرح من عمره يقوده إلى أجله ، وحياته تقوده إلى مماته " .


حصاد عامك

أخي الحبيب .. يقول ابن القيم رحمه الله " السنة شجرة ، والشهور فروعها ، والأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمرها ، فمن كانت أنفاسه فى طاعة فثمرة شجرته طيبة ، ومن كانت فى معصية فثمرته حنظل ، وإنما يكون الحصاد يوم المعاد ، فعند الحصاد يتبين حلو الثمار من مرها " ،فقد كان بعامك :
· ( 1700) فريضة صلاة الجماعة سنويا ، بما يعدل 6018 ركعة - 5300 ركعة هي السنن الراتبة مع الوتر، ( 420) ركعة قيام ليل وتراويح وتهجد ، فكم صليت منها في جماعة ، وكم صليت منها في الصف الأول ، وما درجة خشوعك فيها ؟ وهل قربتك من الله ؟
· 92 يوما صيام الاثنين والخميس – 30 يوما صيام الأيام البيض – 9 أيام صيام ذي الحجة - صيام تاسوعاء وعاشوراء ، فكم يوما صمت منها وكم اغتنمت من فضلها ؟ والحبيب يقول :" ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً"
· 12 ختمة للقرآن ، فهل أتممتها ؟ وتدبرت فيها ؟ والختمة الواحدة تعدل 3,5 مليون حسنة .
· 130 ألفا من الصدقات الواجب عليك لقوله صلى الله عليه وسلم" كل سلامى من الناس عليه صدقة ، كل يوم تطلع فيه الشمس،…" فهل أديت ووفيت، أو سددت وقاربت، أو حتى عزمت ونويت ؟
· ذكر الله عز وجل " طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيرا"
· 50 لقاء تربويا اسبوعا ، التي تحقق " هيا بنا نؤمن ساعة" ، إضافة إلى اللقاءات المجمعة ، فكم واظبت عليها ؟ وبماذا أفدت فيها إخوانك ودعوتك ؟ .
· 350 يوما تدعو فيها إلى الله وتأمر بمعروف وتنهي عن منكر ، وحبيبك يبين لك الفضل " من دعا إلى هدى فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة " وقال أيضا " لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من الدنيا وما فيها "
· 50 إسبوعا تحقق فيها صلة أرحام وزيارة أقارب وبر والدين ، ومواساة وزيارة مرضى ، وقضاء حوائج المسلمين ،
فكم أدركت من هذه الأعمال ؟ وكم منها كان لله خالصا ولم تخالطه شهوة نفس أو منافسة للآخرين ، أو بحثا عن شهرة أو صخب إعلامي ، أو مجاراة للسفهاء ، ثم انظر إلى عملك كم حجمه ووزنه ،وكم أثره ، وقارن بين حسناتك وسيئاتك ، ثم انظر كم من الخير تركت أو حصلت ،وتذكر مقالة ابن مسعود رضي الله عنه " ما ندمت على شيء ندمي على يومٍ غربت شمسه ، نقص فيه أجلي ، ولم يزدد فيه عملي " .

دقائق غالية
أخي الحبيب .. لقد نبض قلبك في العام نحو 40 مليون نبضة بانتظام لا مثيل له ودقة متناهية ، كما شهقت فيه نحو 11 مليون شهقة ، وزفرت مثلها ، كل ذلك خلال أكثر من خمسمائة ألف دقيقة هي مجموع عامك ، ولله در القائل : دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان
فالواجبات أكثر من الأوقات ، والمسلم محاسب على كل ثانية من عمره ، والدقيقة من عمرك غالية وهي بالليل أغلى " دقائق الليل غالية فلا ترخصوها بالغفلة " ، وإليك بعض ما يمكن أن تنجزه من أعمال عظيمة خلال 5 دقائق من عمرك :
· تعيش مع القرآن : فتقرأ سورة الفاتحة 20 مرة ، أو سورة الإخلاص 40 مرة ، أو سورة تبارك ، أو الواقعة ، أو السجدة ، ، ولكل مما سبق أجر عظيم ، أو تقرأ ربع حزب من القرآن الكريم .
· تكون من الذاكرين الله كثيرا : فتقول "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شي قدير" 50 مرة ، أو تقول " سبحان الله وبحمده" 200 مرة ، أو تقول" سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم " 100 مرة، أو تقول "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر" 100 مرة ، أو تقول"لا حول ولا قوه إلا بالله "150 مرة، أو تقول "سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته" 60 مرة ، أو تصلي على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم 100 مرة ، ولكل واحد من الأقوال السابقة أجر عظيم مذكور في أحاديث صحيحة .
· تحقق التواصل المجتمعي : فتصل رحمك عبر الهاتف وتبر والديك ، أو تُسلِّم على مسلم وتسأل عن حاله ، أو تكتب كلمة طيبة وترسلها في رسالة SMS، أو ترفع يديك إلى السماء وتدعو لأهلك وجيرانك بما تشاء ، أو تشفع شفاعة حسنة لأخ ، أو تواسي مهموماً فتقضي له حاجته العاجلة ، أو تأخذ بيد شيخ كبير فتعبر به الطريق ، أو تعين مصابا فتسعفه للمستشفى ، أو تميط الأذى عن الطريق .
· تحقق التكليف الدعوي : فتأمر بمعروف أوتنهى عن منكر، أو تلقي خاطرة عقب الصلاة ، أو تنشر فكرة عبر حديث في مواصلات ، أو تدخل على النت فتدون كلمة طيبة في مدونتك ، أو تشارك بموضوع قيم في أحد المنتديات ، أو ترسل رسالة دعوية بالايميل إلى المجموعات البريدية ، أو تساهم في تصويت تنصر به دينك دعوتك ... الخ

