السبت، ١٥ ديسمبر ٢٠٠٧

يوم عرفه واشوقاه

يوم عرفه واشوقاه

واشوقاه
"اطلبوا الخير دهركم كله وتعرضوا لنفحات رحمة ربكم ، فإن لله نفحات من رحمته ، يصيب بها من يشاء من عباده" إنه التوجيه النبوي والتربية المحمدية للأمة ، على كيفية استغلال المناسبات والأيام المباركات والتعرض لنفحات الله ورضوانه ، والاستفادة منها في تحقيق التزكية والتربية الراشدة للفرد والبيت والمجتمع ، وها هي نفحات الله في موسم الخير تطل علينا من جديد في خير يوم طلعت عليه الشمس ، في يوم موعود ومشهود ومجيد ، إنه يوم عرفه ، ذلكم اليومٌ العظيم الذي يُعد من مفاخر الإسلام ، فإنه أفضل أيام الدنيا على الإطلاق، بساعاته ودقائقه وثوانيه ، وهو أحب الأيام إلى الله تعالى ، إنه اليوم المعروف بالفضل وكثرة الأجر ، إنه يوم مغفرة الذنوب والتجاوزعنها ، ويوم العتق من النار ، ويوم المُباهاة ، واليوم الذي تجاب فيها الدعوات ، وتقال العثرات ، وهو يوم عيد للمؤمنين ، ويوم إكمال الدين وإتمام النعمة على هذه الأمة ، إنه اليوم الأغر الذي مع أول شعاع له إلى غروب ليلته ، تتقلب أمة محمد – صلى الله عليه وسلم - علي موائد كرم ربها تستمتع بنهاره في طاعة الله عز وجل ، فيطلعهم الله فيه علي بعض مظاهر عفوه وسعة رحمته ، فواشوقاه واشوقاه واشوقاه .
اليوم الأغر
· أفضل أيام العمر وأفضل أيام السنة على الاطلاق ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه : " كان يقال في أيام العشر: بكل يوم ألف يوم، ويوم عرفة بعشرة آلاف يوم " .
· أفضل الدعاء دعاء يوم عرفه ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " خيرُ الدعاءِ دعاءُ يومِ عرفة " ، وفيه قال ابنُ عبد البر :" في الحديث من الفقه أن دعاء يوم عرفة أفضل من غيره ، وفي ذلك دليل على فضل يوم عرفة على غيره ، وفي الحديث أيضاً دليل على أن دعاء يوم عرفة مجاب في الأغلب "
· أفضل الذكر ذكر يوم عرفه ، " وخيرُ ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير "
· أفضل الصوم صوم يوم عرفه ، سُئلَ الحبيب عن صومه فقال : " يكفر السنة الماضية والسنة القابلة " .
· أفضل أيام الحج يوم عرفه ، فهو يوم الحج الأعظم ، قال صلى الله عليه وسلم: " الحج عرفة "
· أفضل العتق عتق يوم عرفه " مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ " ، وقد ذكر ابنُ رجب في اللطائف : " أن العتقَ من النار في هذا اليوم عام لجميع المسلمين " .

