الاثنين، ٢٧ أكتوبر ٢٠٠٨

قراءة تربوية للأزمة المالية العالمية



سنن وقوانين

يدرك المسلم أن ما يجري في زمانه من وقائع وأحداث لا تنفصل عن سنن الله الكونية في الأمم والشعوب، وهي سنن وقوانين لا تتغير ولا تتبدل، ومن هذه السنن قوله تعالى" إن الله لا يصلح عمل المفسدين " وقوله تعالى "وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا "وقوله تعالى " وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلى المصير"، وقوله تعالى" وما كان ربك مهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون" وقوله تعالى” وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها و ما يمكرون إلا بأنفسهم و ما يشعرون" وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" وقوله تعالى " وتلك الأيام نداولها بين الناس " هذه بعض السنن الالهية التي توضح لنا أن طغيان الظالم مهما تمادى فلابد له من قوة أعلى منه تقهر ظلمه وجبروته وطغيانه المادي، .


ظهر الفساد

لقد بين سبحانه و تعالى أن ظهور الفساد وانتشاره في الأرض مرتبط بفعل الناس،" ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون " ، ومن أشد وأكبر صور الفساد اليوم، تفشي الربا في كافة المعاملات المالية والاقتصادية والتجارية، ووصول الرأسمالية العالمية إلى قمة طغيانها، حتى أسماها المحللون بالرأسمالية الطاغية، وبالغت في سياستها الاحتكارية، حتى وصلت إلى مرحلة الافتراس للفقراء في العالم، ومن صور طغيانهم وفسادهم حصارهم للحركات الإسلامية عامة والإخوان خاصة ،ومصادرتهم لأموال وشركات الإخوان في مصر والعالم، وإعلانهم الحرب على عالمنا الإسلامي، ونشرهم الدمار في بلادنا بأفغانستان والعراق والصومال في حروبٍ ظالمة أضفوا عليها مسحةَ القداسة "مَن لم يكن معنا فهو ضدنا"، وسعيهم جاهدين إلى تهديد عالمنا الإسلامي باسم الحرب على الإرهاب ، هذه بعض صور الفساد والطغيان الذي مارسته قوى الشر المتغطرسة ممثلة في أمريكا ومنظومتها العالمية ، وما كان ربك نسياً، وما كان للسنن الإلهية أن تتوقف


نتيجة طبيعية

من السنن الإلهية أن يجعل الله أعمال الظالمين وأموالهم التي أنفقوها في حربهم على الاسلام في كل مكان حسرةً وندامة، وهزيمة وخسراناً لقوله تعالى" إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون "، ومن السنن الالهية بأن يذيق الله الطغاة والمفسدين بعض ما عملوا في الدنيا قبل عذاب الآخرة " ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون "، وهي نتيجة طبيعية أن يعاقب الله من يحاصر المرابطين والمجاهدين في شتى بقاع الأرض وخاصة في أرض الرباط فلسطين، والمسلم يدرك من ناحية أخرى أن مجمل الأزمة الراهنة يرتكز على قضية جوهرية ألا وهي استحلال الربا وقيام حياة الناس عليه، ولقد قالها الحق تبارك وتعالى للذين وقعوا في الربا ممارسة وفعلاً ولم يتجنبوه " فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله " ولقد جاءت الأزمة الحالية لتمثل لنا صورة من صور الحرب من الله على كل متكبر جبار، وجاءت النتيجة " فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا... فاعتبروا ياأولي الأبصار " على غير ما توقع الناس وعلى غير ما توقع المسلمون أنفسهم، والله غالب على أمره ولكن اكثر الناس لا يعلمون .


معطيات الأزمة

إن هذه الأزمة تكشف لنا عن بعض الحقائق والمعطيات الجديدة التي بدأت تظهر على الساحات (المحلية والاقليمية والعالمية ) والتي لا بد وأن نتعامل معها من منطلق فقه الواقع ، وهي مؤشر لعدة حقائق ومعطيات وأفكار جديدة ومن ذلك :

· حدوث شرخ عميق في النظام الرأسمالي ووقوع اختلال في الموازين في القريب العاجل لن يفلت منها أي تشكيل اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي في العالم وإن كان بنسب مختلفة، وسيعاد ترتيب القوى العالمية .