من هنا نبدأ
أخي الحبيب .. مع نهاية مطاف العام ، وقبل نهاية الآجال ، وأنت تدخل من بوابة العام الهجري الجديد المشرعة أمامك ، وأنت تخطو أولى خطواتك ، لتبدأ بفتح صفحة جديدة في حياتك مع أول يوم فيه ، ولتكن صفحة بيضاء نقية ، صفحة بدايتها التوبة إلى الله ، و شعارها الدعوة إلى الله ، ومضمونها حب الخير للناس ، إنه عام هجري جديد على عملك شهيد ، نصحنا مع بدايته فضيلة المرشد العام الأستاذ عاكف قائلا : " ينتظركم عام من الجهد والعمل، فالمبشرات بين أيديكم، والأمل ينتظركم، فإلى المزيد من الثبات على منهجكم، وتقديم فكرتكم إلى العالم، وبذل كل ما تملكون من أجلها، لنكون على مستوى الغد المشرق لإسلامنا " ومن هنا ، ومع بداية العام ، فهذه بعض ما تريد منك دعوتك :
أولا : أن تتوب من ذنوبك ومعاصيك وتقصيرك وتفريطك في أوقاتك ، ولتذرف دموع الندم على مافرطت في جنب الله ، وعلى دعوة لم تضحي لها ولم تنصرها كما ينبغي ، فالبدار البدار بالتوبة ، ولا تجتر مرارة الماضي ، فعلى أطلال الماضي يمكنك أن تنهض بقوة ، فاجعل منها دفعة إلى الأمام ، و الحق بسفينة النجاة ، وكن نجما في سماء التائبين المنيبين المخبتين ، فهي عودة ظافرة إلى الله تنتصر فيها على أسباب الضعف .
ثانيا : أن تراجع أهدافك وتحددها بدقة وتضع أولوياتها ، وأن تتأكد من معرفتك بالطريق الموصل إلى رضوان الله وإلى نصرة دعوته ، وان تكون طموحا لتنال الأفضل منها ، فبادر وشمر ، وخطط ونفذ ، وان تختر طريقك ومنهجك بنفسك ، لا أن يفرضه عليك إعلام كاذب أو بلبلة مشككة أو طعن جارح من هنا وهناك ، فكن صلدا لا تحطمه الأهواء ، وغذ عقلك وقلبك بقيم دعوتك الربانية ، واحرص على الآخرة فهي الجوهر النفيس ،ولتكن همتك أعلى من قمتك .
ثالثا : أن تستفيد من أجراس الإنذار والتنبيه ، وإشارات التحذير الممتدة طوال العام ، وأن تتزود من مواسم الخير ، كي تستقيم على منهج الله ومنهج الدعوة ، وأن تحرص على ألا تخضعك الظروف المحيطة بك وبدعوتك مهما ساءت وألا تصرفك وفق هواها، بل احرص الأ تزيدك الأحداث إلا قوة وثباتا على الطريق ، ويقينا أن نصر الله آت .
رابعا : فليس أجمل في بداية العام الهجري الجديد ، من الحديث عن تجديد العهد مع الله ومع دعوته ، والوفاء بالبيعة مع الله ، فالدعوة بحاجة الى الأوفياء ، من أجل أن نشد من عزم الحادي إلى جنات النعيم ، فدعوتك بحاجة منك إلى " إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف ، ووفاء ثابت لا يعدو عليه وتلون ولا غدر ، وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل ، ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له ، يعصم من الخطأ فيه والانحراف عنه والمساومة عليه والخديعة بغيره " فاعقد العزم وبادر وسابق مرددا "وعجلت إليك رب لترضى " متذكرا قولة الحسن البصري "رحم الله عبداً وقف عند همه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره توقف" .

الجمعة، ٤ يناير ٢٠٠٨

lمعالم منهج الإخوان من رسائل الإمام

مقال رائع بقلم د. محيي حامد
من موقع إخوان اون لاين

إن دعوة الإخوان لها منهاجٌ واضحُ المعالم، وَضَعَه مؤسس الجماعة ومرشدها الأول الإمام حسن البنا- رحمه الله- ولا يستطيع أي داعية أو مصلح أن يفهم طبيعةَ هذا المنهج ورؤيته للعمل للإسلام إلا بقراءةٍ واعيةٍ ودراسةٍ متأنيةٍ لرسائل الإمام الشهيد، رضوان الله عليه.

وذلك لعدة أسبابٍ، منها:
1- أن الإمام البنا حين وضع منهاجَ هذه الدعوة المباركة قد اقتفى أثر النبي- صلى الله عليه وسلم- وسيرته العطرة في نشر الفكرة وتربية الأنصار عليها وبناء الدولة الإسلامية الأولى؛ ولذا فإن هذا المنهاج هو منهج اتباعٍ وليس ابتداعًا، نسير فيه على هدي الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.

2- أن الإمام البنا كان حريصًا أشدَّ الحرص على الالتزام بمنهج السلف الصالح في الرجوع إلى الكتاب والسنة باعتبارهما المرجعية الأساسية لكل مسلم؛ ولذا فقد استخلص الإمام البنا- رحمه الله- القواعدَ والأصولَ الفقهيةَ التي تلزم للتحرك بهذه الدعوة وبناء الدولة الإسلامية العالمية.

3- أن الإمام البنا حرص على وضع الأُطُر العامة والنظريات الكلية للعمل الإسلامي، والتي على أساسها يأخذ الدعاة والمصلحون ما يلزم للسير بالدعوة والحركة بها كإطارٍ حاكمٍ، وإعطاء حرية الاجتهاد في الوسائل والأساليب؛ لاختلاف البيئات اللازمة والظروف التي تنشأ فيها الدعوة.

4- أن رسائل الإمام البنا كانت حافظةً لمنهج الإخوان من الانحراف أو الغلوِّ فيه؛ لما تمثله من أساس ورؤية شاملة للتغيير على منهاج النبوة.

لقد حدَّد الإمام البنا- رحمه الله- رؤيته حول منهج الإخوان وميزاتهم في رسالة "هل نحن قوم عمليون"، فقال: "أنت إذا راجعتَ تاريخ النهضات في الأمم المختلفة شرقيةً وغربيةً، قديمًا وحديثًا, رأيتَ أن القائمين بكل نهضةٍ موفَّقةٍ نجحت وأثمرت كان لهم منهاجٌ محدودٌ عليه يعملون، وهدفٌ محدودٌ إليه يقصدون.. وضعه الداعون إلى النهوض، وعملوا على تحقيقه ما امتد بهم الأجل، وأمكنهم العمل, حتى إذا حيل بينهم وبينه، وانتهت بهم تلك الفترة القصيرة: فترة الحياة في هذه الدنيا, خَلَفَهم من قومِهم غيرُهم، يعملون على منهاجهم، ويبدءون من حيث انتهى أولئك، لا يقطعون ما وصل، ولا يهدمون ما بنَوا، ولا ينقضون ما أسسوا وشادوا، ولا يخرِّبون ما عَمَّروا، فإما زادوا عمل أسلافهم تحسينًا، أو مكَّنوا نتائجه تمكينًا، وإما تبعوهم على آثارهم، فزادوا البناء طبقةً، وساروا بالأمة شَوْطًا إلى الغاية؛ حيث يصلون بها إلى ما تبتغي، أو ينصرفون راشدين، ويَخلُفُهم غيرهم. وهكذا دواليك حتى تحققَ الآمال، وتصدقَ الأحلام، ويتمَّ النهوض، ويثمرَ الجهاد، وتصلَ الأمة إلى ما إليه قصدت، وله عملت، ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ﴾ (الزلزلة:7)."