مدرسة تربوية :
يمثل يوم عرفه أروع مدرسة للتربية الإيمانية والروحية ، التي يمكن أن يستفيد منها المسلم ، ويستغلها الاستغلال الأمثل للارتقاء بنفسه ايمانيا وتربويا ودعويا وحركيا ، وهو مدرسة تربوية متكاملة ، تضم :
(1) تربية اغتنام الفرص : فهو يوم لا يأتي إلا مرة واحدة في العمر ، والمسلم مطالب باغتنامه في الطاعات والقربات ، لما فيه من فرص التقرب إلى الله تعالى ، وتزكية النفس وتنميتها بما يرفع من معنوياته ، ويعينه على مواجهة الحياة ، ووصية ابن رجب الحنبلي واضحة " الغنيمة الغنيمة بانتهاز الفرصة في هذه الأيام العظيمة . فما منها عوض ولا لها قيمة ، والمبادرة المبادرة بالعمل ، والعجل العجل قبل هجوم الأجل" .
(2) تربية التفاعل : فهو يوم للتفاعل الإيجابي ، الذي يمكن المسلم من تغيير نمط حياته ، وكسر الروتين الذي اعتاد عليه ، يوم يتفاعل فيه المسلم مع وقفة الحجيج بعرفات ، فيستلهم منهم الخضوع والاستكانة والذل بين يدي مولاه ، وشدة الإقبال والالحاح عليه في الدعاء .
(3) تربية التواصل : فهو يوم تتحقق فيه استمرارية المسلم في العبادة وتواصله طيلة حياته مع خالقه سبحانه وتعالى من خلال أنواع العبادات والطاعات المختلفة ، فإن تعاقب الأيام المباركات تحقق تربية تواصلية في النفس ، وتؤكد على أن حياة الإنسان المسلم كلها طاعةٌ لله ، ليظل الفرد على صلةٍ دائمةٍ بخالقه .
(4) تربية الشمول : فهو يوم تتجلى فيه شمولية العمل الصالح المتقرب به إلى الله عز وجل ، وفي هذا تربيةٌ على الإكثار من الأعمال الصالحة ما بين ( ذكر ودعاء واستغفار وصلاة وصيام وصدقة وحج وعمرة تامة) ، كما أن تعدد العبادات وتنوعها يغذي جميع جوانب النمو داخل النفس البشرية ( الروح والعقل والجسد ) .
(5) تربية التنافس : ففيه يُفتح باب التنافس في الطاعات ، ويتسابق الناس على فعل الخير ، من العبادات المفروضة ، والطاعات المطلوبة من حجٍ وعمرةٍ ، وصلاةٍ وصيامٍ ، وصدقةٍ وذكرٍ ودعاءٍ ...الخ ، وفي ذلك توجيهٌ تربويُ لإطلاق استعدادات الفرد وطاقاته لبلوغ غاية ما يصبو إليه من الفوائد والمنافع والغايات الأُخروية المُتمثلة في الفوز بالجنة ، والنجاة من النار .
(6) تربية المجاهدة : ففي يوم عرفه تتحقق المجاهدة بأروع صورها ، حين يغالب المسلم نفسه ويحملها على صنوف الطاعات كلها في آن واحد ، فتتحقق له مجاهدة رائعة وكسر لشهوات النفس على أهمية إحياء مختلف السُنن والشعائر الدينية المختلفة طيلة حياته ؛ لاسيما وأن باب العمل الصالح مفتوحٌ لا يُغلق منذ أن يولد الإنسان وحتى يموت انطلاقاً من توجيهات النبوة التي حثت على ذلك ودعت إليه ، وليس هذا فحسب ؛ فيوم عرفه زاخر بكثيرٍ من الدروس والمعاني والمفاهيم التربوية ، التي لا تحصى ولا تعد .
إذا تبين لك كلُّ هذا، فحريٌّ بك أن تَخُص يوم عرفة بمزيد عناية واهتمامٍ ، وأن تحرص على مجاهدة نفسك بالطاعة ، وأن تكثر من أوجه الخير وأنواع الطاعات، بما يؤهلك لرضا الله ورحمته ، لذلك .. إليك أخي الحبيب برنامجا نحسبه أهلا لنيل مغفرة الله عز وجل ورضوانه في هذا اليوم الأغر :

أعمال يوم عرفه:
من ( 3– 5 ص) : استيقاظ ووضوء وتنسم عبير السحر ، قراءة في الرقائق ، صلاة التهجد امتثالا لقوله تعالى " ومن الليل فتهجد به نافلة لك " أربع ركعات على الأقل ، ورد ذكر ( تسبيح/ تحميد/ تهليل/ تكبير/ حوقلة/ صلاة على النبي/....) ، تناول وجبة السحور ، فإن في السحور بركة ، وصلاة الوتر مع الدعاء لك ولأهل بيتك و للاسلام والمسلمين ولدعوة الله والقائمين عليها وللمعتقلين ولمن سألك الدعاء وأصحاب الحاجة من إخوانك.

من ( 5 – 7) الذهاب إلى المسجد ، والاستغفار في هذا الوقت أفضل من الصلاة لقوله تعالى " والمستغفرين بالاسحار " حتى يؤذن لصلاة الفجر ، فتؤدي الصلاة ، والبقاء بالمسجد حتى الشروق ، أذكار الصباح ، ثم تلاوة الورد القرآني حتى تشرق الشمس ، ثم صلاة ركعتين ، لعل الله أن يرزقك أجر حجة وعمرة تامة تامة .

من ( 7 – 10) راحة تعينك على طاعة الله بقية اليوم .

من ( 10 – 11.45) الاستيقاظ وصلاة أربع ركعات ضحى ، ومشاهدة وقفة الحجيج في رحاب عرفات من التليفزيون وسماع خطبة عرفة من المشاعر المقدسة ، مع الإكثار من الذكر والتلبية مع الملبين .