· سقوط الحلم الأمريكي الذي كان يتم الترويج له في العالم ، فلم تعد أمريكا القوة الأعظم على الإطلاق، خاصة وهي تبدو أقرب إلى أن تلفظ أنفاسها، وستفكر في كيفية المحافظة على وحدة ولاياتها بدلا من خوض الحروب وممارسة الغطرسة الدولية، وما تقوم به أمريكا من التدخل لحل الأزمة ما هو إلا تأخير للإنفجار، وهو بمثابة إعطاء حقنة دم لرجل ينزف بغزارة، وها نحن ننتظر تحقق قوله تعالى قوله تعالى (تلك بيوتهم خاوية بما ظلموا)

· أصبحت الحاجة ملحة إلى نظام اقتصادي عالمي جديد أكثر أمنا، وقد صرح بذلك الرئيس الروسي، والقمة الرباعية الأوروبية (فرنسا، إيطاليا، ألمانيا، بريطانيا)

· 40% من الدخل الأمريكي من النشاط الورقي مما يعني ان الخسارة ستكون فادحة عليها وعلى الدول الأوربية التي سارت على نهجها، والدول العربية التي ربطت اقتصادها بالدولار الأمريكي والبنوك والمصارف الأمريكية

· الصين اشترت 60 % من أذونات الخزانة الأمريكية مما يعني إمكانية تأثرها بتلك الأزمة ، في حين ان الهند ستكون من أبعد الدول تأثرا بالأزمة .


أيها الإخوان

في وسط هذا الإعصار، ومع هذه المعطيات الجديدة، يجب أن يحضرنا السؤال:أين نحن كإخوان في هذا الحدث وماذا نحن فاعلون وإلى أين نحن ذاهبون ؟ هي طموحات وتوصيات لأفراد الصف الإخواني في شتى البقاع :

1. أن نحقق في أنفسنا توعية كاملة بالأزمة وتداعياتها، وإعادة قراءة الأزمة قراءة تربوية ، ونشر تلك التوعية وسط مجتمعاتنا.

2. أن نلزم أنفسنا بعدم التعامل بالمنظومة الربوية وأي شكل من أشكالها،وعدم الدخول أو التورط في أي تعامل ربوي مهما كانت الظروف، وكذلك اقناع كل من حولنا بذلك الأمر.

3. أن نعتز بديننا وبمنهجنا القرآني، وأن هو الحل الأصوب والأقوى والأجدى والانفع .

4. أن نلتف حول قيادتنا ودعوتنا التي رفعت شعار الإسلام هو الحل ، وأن نزداد قناعة بجدوى هذا الشعار ،وأنه يجب أن نعلنه ونعتز به، كي نرى عودة الاسلام قوياً منتفشاً

5. أن نوقن بأن البديل لهذه الأنظمة الفاشلة هو عودة الخلافة الإسلامية لتنشر الخير و العدل والسعادة في ربوع الدنيا كي تتنفس البشرية هواء الإسلام النقي الذي لا تشوبه شائبة.

6. أن نجاهر بالاعلان والتوعية بالمشروع الإسلامي، وإقامة الندوات والمؤتمرات لها وبيان مقومات النظام الاقتصادي في الاسلام، والإجابة عن الإسئلة المثارة عن المنهج الاسلامي في التعاملات المالية والاقتصادية، والتحرك بها في كافة الأوساط المجتمعية والدعوية سواء في الواقع أو على النت، واظهار مزايا هذا النظام وفوائده المتعددة .

7. أن نستغل الآثار والانعكاسات التي ستتولد نتيجة لهذه الأزمة المدمرة في بيان فشل الأنظمة المادية التي صنعها البشر وعدم قدرتها على تحقيق الخير والعدالة والرفاهية للإنسان .