وفي هذه الكلمات المُعبِّرة يحدد الإمام البنا:
1- الأسس التي تقوم عليها النهضة من وضوحٍ للمنهج والهدف المنشود.
2- دور الأجيال المتعاقبة في الحفاظ على هذا المنهج بالعمل من خلاله، واستكمال الجهود المبذولة فيه، وعدم هدم ما بنَوا.
3- الحرص على تحسين العمل بهذا المنهاج، والسعي لتحقيق نتائجه وأهدافه والوصول إلى الغاية المأمولة.

ولقد أوضح الإمام البنا الخطوات التي سلكتها دعوة الإسلام الأولى، فيقول في رسالة هل نحن قومٌ عمليون: "فقد وضع الله لها منهاجًا محدودًا، يسير بالمسلمين الأولين- رضوان الله عليهم- إليه: دعوةٌ في السر، ثم إعلان بهذه الدعوة، ونضال في سبيلها لا يملُّ، ثم هجرة إلى حيث القلوب الخصبة، والنفوس المستعدة، فإخاءٌ بين هذه النفوس، وتمكينُ عُرَى الإيمان في قلوبها، ثم نضال جِدِّيٌّ وانتصاف من الباطل للحق".

وهذه الخطوات التي سارت عليها دعوة الإسلام الأولى، تحتاج أن نتفهَّم طبيعة كل منها وضوابطه ووسائله التي تعمل على تحقيقه، مع التأكيد على أصول ثلاثة هي:
1- علانية الدعوة.
2- النضال الدائم والمستمر في سبيلها.
3- تربية النفوس وتزكيتها وهجرتها إلى الله عز وجل.
4- الإخاء والحب والترابط بين هذه النفوس.

ويتحدَّث الإمام البنا عن عناصر النهضة الموفقة فيقول في رسالة هل نحن قوم عمليون:" إلا أن هذه النهضات يرسم منهاجها الحق- تبارك وتعالى-، ويهدي الرسولَ ومن ورائه قومَه، ويرشدهم إلى خطوات المنهج خطوًة خطوةً، كل خطوةٍ في وقتها المناسب، ويؤيدهم في كل ذلك بنصره، فتكون النهضة موفَّقةً لا محالة, ﴿كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (المجادلة:21) "،

ونَخلُصُ من هذا إلى أن عناصر النهضة المُوفَّقة تشمل:
1- تأييد الله بنصره.
2- إتباع منهج الحق تبارك وتعالى.
3- الالتزام بهدي الحبيب صلى الله عليه وسلم.
4- التفاف الأنصار والأفراد حول منهاجها وقيادتها.

ويختم الإمام البنا حديثه عن منهاج الإخوان المسلمين بقوله: "إن للإخوان المسلمين منهاجًا محدودًا، يتابعون السير عليه، ويزنون أنفسهم بميزانه، ويعرفونه بين الفينة والفينة أين هم منه، فإذا سألتهم عن أصول هذا المنهاج النظرية ما هي؟ فإني أجيبك في صراحةٍ تامةٍ: هي الأصول والقواعد التي جاء بها القرآن الكريم، فإذا قلت وما وسائلهم وخطواتهم العملية؟ أقول في صراحة: هي الوسائل والخطوات التي أُثرت عن الرسول- صلى الله عليه وسلم- ولا يَصلُح آخر هذه الأمة إلا بما صَلَحَ بها أوَّلها.

ولذا وجب على كل من يحمل دعوة الإخوان أن يتعرَّف على منهاج ومعالم طريقها بوضوحٍ تامٍ ودراسةٍ متأنيةٍ واستيعابٍ لمفردات هذا المنهاج؛ حتى يثمرَ ذلك عن وضوح الفكرة وسلامة التصور لكيفية العمل؛ لتحقيقها وفقًا للأصول التي جاء بها القرآن الكريم، واتباعًا للوسائل والخطوات التي أُثِرَت عن الرسول- صلى الله عليه وسلم-، آخذين بكل أساليب التقدم الحضاري في شتى المجالات المنوطة بنهضة الأمة وإعادة مجدها وسيادتها في العالم أجمع.
ومن هذا نخلص إلى أن منهاج الإخوان المسلمين يتضمن عدة مفردات أساسية تتمثل في:
- الغاية التي من أجلها نعمل.
- المهمة والرسالة التي نحملها لتحقيق هذه الغاية.
- الأهداف العامة والفرعية التي نسعى لتحقيقها.
- خصائص هذه الدعوة والأسس التي قامت عليها.
- مقومات بناء الجماعة.
- المسارات الأساسية للحركة بالدعوة ونشر الفكرة.
- الوسائل والخطوات التنفيذية.
- النظم واللوائح والأعراف التي تنظِّم الحركة بالدعوة (القواعد الحاكمة).
- القضايا الأساسية والمثارة ورؤية الجماعة فيها.
- الشبهات التي تُثَار حول الجماعة والرد عليها.
- أهم الإنجازات التي تم تحقيقها خلال ثمانين عامًا.
- رؤية للمستقبل وكيفية الإعداد له.

أولاً: الغاية
من الأمور الأساسية التي يجب أن تكون واضحةً لدينا هي الغاية التي من أجلها نعمل ونسير في طريق الدعوة، كما يجب علينا أيضًا أن نوضِّحها للناس، وأن يكون معهم صرحاءَ؛ حتى يسير معنا على بينةٍ وبصيرةٍ من أمرهم.