من ( 11.45- 2.30) صلاة الظهر مع الاستزادة من السنة القبلية والبعدية ، اجعل شعار هذه الفترة "وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه" ، فتقرب إلى الله بصلاة أربع ركعات ، ثم تلاوة جزء من القرآن ، وقضاء حوائج المسلمين ، والمشاركة في العمل الدعوي المنوط بك .

من ( 2.30 – 6 ) أداء أربع ركعات قبل صلاة العصر ، ثم صلاة العصر ، ثم ورد ذكر ، لحظات الوداع لهذا اليوم ، فاسكب العبرات وأنت تشاهد نفرة الحجيج من عرفات ، وليكن همك الإلحاح في الدعاء أن يعتقك الله في هذا اليوم من النار، ثم اختم بأذكار المساء وصلاة المغرب والافطار ودعاء أن يتقبل الله منك ، يقول الإمام النووي : (فهذا اليوم أفضل أيام السنة للدعاء ، فينبغي أن يستفرغ الإنسان وسعه في الذكر والدعاء وقراءة القرآن ، وأن يدعو بأنواع الأدعية ويأتي بأنوع الأذكار ، ويدعو لنفسه ويذكر في كل مكان ، ويدعو منفردا ، ومع جماعة ، ويدعو لنفسه ووالديه وأقاربه ومشايخه وأصحابه وأصدقائه وأحبابه وسائر من أحسن إليه وجميع المسلمين ،وليحذر كل الحذر من التقصير في ذلك كله ، فإن هذا اليوم لا يمكن تداركه بخلاف غيره )

أخي الحبيب :
· إذا كنت ممن أنعم الله عليهم بالزوجة والذرية فلا تنسَ أن تشركهم معك في هذا البرنامج الرباني .
· إذا كنت ممن أنعم الله عليهم بصحبة صالحة فتعاهد معهم على تنفيذ هذا البرنامج وذكروا به بعضكم بعضا ، وإن سنحت لكم الفرصة لتنفيذه معاً في مسجد فهو الخير كله .
· اعمل على نشر هذا الخير في المحيط الذي تحياه من أهلك واخوانك وجيرانك وأحبابك .
· اجتهد في هذا اليوم أن تكون من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات ، ولاتنس اغتنام ساعات الدعاء المجابة طوال اليوم .
· أفرغ نفسك هذا اليوم من كل شواغلك ، ما لم تكن ملتزماً بعمل دعوى ، فهو يوم سعدك .
· كن على وضوء دائماً طوال يومك ، وأحدث لكل وضوء صلاة ركعتين .
· لا تنسَ مع كل عمل ( استحضار النية– الإخلاص – استشعار معية الله – تجديد التوبة – خشوع القلب) .
· لا تنسَ التكبير من مغرب يوم عرفة وحتى عصر ثالث أيام التشريق .
· اعقد العزم على أن تحدث عملا صالحا ( خبيئة بينك وبين ربك ) في هذا اليوم .
· احرص على تهنئة الأهل والجيران بالعيد ، ولا تنسَ القيام بواجب الدعوة والنصح لهم .


أخي الحبيب
هي لحظات قصيرة ، وسويعات قليلة ، وثوان معدودة ، وترتحل من بين أيدينا ، فاجعل من هذا اليوم ميلاد فجر جديد في حياتك ، وسيرك إلى الله تعالى ، فلنتعرض لها ، فأقبل على هذا الخير الكبير واعمل فيه وبه ، واغتنم ساعة بساعة ، وتذوق معنا حلاوة الايمان وجدِّد عبيرها في نفسك تكن من الغانمين ، وليكن مع بزوغ فجر يوم عرفه ، بزوغاً آخر للنور في قلبك وللاستقامة على الدرب ، وللالتزام بمنهج الله ولإحياء الربانية في نفسك ومن معك ، وحرك معاني الشوق في مكامن روحك ، واغرس شجرة شحذ الهمم والشوق للمعالي لعلك تفتح بابه ، فتنال سعادة لا شقاء بعدها ، ومغفرة لا يؤرقها ذنب ، فالغنيمة الغنيمة بانتهاز الفرصة في هذا اليوم العظيم . فما منها عوض ولا لها قيمة ، وقدم دموع الندم واستغفار السحر ، والحق بالقافلة ، واطرق أبواب الجنة ، بادر وسارع وسابق .. فما زال في قلبك أمل ، وربك الرحيم يغفر الزلل ، والجنة تدعوك بلا ملل ، فهل آن أن تتعرض لنفحات رحمة الله ؟؟