8. أن نتذكر جميعا ما قاله ابن خلدون في مقدمته بأن الحضارات محكومة بسنن كونية ، وأن أي حضارة تبدأ ثم تزدهر ثم تخمد وتموت ولا يبقى منها إلا رسمها فقط ، وهذا هو القادم بإذن الله، فقد رأينا بأعيننا سقوط المنظومة الاشتراكية وها نحن على أعتاب رؤية انهيار المنظومة الرأسمالية


ختاما

إن يد القدرة الإلهية التي جعلت بداية حكم النظام العالمي الجديد " بوش الإبن" بكارثة 11 سبتمبر، هاهي تجعل أيضا نهاية حكمه بكارثة الكوارث، بإعصار الأزمة المالية العالمية والتي تنبئ بسقوط وانهيار الرأسمالية الأصولية العالمية، ولا يجب أن نغفل أن ما تم خلال الفترة السابقة من مصادرة لأموال الإخوان بالداخل والخارج وحصار إخواننا في غزة (بعد تولي حكومة حماس) ما كانت إلا سببا جوهريا في الأزمة،وما كانت الأزمة الحالية إلا استجابة من الله للكثير من دعوات المظلومين الذين كانوا يرددون " ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم " فكانت استجابة الله لدعوات المقهورين والمظلومين والمحاصرين من منطلق قوله تعالى " إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدينا " .. والله أكبر ولله الحمد .


الثلاثاء، ٧ أكتوبر ٢٠٠٨

كم تبقى صفحتك بيضاء نقية ؟


أخي الحبيب ... علمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن أعمال العباد ترفع إلى الله في شعبان وكأنها نهاية السنة التعبدية، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يحب أن ترفع أعماله وهو صائم ، وبعد رحيل شعبان ورفع أعمال السنة الماضية، يأتي رمضان ليبدأ المسلم سنة تعبدية جديدة مع الله، ولأن الله رحيم بعباده ولطيف بهم شاءت إرادته أن يبدأ الإنسان السنة التعبدية الجديدة من كل عام وصفحته بيضاء نقية وخالية من أي شائبة ، فصفد الله له في رمضان الشياطين من أجل أن تكون بدايته مع الله قوية وخالية من أي معصية أو ذنب ، وليدخل المسلم رمضان وهو شبه معصوم من الشياطين ، ولا يجد أمامه سوى الحادي يهتف به " يا باغي الخيرأقبل ويا باغي الشر أقصر "، وتتوالى عليه نفحات ربه طوال الشهر، فتكون عمارة المساجد بالصلوات المكتوبات والسنن والنوافل وصلاة التراويح والتهجد وتلاوة القرآن والذكر والاستغفار وسائر أوجه العبادة، وهكذا يمضي رمضان بأيامه ولياليه الربانية والإيمانية العامرة بالطاعات والخيرات،وارتحلت أيامه ولياليه، حاملةً معها أغلى الأوقات وأحب الساعات، وفي جعبتها العبادات المتواصلة، والتلاوات المرتلة، والصلوات الخاشعة، والأذكار المتجددة، واستغفارات الأسحار، وسجدات الليل والنهار، ودمعات التائبين، وأنين المستغفرين، وبكاء المبتهلين، وقد ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر.


أخي الحبيب .. الكيس من استفاد من رمضان لروحه وقلبه قوةً وزاداً دافعاً لمواصلة السير إلى الله ، وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يتزودون من رمضان ما يجعلهم يواصلون المسير إلى الله ستة أشهر بعد رمضان، والكيس من التمس طريق الصحب الكرام، وظل موصولا بالله ولم يغلق باب طاعته ولم يترك عمارة مسجده ولم يهجر كتابه وسننه ونوافله، والكيس من حافظ على صفحته بيضاء نقية أطول فترة ممكنة بعد رمضان، فلم يقترف إثماً ولا معصية ولم يقع فيما يدنس صحائفه ، والكيس من لا يهدم ما بناه في رمضان ولا يعزم على معاودة المعاصي بعد رمضان، والكيس من تدفعه طاعات رمضان إلى طاعات أخرى لا تتوقف " والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم"، والكيس يدرك مقولة الحسن البصري رحمه الله " لا يكون لعمل المؤمن أجلٌ دون الموت" فهو في طاعة دائمة وعمل متواصل .