وفي ذلك يقول الإمام البنا في رسالة (دعوتنا): "يجب أن نصارح الناس بغايتنا، وأن نُجلِيَ أمامهم منهاجنا، وأن نوجِّه إليهم دعوتنا في غير لبسٍ ولا غموضٍ، أضوأَ من الشمس، وأوضحَ من فلق الصبح، وأبينَ من غُرَّة النهار"؛ لذا نجد أن الإمام البنا كان حريصًا على توضيح الغاية في أكثر من موضع، وفي أكثر من رسالة، ومن جوانب متعددة؛ حتى تكون الغاية واضحًة تمامًا لا لبسَ فيها ولا غموضَ.

ونستطيع أن نوجزها في النقاط الآتية:
1- غاية المؤمن:
يقول الإمام البنا في رسالة إلى أي شيءٍ ندعو الناس: "إن القرآن الكريم حدَّد غايات الحياة ومقاصد الناس فيها، فبيَّن أن قومًا أهمَّهم من الحياة الأكلُ والمتعةُ، فقال- تبارك وتعالى-: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾ (محمد: من الآية 12)، وقومًا آخرين مهمتهم الزينةُ والعَرَضُ الزائلُ، فقال تبارك وتعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ (آل عمران: من الآية 14)، وقومًا شأنهم في الحياة إيقادُ الفتن وإحياءُ الشرور والمفاسد ﴿وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205)﴾ (سورة البقرة).

تلك هي مقاصد الناس في الحياة؛ نزَّه الله المؤمنين عنها، وبرَّأهم منها، وكلَّفهم مهمة أرقى، وألقى على عاتقهم واجبًا أسمى، ذلك الواجب هو هداية البشرية إلى الحق، وإرشاد الناس إلى الخير، وإنارة العالم كله بشمس الإسلام، فذلك قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)﴾ (سورة الحج)".

ويلخِّص الإمام البنا هذه الغاية في موضعٍ آخر من الرسالة فيقول: "إن مهمتنا هي سيادةُ الدنيا، وإرشادُ الإنسانية كلها إلى نظم الإسلام الصالحة وتعاليمه التي لا يمكن بغيرها أن يسعد الناس".

وعلى ذلك تكون غاية المؤمن هي: إرضاء الله- عز وجل- بالتمكين لدينه في الأرض، وهداية البشرية إلى الحق، وإرشاد الناس إلى الخير، وإنارة العالم كله بشمس الإسلام.

2- غاية الإخوان:
ولقد حدَّد الإمام البنا غاية الإخوان والتي بها يمكن تحقيق غاية كل مؤمنٍ، كما ذكر ذلك في رسالة المؤتمر الخامس بقوله: "إن غاية الإخوان تنحصر في تكوين جيلٍ جديدٍ من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح، يعمل على صبغ الأمة بالصبغة الكاملة في كل مظاهرها ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً﴾ (البقرة: من الآية 138)".

وعندما تتأمل هذه العبارة تدرك أن التمكين لدين الله في الأرض- وهي الغاية الأسمى- تحتاج إلى رجالٍ يؤمنون بتعاليم الإسلام الصحيح، ويعملون على تحقِّقه واقعًا وعملاً في حياة الناس؛ ولذلك يقول الإمام البنا: "لهذا وقفتُ نفسي منذ نشأتُ على غايةٍ واحدةٍ، هي إرشاد الناس إلى الإسلام حقيقةً وعملاً؛ ولهذا كانت فكرة الإخوان المسلمين إسلاميةً بحتةً في غايتها وفي وسائلها، لا تتصل بغير الإسلام في شيء".

ثم يتناول الإمام البنا في رسالة المؤتمر السادس الحديث عن الغاية ويحددها بأنها غايةٌ قريبةٌ وغايةٌ بعيدةٌ فيقول: "يعمل الإخوان المسلمون لغايتين: غاية قريبة يبدو هدفها، وتظهر ثمرتها لأول يومٍ ينضم فيه الفرد إلى الجماعة، أو تظهر الجماعة الإخوانية فيه في ميدان العمل العام، وغاية بعيدة لا بد فيها من ترقِّب الغرض وانتظار الزمن حسب الإعداد وسبق التكوين..فأما الغاية الأولى فهي المساهمة في الخير العام أيًّا كان لونُه ونوعُه والخدمةُ الاجتماعيةُ كلما سمحت بها الظروف.. أما غاية الإخوان الأساسية، أما هدف الإخوان الأسمى، أما الإصلاح الذي يريده الإخوان ويهيئون له أنفسهم؛ فهو إصلاحٌ شاملٌ كاملٌ تتعاون عليه الأمة جميعًا، وتتجه نحوه الأمة جميعًا، ويتناول كل الأوضاع القائمة بالتغيير والتبديل، ويريدون بعث الأمة الإسلامية النموذجية التي تدين بالإسلام الحق، فيكون لها هاديًا وإمامًا، وتُعرَف في الناس بأنها دولة القرآن التي تصطبغ به، والتي تذود عنه، والتي تدعو إليه والتي تجاهد في سبيله وتضحِّي في هذا السبيل بالنفوس والأموال".

مصادر الغاية
وعن مصادر تلك الغاية، يقول الإمام حسن البنا في رسالة إلى أي شيء ندعو الناس: "تلك هي الرسالة التي يريد الإخوان المسلمون أن يبلِّغوها الناس، وأن تفهمها الأمة الإسلامية حقَّ الفهم، وتهبَّ لإنقاذها في عزمٍ وفي مَضاءٍ، لم يبتدعها الإخوان المسلمون ابتداعًا، ولم يختلقوها من أنفسهم، وإنما هي الرسالة التي تتجلَّى في كل آيةٍ من آيات القرآن الكريم، وتبدو في غاية الجلاء والوضوح في كل حديثٍ من أحاديث الرسول العظيم- صلى الله عليه وسلم- وتظهر عليه في كل عمل من أعمال الصدر الأول الذين هم المَثلُ الأعلى لفهم الإسلام وإنفاذ تعاليم الإسلام".

التضحية من أجل الغاية
ثم يتطرَّق الإمام البنا بعد ذلك إلى التضحيات المطلوبة في سبيل الغاية، فيقول: "ثم بيَّن الله- تبارك وتعالى- أن المؤمن في سبيل هذه الغاية قد باع نفسه لله وماله، فليس له فيها من شيءٌ، وإنما هي وقفٌ على نجاح هذه الدعوة وإيصالها إلى قلوب الناس، وذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ﴾ (التوبة: من الآية 111)، ومن ذلك ترى أن المسلم يجعل دنياه وقفًا على دعوته؛ ليكسب آخرته جزاء تضحيته".

ويتِّضح لنا مما سبق عدةُ أمور أساسية حول الغاية التي نعمل من أجلها:
أولاً: أن غاية المؤمن هي إرضاء الله- عز وجل- بالتمكين لدينه في الأرض، وهداية البشرية إلى الحق، وإرشاد الناس إلى الخير، وإنارة العالم كلِّه بشمس الإسلام.

ثانيًا: إن السبيل إلى تحقيق هذه الغاية العليا تتطلب غايةً أخرى، وهي تكوين جيلٍ جديدٍ من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح، يعمل على صبغ الأمة بالصبغة الكاملة في كل مظاهرها.

ثالثًا: يعمل الإخوان المسلمون لغايتين؛ غاية قريبة: المساهمة في الخير العام أيًّا كان لونُه ونوعُه والخدمةُ الاجتماعيةُ كلما سمحت بها الظروف.. غاية بعيدة أساسية: إصلاحٌ شاملٌ كاملٌ، تتعاون عليه الأمة جميعًا، وتتجه نحوه الأمة جميعًا، ويتناول كل الأوضاع القائمة بالتغيير.

رابعًا: أن هذه الغاية لم يبتدعها الإخوان المسلمون ابتداعًا، ولم يختلقوها من أنفسهم، وإنما مصدرها القرآن الكريم والسنة المطهرة وسيرة الصحابة الكرام والسلف الصالح.

خامسًا: أن هذه الغاية تحتاج إلى تضحياتٍ كثيرةٍ بأن يجعل المسلم دنياه وقفًا على دعوته ليكسب آخرته جزاءَ تضحيته.

ثانيا: المهمة والرسالة
إن مهمة المسلم الحق لخَّصها الله- تبارك وتعالى- في آيةٍ واحدةٍ من كتابه، وردَّدها القرآن الكريم بعد ذلك في عدة آيات، فأما تلك الآية التي اشتملت على مهمة المسلمين في الحياة فهي قول الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)﴾ (الحج).

وهكذا استخلص الإمام البنا- رحمة الله- المهمة المنوطة بعباده المؤمنين، والتي حدَّدها لهم رب العالمين، ثم يتناول هذه المهمة بشيءٍ من التفصيل كما ورد في الرسالة إلى أي شيء ندعو الناس، فيقول: "يأمر الله المسلمين أن يركعوا و يسجدوا، وأن يقيموا الصلاة التي هي لُبُّ العبادة وعمود الإسلام وأظهر مظاهره, وأن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئًا, وأن يفعلوا الخير ما استطاعوا، وهو حين يأمرهم بفعلِ الخير ينهاهم بذلك عن الشر، وإنَّ من أول الخير أن تترك الشر, فما أوجز وما أبلغ!! ورتَّب لهم على ذلك النجاحَ والفلاحَ والفوزَ، وتلك هي المهمة الفردية لكل مسلم التي يجب عليه أن يقوم بها بنفسه في خلوةٍ أو جماعةٍ.

ثم أمرهم بعد ذلك أن يجاهدوا في الله حقَّ جهاده بنشر هذه الدعوة وتعميمها بين الناس بالحُجِّة والبرهان, فإن أبَوا إلا العسف والجَوْر والتمرد، فبالسيف والسنان"، فهذا الجهاد في سبيل نشر الدعوة الإسلامية، فضلاً عن الاحتفاظ بمقدسات الإسلام؛ فريضةُ الله على المسلمين، كما فرض عليهم الصيام والصلاة، والحج والزكاة، وفعل الخير وترك الشر، وألزمهم إياهم وندبهم إليها ﴿انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (41)﴾ (التوبة).

ثم بيَّن لهم أنه اجتباهم واختارهم واصطفاهم دون الناس؛ ليكونوا سواس خلقه، وأمناء على شريعته، وخلفاء في أرضه، وورثه رسوله- صلى الله عليه وسلم- في دعوته، ومهَّد لهم الدين وأحكام التشريع، وسهَّل الأحكام وجعلها من الصلاحية بكل زمان ومكان بحيث يتقبلها العالم، وترى الإنسانية أمنيَّتها المرجوَّة وأملها المنتظر.. وتلك هي المهمة الاجتماعية التي ندب الله إليها المسلمين جميعًا أن يكونوا صفًّا واحدًا، وكتلةً وقوَّةً، وأن يكونوا هم جيشَ الخلاص الذي ينقذ الإنسانية ويهديها سواء السبيل.

ثم أوضح الحق- تبارك وتعالى- للناس بعد ذلك الرابطة بين التكاليف من صلاة وصوم بالتكاليف الاجتماعية، وأن الأولى وسيلةٌ الثانية، وأن العقيدة الصحيحة أساسهما معًا؛ حتى لا يكون لأناسٍ مندوحةٌ عن القعود عن فرائضهم الفردية؛ بحجة أنهم يعملون للمجموع، وحتى لا يكون لآخرين مندوحةٌ عن القعود عن العمل للمجموع؛ بحجة أنهم مشغولون بعبادتهم، مستغرقون في صلتهم بربهم".

ثم يُنهي الإمام البنا حديثه بتخليصٍ رائعٍ للمهمة المنوطة بنا؛ فيقول: "أيها المسلمون.. عبادةُ ربكم والجهادُ في سبيل التمكين لدينكم وإعزازُ شريعتكم هي مهمتُكم في الحياة؛ فإن أدَّيتموها حقَّ الأداء فأنتم الفائزون، وإن أدمتم بعضها أو أهملتموها جميع، فإليكم أسوق قول الله- تبارك وتعالى-: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ﴾ (المؤمنون: 115).. وقد ينشأ الشباب في أمةٍ وادعةٍ هادئةٍ، قوي سلطانها واستبحر عمرانها، فينصرف إلى نفسه أكثر ما ينصرف إلى أمته، ويلهو ويعبث وهو هادئُ النفس مرتاحُ الضمير، وقد ينشأ في أمةٍ مجاهدةٍ عاملةٍ قد استولى عليها غيرها، واستبد بشئونها خصمُها، فهي تجاهد ما استطاعت في سبيل استرداد حقها المسلوب والتراث المغصوب، والحرية الضائعة والأمجاد الرفيعة والمثل العالية، وحينئذٍ يكون من أوجب الواجبات على هذا الشباب أن ينصرف إلى أمته أكثر مما ينصرف إلى نفسه".

وهكذا يوجِّه الإمام البنا شباب الأمة إلى الانصراف إلى نهضة الأمة وبناء حضارتها أكثرَ من انصرافهم لأنفسهم، والناظر إلى حال الأمة اليوم يرى واقعًا مريرًا من شيوع الاستبداد والقهر، والظلم والطغيان، وانتشارًا للفساد والتردِّي الاقتصادي والمعيشي لأبناء الأمة، وأيضًا ضعف التنمية في المجالات المتعددة والتخلُّف عن ركب التقدم العلمي والتكنولوجي، ولم تسلم مجتمعاتنا من الانهيار الاجتماعي والأخلاقي وتفكُّك الأواصر الأسرية والاجتماعية.

كل هذا بالإضافة إلى محاولات التغريب وتذويب الهوية الإسلامية بكل الوسائل المباشرة وغير المباشرة، ومن هنا ندرك طبيعةَ المهمة المنوطة بنا في ظل هذا الواقع الأليم للأمة الإسلامية في شتى مجالات الحياة.

ولقد أوجزها الإمام البنا في رسالة (الإخوان المسلمون تحت راية القرآن)، فيقول: "ما مهمتنا إذن نحن الإخوان المسلمين؟!

أما إجمالاً فهي أن نقف في وجه هذه الموجة من مدنيةِ المادة وحضارة والمتع والشهوات، التي جرفت الشعوب الإسلامية، فأبعدتها عن زعامة النبي- صلى الله علية وسلم- وهداية القرآن، وحرمت العالم من أنوار هديها، وأخَّرت تقدمه مئات السنين، حتى تنحسر عن أرضنا ويبرَأَ من بلائها قومُنا، ولسنا واقفين عند هذا الحد، بل سنلاحقها في أرضها، وسنغزوها في عقر دارها، حتى يهتف العالم كله باسم النبي- صلى الله عليه وسلم- وتوقن الدنيا كلها بتعاليم القرآن وبنشر ظل الإسلام الوارف على الأرض.

وأما تفصيلاً فهي أن يكون في مصر أولاً- بحكم أنها في المقدمة من دول الإسلام وشعوبه، ثم في غيرها كذلك- نظامٌ داخليٌّ للحكم يتحقَّق به قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ (المائدة: 49)..

ونظام للعلاقات الدولية يتحقق به قول القرآن الكريم: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (البقرة: 143)..

ونظام عملي للقضاء، ونظام اقتصادي، ونظام للثقافة والتعليم، إلى غير ذلك من مجالات الحياة..

والدولة التي تقود الدول الإسلامية، وتضم شتات المسلمين وتستعيد مجدهم، وترد عليهم أرضهم المفقودة وأوطانهم المسلوبة وبلادهم المغصوبة، ثم تحمل عَلَمَ الجهاد ولواءَ الدعوة إلى الله، حتى تسعد العالم بتعاليم الإسلام".

ومن خلال علْم هذا التحديد لطبيعة المهمة المنوطة بنا لنهضة الأمة واستعادة مجدها، يجب علينا أن:
أولاً: نستشعر عِظَم المهمة وثِقَل الأمانة التي في أعناقنا، والتي تحتاج إلى تضافر الجهود وتوحِّد الصفوف واستمرار العطاء والتضحية في سبيل تحقيق هذه المهمة العظيمة.

ثانيًا: أن تُبيَّن للناس حدودُ هذا الإسلام واضحةً كاملةً بينةً، لا زيادةَ فيها ولا نقصَ بها ولا لبسَ معها.

ثالثًا: أن نطالبهم بتحقيقها، ونحملهم على إنقاذهم، ونأخذهم بالعمل بها.

رابعًا: أن عمادنا في ذلك كله كتابُ الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والسنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، والسيرة المُطهَّرة لسلف هذه الأمة.

خامسًا: أن تجاهد في سبيل تحقيق فكرتنا، ونكافح لها ما حيينا، وندعوا الناس جميعًا إليها.

سادسًا: أن نبذل كل شيءٍ في سبيلها، فنحيا بها كرامًا أو نموت كرامًا، ويكون شعارنا الدائم: الله غايتنا، والرسول زعيمنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا.

إن وضوح طبيعة المهمة والرسالة التي نحملها تحدد لنا بوضوحٍ: من نحن؟! وما هي دعوتنا؟! وفي ذلك يقول الإمام البنا: "فاذكروا جيدًا أيها الإخوة أنكم الغرباء الذين يَصلُحُون عند فساد الناس، وأنكم العقل الجديد الذي يريد الله أن يفرق به للإنسانية بين الحق والباطل، وأنكم دعاة الإسلام، وحملة القرآن، وصلة الأرض بالسماء، وورثة محمد- صلى الله عليه وسلم- وخلفاء صحابته من بعده".

فهل أدركنا حقيقة المهمة وطبيعة الرسالة؟! إنها مهمة الأنبياء والمرسلين وكل الدعاة والمصلحين.

نسأل الله أن يجعلنا من حَمَلَةِ هذا الدين ومن ورثة الحبيب محمد صلى الله علية وسلم.. أمين.

ثالثًا: الأهداف
إن دعوة الإخوان المسلمين لها من الأهداف العظمية، والتي تسعى إلى تحقيقها، وتقدِّم في سبيلها الكثير من التضحيات والبذل والعطاء، وهم يعلمون أن أصحاب الدعوات والأهداف والمبادئ لديهم مهمةٌ عظيمةٌ وأمانةٌ ثقيلةٌ تحتاج إلى همم الرجال وصدق المخلصين وعزائم المجاهدين والدعاة المصلحين من أبناء هذه الأمة.

ولذا حرص الإمام البنا- رحمه الله- أن يوضِّح لجميع أبناء الأمة الإسلامية والعالم أجمع حقيقةَ هذه الأهداف، وما ينبغي السعي لتحقيقه، وكان- رحمه الله- موفَّقًا في هذا، لا يدعُ هناك مجالاً للبسٍ أو لشكٍّ حول ماذا نريد وكيف نسعى إليه؟!

وعندما نتناول ما ذكره الإمام البنا في رسائله نستطيع أن نستخلص هذه الأهداف من بين هذه العبارات المحددة والدقيقة، فيقول الإمام البنا- رحمه الله- في رسالة بين الأمس واليوم: "ماذا نريد أيها الإخوان؟!.. أنريد جمعَ المال وهو ظلٌ زائلٌ؟! أم سعةَ الجاه وهو عرضٌ حائلٌ؟! أم نريد الجبروت في الأرض ﴿إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ (الأعراف: من الآية 128) ونحن نقرأ قول الله- تبارك وتعالى-: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)﴾ (سورة القصص)؟!

شهد الله أننا لا نريد شيئًا من هذا، وما لهذا عَمِلنا، ولا إليه دعونا، ولكن اذكروا دائمًا أن لكم هدفين أساسيين:
* أن يتحرر الوطن الإسلامي من كل سلطانٍ أجنبيٍّ، وذلك حقٌّ طبيعيٌّ لكل إنسان لا ينكره إلا ظالمٌ جائرٌ أو مستبدٌ قاهرٌ.

* أن تقوم في هذا الوطن دولةٌ إسلاميةٌ حرةٌ تعمل بأحكام الإسلام وتطبق نظامه الاجتماعي، وتعلن مبادئه القويمة وتبلِّغ دعوته الحكيمة الناس، وما لم تقم هذه الدولة فإن المسلمين جميعًا آثمون مسئولون بين يدي الله العلي الكبير عن تقصيرهم في إقامتها وقعودهم عن إيجادها.

ومن الحقوق للإنسانية في هذه الظروف الحائرة أن تقوم فيها دولةٌ تهتف بالمبادئ الظالمة، وتنادي بالدعوات الغاشمة، ولا يكون في الناس من يعمل لتقوم دولة الحق والعدالة والسلام".وخلاصة القول في ذلك أن أهدافنا العامة التي نسعى لتحقيقها تتلخَّص في:
"تحرير الوطن الإسلامي من كل سلطان أجنبي، وتكوين دولة إسلامية حرة تعمل بأحكام الإسلام، ومن ثم لا ينبغي لأحد- مهما كان شأنه ومكانته- أن يصرف وجهةَ هذه الدعوة المباركة عن تحقيق هذه الأهداف الكلية التي هي مناط التكليف لكل المسلمين والدعاة والمصلحين، وربما قد نتعرض في سبيل تحقيق ذلك إلى مِحَن شديدة وابتلاءات عظيمة وتضحيات جِسَام، فلا يقف ذلك في عصرنا؛ لأن الهدف والغاية الأسمى هي إرضاء الله- عز وجل- وابتغاء مثوبته وجنته".

"كل نعيمٍ دون الجنة حقير، وكل ابتلاء دون النار عافية، وربما تظهر بعض الدعوات التي تتنازل شيئًا فشيئًا عن الوصول إلى تحقيق هذه الأهداف السامية بُغيَة الوصول إلى نعيم دنيوي أو منصب حياتي، والكل يعلم أن الأيام دُوَلٌ، ولن تبقى الأمور على حالها، ولكن المهم أن يثبت أصحاب الدعوات على مواقفهم ومبادئهم وأهدافهم، دون نظر لمغنم أو جاه".

ولعل في بداية حديث الإمام البنا في العبارة السابقة يقول: "أنريد جمعَ المال وهو ظل زائل؟!، أم سَعَةَ الجاه وهو عرض حائل؟!.. فنحن لا نريد إلا ما أراده الله لنا: "لقد ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جَوْر الأديان إلى عدالة الإسلام".

ولتحقيق هذه الأهداف العامة أو الكلية هناك أهداف تفصيلية أو فرعية، بتحقيقها تحقق الأهداف العامة التي ننشدها، ولقد حدد ذلك الإمام البنا في رسالة التعاليم في مراتب ركن العمل، فيقول- رحمه الله-: "ومراتب العمل المطلوبة من الأخ الصادق:
1- إصلاح نفسه: حتى يكون قويَّ الجسم، متين الخلق، مثقف الفكر، قادرًا على الكسب، سليم العقيدة، صحيح العبادة، مجاهدًا لنفسه، حريصًا على وقته، منظَّمًا في شئونه، نافعًا لغيره، وذلك واجب كل أخ على حدته.

2- وتكوين بيت مسلم: بأن يحمل أهله على احترام فكرته، والمحافظة على آداب الإسلام في كل مظاهر الحياة المنزلية، وحسن اختيار الزوجة، وتوقيفها على حقها وواجباتها، وحسن تربية الأولاد والخدم وتنشئتهم على مبادئ الإسلام، وذلك واجب كل أخٍ على حدته.

3- وإرشاد المجتمع: بنشر دعوة الخير فيه، ومحاربة الرذائل والمنكرات، وتشجيع الفضائل، والأمر بالمعروف، والمبادرة إلى فعل الخير، وكسب الرأي العام إلى جانب الفكرة الإسلامية، وصبغ مظاهر الحياة العامة بها دائمًا، وذلك واجب كل أخ على حدته، وواجب الجماعة كهيئة عامة.

4- وتحرير الوطن بتخليصه من كل سلطان أجنبي غير إسلامي سياسي أو اقتصادي أو روحي.

5- وإصلاح الحكومة حتى تكون إسلاميةً بحق، وبذلك تؤدِّي مهمتها كخادمٍ للأمة وأجيرٍ عندها وعاملٍ على مصلحتها، والحكومة إسلاميةٌ ما كان أعضاؤها مسلمين مؤيدين لفرائض الإسلام، غير متجاهرين بعصيان، وكانت منفذةً لأحكام الإسلام وتعاليمه، ولا بأس بأن تستعين بغير المسلمين عند الضرورة في غير مناصب الولاية العامة ولا عبر بالشكل الذي تتخذه ولا بالنوع، ما دام موافقًا للقواعد العامة في نظام الحكم الإسلامي.

6- إعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية: بتحرير أوطانها وإحياء مجدها، وتقريب ثقافتها وجمع كلمتها حتى يؤديَ ذلك كلُّه إلى إعادة الخلافة المفقودة والوحدة المنشودة.

7- وأستاذية العالم بنشر دعوة الإسلام في ربوعه.

وهذه المراتب الأربعة الأخيرة تجب على الجماعة متحدةً، وعلى كل أخٍ باعتباره عضوًا في الجماعة، وما أثقلها تبعاتٍ!! وما أعظمها مهماتٍ!!، يراها الناس خيالاً ويراها الأخ المسلم حقيقةً، ولن نيأس أبدًا، ولنا في الله أعظم الأمل: ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (21)﴾ (سورة يوسف).

إن هذه الأهداف التي حدَّدها الإمام البنا في ركن العمل تمثِّل المرجعية الفكرية والحركية والدعوية لجماعة الإخوان المسلمين، كما تمثِّل الإطار الحاكم للعمل من أجل تحقيق الغاية والأهداف العامة التي تسعى الجماعة لتحقيقها، وعندما ندقِّق النظر والرؤية في هذه الأهداف نخلص إلى الآتي:

أولاً: تكامل الأهداف: فبداية الإصلاح هو الفرد والبيت والمجتمع، ولا يمكن بناء مجتمع دون بيوت مسلمة، ولا نستطيع تكوين بيوت مسلمة إلا بوجود الفرد المسلم (الزوج والزوجة) أساسًا للبناء والنهضة والتغيير، وهذه المراتب الثلاثة تسير جنبًا إلى جنب بصورةٍ مترابطةٍ ومتكاملةٍ، كما أنها تسلِّم بعضها بعضًا.

ثانيًا: شمول الأهداف: فمراتب ركن العمل التي ذكرها الإمام البنا تناولت كل عناصر النهضة؛ فلم يكتفِ الإمام بمرتبة إصلاح الفرد وتكوين البيت وإرشاد المجتمع، بل كان حريصًا على تحرير الأوطان، وإصلاح الحكومة، وإعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية وأستاذية العالم، فتصبح هذه الأهداف الشاملة لجميع جوانب الإصلاح المنشود تمثِّل الإطار العام لجهود المصلحين والدعاة والمخلصين من أبناء الأمة.

ثالثًا: واقعية الأهداف: لأن هذه الأهداف تسعى إلى إحداث تغيير تدريجي وليس فوريًّا.. تغيير جذري لا فوقي، وعميق لا سطحي، تشارك فيه الأمة ولا ننوب عنها.

ولقد تحققت هذه الأهداف بنسبٍ متفاوتة، ولكن إجمالاً لا يمكن تحقيقُها وتطبيقُها، وليست خيالاً وآمالاً صعبةَ المنال.

رابعًا: دقة الأهداف: فصياغة كل هدف مُحكَمةٌ ودقيقة ومُعبِّرة عن المقصود، فعندما تحدَّث الإمام عن مرتبة الفرد وصفها بـ"إصلاح الفرد نفسه"؛ لأن بناء الفرد وشخصيته تحتاج إلى إصلاح تنمية الجوانب الإيجابية وعلاج جوانب القصور والضعف.

وعندما تكلم عن مرتبة البيت وضع تكوين البيت المسلم الذي يتكون من الزوج المسلم والأخت المسلمة، وهما أساسا تكوين هذا البيت المسلم.

وعندما تحدث عن مرتبة المجتمع وصفها إرشاد المجتمع؛ لأن المجتمع يحتاج إلى الإرشاد والتوجيه حتى يتصف بالمجتمع المسلم الراشد.

ثم يتبع ذلك مرتبة تحرير الوطن من كل سلطان أجنبي غير إسلامي، سياسي أو اقتصادي أو ثقافي، وهو وصفٌ مُعبِّر عن تحرر الأوطان والشعوب من الهيمنة بكل صورها السياسية والعسكرية، والاقتصادية والثقافية.

وعندما تناول مرتبة الحكومة وصفها بإصلاح الحكومة حتى تكون إسلاميةً بحق، وهذا يحدد طبيعة هذه الدعوة بأنها تسعى للإصلاح من أجل تكوين حكومة إسلامية بحق، بغض النظر من يحكم؛ لأن العبرة بتطبيق المنهاج والنظام، وليس بالأشخاص والدعوات.

ثم يصف الإمام الخلافة الإسلامية بإعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية، وهذا تعبير دقيق عن واقع الأمة التي كانت لها خلافة واحدة وخليفة واحد، تمزقت بعد ذلك إلى دول ودويلات صغيرة، فكان الهدف هو إعادة هذا الكيان الدولي لهذه الأمة، ثم مرتبة أستاذية العالم، وهو تعبير حضاري راقٍ عن أمة وحضارة إنسانية رائعة تنطلق من سموِّ دعوتها وصلتها بالله- عز وجل- حتى يسود الحب والوئام في العالم أجمع.

خامسًا: معيارية الأهداف: فنجد أن الإمام البنا في كل مرتبة من مراتب ركن العمل يحدد لكل مرتبة أو هدف مظاهرَ تُحقِّقه والتي يمكن القياس عليها في مدى تحقق الهدف؛ ففي مرتبة الفرد المسلم يحدد صفات المسلم العشر- مثقف الفكر، متين الخلف...إلخ- كمظاهر تحقُّقٍ لها.

وفي مرتبة البيت المسلم يحدِّد الإمام البنا مواصفات هذا البيت بأن يحمل أهله على احترام فكرته، والمحافظة على الأبواب الإسلامية، وفي مرتبة إرشاد المجتمع يحدِّد مظاهر تحقق ذلك بنشر دعوة الخير ومحاربة الرذائل والمنكرات، وكسبه الرأي العام إلى جانب الفكرة الإسلامية، وهكذا في باقي الأهداف.

سادسًا: مستويات تحقيق الأهداف: فمرتبة إصلاح الفرد لنفسه وتكوين البيت المسلم مهمةُ كل أخٍ على حدته، ومرتبة إرشاد المجتمع مهمة كل أخٍ على حدته ومهمة الجماعة كهيئة عامة، ثم باقي المراتب الأربع تجب على الجماعة متحدةً وعلى كل أخ باعتباره عضوٍ فيها.

وبالتالي يستطيع الفرد- كل فرد- أن يحدِّد دوره ومهمته في تحقيق هذه الأهداف بصورةٍ متكاملةٍ ومتوازنةٍ بين الدور الفردي والجماعي.

فإذا كانت هذه وقفةً مع الأهداف بصورتها العامة والكلية؛ فهناك وقفةً أخرى مع كل هدف على حدَّته وما اشتمل على تفصيلات.