أخي الحبيب ... مضى إسبوع منذ رحيل رمضان، ذقنا فيه لذة الدمعة، وحلاوة المناجاة في الأسحار فهل كان شهر رمضان بالنسبة لغيره من الشهورمحط تزود وترويض على الطاعة والمصابرة،أم انقضت الطاعات بانتهائه ؟ وهل انقطعت الصلة بينك وبين الصلوات المكتوبات في المساجد أم لا زالت قائمة؟ وهل عادت المصاحف إلى الأرفف والأدراج أم هو في جيبك؟ وكم جزءاً من القرآن قرأت بعد رمضان حتى اليوم؟ وكم صلاة فجر حافظت عليها في بيت الله؟ وهل نسيت أذكار الصباح والمساء أم أنت من أهلها؟وهل جفت مدامعنا التي سالت بغزارة في رمضان و وعلى الدنيا تباكينا أم بقيت خشية الله في قلوبنا؟ وهل سادت مظاهر الكسل والفتور والتراجع عن الطاعة أم مازالت روحانياتنا عالية؟ وهل نسينا عهد مولانا أم نحن على عهده ووعده ما استطعنا ؟


أخي الحبيب .. لقد ارتدينا جميعا في رمضان ثياباً من الطاعة بيضاء نقية ، جملناها بالطاعات والقربات، وسعدنا جميعا باعتكاف العشر الأواخر امتثالاً لسنة الحبيب، وسعدنا بإدراك ليلة القدر، وكنا نتقلب في أعمال الخير وأبوابه حتى قال قائلنا " ياليتني متّ على هذا الحال" ويبقى السؤال الحيوي الذي يجب أن يشغلنا : كم شهراً وكم إسبوعاً وكم يوماً بعد رمضان سنحافظ على تلك الصفحة البيضاء وسنبقى على العهد مع الله ؟ عهد الطاعة والعبادة، عهد الذكر وتلاوة القرآن، عهد التوبة والاستغفار، عهد ارتياد المسجد والارتباط به، عهد حب الصالحين والمكث معهم، عهد المداومة على الأعمال الصالحة التي تقربنا إلى الله


أخي الحبيب .. يجب أن نقف مع أنفسنا ونتسائل : إلى متى سنبقي على صفحتنا بيضاء نقية ؟ وما قدرتنا على المحافظة عليها بيضاء نقية؟ أم أنها اقتربت ساعة تلويث تلك الصفحة البيضاء ؟ وأذكرك أخي بدعاء الحبيب صلى الله عليه وسلم : "‏اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور‏" وفي رواية "بعد الكون" أي من النقصان بعد الزيادة، والرجوع من الطاعة إلى المعصية، حتى لا نرجع بعد رمضان إلى الكسل والفتور وضعف الهمة وقلة الالتزام، لن ننتقل من نعيم الطاعة ولذة المناجاة إلى جحيم المعاصي والفجور، بل هو العهد مع الله أن نبقى على النفوس التي سطعت فيها شمس الإيمان، والقلوب التي حيت بالقرآن، والأرواح التي قويت بها الإرادة من بعد ضعف، وعلت بها الهمة من بعد انتكاس، واشتد بها العزم من بعد فتور ، هي دعوة نعلنها أنه لا للإنقطاع عن العمل الصالح بعد رمضان، لا لهجر بيوت الله وصلاة الجماعة وصلاة الفجر بعد رمضان، لا لهجر الأذكار وتلاوة القرآن بعد رمضان، لا لهجر الصيام والقيام بعد رمضان،لا وألف لا، بل مستمرون على طاعة الله، ثابتون على شرعه، مستقيمون على دينه


اللهم ارزقنا العزيمة التي تعيننا على حفظ صفحتنا بيضاء نقية، والتي تعيننا على طاعتك على الدوام ،وامنحنا القوة والإرادة على ترك واجتناب المنكرات، والمحافظة على جوارحنا من الوقوع في الشهوات والمحرمات، ومواصلة السير إليك بإرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر.